أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد حيان السمان - الثورة السورية : من حسني الزعيم إلى رياض الأسعد















المزيد.....

الثورة السورية : من حسني الزعيم إلى رياض الأسعد


محمد حيان السمان

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 22:54
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


- 1-

من جهة , يحضر الشعبُ في التاريخ, وربما للمرة الأولى في سوريا المعاصرة, البلدِ العريق الزاخر بالأحداث وتقاطعات المصالح من أجل السيطرة والنفوذ الإقليميين. يحضر الشعبُ كصانع رئيسٍ للحدث, كمبادر في اختراق الصمت والتواطؤ, وحاملٍ لرهانات ثورة وأهدافها الجذرية. كطرف– وحيداً وأعزلَ - يدفع الثمن الباهظ لملحمة الاجتراء و الاجتراح, ورفض المزيد من الإذعان والإذلال.
لكنه من جهة ثانية, يغيب, حدّ التلاشي الكامل, في منظور ومنطوق العقيد رياض الأسعد, أبرز قادة المكون العسكري للثورة السورية, كما بدا في حوار أخير معه ( جريدة الحياة - الجمعة 30 آذار الماضي ).
وغيابُ الموضوع في اللغة – مكتوبة كانت أو منطوقة – يعكس تنحّيه في الوعي, وارتكاسَه إلى مقام الغياب, مما يعيدنا إلى المنطق الرسمي في كتابة التاريخ, حيث النخبة مبتدأ الفعل وخبره, أما العامة فأمر منسيّ أو تابع نافل.
والنخبة في السياق السوري, وفي مثل هذه الخضّات الرهيبة التي يبتكرها مكرُ التاريخ, تحيل إلى العسكر...حيث منطق الانقلاب العسكري – ميزة سوريا المعاصرة منذ صباح 30آذار 1949 – يهيمن على الفعل والقول والمآل الأخير.
بداية, وكفاتحة دالة ومحددة لمجمل المشهد/ السياق, لدينا القسْمةُ الأبدية, التي قامت الثورة السورية أساساً لنقضها وإسقاط العلاقة المشوهة المريعة بين حديها : النخبة والعامة , السادة والرعاع , العسكر والبلاد, وأخيراً- وليس آخراً- صانعو التاريخ ومادته الصامتة النافلة :
( في مخيم يقتصر على الجنود المنشقين وعائلاتهم, ويكتظ مدخله بمقاتلين وصلوا لتوهم من الداخل السوري, ينقلون جريحاً أو ينتظرون إمدادات, وقد غطاهم الغبارُ ونال منهم الإرهاقُ, يصل رياض الأسعد رشيقاً حليقاً ومحاطاً بحراسة أمنية مشددة..).
بيد أنّ القسمة واستحقاقاتها المؤكدة تتجاوز العناصر الشكلية في المشهد السابق, وهو فاتحة ومؤشر ومركز تشابك دلالات, لتنسحب على مجمل آليات الاستذهان والتحديد والتعبير في خطاب العقيد, وتحكم فهمَ الحدث السوري العظيم برمته, بدءاً بتحديد صانعيه الحقيقيين – في منطق الجنرال ومنطوقه - واتنهاء بتوزيع الأوسمة وتوقيع أحكام الإعدام. يقول العقيد :
( العسكر يصنع الثورة, وليس السياسيين..) .
ثمة – إذاً – صانعٌ واحد و وحيد للتاريخ : ( العسكر ). وثمة وهْمٌ سائد حول صانع دخيل مدّع لهذا الشرف, مرذول في نظر العقيد, ومشكوك بوطنيته وكفاءته كما سيأتي: ( السياسيون ) . لكن : بين الواحدية الحدية, والوهم المردود عليه بشكل قاطع, يسقط الصانع الحقيقي للثورة في هوة النسيان والتلاشي : أطفال درعا وشباب دوما, المغنون في الساحات , والنشطاء في الميدان, مصورو الحدث العظيم, خطاطو لافتات كفرنبل وحاملوها, الساخرون في حمص: مُسْقطو هيبة الطاغية ومتاريس الإذعان والخوف...حشود ساحة العاصي وأباة القورية وإدلب والسلمْية ومصياف وطيّبة الإمام ومارع وجميع المذبوحين في بابا عمرو وكرم الزيتون وكفر عويد ... باختصار يسقط الشعب من ذاكرة الجنرال وتحديداته ولا يحضر البتة.
وهذا مثال نادر في حقيقة الأمر : أن يجريَ تغييب الصانعِ الحقيقي للحدث, في الوقت الذي ما يزال الحدثُ قائماً على بعد صرخةٍ وجرحٍ ومجزرة . الحقيقيّ ساطع ومتاح للجميع, لكن الجنرال في متاهته لا يريد أن يراه أو يسمعه, ولا يعترف به فاعلاً في التاريخ. من هنا لا يردُ على الإطلاق ذكر الدلالات التالية في كلام العقيد: الشعب, الحراك الشعبي, المتظاهرون, المواطنون, ...الخ.
من الواضح تماماً أن العقيد يتخذ موقع إشراف ومراقبة وتوجيه. على مرتفع, بالمعنى المجازيّ ( معسكره – على كل حال - عند سفح جبل شاهق على ما يشير كاتب ومعد الحوار ), وخارج الميدان المحتدم, لكنه في المقابل يبسط سلطته الصارمة على السياق كله, كما تشير نبرة الخطاب وتحديدات مجاله الدلالي.
وانسجاماً مع تحديد الجنرال للصانعين الحصريين للثورات, ولمعنى القادة الثوريين, فهو يقرر بصرامة اللغة والمعنى أن كل القيادات الثورية توجد في الخارج, سالباً, هكذا ومرة واحدة, صفة القيادة والثورية من النشطاء الميدانيين جميعاً. أما العسكريون, صانعو الثورات بإطلاق, الذين يعملون تحت إمرته وبناء على توجيهاته في الداخل, فيظهرون بالتحديد الأخير كمتلقي إمدادات ودعم وتوجيهات تذهب تترى من القمة إلى القاعدة عبر الانترنت:
( عن الانتقادات التي توجه إلى القيادة الموجودة في تركيا, وتعيش بشيء من الرفاه منقطعة عن المقاتلين في الداخل, قال الأسعد : كل القيادات الثورية في الخارج, ونحن نعمل من هنا لإمداد الداخل ودعمه ولا حرج في ذلك. واليوم مع وسائل الاتصال الالكتروني ما عاد شيء مستحيلاً. المعارك تُدار بالانترنت ..).
في الإشارة الأخيرة إلى إدارة المعارك بالإنترنت طموح كبير لدى الجنرال, إن لم أقل وهم كبير, لا يكاد قادة الجيوش الكبرى في العالم يتجرؤون على ادعائه. ما عدد أجهزة المحمول الموجودة مع أفراد الجيش الحر ومجموعات المقاتلين في بابا عمرو وجبل الزاوية والرستن والقورية وقلعة المضيق ؟ ما عدد الساعات في اليوم أو الأسبوع, التي يكون فيها الاتصال مع الشبكة متاحاً في سوريا..؟؟ وهل لدى العسكريين المنشقين في الميدان القدرات الفنية والتنظيمية الكافية لتحويل التعليمات القادمة عبر الانترنت إلى وقائع منظمة وملموسة على الأرض..؟؟.

- 2-

يتسيّد منطق الإقصاء والإدانة والحذر في خطاب العقيد رياض الأسعد. وتستوي لديه هنا السياسة وأهلها , والعسكرية وأهلها . الجميع لديهم طموحات ومكاسب يريدون تحقيقها, الجميع يتآمر ويسعى للاستيلاء على السلطة, وعلى الجميع أن يعود إلى مظلة الجيش الحر, الذي هو – أي العقيد - قائده..!! حتى الذين يقبل بالعمل معهم لديهم سلبيات, ولكن يمكن تجاوزها حالياً. يسأل محاورَه : " من هو عقيل هاشم ؟ عسكري متقاعد يبحث عن منصب " !!. وبخصوص سياسي في المعارضة هو الدكتور عماد الدين رشيد يقول العقيد : " هناك مجموعة سياسية بزعامة عماد الدين رشيد تسعى للاستيلاء على السلطة داخل المجلس الوطني وتريد تشكيل ذراع عسكرية لها. حتى أنهم كانوا يجمعون الأموال باسمنا من بعض دول الخليج وليبيا والسودان ". وعن المجلس الوطني : حتى الآن نحن معه على رغم أنه لم يقدم لنا شيئاً لا على المستوى السياسي, ولا المالي, وقد نطالب لاحقاً بإعادة هيكلته...!!. ثمة في سياق التصريح منطق أبوي واضح : أبناء خاطئون يرغبون بتشكيل فضاءات سياسية أو عسكرية مستقلة عن السطة الأبوية ( يتهم بعضَ من معه بأن لهم مكاسب شخصية ). ولا يستقيم العفو إلا بالرجوع عن الضلالة وإعلان الانصياع والدخول في مقام الطاعة : " ندعو الجميع إلى التخلي عن الشخصانية والعودة إلى مظلة الجيش الحر "..!!
يستخدم العقيد ضميرَ المتكلم بصيغة الجمع, ولكن في المحصلة الدلالية الأخيرة للخطاب فإن المفرد يحتل منصة الكلام, كما يحتكر القائد الملهم صناعة التاريخ, وتحديد مساراته و مآلاته وتقييم ناسه. وال (نحن) لا تحيل في نهاية الأمر إلا إلى ( أنا ) الجنرال في المتاهة الوعرة. إن الجيش الحر هو الإطار الشرعي الوحيد الذي يجعله العقيد مظلة للجميع, وما يقع خارجه نافل أو مدان ومخطئ. والعقيد, بدون أدنى ريب, يستبطن وضعيته العسكرية كقائد للجيش الحر, عندما يطلب من الجميع أن يستظلوا بهذه المظلة الجامعة, ويعودوا إليها, بعد التخلي عن الشخصانية والكف عن التطلع إلى تحقيق مكاسب خاصة, على حد قول العقيد.

* * *

يعكس منطوق العقيد رياض الأسعد ورؤيته للحدث السوري أصداء الثوابت القارة في المجال السياسي السوري, منذ أول انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم عام 1949. وتتمثل هذه الثوابت في سيطرة العسكر على السياسة والدولة والمجتمع, والاستخفاف الكامل بالمجتمعين السياسي والمدني. وقد وصل هذا الوضع إلى ذروة قسوته وتعبيراته المدمرة في عهد الأسد الأب الذي ألغى السياسة والحياة السياسية بشكل كامل, ورفع سوية القمع والاستبداد وعبادة الفرد إلى حدود غير مسبوقة في تاريخ سوريا. واستكمل الأسد الأب منطق الانقلاب العسكري بهرطقة التوريث. وما نشهده اليوم من فظاعات وتداعيات خطيرة ووحشية في سوريا, ليس سوى حاصل تفاعل هذين المحددين ( العسكرية والتوريث ) في تشكيل نظام أمني عسكري مافوي فاسد ومجرم, يحتكر السلطة والثروة ويدمر المجتمع والدولة والإنسان.
الثورة السورية الشعبية بشكلها السلمي المدني, والتي انطلقت في آذار 2011 قامت بالأساس ضد مجال الرعب والذل وإلغاء الإنسان الذي كرسه منطق الانقلاب العسكري في سوريا منذ 1949, ووصل ذروته في السنوات الأخيرة. إن الثورة السورية, في التحديد الأخير وفي المعنى الجوهري لها, أرادت استعادة الكرامة للإنسان, والسياسة للمجتمع, والديمقراطية للدولة والمجال السياسي. من هنا نفهم معنى الشعارات التي أطلقتها الثورة في طورها السلمي, ومعنى بلاغتها الجديدة القائمة على الأغنية والشعار والنكتة والإضراب والتظاهر...الخ. ومن هنا ندرك أهمية الطابع السلمي للثورة السورية, بوصفها ثورة تطمح إلى القطع مع منطق الانقلاب العسكري, وتمثيلاته في السلطة والدولة والمجتمع.
إن مخاطر عسكرة الثورة السورية لا تقتصر على احتمالات شبه مؤكدة بأن تفضي إلى الحرب الأهلية, بل تتعدى ذلك إلى إجهاض الهدف المركزي للثورة, وهو القطع النهائي والكامل مع حكم العسكر, وردّ الاعتبار إلى المجتمع المدني والمجال السياسي والدولة الحديثة.
في صباح 30 آذار عام 1949 قام أول انقلاب عسكري في تاريخ سوريا الحديث. وفي 30 آذار 2012 نُشر اللقاء – موضوع المقالة – مع العقيد رياض الأسعد, بما تضمنه من تصورات ومواقف تعكس طبيعة وعي العقيد وفهمه للحدث السوري. وسوف أنهي هذه الإفاضة بالسؤال التالي, اعتماداً على مجمل ما يمكن استخلاصه من كلام العقيد, من جهة, وما يلاحظه الجميع من إيغال الثورة في العسكرة واستخدام السلاح وتضخم دور مكونها العسكري على حساب المكونات الأخرى, من جهة ثانية :
هل اختطف العسكرُ الثورةَ السورية..؟! هل نحن أمام انقلاب عسكري جديد..؟! .


* كاتب سوري – عضو رابطة الكتاب السوريين



#محمد_حيان_السمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد حيان السمان - الثورة السورية : من حسني الزعيم إلى رياض الأسعد