حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 17:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاوربيون ، ومعهم بقية سكان العالم المتمدن ، عدا العرب ، يحاورون الماء وكأنه عاقل ، ينطق ويفكر .. وهم ، عدا العرب ، يستدعون الماء عند لحظات حرجهم مع المرض والسأم ، فيراقصونه على حافات نافورات تحرس الحدائق الغناء ، ويدفعونه عبر صنابير تنفث به على وجوههم وجباههم لتطرد عنها العناء ..
الاوربيون ، ومعهم سكان العالم المتمدن ، عدا العرب ، يحتمون بالماء في أزماتهم المناخية والبيئية ، ولا يسقطونه من حساباتهم حينما يغضب ، فيتحول الى تسونامي مدمر .. فهو رفيقهم وباني معاقل راحة مسنيهم ، ومسرحا للعب اطفالهم ، ومكانا تلين له نفوس العشاق لتبني هياكل آمنة للأسر القادمه .. انهم ، عدا العرب ، يتلذذون لتلك اللحظات التي يبدأ عندها التنفس بالتوقف لحين لا يطول ، فتغوص ملامحهم واجسادهم تحت الماء ، لتبدو الحياة على اروع حالاتها بعد يوم عمل يملؤه الكد ، وتزدحم خلاله هموم توفير سبل العيش
في جميع بلدان العالم المتمدن ، تنسج الشعوب فرحها اللحظي مع الماء ، لتكتب اروع صفحات التكوين الاجتماعي واكثرها استقرارا وصلابه ، الا نحن .. صناع القضاء والقدر ، مبدعي كل سخف الارض ، وأعداء الفرح البريء ، نضع الماء في مقدمة اعدائنا لنجهز عليه أينما وجدناه رائقا يحيطه الجمال .. ففي الغالب الأعم ، لا توجد بيننا وبين الماء صلة رحم رغم انه يشاركنا اجسادنا ويؤلف جزءا من خلايانا .. انه عدونا الأول ، ولنا معه ثارات لن تستكين حتى تجف أنهاره ، وتتلوث عيونه الطبيعية ، وتختلط اصنافه العذبة بتلك التي تحمل قذاراتنا في اعماق الارض .
خلال مرحلة من مراحل مراهقتي الفكرية ، كنت حانق أشد الحنق ، على حبس الدول الحدودية المتمدنة لحصة بلدي من مياه نهري دجلة والفرات ، حتى سمعت بأن أحد المختصين الاتراك قال ، بعدما أتعبتهم شتائم الوطنية العربية الغيورة على الماء العربي المسروق ، بأن بلاده تحمي تلك الحصص من المياه ، لكي لا تذهب هدرا وتغور في غياهب المستنقعات الآسنه بلا طائل ، فهم بدلا من ذلك ، ينتفعون به في ادامة زراعتهم ، وبناء اقتصادهم ، وتمكين مجتمعهم لبلوغ حالات الاكتفاء .. أما نحن ، فرباط الخيل والرجال على أهبة الاستعداد لقتل أية قطرة من مياهنا قد يقدر لها ان تعبر الحصار، فتسيح على اراضينا المحرمه ..
هكذا هو الحال بالتأكيد في النيل العظيم ، أزرقه وأبيضه ، وهو ذاته في نهر بردى والليطاني وفي غور الاردن .. فالماء العربي لابد وأن يموت وتتوقف روافده لا محاله ، لكي نريح ونستريح .
عداؤنا ليس غريبا مع الماء ، ما دمنا أعداء مع الموسيقى وملاعب كرة القدم ، ومع المسارح ودور السينما ومعاهد تعليم الرسم ، وسوف لن نعيش بأكثر مما كان لنا من اشعاع لا لون له ، انطلق من بلد غير ذي زرع ، يحيط بنا الجفاف ، وتهاجمنا معالم التصحر ، وتنحبس عنا الامطار تدريجيا ، حتى أضحينا نفتخر باستيراد اصابع الموز من دولة الصومال ( المتقدمه ) ، وتغمر اسواقنا حبات الطماطم البلغارية .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟