|
الحكاية الثالثة من حكايات صاحب الجلالة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3683 - 2012 / 3 / 30 - 09:55
المحور:
الادب والفن
كان الملك يتنزه في حديقة القصر ،وحوله الجواري والغلمان والحراس ، كان كلما ضحك ، لكلمة أو عبارة تافهة ، تجامله حاشيته ، وتتضامن معه بالضحك ، وكان رئيس حرسه الشخصي " طرخون " يحدثه ويخبره عما يقوله الناس عنه ، ولاسيما النساء : - مولاي .. لاحديث بين نساء المملكة إلى عنك - عني ؟ - يتحدثون عن شبوبيتك ، ووسامتك ، وفحولتك ، ويحلمون بلمسك ، أو حتى لمس ثيابك ، أو حتى لمس من يلمسك ، أو يشممن رائحتك ، أو يسمعن صوتك ، أو ... - حسبك .. وماذا يقول العلماء والشعراء عني ؟ - العلماء يعترفون أنك أستاذهم ، والشعراء يقولون : إنك أشعرهم - " الشعراء يتبعهم الغاوون " - لذلك نحن بحاجة لهم ، إنهم أبواقنا يامولاي ، - قل إنهم شياطيننا الموسوسون الخناسون المغوون للجهلاء من الرعية . ومع هذا لاأثق بهم ، ولايؤمن جانبهم ، إنهم خونة .. بل أغلبهم خونة ومرتزقة .. بل وبعضهم أكثر حماقة من الدهماء والسوقة والغوغاء . . - يقولون : إنك تنطق الشعر في كل كلمة تخرج من .. من .... - من أين ؟ من فمي ؟ أم من مكان آخر ؟ - مولاي .. - لايهم من أين ؟ أكمل - مولاي .. يشبهون جلالتكم ب" دون جوان " العصر - لم أفهم ؟ " دونجوان " ؟ - ياصاحب الجلالة ، إنه .. إنه .. - لاأسمح أن أشبه بأحد ، هذه جريمة - إنه ميت .. - ولكن حدثني عن المملكة ، هل لازالت بخير ؟ هل من مشاكل ؟ وهل هي كبيرة ؟ وقوية ؟ - مولاي مملكتك أكبر من كل الممالك ؟ - ممالك ؟ هل من خطر على مملكتي ؟ - بعضها يتآمر علينا ، يطمعون بنا ، يستهدفوننا ، يدعمون أعداءنا يامولاي - أعداءنا ؟ - أقصد الصعاليك يامولاي .. إنهم عملاء وخونة ، ولهم جواسيس داخل المملكة - ألم تقل إنهم قلة من الطامعين والمندسين والمهلوسين والمجرمين ؟ ألم تقل : إنكم ستقضون عليهم ؟ - مولاي أغلبهم غرباء عن المملكة - وكيف دخلوا المملكة ؟ - مولاي .. بصراحة نحن ... - نعم .. من تقصد ب" نحن " ؟ - أقصد جلالتكم .. مملكتكم تتعرض لمؤامرة كونية مجهولة ، لها أجندات وخطط وأهداف مجهولة ، هي مؤامرة خارجية مجهولة المصادر ، تعتمد المؤامرة على مسلحين قتلة مأجورين ومجهولي الهوية ، تسللوا إلى داخل المملكة من أماكن وجهات مجهولة ، وعبروا الحدود ، ودخلو ا المملكة ، وأخذوا يعيثون فتكا وقتلا وتدميرا برعيتك المسكينة من المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وشباب . إنهم يفرخون ويتكاثرون كالجراد ، ويعشعشون خلف الإسمنت المسلح والشوارع والأزقة والعشوائيات والبساتين والبراري ، إنهم يستهدفون المملكة و .... و...... - أكمل .. وإلا سجنتك واستبدلتك - و.. والملك يامولاي - يستهدفونني ؟ ... أنا ؟ ولماذا ؟ ماذا يريدون مني ؟ - يريدون استبدالك أنت ووزرائك وحاشيتك ، يريدون يامولاي اغتصاب عرشك والتهام مملكتك - ألايمكن التفاهم معهم ؟ ألا يمكن شراءهم ؟ - حاورناهم ، وأكثرهم رفض الحوار ، ورفض الهبات والمكافآت والهبات والهدايا ، - أي نوع من الهبات عرضتم عليهم ؟ - الرصاص والقنابل والصواريخ ، والاعتقال على أبو موزة ، والفلقة ، وفنون التعذيب والإهانات ، واغتصاب نسوتهم واغتصابهم هم أيضا ،وحتى موتاهم نقتلهم بعد الموت ، والجرحى نجهز عليهم لكي لايفرخوا ، ويعودوا إلى ساحة المعركة يامولاي - إنها الحرب إذن - تقريبا ، هم أرادوها حربا ، وكنت جلالتكم قد أنذرتموهم حين قلتم : أما إذا أرادوها حربا فنحن جاهزون ، - يتحدونني إذن - خسئوا يامولاي - لماذا تحاورونهم بالقتل والرصاص ، ألا يمكن محاورتهم بغير هذا الأسلوب الراقي - أغريناهم ببعض المناصب التافهة ، لكنهم طامعون جشعون ، لايرضون بأقل من الاستيلاء على العرش والكرسي العظيم ، يريدون رأسك ورأس عائلتك يامولاي - رأسي ؟ وماذا يفعلون برأسي ؟ ماذا يفيدهم رأسي ؟ لماذا لايأخذون أعضاء أخرى من جسدي ؟ لماذا يختارون رأسي بالذات ؟ ليتهم فكروا بعضو أفضل وأهم ، رأسي أقل عضو شأنا في جسمي ، ليكن أعطهم رأسي بشرط أن يكفوا عن الشغب والزعرنة والزعبرة - مولاي - حسنا .. هل يرضون بمؤخرتي ؟ - مولاي ... - حسنا .. اقضوا عليهم بأسرع وقت . كم تحتاجون من الوقت للقضاء عليهم ؟ - مولاي .. أخبرتك أن الممالك المجاورة من الأشقاء والأصدقاء قد خانوا العهد والرحم والقرابة والنسب والحسب والعصب والدم ، واختاروا الانحياز والتحالف مع الغرباء القريبين والبعيدين في الممالك الأجنبية الاستعمارية الطامعة - طامعة ؟ بماذا؟ - جلالتكم .. هم طامعون بعرضنا وشرفنا ونسائنا وصبياننا وأرزاقنا و... - أليس لديهم مايكفيهم ؟ - طماعون ، حسودون ، إنهم يكرهوننا يامولاي ، يشتموننا ليل نهار في إذاعاتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم .. تصور يامولاي يتجنون عليك ، يقولون : إنك ديكتاتور فظ ، وأن شعبك .. أعني قطيعك يكرهونك ويريدون التخلص منك يامولاي - ألم تقل إن رعيتي .. شعبي .. يحبونني .. يعبدونني ؟ - نعم ، أكيد ، إنهم يكذبون ، لاأحد يكرهك ، ومن يكرهك هم عصابات مسلحة مأجورة من الخارج ، معظمهم أجانب أو من الممالك المجاورة التي تناصبنا العداء وتكيد لنا في الخفاء وتتآمر علينا ، وتتحالف مع الغرباء من الممالك الأخرى حول العالم . تخيل يامولاي هذه النكتة الطريفة : إنهم يطالبون بالحرية والديمقراطية ، يعني يطالبون بالانحلال الأخلاقي والفوضى ، وبالتالي بالتحرر من ولايتك ووصايتك وسلطانك عليهم . يريدون أن يتمردوا عليك ، ويعصون أوامرك ، ويشاركونك الرأي والقرار والتصرف - لا.. هكذا زوّدوها كثيرا - لاتهتم يامولاي ، نحن تصرفنا ، ولازلنا نتصرف لنوقفهم عند حدهم ، الأوباش ، الزعران - والممالك التي تدعمهم ؟ ماذا سنفعل بهم ؟ - الرأي رأيك يامولاي - حسنا أخبر العالم كله أننا قررنا أن نمحو الممالك المعادية لنا والداعمة للعصابات من الغرباء والخونة من رعيتنا ، أخبرهم أننا قررنا أن نمحو تلك الممالك عن الخريطة ، - أمرك مولاي ، ولكن ذلك يحتاج إلى محايات من قياس كبير جدا - ماذا تقصد ؟ - أقصد أننا سنضطر إلى استيراد تلك المحايات من إحدى تلك الممالك المتخصصة والمشهورة بصناعة المحايات العملاقة القادرة على محو الممالك الأخرى عن الخرائط ، وإذا لم نتمكن من استيرادها ، فلا بد من تغيير الخرائط ، ورسم خرائط جديدة للمملكة - أحسنت .. فكرة صائبة ، ولاتنس أن تضم الممالك الأ خرى إلى مملكتي ؟ - مولاي .. أقترح عدم ضمها ، ستسبب لنا المشاكل ، إنها ممالك متآمرة ، يجب أن تبقى خارج المملكة ، فهذا أضمن وأكثر حماية لنا .. - ومن هي الممالك المعادية - كلها يامولاي .. كلها .. معادية - غريب ! لما ذا يعادوننا ؟ لماذا يكرهوننا إلى هذه الدرجة ؟ - إنها الغيرة والحسد والطمع يامولاي ، نحن مستهدفون - نحن ؟ ماذا تقصد بنحن ؟ - عفوا جلالتكم .. أقصد جلالتكم ومملكتكم ورعيتكم و.. و..... جواريكم .. و... و... - و... و... المهم ألا تحصل مؤامرة داخلية - أقصد جلالتكم يامولاي ، تتعرضون لمؤامرة عالمية خطيرة ، تهدد المملكة ، ولكن حيوانات المملكة لن تسكت وتستسلم ، بل ستقاوم ، لأن الشعراء أقنعوهم بأنهم مستهدفون هم ونساؤهم وأرزاقهم وأصنامهم . ومؤخراتهم - يعني وزير الأبواق يعمل بشكل جيد حتى الآن ؟ - وزير الأبواق خبير ، إنه إكبر دجال في المملكة ، ينتقي الأوهام والخرافات بعناية فائقة ويقول : إن نشر الإشاعات من اختصاص الخبراء ، والخرافة بلسم ، الكل يحب الخرافة ، ويستمتع باجترارها ، ويتحمسون لها ، ومستعدون للموت في سبيلها ، يقول الوزير : إننا مملكة مصدرة للأكاذيب والكراهية وسوء النية والفساد في الأرض ، ومصدرة للإرهاب ، ومشهورة بإشعال الحرائق في كل مكان من حولنا ، - أحقا ؟ - نعم ، معنوياتهم عالية ، كلامك يامولاي وخطبك الطنانة الرنانة ترفع معنوياتهم ، وترفع أشياء أخرى في .. أقصد تجعل أعضاء أخرى ترتفع ، وتهيج غرائزهم ، إنهم واثقون من قدراتك الخارقة على اجتراح المعجزات وهزيمة العدو الخارجي بنفخة من فمك الكريه وغضب الملك من لفظة الكريه ، وأحس رئيس الحرس طرخون أن لسانه قد زل ، وحاول أن يصلح ماأفسدته زلة لسانه ، وقال : - عفوا مولاي ، أقصد الكريم ، لا أعرف كيف سقط حرف الميم .. المهم ، غدا سأعقد مؤتمرا صحفيا ، أعلن فيه : صدرت إرادة ملكية بمحو الممالك المعادية عن الخريطة ، وسنعمل على رسم خرائط جديدة ، تتناسب مع قناعاتنا ورؤيتنا وأوهامنا - ماذا ؟ - أقصد أحلامنا وطموحاتنا في ابتلاع الممالك المجاورة ، والمجاورة للمجاورة - أحسنت يا طرخون .. وما أخبار عسكور وزير الهجوم ؟ - مولاي .. عسكور بات كثير الأعطال ، وإصلاحه يكلف المملكة الكثير ، وأقترح عليكم التخلص منه واستبداله بعسكور قوي ومقدام وطائش ومهرج وسفاح - لقد أنسيتني .. كنت أريد أن أسألك عن رئيس الأطباء ، ألم أطلب منك مثوله بين يدينا وساقينا ؟ - لقد جئتك به يامولاي ، ولكنك رفضت مقابلته ، وأجلتها حتى إشعار آخر يامولاي ... - لقد مللت منك ، لينصرف الجميع ، اتركوني وحدي وانفض الجميع من حوله ، ودخل الملك القصر ، ثم الجناح الخاص ، الذي كان يفضله كلما رغب بالانعزال . وهناك عادت ذكرى المنام الذي رآه ، وأرعبه المنام ، وأثار هواجسه وخوفه وارتيابه من كل من حوله ، ولو كانوا من أقرب المقربين . وبسبب المنام .. صار يخاف من خياله ، ومن أي همسة أو لمسة أو حركة وسكنة حوله . صار عصبي المزاج ، متوترا ، وصار مؤذيا حتى لمن حوله من خاصته . وراح يحلم ويفكر بكيفية حماية نفسه ممن حوله ، ويبحث عن الوسائل الممكنة ، ليراقب ويتجسس على أفراد عائلته وحاشيته وحراسه وكل شيء في القصر وخلا الملك بنفسه ،وراح يفكر في خطط لمواجهة كوابيسه وهواجسه ومرآته وناسه ووسواسه ، إلى أن تأخر الليل وغط في النوم على إيقاع الكوابيس التي لاتتوقف حدث بتاريخه العام 2012 التوقيع : الراوي المتآمر وإلى الحلقة التالية ، والحكاية الرابعة
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكاتب الفلسطيني طلعت سقيرق في :
-
حامل الهوى تعب : قصة قصيرة
-
من حكايات صاحب الجلالة : قصص
-
المفهوم الملتبس للقوة المدنية السلمية
-
الثورة السورية بين السلمية واللاسلمية
-
سوريا : الجبهة الدولية المشتعلة
-
حكايات صاحب الجلالة
-
السلطة الأم: سلطة الشعب
-
حتمية انتصار الثورة السورية
-
جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة
-
إضاءة على الحقبة الأسدية
-
الأدب والثورة
-
من قصائد الثورة (10)
-
جحا وساميلا: الحلقة الرابعة :قصص قصيرة مسلسلة
-
قصيدتان : ذاكرة للحب و نجوم الفرح : شعر نثري
-
حيث يوجد الحب
-
أنا ونعيمة والوحش : قصة قصيرة
-
جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة
-
اليسار السوري: تاريخ فاشل ودعوة لإعادة البناء
-
من خلف الغربة : شعر نثري
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|