|
الثورة السورية بين لعم بشار وتشاؤل المعارضة
محمد احمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 3688 - 2012 / 4 / 4 - 13:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1. نشير بداية إلى أن كلمة " لعم " الموجودة في عنوان هذه المقالة ، إنما تعني هنا ، المراوغة الثعلبية بين ال "لا" و ال "نعم" ، بحيث لايستطيع السائل ( نبيل العربي ، كوفي عنان ) أن يعرف ، بل أن يخمّن الموقف الحقيقي للمسؤول ( بشار الأسد ) ، وسيجد نفسه ، كوسيط محايد ، أميل إلى ترجيح كفة ال "نعم" على كفة ال "لا" ، وذلك قبل أن تذوب الثلجة وتظهر المرجة ، أي قبل أن نصل إلى العاشر من أبريل ويكتشف السائل أكاذيب المسؤول . أما كلمة " تشاؤل " ، فهي منحوتة بدورها من كلمتي " تشائم " و " تفائل " ، بيد أن خبرة المعارضة السورية ، ومعرفتها بطبيعة نظام بشار الأسد الثعلبية ــ المراوغة ، تجعلها أقرب إلى التشاؤم منها إلى التفاؤل ، وإلى تحذير كل من نبيل العربي وكوفي عنان ( وأضيف إليهم الآن صديقي رياض الترك / ابن العم ) من الوقوع في فخ مراوغة وأكاذيب بشارالأسد . 2. لاشك في أن كلاًّ من خطابات بشار، وتصريحات شبيحته ، والفيتو الروسي ـ الصيني ، وسلسلة القرارات التي صدرت حتى الآن عن كل من جامعة الدول العربية ، والأمم المتحدة ، ومؤتمري أصدقاء سورية اللذين انعقدا في كل من تونس واستنبول ، إنما تصب جميعها ـ علم أصحابها أم لم يعلموا ـ في طاحونة " المهل " التي سمحت لنظام الأسد أن يدمر كل المدن والقرى المطالبة بالحرية والكرامة ، وبالتالي أن يقتل ويذبح ويغتصب ويسجن ويخفي في المقابر الجماعية ، عشرات الألوف ، من شباب ونساء وأطفال هذه المدن والقرى ، دون أن يحسب أي حساب لاللرأي العام العربي ، ولا للرأي العام الإسلامي ، ولا للرأي العام العالمي ، وبطبيعة الحال ، ولا للرأي العام السوري . هذا مع العلم ، أن الانتقال من مهلة زمنية إلى أخرى ، غالباً ماتصاحب بتنازلات مجانية من قبل كل من الجامعة العربية ، ومجلس الأمن ، ومؤتمري أصدقاء سورية في تونس واستنبول ،ترى أهي" لعبة أمم " جديدة ؟، أم " صراع على سورية " جديد ؟ ، أم أنها هذا وذاك معاً ؟، وفي كل الحالات فإنها مواقف ، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، ظاهرها الوقوف مع الثورة ، وباطنها الوقوف للتفرج عليها ، وذلك كمكافأة من الجميع لبشار، ثمناً لسكوته طوال أربعة عقود على احتلال اسرائل لهضبة الجولان . 3. إن لعبة الأمم الجديدة حول سورية ، وإن الصراع الجديد على سورية ، لايتعلق ــ كما نشاهده يومياً ــ لابحقوق الإنسان ، ولا بحقوق الطفل ، ولا بحقوق المرأة ، ولا بالديموقراطية ، وإنما يتعلق أساسا وقبل كل شيء بـ " إسرائيل " من حيث عدم التضحية بنظام عائلة الأسد ( الممانع !!) قبل العثور على بديل غير وطني ، يتابع مسيرة هذا النظام، في السكوت عن الجولان المحتل ، وفي العمل على التطبيع الكامل مع إسرائيل ، تحت شعار تدليسي كاذب هو : " السلام الكامل ، مقابل الإنسحاب الشامل ! "،وتطبيقه العملي، المتمثل بشعار( السلام كخياراستراتيجي ) لنظام " سوريا الأسد ! " ، ولجيشها المغوار ، الذي لم يحتج ـ في ظل وزير دفاعه حافظ الأسد ـ سوى لبضع ساعات كي ينسحب من الجولان ، عام 1967 ، بينما هو يحتاج اليوم ( 2012 ) ، إلى بضعة أسابيع للانسحاب من المدن السورية العزلاء ( ياحيف !! ) . 4. لقد خيل لبعض الدول العربية ، أن الحل اليمني ( تنازل الرئيس لنائبه ) هو الحل المناسب للحالة السورية أيضاً ، وهو مانصت عليه إحدى فقرات المبادرة العربية ، التي تم ترحيلها إلى مجلس الأمن ، بسبب عجز الجامعة العربية عن تنفيذ مبادرتها على الأرض ، أو ــ والله أعلم ــ بسبب معرفة أصحاب العلاقة من العرب وغير العرب ، أن الفيتو الروسي كفيل بتنفيذ ماعجزوا هم عنه ، وأن مسؤوليتهم قد دخلت بعد هذا الترحيل في إطار " حادت عن ظهري بسيطة " . إن محاولة تطبيق الحل اليمني على الحالة السورية ، إنما يدخل في باب جهل أوتجاهل أصحاب هذا الرأي الفارق الموضوعي والذاتي بين الحالتين ، من حيث " علاقة الرأس بالجسد " في كل من اليمن وسورية . ففي الحالة اليمنية تم الاستغناء عن الرأس ( علي عبد الله صالح ) ، ولكن الجسد ظل ــ إلى حد بعيد ــ على حاله ، ولا سيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ، التي هي من حسم الأمر في اليمن ، كما هو معروف ( أمريكا والسعودية ) ، في حين أن الوضع في سورية ، يشيرإلى التلاحم المصيري بين الرأس والجسد ،وذلك في إطار مانطلق عليه " أسيجة الحكم السبعة " ، والتي تترابط مع بعضها ترابطاً مصيرياً ، بحيث أن التضحية بالرأس ستعني التضحية بالجسد أي بأسيجة الحكم السبعة ( ولكن انتبه ليس بالدولة كما يروجون) ، والتي هي : 1) الشرعية الشكلية المرتكزة على مربع : التطييف ، التوريث ، التضليل ، والتزوير ، 2) حماة النظام (وليس حماة الديار) ومختلف الأجهزة الأمنية ، والحرس الجمهوري ، 3) الحكومة ومؤسسات الدولة ، التي تم مسخها وتوظيفها في خدمة النظام بدلاً من خدمة المواطن ، 4) المرتزقة من شبيحة السيف ، والقلم ، والمال ، وشبيحة فوبيا الديموقراطية والإسلام ، 5) التضليل الإعلامي والشعارات الكا ذبة عن التصدي والممانعة ودعم المقاومة ، 6) حزب البعث ( الذي يمثل بنظرنا الإسم الحركي للفئة العسكرية الحاكمة ) وجبهته التقدمية ! 7) الموقف العربي والدولي المتردد والملتبس لكل الخائفين على أمن " إسرائيل " من البديل الديموقراطي ، الذي سيخلف نظام بشار الأسد . ولذلك فإن من كان متحمساً للتغيير في اليمن ، نجده متردداً وحائراً بخصوص التغيير في سورية ، ذلك أن سورية غير اليمن ، ودور عائلة الأسد في سورية غير دور عائلة علي عبدالله صالح في اليمن . 5. إن مايؤكد صحة وجهة نظرنا عن الفارق بين الحالتين ، اليمنية والسورية ، هو أن النظام السوري قد أعلن على الفور رفضه لمبادرة الجامعة العربية ( سداسية نبيل العربي ) ، وذلك بسبب نصها ، على غرار الحل اليمني ، على [ ثانياً : تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول، بصلاحيا ت كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية ( الفقرة الأولى من المبادرة ) ، لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية ] . هذا مع العلم أن تفويض الرئيس لنائبه بصلاحيات كاملة ، لايعني نظرياً وعمليّاً تنحي هذا الرئيس عن السلطة ، لأنه يستطيع في أي وقت يشاء إلغاء هذا التفويض ، والعودة إلى كرسي الرئاسة ، ولا سيما إذا ماكان " حماة الديار/حماة النظام " مؤيدين له ، وليس لنائبه . أما سداسية كوفي أنان ، فقد نأت بنفسها عن هذه الفقرة الإشكالية أصلاً ، حيث أثبتت في بندها الأول ، ماطرحه ويطرحه النظام نفسه على " معارضته الخاصة " من ضرورة الجلوس مع النظام ، والتحاور معه على الإصلاحات ، والتي قد بدأها النظام أصلاً ، وهوعلى وشك الانتهاء منها !!. أما نقاط عنان الباقية فهي لاتعدو أن تكون من نوع مطالبات منظمات حقوق الإنسان المتعلقة ، بضرورة وقف العنف ( من قبل جميع الأطراف !! ) ، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين !! . وحتى أن النص المتعلق بالإفراج عن المعتقلين جاء ملتبساً وغامضاً ، حيث نصّ على [ تكثيف أعداد ووتيرة الإفراج عن المعتقلين والمحتجزين بصورة تعسفية ...الخ ] في حين كان من المفروض أن يطالب عنان النظام بضرورة الإفراج الفوري عن كافة هؤلاء المعتقلين والمحتجزين بصورة تعسفية ، هذا مع العلم أن البند الأخير في سداسية عنان والذي يشير إلى [ احترام حرية التجمع والتظاهر السلمي المكفولة قانوناً ] كان أمراً إيجابياً في هذه السداسية. 6. لاشك أن الموقف العربي من الثورة السورية ، كان أكثر تجاوباً ، بصورة عامة ، مع مطالب هذه الثورة ، ولاسيما ، مع مطلبها الرئيسي" الشعب يريد إسقاط النظام " ، من الموقف الإقليمي والدولي ، الذي كان يلتقي تطبيقياً مع موقف نظام بشارالأسد في دفع الأمور في سورية نحو الحرب الأهلية ، وذلك من خلال تخوفهم وتخويفهم المتواصل من وصول الثورة السورية إلى هذه النقطة ( الحرب الأهلية ) عبر دعم وتسليح " الجيش السوري الحر "، وأيضاً من خلال طرحهم المستمر لمسألة الأقلية والأكثرية في سورية مابعد عائلة الأسد ، ولقد كان رد الثورة على مثل هذه المخاوف وهذا الطرح المشبوه ، حاسماً ، عبر شعارها المدوّي والرئيسي الثاني " واحد واحد واحد الشعب السوري واحد " . لا ، ياأيتها الدول العظمى ، ولا ، ياأيتها الدولة المسلمة والجارة إيران ، ولا يا أيها السيد حسن نصر الله إن الثورة السورية ، ثورة 15 ـ 18 آذار 2011 ، لن تسمح لأحد أن يشوه وجهها الوطني والوحدوي الجميل ، وكما سبق لشعب سورية العظيم ، أن أفشل مخطط فرنسا في عشرينات القرن الماضي ، فإنه سوف يفشل اليوم أيضاً مخططات ، بشار الأسد في سورية ، وكل من يدق معه طبول الحرب الأهلية ، في محالاتهم البائسة واليائسة لشق صفوف الشعب السوري والثورة السورية ، وهو ( الشعب السوري ) لن يمل من إسماعكم صباح مساء هتافاته الوطنية المدوّية في كل أنحاء سورية ، والمنادية بوحدة سوريا أرضاً وشعباً ، وبأنها جزء لاتجزأ من الأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج . ليتراجع المخطئون عن خطأهم ، فالرجوع إلى الحق (يا أيها المعنيون بهذا الكلام ) خير من التمادي في الباطل . أما إذا أصررتم على التمسك بمواقفكم المعادية للشعب السوري ، ولمطالبه المشروعة في الحرية والكرامة ، فإن جواب الثورة سيكون أيضاً حاسما ، وذلك عبر شعارها الثالث : " مالنا غيرك ياألله " ، أي أن الثورة سوف تعتمد على نفسها ، وسيكون حليفها الوحيد هو " النصر " ، وستذهب " لعم " بشار الأسد معه إلى الجحيم ، إن لم يكن اليوم فغداً ، وإن غداً لناظره قريب . ـــــ انتهى ـــــ
#محمد_احمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشار الأسد إلى أين؟
-
خواطر شاهد عيان الخاطرة الثامنة
-
ثورة واحدة .. وسبعة آيات الله الأعظمين
-
حماة الديار ..مرحبا
-
تاريخنا وبقايا صور
المزيد.....
-
استفزه فضربه الآخر بكرسي.. مرشح لمنصب عمدة بالبرازيل يهاجم م
...
-
كاميرا ترصد لحظة القبض على المشتبه به في محاولة اغتيال ترامب
...
-
ترامب يعلن أنه سيتفاهم مع روسيا والصين إن فاز بالانتخابات
-
جزر الكناري تستقبل 500 مهاجر غير شرعي من جنسيات مختلفة خلال
...
-
إثيوبيا تصل قريبا للبحر الأحمر.. توتر جديد بالقرن الأفريقي؟
...
-
الصومال يوقع قانونا يلغي الاتفاقية بين إثيوبيا وجمهورية أرض
...
-
هل باتت الحرب بين إثيوبيا ومصر وشيكة؟
-
نصف سكان الأرض لا يتناولون ما يكفي من 7 عناصر غذائية هامة..
...
-
الجيش الإسرائيلي يعتقل 3 فلسطينيات بينهن زوجة القيادي الأسير
...
-
الدفاع الروسية تنشر فيديو لتطهير قرية حدودية من قوات كييف
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|