|
“أقوياء قوة جبالهم” رحلة في الثقافة الكردية
وفاء زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 13:34
المحور:
الادب والفن
يروي الكاتب الاميركي روبرت إل برينمان في كتابه “أقوياء قوة جبالهم” ذكريات عن تعايشه مع كرد العراق وتركيا لسنوات عدة، امتدت من 1983 ولغاية 1996 حيث كان يدرّس اللغة الانكليزية في تركيا.
في عام 1991 التحق بمنظمة غير حكومية عملت على توطين اللاجئين الكرد الذين بدأوا العودة الى منازلهم،وكانت السنوات الاربع التي قضاها مع كرد العراق مليئة بالامال والالام”على حد وصفه” وقد آلمه كثيرا اندلاع القتال بين الكرد واعتبره اشد خطورة على الكرد من قتال الاعداء لهم. ويعرض إل برينمان معلومات قيّمة عن اصول الكرد وهويتهم القومية وحقوق الانسان ودور المرأة والعائلة والمجتمع والممارسات الدينية والانتقال من الثقافة الشفوية الى الرسمية المكتوبة. ان بحث المؤلف في الموروث الثقافي الكردي يأخذ بالقارئ الى جبال ارارات، والى اسطنبول ومدن اخرى مكتظة بالكرد النازحين اليها، وقد زار مخيمات اللاجئين الكرد، والقرى المدمرة والمقاهي والمطاعم وهو يدرس الثقافة الكردية، مسلطا الضوء على الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها من التجربة الكردية. يقول إل برينمان في كتابه انه في عام 1991 عندما اجبرت قوات صدام حسين نحو مليوني كردي على الفرار من قراهم وبلداتهم ومدنهم، طالبين الامن والمأوى في جبال تركيا وايران، كشفت شبكات التلفزيون عن شعب كان الملايين على جهل بمصيرهم، ظهر الكرد من جديد على شاشات التلفاز وفي نشرات الاخبار عام 2003 عندما اصبحت الهجمات عليهم بالاسلحة الكيمياوية(هذه الجمات لقيت القليل من الاهتمام في حينها) جزءا من التبرير لاجتياح العراق ونشوب حرب الخليج الثانية، وفي كلتا المرتين ظهر الكرد على المسرح الدولي ولم يعودوا يعانون من عدم الاهتمام الاولي بهم. ويرى مؤلف الكتاب ان الكرد شعب متميز بمعاناة كبيرة وخيانات واهمال، ومع ذلك فقد أظهر تعلقا بالحياة واظهر كرماً وشجاعة لا تقهر، وحبا لموروثهم الثقافي وتقاليدهم التي بقيت قائمة لقرون عدة، وقد استخلص هذه النتائج اثناء اقامته مع عائلته بين الكرد اولا في تركيا، وبعد ذلك في كردستان العراق.ويؤكد إل برينمان ان “هذا البحث” كما يسميه، هو ثمرة 25 سنة من العيش بين الكرد والاهتمام بهم، وهو ليس سرداص مفصلا لتاريخهم ولا هو تقييم لوضعهم السياسي الراهن، بل هو رحلة في ثقافة لها جذور ما قبل التاريخ ومستمرة الى بداية القرن العشرين، وتتردد في الكتاب اصوات الكرد وهم يتحدثون من قراهم الاصلية وجبالهم، ومن المهجر. ويعرب عن ان هناك جوانب في الثقافة الكردية اثارت لديه الحيرة، مع الاخذ بالحسبان ان ثقافته قد تبدو محيرة ومربكة وغير منطقية بالنسبة للكرد مثلما بدت ثقافتهم اليه في بعض الاحيان.ويشير الكتاب الى انه من بين العناصر المهمة في التاريخ الكردي الممتد على مدى آلاف السنين، تطور الهوية الكردية القومية الواضحة، مستشهدا بقول صاموئيل هانتنغتون مؤلف كتاب”صراع الحضارات” المثير للجدل انه “عند التعامل مع مشكلة الهوية فان ما يهم الناس هو الدم والعقيدة والايمان والعائلة” فالشعور بهوية قومية واضحة تشمل الدين والعشيرة ولكن يتخطاهما الى ابعد من ذلك هو نشوء جديد نسبيا ولكنه قوي، وهذا التحول في الهوية حصل للكرد بعد الحرب العالمية الاولى، واضطر الكرد الى صياغة جديدة للشعور القومي. تاريخيا ظهر الكرد على المسرح وعرفوا كقوم جبلي يهابهم الاخرون لقدراتهم القتالية العالية وهجماتهم الشرسة، واول ذكر لاحتكاكهم بالغرب ظهر في كتابات الكاتب اليوناني اناياسيس، الذي كتب ان الجيش اليوناني بقيادة زينوفون عند انسحابه من ميسوبوتاميا الى سواحل البحر الاسود واجه قوما عرفوا باسم كاردوخوي زهاء العام 400 قبل الميلاد، واذا حذفنا اضافة الجمع الامنية(خوي) فان الكلمة الاصلية تبقى “كاردو” وهم الكرد. ويشير الكاتب الى ان احد الاسباب التي مكنت الكرد من الاحتفاظ بهويتهم هو تفضيلهم الزواج من الكرد وليس من الخارج، مستذكرا قوول احد الكرد في اسطنبول انه قد يصاحب فتيات ويصادقهن في كل انحاء العالم، ولكن عندما يتعلق الامر بالزواج فان الزوجة يجب ان تكون كردية، الا ان هذا لا يعني ان الكرد لا يتزوجون النساء التركيات او العربيات بشكل قطعي. وفي البحث عن ثقافة الكرد، يقول المؤلف ان الكرد واحد من بين مجموعات كثيرة اعتمدت على التقليد الشفوي في نقل ثقافتها وتمييز نفسها عن غيرها، وكما هو الحال مع مجموعات ثقافية عدة، وحيث ان العالم بدأ يتقلص واخذت الجماعة الاصلية المنعزلة تحتك بالثقافات التي تعتمد التكنولوجيا والعلم الحديث، فان الموروث التقليدي الشفوي بدا بالضمور، وحلت محله اشكال اخرى من الاتصال والفهم، الامر الذي جلب معه تغييرات كثيرة، حتى استطاع الكرد نقل تاريخهم واهتماماتهم وتقنيات البقاء والمعتقدات الدينية والشعور بالهوية الكردية، الى الاجيال اللاحقة. وفي خاتمة كتابه، يقول إل برينمان ان مؤسسات مدنية بما فيها مراكز ثقافية ومعاهد شبه رسمية خارج نطاق المنظومة المدرسية عليها ايجاد وسائل للابقاء على الكوردايتية حية، بعد ان تلاشت الهياكل الريفية التقليدية، حيث ان الثقافة الشفوية آيلة الى الزوال في العراق، وحيث حرية التعبير عن الروح القومية الكردية موجودة اكثر من ذي قبل، فالامل كبير ان الكرد سيستغلون ذلك.
#وفاء_زنكنه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب(دولة على مفترق) لشاكر الانباري.. تأملات في اوضاع العراق
...
-
المجموعة الشعرية(الان.. ارتشفت زبد الحب) لماجدة غضبان صوت ال
...
المزيد.....
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
-
الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي
...
-
-تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار
...
-
مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني
...
-
تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة
...
-
“Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة
...
-
اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن
...
-
والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|