صلاح الزين
الحوار المتمدن-العدد: 1084 - 2005 / 1 / 20 - 10:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الرفاق الشيوعيين لم ينتبهوا, وصمموا على نقل ما جاء بالكتب الماركسية نقلا حرفيا فخسر الكثير وعاشوا يحاربون أشباحا لا وجود لها إلا في خيالهم, والنتيجة الثالثة الأكثر أهمية أن غياب طبقة الإقطاع المتبلورة وطبقة البرجوازية المتبلورة هو الباب الذهني اللي دخلت منه البيروقراطية واستعملت وقامت بالدور نيابة عن الإقطاع والبرجوازية في قيادة المجتمع المصري, وفق وجه نظرها الضيقة جدا.
عندما جاء محمد علي واستولى على أرض مصر بالكامل قام بتوزيع هذه الأرض على المحاسيب وكبار الموظفين في الدولة ومن هنا نشأ ما يمكن أن نسميه الإقطاع البيروقراطي وهو يختلف تماما عن الإقطاع الذي كان موجودا في أوربا القرون الوسطى
مثقف بعد شربه زجاجة بيرة أو كوب شاي ثقيل يجلس يفكر في فكر جرا مشى عن المثقف العضوي والذي يحاول أن يكون مثله... والمثقف العضوي هو القادر أن( يقول للغولة عينك حمرا )ويقود التغيير لكنها سفسطة ليلية لأنه في الصباح الباكر مع شروق الشمس, وهو يتأهب للذهاب إلى مقر عمله في وزارة الثقافة ينسى كل شئ عن جر امشى ويبدأ في تنفيذ كل أوامر البيروقراطية بكل رضا وارتياح
في 52 استدعت الطبقة البيروقراطية جناحها العسكري بعد الاتفاق مع أمريكا ( كير ميت روزفلت ـ مابلز ) لحسم الصراع ولكي تقوم البيروقراطية بقيادة المجتمع وفق رؤيتها وتخليص المجتمع المصري من الانفلات الحزبي واتساع النشاط السياسي والذي يفسد على البيروقراطية خطتها في العمل. وهذا ما يفسر العداء الجذري بين 52 وأي عمل سياسي حتى لو كان في صفها, هي ضد أي عمل سياسي من اى لون لأنها قررت الاحتكار لكافة كل شئ وعلى الشعب الطاعة وهكذا استمرت البيروقراطية تقود فهل هي طبقة.
عندما نبحث عن أسباب عجز البرجوازية المصرية نجد أن السبب هو النشأة والمولد... حيث نشأت البرجوازية في أحضان الإقطاع كامتداد طبيعي في مجال الصناعة بسبب الفائض في إنتاج القطن والحرب العالمية الأولى ولم تنشأ البرجوازية مثلما حدث في أوربا من قلب الصراع مع الإقطاع وبسبب هذا ظلت ضعيفة ورغم المتغيرات السياسية العالمية التي ساعدت البرجوازية على إظهار حداثتها وتطورها الاجتماعي والثقافي والاجتماعي لكن البرجوازية المصرية ظلت تبحث عن زعيم أو أب وتحافظ على ثقافة شبه إقطاعية كارهة للتجديد كراهية التحريم
البــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدايـــــــــــــــــــــــــة:
سنتحدث في البداية عن البيروقراطية المصرية, التي تكونت على مدار سنين طويلة, مرتبطة بمركزية الدولة المصرية التي تعتبر أقدم دولة في التاريخ.الدولة المصرية المركزية كانت ذات حضارة كبيرة منتجة, على عكس الآن, وفي الدولة المركزية يلعب الموظف أو الكاتب المصري دورا هاما خاصة أن هذه الدولة كانت مسئولة عن كل حبة قمح وعن كل رغيف خبز وبنت حضارة غير مسبوقة إما أن يستمر الموظف يلعب نفس الدور بعد قرون وقرون طويلة وتغيرات هائلة في المجتمع والاقتصاد هنا تكون المأساة والتخلف الذي نعاني منه الآن, عندما جاء محمد علي واستولى على أرض مصر بالكامل قام بتوزيع هذه الأرض على المحاسيب وكبار الموظفين في الدولة ومن هنا نشأ ما يمكن أن نسميه الإقطاع البيروقراطي وهو يختلف تماما عن الإقطاع الذي كان موجودا في أوربا القرون الوسطى ففي نظام الإقطاع الأوربي كان الإقطاعي يمتلك الأرض ومن عليها ملكية قانونية حقيقية, ونشأت عن هذه الملكية تقاليد وطبقة إقطاعية متبلورة لها حقوق ومصالح معروفة ومحددة, إما في مصر فالحالة مختلفة فالإقطاعي لا يمتلك سوى حق الانتفاع ويمكن أن يفقد هذا الحق بسهولة لو فقد رضى الوالي عليه لأي سبب, وبالتالي لم تتكون طبقة متبلورة واضحة المعالم والمصالح, كانت الأرض لا تباع أو تشترى في هذا الوقت, على الرغم من أن الوظائف كانت تباع وتشترى ويمكن التنازل عنها في مقابل مبلغ من المال, ولو تأملنا هذه الحقيقة يمكن أن نصل إلى نتائج غاية في الأهمية, أولها أن ما كان يسمى الإقطاعي كان لا يملك الأرض في الوقت الذي كان الموظف فيه يمتلك وظيفته ويمكن أن يورثها لأبنائه, وقد تم تناول قضية التوظيف في كتاب ليس معروف لكنه مهم هو "الموظفون في مصر في عهد محمد علي" تأليف حلمي احمد شلبي- تاريخ المصريين -عدد 30 -الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1989, النتيجة الثانية أن الطبقة غير المتبلورة - نسميها طبقة لسهولة الشرح - لم يكن لها مصالح متعارضة مع البرجوازية المصرية عندما تكونت على استحياء, لذا لم ينشأ الصراع الطبقي المعروف في أوربا وقاد إلى النهضة الأوربية والصناعية وعصور التنوير, فتطور المجتمع المصري كان مختلفا من الأساس, لكن للأسف الرفاق الشيوعيين لم ينتبهوا لكل هذا, وصمموا على نقل ما جاء بالكتب الماركسية نقلا حرفيا فخسر الكثير وعاشوا يحاربون أشباحا لا وجود لها إلا في خيالهم, والنتيجة الثالثة الأكثر أهمية أن غياب طبقة الإقطاع المتبلورة وطبقة البرجوازية المتبلورة هو الباب الذهني اللي دخلت منه البيروقراطية واستعملت وقامت بالدور نيابة عن الإقطاع والبرجوازية في قيادة المجتمع المصري, وفق وجه نظرها الضيقة جدا,
عبد الناصر ابن البيروقراطية:
وفي عام 1936 تمت المعاهدة المعروفة وكانت, كما قيل دائما, بداية لتجميد الصراع بين الإنجليز والقوى الوطنية المطالبة بالاستقلال, والاهتمام بكل ما هو داخلي من مشاكل, في الوقت الذي حدث فيه الاندفاع الهائل من الطبقة المتوسطة إلى التعليم والذي كانت جذوره ممتدة منذ عصر محمد علي وأبنائه, وكان الشعب المصري قد اكتشف من جديد أهمية الكاتب المصري القديم كقيمة اجتماعية ومستقبلية, وان يكون في كل أسرة من يلبس الطربوش الأحمر وينزل الديوان صباحا ويعود ظهرا.من هنا بدأ التضخم الحالي لجهاز الدولة البيروقراطي ومع التضخم في العدد زادت الأحلام والأطماع في دور سياسي يلعبه الموظفون, بعد أن تقلص هذا الدور على أيدي كبار ملاك الأرض, أصحاب الدور البارز في أحداث 1919 أو الدور المهم الذي لعبه الضباط المصريين في أحداث 1882 وما قبلها, وهم أيضا بيروقراطية, بعد 1936 تكون جيش من الموظفين لهم أحلام وأطماع ظل ينمو عددا وأملا حتى وصلنا إلى 1952, في الداخل كانت هناك إشكالية تقف عقبة أمام أطماع البيروقراطية وهي الأحزاب وكان كل من دخل المدرسة في عام 36 قد تخرج في التعليم المتوسط أو العالي وبقى في عام 52 يشعر بوجوده ومشاركته في وضع شروط في إدارة البلاد بمعني أن من تعلم في عام 36 فجروا ثورتهم البيروقراطية في عام 52, مما يفسر لنا شيئين هامين الأول الموقف المتشدد الذي اتخذه عبد الناصر ضد العمل السياسي والحزبي بدون كلل أو تسامح مثلما تسامح مع الإقطاع وسمح لكل منهم ببيع أرضه للخدم والأتباع بيعا صوريا, كان موقف عبد الناصر من العمل السياسي والحزبي هو الذي أدى في النهاية إلى تحويل المصريين إلى أفراد في مواجهة السلطة الجبارة ونمو الرياء والنفاق إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ مصر, وهو ما نعانى الآن منه. الشيء الثاني هو ظهور المثقف البيروقراطي أو المثقف الموظف لان كل الناس أصبحوا موظفين في الدولة, وفقد هذا المثقف البيروقراطي استقلاله وأصبح حريص على ألا يغضب مانحه رزقه اليومي ومرتبه آخر الشهر... وحاليا كل مثقف بعد شربه زجاجة بيرة أو كوب شاي ثقيل يجلس يفكر في فكر جرامشى عن المثقف العضوي والذي يحاول أن يكون مثله... والمثقف العضوي هو القادر أن( يقول للغولة عينك حمرا )ويقود التغيير لكنها سفسطة ليلية لأنه في الصباح الباكر مع شروق الشمس, وهو يتأهب للذهاب إلى مقر عمله في وزارة الثقافة ينسى كل شئ عن جرامشى ويبدأ في تنفيذ كل أوامر البيروقراطية بكل رضا وارتياح, انطلاقا من أنها مهام عمله أو انصياع للبيروقراطية الأعلى لا فرق لاتهما دولاب عمل متكامل بين البيروقراطي الكبير والصغير. هذا ما يفسر أن المثقفين يتحدثوا بلغة في جلسات السكر وتجميلها بالنقاش مملوء بالنقد وإعلان النقمة على الأوضاع والمطالبة بالتغيير لكن في الجلسات العلنية والندوات المسجلة لهم حديث آخر مختلف... فمن هنا نكتشف خطة البيروقراطية في ربط المثقف بعجلتها وجعل رزقه مرتبط بها فقد كان المثقف زمان مبدعا ومفكرا حرا لأنه لم يعتمد على الحكومة في رزقه على العكس من تلك الأيام فنجد أن معظم السادة المثقفين أسياخ في دولاب عمل البيروقراطية الحكومية وهم المنظرين وواضعي الخطط الخمسية والعشرية وأصحاب الشعارات والاغانى الحماسية وهم من طبعوا الوطن على فكرة تأليه الثوري وتحويله إلى الواهب والمانح والرزاق ومحقق النصر بالضربة الأولى والثلاثية وراكب هذا الوطن إلى خطط الرخاء والتنمية والعبور به إلى بر الأمان في أحضان المشروع الامريكى.
ثورة يوليو البيروقراطية:
عشية ثورة يوليو أو انقلاب يوليو كانت في مصر ثلاث قوى:ـ
1 ـ كبار ملاك الأرض 2 ـ البرجوازية المصرية 3ـ الموظفين أساس البيروقراطية
وكانت الأحزاب تعبر في ذلك الوقت عن كبار ملاك الأرض والبرجوازية المصرية وخاصة حزب الوفد رغم أن معظم أعضائها من الموظفين على عكس القيادات. وحزب الوفد هو اصل الداء والبلوى التي أصابت ذلك الوطن والعمل السياسي لأنه تجمد عند فكرة الصراع مع الملك. والمتأمل للحالة الاقتصادية نجد أن البرجوازية المصرية لم تكن طبقة متبلورة مثلها مثل الإقطاع ما يعنى أن مصر لم تشهد في تاريخها الحديث نظام الطبقات المعروف في أوربا ولو كان الشيوعيين تنبهوا إلى هذه الحقيقة لكان نضالهم الطويل اخذ أشكالا أكثر فائدة له مردود يختلف عما حدث وهو الوقوف خلف البرجوازية المصرية ودعمها وتقويتها حتى تنمو وتنجز مهامها المعروفة في تحديث المجتمع وفصل الدين عن الدولة وتجذير العلمانية. وعندما نبحث عن أسباب عجز البرجوازية المصرية نجد أن السبب هو النشأة والمولد... حيث نشأت البرجوازية في أحضان الإقطاع كامتداد طبيعي في مجال الصناعة بسبب الفائض في إنتاج القطن والحرب العالمية الأولى ولم تنشأ البرجوازية مثلما حدث في أوربا من قلب الصراع مع الإقطاع وبسبب هذا ظلت ضعيفة ورغم المتغيرات السياسية العالمية التي ساعدت البرجوازية على إظهار حداثتها وتطورها الاجتماعي والثقافي والاجتماعي لكن البرجوازية المصرية ظلت تبحث عن زعيم أو أب وتحافظ على ثقافة شبه إقطاعية كارهة للتجديد كراهية التحريم مثل موقفها من بعض الكتب التي ظهرت في تلك الفترة وإثارة ضجة من اجل تجديد والتغيير مثل ( الإسلام وأصول الحكم ) ( الشعر الجاهلي ) ونجد أن زعيم البرجوازية المصرية ظل راديكالي في السياسة رجعى التفكير على العكس من غاندي الذي جعل شعار ( اجعلوا كل النوافذ مفتوحة على الهند ) هو المحك في تطور الهند وهذا ما نراه الآن في حين نجد سعد زغلول يقف في البرلمان قائلا ( وما لفائدة في أن يفهم البقر...) وكان المقصود طبعا أولاد الفلاحين ولهذا كسب أولاد غاندي وخسر أبناء زغلول. وتجمدت البرجوازية وأحزابها المختلفة متسلمين للصيغة التي فرضها الملك عليهم ولم يحاولوا كسر ذلك الجمود وعلى رأسهم حزب الوفد كبيرهم ورفض بإصرار عنيد كل أشكال العمل الجبهوى مع غيره من القوى الشعبية فماذا كانت النتيجة؟ الجمود الكامل والشلل وفقدان الأمل في غد أفضل للجميع وخاصة المتعلمين وقد أصبحوا أعدادا كبيرا وأصبح لهم وزنهم في الوطن وعلى الخريطة الاجتماعية وراحوا يبحثون عن كسر الجمود التي صنعته كبار ملاك الاراضى ورفضهم الكامل لأي شكل من أشكال الإصلاح الزراعي رغم أن الفكرة كانت مطروحة بقوة من اكبر ملاك الأرض وعضو في حزب الوفد وهو ( محمد خطاب ) ومن أعداد كبيرة من المثقفين. وتبلورت فكرة التناقض الأساسي بين المتعلمين أو الموظفين وبين كبار ملاك الأرض أو الصناعة والمسيطرين في نفس الوقت على العمل الحزبي وهذه هي الإشكالية التي كانت تبحث عن حل وتفسير
الإشكالية الخارجية: ـ
في عام 1952 كانت المصالح الأمريكية تحاول أن ترث الاستعمار القديم حتى تضمن مصادر البترول ومحاصرة الحركات الشيوعية التي تهدد هذه المصالح... ومن هنا اتجهت أمريكا إلى لعبة التآمر وصناعة الانقلابات العسكرية في العراق وسوريا... وكانت أمريكا ترى أن الإقطاع هو البيئة المناسبة للحركات الشيوعية... وبالتالي فإن ن من مصلحة أمريكا القضاء على الإقطاع والركود وفتح الطريق أمام المستقبل للقضاء على الحركات الشيوعية. ومن هنا نشأ اتفاق المصالح بين طبقة البيروقراطية المصرية الصاعدة والباحثة عن مصالحها مع مصالح أمريكا في المنطقة وجاء الحل الذي يرضى الطرفين هو انقلاب 1952 ففي 52 استدعت الطبقة البيروقراطية جناحها العسكري بعد الاتفاق مع أمريكا ( كيرميت روزفلت ـ مابلز ) لحسم الصراع ولكي تقوم البيروقراطية بقيادة المجتمع وفق رؤيتها وتخليص المجتمع المصري من الانفلات الحزبي واتساع النشاط السياسي والذي يفسد على البيروقراطية خطتها في العمل. وهذا ما يفسر العداء الجذري بين 52 وأي عمل سياسي حتى لو كان في صفها, هي ضد أي عمل سياسي من اى لون لأنها قررت الاحتكار لكافة كل شئ وعلى الشعب الطاعة وهكذا استمرت البيروقراطية تقود فهل هي طبقة.
الطبقة البيروقراطية:
صارت البيروقراطية طبقة بسبب غياب الطبقات الأخرى المتبلورة وقد كان هذا الوضع الخاص بمصر وهى إشكالية نظرية تحتاج من ينجزها أن كانت صحيحة... يذكر الدكتور عبد المنعم سعيد 0 كان عدد الموظفين عند قيام الثورة حوالي 350 ألف وفى عام 1963 أصبحوا 770 ألف موظف ووصلوا إلى 6 مليون موظف قبل ثلاثة أعوام ( الأهرام في 1 / 6 / 2004 ) وبحسبة بسيطة تكون قد تجاوزت الآن 7 ملايين أو ما يقرب من ثلث القوة العاملة في البلاد ويشكلون اكبر حزب سياسي واكبر جماعة اقتصادية واقل البيروقراطيات إنتاجية في العالم الثالث
غياب الطبقة الرأسمالية وحكم البيروقراطية المصرية
حاول الشيوعيون المصريون كثيرا فهم التركيبة الطبقية في مصر وتطورها والعمل على أساس هذا الفهم لدفع الشعب المصري إلى المستقبل ولم يكن أمام كل من تصدى لهذه المحاولة سوى الرجوع إلى تاريخ أوربا الطبقي وتطور الإقطاع إلى رأسمالية وشرح الصفات التي تميزت بها كلا الطبقتين ومضاهات ذلك مع الإقطاع والرأسمالية المصرية لكن المحاولة كما معروف فشلت في فهم الحالة المصرية فالإقطاع المصري لم يكن هو الإقطاع الأوربي ولذلك ظهر مفهوم كبار ملاك الأرض ونمط الإنتاج الآسيوي وكانت المحاولة أكثر بؤسا عند الكلام عن رأسمالية المصرية فلا هي أجزت الحرية الفردية أو فصلت الدين عن الدولة ووقف أهم رموزها سعد زغلول ضد كتابي ( الإسلام وأصول الحكم ) و( في الشعر الجاهلي ) كان الخلاف واضحا بين المهام التي أنجزتها الرأسمالية الأوربية وبين تقاعس الرأسمالية المصرية الأمر الذي دفع الكثيرين إلى صياغات جديدة مثل أن الرأسمالية المصرية لها قدم في المدينة والأخرى في الريف وأيضا محاولة ميشيل كامل في فهم البرجوازية المصرية الصغيرة ومسئوليتها عن هذا لتقاعس الأمر الذي أكد أن الخروج عن النموذج الغربي في فهم الحلة المصرية قد بات ضروريا ولعل الإسهام الذي قدمه ( حزب العمال الشيوعي ) في بداية السبعينات من القرن الماضي هو أقربهم إلى الحقيقة عندما صك مقولة البرجوازية البيروقراطية حول طبيعة حكم عبد الناصر رغم أن العنوان لا يعبر من قريب أو بعيد عن هذه الفترة لكنها كانت المرة الأولى في أدبيات الشيوعيين المصريين التي يتم إدخال مفهوم البيروقراطية على ما اضن كان إدخال كلمة البيروقراطية يعني في المقام الأول أن هناك ضرورة لإضافة كلمة جديدة علها تساعد على توضيح الالتباس الناتج من عدم مطابقة الحالة المصرية على الحالة الأوربية أن مفهوم الرأسمالية كبيرة كانت أم صغيرة أو حتى متوسطة غير كاف لفهم التطور الحادث في بلادنا وكيف تخلت الرأسمالية عن مهامها المعروفة رغم أن الصفة الأساسية التي تخلت عنها الرأسمالية لم يتوقف عندها احد لم يتوقف احد من المفكرين المصريين عند خاصية هامة اتصفت الرأسمالية المصرية بها منذ مطلع القرن العشرين وهي أنها اختصرت نفسها دائما في شخص زعيم ملهم سعد زغلول وجمال عبد الناصر على سبيل المثال زعيم أبوي يحل محل الطبقة في التشريع والحكم قد تكون الرأسمالية الألمانية والرأسمالية الإيطالية قد فعلتا نفس الشيء في صورة هتلر وموسيليني ولكن في فترات قصيرة لا تمثل سوى لحظات في حياتهما الطويلة أن عدم وجود طبقة رأسمالية متبلورة في مصر لم يحل دون وجود بعض مظاهرها مثل قيام بورصة للأوراق المالية حتى الخمسينيات وغير ذلك من المظاهر التي ساعدت على الالتباس في فهم المثقفين لها لكنها لم تكن أبدا طبقة لذاتها تحكم من خلال مؤسسات راسخة لا يمكن المساس بها. وإذا حاولنا فهم الخطوط الرئيسية للحالة المصرية منذ بداية حكم محمد على لمصر لوجدنا أن الأخير قد وزع الأرض على كبار رجال دولته من مصريين أو أجانب فخلق أقطاعا ببقية إقطاعية تمتلك الأرض بسبب وجودها في جهاز الدولة دون أن تملك أي تاريخ كالذي يميز الأسر الإقطاعية الأوربية وبالتالي بدون أي تقاليد تتوارثها الأجيال الإقطاعية مثل الاهتمام بالموسيقا مثلا الذي ساعد على ظهور كبار الموسيقيين الغربيين.بتهوفن, موزارت وغيرهم والاهم أن هذا الإقطاع المصري نشأ بعد تحول الإقطاع في أوربا إلى رأسمالية فجاء ضد حركة التاريخ فلم يأخذ فرصته في النمو والتحول التدريجي بل وجد كبار ملاك الأرض وبفضل محصول القطن الوفير الفرصة إنشاء بعض الصناعات لسد حاجات السوق المحلية في المدن المصرية بشكل أساسي لان القرية المصرية لم تكن تحولت بعد إلى سوق له احتياجات صناعية سوق في المدينة وأخرى في القرية هو العنوان الذي شرح هذا التطور والذي جاء بدون صراع بين الطبقتين كما حدث في أوربا هذا الصراع الذي شكل الملامح التاريخية للرأسمالية وقيامها كطبقة لذاتها تحكم من خلال مؤسسات دستورية بعد أن أبعدت الكنيسة عن السلطة في حين تحول الإقطاع البيروقراطي إلى رأسمالية بيروقراطية لها بعض مظاهر التقاعس والمد والجزر في مجال الحريات والغياب الكامل للديمقراطية حتى قبل 1952 فحزب الوفد له زعيم أبوي لا يعترف بالرأي الآخر حتى داخل الحزب و إذا كانت البيروقراطية بشكل عام مجرد أداة فهذا صحيح فقط عند وجود طبقة تستخدمها إما في حالة غياب هذه الطبقة والحضور الكامل لجهاز الدولة المصرية أقدم جهاز دولة في التاريخ كان مسئولا وبشكل واضح عن كل حبة قمح وكل رغيف خبز منذ أكثر منذ 4000 سنة قبل الميلاد فالوضع مختلف أن الغياب شبه الكامل للأحزاب الحقيقية حتى اليوم لا يمكن فهمه إلا على ضوء هذه الرؤية وكذلك انضمام رجال الأعمال إلى الحزب الوطني وعدم رغبتهم في تشكيل حزب خاص بهم فالحزب الوطني في حقيقة الأمر جزء من جهاز الدولة البيروقراطي نشأ بقرار فوقي ويزول أيضا بقرار فوقي مثله في ذلك مثل الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وحزب مصر وحتى الأحزاب التي ينظر إليها على أنها أحزاب معارضة أيضا نشأت تحت المظلة البيروقراطية وبرضاها
عن المستقبل :
إذا افترضنا أن هذه الرؤية هي الصحيحة وان البيروقراطية هي التي تحكم في ظل غياب طبقة رأسمالية متبلورة فمعنى ذلك ببساطة أن احتمالات التطور الديمقراطي من خلال أحزاب حقيقية متمايزة ومستقلة عن السلطة لا معنى له ولا مستقبل كذلك أي أشكال مهما كانت بسيطة من الوحدة العربية وان الأحزاب التي تكونت في مصر في بداية القرن العشرين كانت بمشاركة الرأسمالية المصرية الناشئة وغير المتبلورة مع البيروقراطية فجاءت هشة وغير جذرية سرعان ما أفسحت الطريق للانقلاب البيروقراطي عام 1952 وتجلى ذلك في زيارة مصطفى النحاس إلى مجلس قيادة الثورة بعد أيام قليلة من قيامها للتهنئة وإذا كانت ثورة 52 حلا لأشكال داخلي تجاوب مع الظروف الخارجية كما سبق القول فإنها أجهضت تطور الرأسمالية المصرية وحولتها إلى تابع لجهاز الدولة غير قادر حتى اليوم على القيام بقيادة المجتمع المصري ولا يبدو أنها مؤهلة للقيام به في المستقبل المنظور. البيروقراطية المصرية وحدها في الميدان تحكم وتتحكم في مستقبل بلادنا صحيح انه تطور نفسها دائما بما يتلاءم مع الظروف الداخلية والخارجية معا وتستعين باليمين لضرب اليسار والعكس صحيح أيضا في رد فعل بطيء لم يعد يتلاءم مع المشاكل الداخلية من بطالة وعجز في النمو الاقتصادي والزيادة الهائلة في السكان فما هي الاحتمالات المتاحة أمامها اليوم ؟ إذا قلنا حجم المشاكل الداخلية وعلى رأسها الفساد الذي ينمو بشكل متزايد في غياب أية رقابة شعبية أو سقف أعلى لا يجوز اختراقه تضع حدوده الطبقة المسيطرة حفاظا على مصالحها وان غياب الرقابة والسقف وانفراد البيروقراطية في ظروف لا تتمكن فيها من تلبية مطالب الشعب لابد وان تفرز حالة من الفساد غير المسبوق تحاول البيروقراطية إخفائها خشية أن يكتشف الشعب عجزها. إذا كانت هذه هي الأوضاع الداخلية فما هي الأوضاع الخارجية التي يمكن أن تستعين بها البيروقراطية المصرية كما فعلت سابقا في عام 1919 وعام 1952. يمكننا تلخيص هذه الشروط الخارجية كالآتي
1- سلام الشرق الأوسط
2- تقليص الإسلام السياسي المتزايد في المنطقة.
3- وجود مجتمعات مستقرة اقتصاديا جنوب القارة الأوربية ( شمال أفريقيا.
من الواضح هنا أن البيروقراطية كانت ابعد نظرا من غيرها من المثقفين المصريين والسياسيين يسارا ويمينا في موقفها المبكر نوعا والمتأخر في حقيقة الأمر من سلام الشرق الأوسط ومحاولة فك الاشتباك بينها وبين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والنظر إليه على أساس انه مشكلة من مشكلات الجوار لا يجب التورط فيه بالشكل السابق وعدم رهن مستقبل مصر بهذا الصراع. ومن الواضح أيضا أنها كانت أكثر حسما في موضوع الشراكة المصرية الأوربية رغم عدم الترحيب داخليا بهذه الشراكة حتى من داخلها موقف وزير الصناعة مصطفى الرفاعي والتخوف الإسلامي من كل ما هو أوربي. وقد اكتشفت البيروقراطية المصرية أنها مطلوبة عالميا لإنجاز القضاء على الإسلام السياسي سعيا إلى إقامة مجتمعات مستقرة سياسيا واقتصاديا جنوب القارة الأوربية. من هذه الإطلالة على تاريخ مصر يمكننا القول أن ثمة مشكلة داخلية تبحث عن حل وان هناك التقاء في الأفق تحاول البيروقراطية الإمساك به وتفعيله وهو الشراكة المصرية الأوربية ولكن حل المشكلات الداخلية ومشكلات الشراكة يحتاج إلى ديمقراطية حقيقية ولكن عدم وجود طبقة متبلورة تقود هذه الديمقراطية فنحن في حاجة إلى إبداع فكري جديد
عن دراسة الطبقة البيروقراطية للدكتور صلاح الزين نشرت فى جريدة الانباء الثقافية العالمية
#صلاح_الزين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟