|
حماقات السلمون ملتقى البحر والنهر
الحسن أحمد مكروش
الحوار المتمدن-العدد: 3688 - 2012 / 4 / 4 - 14:20
المحور:
الادب والفن
حماقات السلمون ملتقى البحر والنهر
ـ 1 ـ
... وكانت " حماقات السلمون " واسطة العقد . وقد سافرت متن ثناياها وأبحرت .. مقتفيا أثر " الجميليات " دون شقيقاتها ـ للشاعر محمد بلمو ... ربما خصصت لها كتابا مستقلا آخر ـ وذلك حتى لا تختلط علي الإبداعات .. هي إذن ، و بعد المسودات ، حماقات . فهي الشعر ، وهل الشعر إلا حماقات . وقد سبقتني ـ يا أحمق من هبنقة ـ إلى تأكيد ذلك من خلال ما أشرت عليه في الكتاب النزاري : " ماهو الشعر ؟ " الآخر الذي أكرمتني به ـ من خلال تقديمه لابني ميكائيل ـ إذ يقول سليل دمشق الشام الشهباء فيما يقول عن الشعر : " هو الكلام المجنون الذي يختصر كل العقل ... " . وفي حديث آخر " هو الجنون الوحيد الذي لاتستطيع الحكومةأن تأخذك بسببه إلى مستشفى الأمراض العقلية " . هكذا تكلم زرادشت الشعر . فيا حماق العالم اتحدوا .. وطوبى لمن أصابته لوثه الشعر . لوثة الكلمة . و في البدء كانت الكلمة . في البدء كان الحمق .. وكانت حماقات السلمون . ... أراني قد التقيت معك في أكثر من محطة من محطة الحماقات السلمونية وكان أولها أواخر ما جاء فيها عن آخر الشهب التي سقطت وما سقطت وأعني به نزار الذي هو وحده .. لا شريك له في آياته الشعرية : ... و لست نزارا تزورني نساء الأرض إماء السماء فأكون زير نساء ... و كنت بلبلا رائقا حين عددتهم : لست ابن الملوح ... / لست عنترة ... / لست جميلا ... / لست كثيرا ... / ... فيما يشبه هذا الذي جاء في مسودة " نزارية لجوء " ص.96 كنت بدوري قد أعددت فرسان الكلمة في بكائية .. لم أستطع أن أرثي خلالها أبا الفوارس نزارا إلا ببيت يتيم أبيح لنفسي الادعاء ـ وبدون تواضع مزيف ـ أن أقول بأنه البيت القصيدة .. وذلك في غضون تشك من إحجام القرض عني لفترة أبت الكلمة أن تنصاع لي خلالها حتى خفت على نفسي إذ قلت فيما قلت تحت عنوان " شاعر .. وإلى إشعار آخر " : ـ 2 ـ
إذ قلت فيما قلت تحت عنوان " شاعر .. وإلى إشعار آخر " :
عدت يا خير الذي عاد داري بعد هجر .. بعد شط المزار وتركتني بلا كلمات دون صوت أو فم أو شعار إني قضيت عامين أعجـــــــــــــــفين لا ألوان تغشى داري لم يزرني هاهنا ملك الشـــــــــعر لحظة ولو باختصار لم أعش بفرحة أو بحزن لا كبوم كنت لا كالهزار ففزعت أن تكون قوافي نصبت وعن لي احتضاري فالشعار بات عني : لشعر أو ممات .. ذا قرار القرار قل وما الدنيا ذه غير شعر قل دنى عار ذه أو كعار عدت لي فعاد صوتي كما كا ن فصيحا يقول خياري فارتوت جوانحي واستفاقت واستعاد اللحن قيتاري وحذار أن تفارق قامو سي وناموسي .. حذار بذار إن تلازمني أقلك كقر ض الفطاحل العتاة الكبار جندح وعروة والحطية وابن طائي ومهيار سأقولك المدى .. إنما قو لك قد يصعب بعد نزار
دعني ـ يا جميل الكلمة ـ أقف وأتوقف وأستوقف ـ على شاكلة امرئ القيس ـ عند نزاريتك لأشيد بها ، لأنها شدتني إليها كما لو يشدني أي نص آخر مما حفل به الديوان لجمالية المبنى والمعنى على السواء , ولأني صوتي الحس فقد اهتززت لإيقاع النص الداخلي وذلك التعامل المليح مع الاشتقاقات الذكية وتنادي الحروف لبعضها في انسياب سلس : لست ابن الملوح ... فألوح / لست عنترة .. فأداري عنت / في قفر الربع الخالي .. أتيه نخيلا / لست قيسا .. فأقسو / لست كثيرا .. في زمن لا عزة فيه /لست روميو .. ترميني / ولست نزارا تزورني ... " ثم أراني في بحبوحة من الارتياح محلقامع " الحاء " الراقصة في المقطع الأول : " الملوح ، بحثا ، لوحي ، محفوظ ، " وهذه " العين " الجاذبة للأذن إذ لم يخل ومنها سطر في المقطع الثاني : " عنترة ، عنت ، عبث عشيرة ، عبيسا " .. وكذا أمر " اللام " في الثالث .. والبقية في البقية .. هذا " الطرب " استوقفني في أكثر من نص .. كما في " سلمون " ص.16 : " كي أروي قفر العباد / لم تك ثمة مدينة / على امتداد البلاد " + " قرأت ألف كتاب / بحثا عن سؤال/ لا عن جواب " + " لأني لا أعشق النظم / ولا النظام / غادرني الكلام " وذات الأمر في " مركب خيبة " ص.26 وفي " خراب "ص.49 وفي " طريق "ص.83 ...
ـ 3 ـ
والتوقف الآخر كان عن التحلية التي دبجت ل " مركب خيبة " ، فهي بنيويا جزء من النص ، حيث لم يخل لفظمن ألفاظها من حرف " الخاء " " إلى الخليلة التي خلتها خلاصي في خلوتي فتخلت " . توظيف موفق . فهذا الحرف الخشن الآتي من عمق الحنجرة لا أوفق منه للتعبير عن الخيبة " العنوان " .. وهنا ، مرة أخرى ، تتداعى المعاني ويلتقي استدعائي لذلك الحرف مع استدعائك له للتعبير عن ذات الحالة .. الخيبة السخط . الخلل. الخداع . التخلف. إلخ إلخ .. كان ذلك في آخر ما كتبت وقد هربت بجلدي من الدار البيضاء وتغولها تحت عنوان : " تركتها لكم " . ومنها الآتي :
تركت الدار والأسوار والفرسخ تركتها وما التاريخ أٍخ تركتها لكم فقد غدت بين الديار دار كل عابر أوسخ فضاقت باتساعهاعلي واعتل جوها ،أضحى ملطخ قد قضى الإنسان بها تيها وعشش القذى فيها وفرخ فبات بلا بال ولا لب ولا قلب ولا رأس ولا مخ كالطبل أمست منفوخة فبئست من منفوخ ومنفخ عجفاء جوفاء وصارت من الخوخ كما يقال ـ أخوخ بين الديار قد تقزمت قل تقزمت وصارت الأجلخ قد خبا شعاعها ورجعها وانحط ما قد كان أشمخ ذي بيضاؤكم باتت بلا لون ولا مجد وليد قد يؤرخ ما عدت أعيها ولا هي استوعبتني ، فالوصل أرشخ فلا قلت لأيامي التي مضت يا أيام دومي وبخ بخ تركتها لكم وأحرقت من خلفي مركبي وكل ذي ضخ فما عاد يثيرني في ربعها لا العيد ولا الغيد ولا الأشيخ ولا الصبا ولا الصبا ولا الصدى ماعادت عندي عا أمسخ غول داركم ذي قدتركتها وهذا بيننا قد قام برزخ تركتها لكم رغم الهوى لها والجوى .. فهل ألام يا أخ ؟
قد تلحظ ـ يا أبا أصيل ـ بعض الجرأة في الإجهاز على اللغة الفصيحة في النص أعلاه بالنظر إلى ما تواضع عليه لغويو لغة المتنبي ، كاشتقاق صيغة تفضيل " أخوخ " من الاسم " الخوخ " ـ في إحالة مني على ما لا له علاقة بذا ولا ذاك .. وهو " الخلاء " .. لكنه ليس بريئا من إحالة الأمثولة " لو كان الخوخ يداوي كون داوا راسو " . ـ ولفظ " الأجلخ " الذي اقتنصته عمدا من لغة الشارع المبتذلة ، ثم تبين لي بأني بها في صميم لغة قريش الفصيحة القحة بعد تقص أدلى لي به لسان العرب .. إننا في الواقع ـ قلت ـ لا تنقصنا إلا بعض شجاعة أو جرأة للتعامل مع لغتنا الجميلة . هذه الشجاعة أو الجرأة لمستها في إحدى إبداعاتك التي حواها ديوانك المشترك ، وبالضبط في قصيد " بخجل ألقاك " ص.111 والشاعر فيك يتنادى " يتها الريح / يتها الشمس " ومما حرك في شيئا ـ والشعر الحق ، كما قال محمود درويش هو ذاك المقروء الذي يحرك في القارئ شيئا ـ تلك الإشارات الشاعرية القابلة للمتعارف عليه في الحياة العادية . وهنا الشاعر . من ذلك هذا الوارد في " سلمون " ص.16 " قرأت ألف كتاب / بحثا عن سؤال / لا عن جواب " . فهو اتجاه معاكس للوعي القائم المطمئن إلى أن البحث في الكتب يروم الجواب عن سؤال العكس . ذات القلب للمعتاد في " نور " ص.58 إذ تقول العبارة: الأرض التي / تمشي علي " إذ المعتاد أن المرء هو من يمشي على الأرض لا العكس . إن الشعر الذي لا يقلب المعتاد ليس بشعر و لا يستأهل أن يقرأ ... ـ 4 ـ
و أعود إلى الإيقاع .. أو بالأحرى هو الذي يعيدني إليه في النصوص التي تحبل به " حماقات السلمون " . ولعلك تدرك سر ميلي أو اهتمامي بهذا المستوى . فمرد ذلك هو خلفيتي الموسيقية . فأنا أول ما أهتز ـ أهتز للإيقاع وما يطرب الأذن قبل العقل . ثم إننا ، كما يقول ع. الكفراوي ، لاننشد في الشعر علما .. فمن ينشد هذا فليقصد كتب الفلسفة لا الدواوين . ولي عودة للموضوع بعد حين . وعليه فأول ما أنشده في المكتوب الشعري هو الطرب . والطرب الذي يفعل في شيئا وليس الرياضيات .. " وحماقات السلمون " على غناه بالإيحاءات والرمزية والأفكار لم يخل كليا من من هذا الذي أسميه طربا وذلك من خلال توظيف الجناس المصاحب بالتكرار المقوي للإيقاع كما في : " لست ضد البهاء / لكني ضد الهباء " و " ذاكرة للمحو/ وذاكرة للصحو " من قصيدة " أرض أرق "ص.33 . والطباق الرنان الوارد في " خراب . المسودات "ص. 49 : " قهوة سوداء / صفحة بيضاء " .. ثم تلك الاشتقاقات الجامعة بإبداع ذكي في ذات النص : " أريج أريحا / معدن عدن / صبر صبرا /وعرق العراق " . أما أكثر النصوص طربا بما ينسجم مع ذوقي فهو نص " طريق " ص.83 إنه إيقاع كله . وإيقاع ممتع كله ، إذ اجتمعت لهكل أسباب ذلك . إنني لم أقرأه .. وإنما تغنيت به وتراقصت .. . أما على مستوى المضامين فالحديث بلا حرج . فثمة إيحاءات أو إشارات قوية وصادعة كتلك الواردة في النص الأول : " ديوان أقفر " ص.10 . عظيم هذا القول : " كيف أرسم حديقة / وأنا لم أر زهرة / في الوطن / ولا قبرة ؟ " . سرعان ما أحالني هذا الاستنكار إلى ما شدت به مجموعة جيل جيلالة :
" نزلات كافلة وسط الكارة .. وكافلة م لجبال تنادي ديما الغيث ياتي بغزارة .. ولا عشاب نابتة فبلادي .. " . وقبل تلك الصرخة ترددت في " سلمون " ص.16 : " حين حملت مائي / صوب المدينة / كي أروي قفر العباد / لم تك ثمة مدينة / على امتداد البلاد " . فالثوابت ثوابت وإن تحولت المحطات وتبدلت . وعلى ذات النمط المؤكد على الانتماء إلى الأرض وليس إلى السماوات أتت " مرحلة المسودات " ص.56 وبلغة مؤثرة تقول : " كان جدي / يعشق البستنة / في سطح بيته / تورق الفراشات ... إلى أن تقول : " كلما أزهرت نبتة / تغنى بها / ضد المرحلة .../ وأنا الآن / أعشق البستنة . " يا سلام على المعنى والمبنى . إنه مزج للماضي " الجد " بالحاضر " الآن " .. لا الماضي المجيد يرضى بالوعي القائم ، و لا الحاضر الوليد يقبل به . فهما معا " ضد المرحلة " . هذا هو التأويل الذي ارتحت له كمضمون هذا النص الجميل . وما شابه قائله فما ظلم ..ولأن نصوص " الحماقات " يصلها حبل سري .. فالقارئ يجد امتدادا لذلك المعنى في " نزارية لجوء "ص. 96 . فما " المرحلة " المشار إليها إلا هذا الزمن : " في زمن لا عزة فيه " . إنني وأنا أقرأ الجميليات الواردة في " حماقات السلمون " وأعيد ، لم يعثر قراءتي أي نشاز أو شذوذ طوال الخط الواصل بين القصيد الأول والقصيد الأخير على امتداد كل النصوص . ذلك أن الخط واحد . وقد يرى البعض في ذلك مزية ، وقد يراها البعض الآخر رزية . أنا لست من أولئك ولا أولئك .. ولكن الذي أعجبني هو أني قمت بمحاولة تركيبية لأوليات الديوان مع أواخر نصوصه ، فألفيت التركيبة منسجمة . وفي هذا نوع من الصدق وأن الكتابة هنا واعية ، وليس ذلك المعنى العابر . عندي ، الكلام الجيد ما انسجمت ديباجته بخاتمته وإن تعلق الأمر بديوان ... ـ 5 ـ للكلام بقية ...
#الحسن_أحمد_مكروش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|