أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تائل الطوخي - عن منير و فيروز و زياد رحباني.. الجادون و المهرطقون














المزيد.....

عن منير و فيروز و زياد رحباني.. الجادون و المهرطقون


تائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1085 - 2005 / 1 / 21 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


يستمع المرؤ إلى محمد منير حاليا.. يستمع بحنين إلى شخص أسمر نحيف لا تهمه ملابسه و يغني أغان شديدة الإنسانية, يعتمد على موسيقاه النوبية و يؤمن بفنه كما يؤمن الإنسان بالمطلق.. يسأل المرؤ نفسه عن علاقة ما تربط بينه و بين شخص في بر الشام, شخص اسمه زياد رحباني, يغني أغان و يقدم اسكتشات لا يمكن أن توصف بالعذوبة و إنما بالسخرية الوحشية و التسيس الحاد, هذا التسيس الذي يهرب منه منير و دوما كان يهرب منه في فنه, أو على الأقل يستخدمه بحدة تقل كثيرا عن حدة رحباني. هل كان هذا قدرياً, هكذا يكون السؤال الذي يتردد في ذهن المرء, هل يمكن لمنير أن يكون زياد أو العكس؟
اختلافات كثيرة تفرق بين الشام و مصر, فالشام, و لبنان تحديداً, لم يعرف الزراعة كما عرفتها مصر قديما و حديثاً, بل كان جل اعتماده على التجارة, على الرحلات عبر البحر إلى المجهول الأوروبي و الأفريقي, أما المصريون فإنهم قابعون في قراهم يفلحون الأرض, يحبون الأرض التي تدر عليهم كل هذا الخير, و يرتبطون بها كما يرتبط الإنسان بأمه. يتحول المجاز الذي يربط بين المرأة و الأرض هنا إلى أقوى حالاته و يتماهى مع صورة الأم. هذه الأم/ المرأة/ الأرض هي ما يعرفه المصري و هي سر حزنه الذي لا ينتهي, سر شعوره بأنه مجذوب إلى الأرض و سر إيمانه و تدينه العميق في النهاية و مواويله الحزينة المغناة على الناي, أما المغامر اللبناني الذي يجوب البحر فهو لا يعترف بأرض و لا وطن, يسخر من الجميع و تتولد فيه طاقة سخرية وحشية تصل إلى أقصى تجلياتها في الدبكات المشتعلة بالرغبة و الرقص و حب الحياة. هذا فارق مهم بين حضارة بحرية و أخرى نهرية.. الحضارة النهرية حضارة خصبة, النيل الذي يخصب الأرض هو أبي (هو حابي, اسم إله النيل في الديانات المصرية القديمة) و الأرض هي أمي أما البحر فهو عنين لا يملك إلا أن يسخر من عنته و من ألهته و من الحياة كلها. هكذا يغني منير ابن أسوان النهرية حتى النخاع "يا اما يا اما يا اما انا راجع زي زمان.. طفل ف عيني الأحزان.. غلطان انا ف العنوان؟" و هكذا يغني زياد رحباني "قالوا راح ينقطع النفس بها اليومين.. نبقى منتنفس بعدين. قالوا راح ينقطع الأمل بها اليومين.. ننطر لسنة الألفين". هكذا تقابل السخرية الكلبية لدى زياد الحزن الغامر لدى منير.. و هكذا يندر أن تجد لدى منير الشك السياسي الذي يتسم به زياد رحباني. هم منير هو هم إنساني بالمفهوم الأكثر اتساعا لهذه الكلمة, هم مؤمن و حزين, و أحيانا ميتافيزيقي, هكذا يتوحد المصريون في حضن النيل بينما يقف البيروتي بعيدا.. لا يفهم لماذا هؤلاء الناس حزينون و كئيبون لهذه الدرجة بينما الحياة, بسبب عقمها, المشابه لعقم البحر, تحديدا, لا يجوز إلا أن نسخر منها و أن نشتعل بحب ثوانينا المعدودة فيها. هل هي صدفة أن يتم تصور مصر دوماً باعتبارها أنثى, و أم فلاحة تحديداً, بينما لبنان يتصور دوما باعتباره رجلا, بل و ابن صغير أيضاً, "وحدك يا وطني.. بتضلك طفل صغير" كما تقول فيروز. لبنان هو ما يحتاج رعايتنا, و نحن مفتقدون لأي حضن دافئ نستكين إليه.. نحن اللبنانيون المرجع في هذا العالم.. بلا أم ولا رب يحمينا.. و من هنا تنبع وحشيتنا الغامرة. هل هي صدفة أن يكون أكثر المغنين المصريين سخرية هو سيد درويش, ابن الإسكندرية, أي ابن الحضارة البحرية العقيمة على داخلها و إنما المنفتحة على الخارج, المشابهة لبيروت. أحيانا ما يضعف اللبنانيون, و معهم سائر الشعوب العربية, أمام السلطة المعنوية الرهيبة للقاهرة. نسمع لفيروز أغان تحيلنا علىالفور إلى أم كلثوم, الفلاحة الدقهلوية, غير أن الغالب في فيروز هو السخرية المتضمنة في أكثر أغانيها رومانسية "شاب يقِللها صيف و ليل و تقِل له مخطوبة" (تأمل العقم الساخر هنا, في شاب لا يستطيع أن يخرج مع بنت أحبها لأنها مخطوبة, و تأمل العقم الساخر أيضاً في صورة فيروز الخالدة, المرأة التي تنتظر على الدوام و محبوبها لا يأتي مع أن الجو صحو و كل المحبين يخرجون مع بعضهم البعض حتى في الأيام الممطرة), و في أكثر أغانيها كلاسيكية كذلك نسمع السخرية المضمرة "سألونا وين كنتوا, و ليش ما كبرتوا إنتوا, منقولن نسينا". كأن فيروز فنان لا يستطيع أن يكتب أو يغني شيئاً جاداً أبداً, إنما يلوثه دوماً بالخط العبثي الأخير الذي يؤكد أن كل هذا قبض الريح, كما أن بحراً كاملاً كالبحر المتوسط البيروتي لا يمكنه إخصاب حفنة طمي صغيرة, فكذلك الحياة لا تستحق منا إلا أن نسخر منها, أما زياد رحباني فهو ملك هذا, "نظمنا بيت شعر, إجو جماعة مهجرين سكنوا فيه, قلنالن هايدا نظم قالوا لأ, هايدا مصادرة". ترتبط سخريته العنيفة بشكه السياسي التام حتى باليسار الذي ينتمي إليه, في مقابل هذا فحتى عندما يكون منير أكثر تسيساً فهو يتحدث عن كل شيء بإيمان ورع و تتحول صوره الشعرية العذبة إلى مطلق بحد ذاتها "ساعة ما تضحك مع اخوها تلاقيه بيغير.. و لما ترفع قلتها تلاقيه عطشان".. هنا المرأة التي تمثل كل شيء بالنسبة للفتى المراهق.. هنا حزن المراهق و ألمه.. مواله الحزين.. حتى و إن كان اللحن مبهجاً. لا يستطيع منير إلا أن يكون شفافاً.. يبتسم أو يقطب.. و لكنه لا يسخر و لا يقهقه و لا يبكي بعنف.. هذا العنف الذي لا يملك اللبنانيون إلاه.. و الذي هو بصقتهم في وجه حياة عقيمة و عنينة, و في وجه وطن طارد دفعهم للارتحال إلى كل بلاد العالم عبر بحرهم الأهوج كالسخرية.



#تائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تائل الطوخي - عن منير و فيروز و زياد رحباني.. الجادون و المهرطقون