في فرنسا،الجَبهة اليَسَارِيّة تَنْطَلِق

السموأل راجي

الحوار المتمدن-العدد: 3682 - 2012 / 3 / 29 - 01:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إفتِتاحِيّة اللِّسان المركزِيّ لِـحزب العُمّال الشّيُوعِيّ الفرنسِيّ "إنصِهار" La Forge ،عدد شهر مارس/آذار 2012


الجَبهة اليَسَارِيّة تَنْطَلِق

منذ أن إفتَتَحَ ساركوزي حملته الإنتِخابيّة الرّسمية، تضاعفت موجات القدح والذمّ، والإستفزازات، والزلَّات الوهمِيّة والمِنَح والعطاءات الرِّجْعِيّة. قَطَع مُستشارُوه أُولَى الخطوات في إتِّجاه إحتِكار الميدان الإعلاميّ بِــإسمِ "الشّجَاعَة" وتحت عنوان "الحِسّ السَّلِيم" عامِلِين على جَرِّ مُنافِسِهِ الرّئِيسِيّ فرنسوا هُولاند إلى النِّقاش والتّناظُر : إستراتِيجِيّة تواصُل تُحَفِّزُ أنصارهُ تقُوم على طرح ما أسمَوْهُ ب"القضايا الحقِيقِيّة" لِـخلقِ إنقِساماتٍ تُقدِّمُه كمُرشّحٍ وحِيدٍ وطنِيٍّ "مُحبّ لِـفرنسا" ، "مُحبّ للجُمهُورِيّة".
يعمَل ساركُوزِي على جَعْلِ الأفكار الأكثرَ تخلُّفًا ورِجْعِيَّة مركَز ثِـقَل حملتِهِ الإنتِخابِيَّة مُحاوِلاً الإقناع أنّها ما يُرِيدُهُ ويشعُرُ بِهِ "الأُنَاس الحقِيقِيِّين" ! عملِيًّا ،تتموقعُ الحملة على أرضِيّة رِجْعِيّة يتحوّلُ فِيها الخوف من الآخَر خاصّةً إذا ما كانَ أجْنَبِيًّا إلَى سمادٍ لِــما حَرَثهُ اليَمِين المُتطرِّف وزرعهُ هُو ذاته مع مُستشارِيه ؛ يَأمَلُ ساركُوزِي فِي جَنْيِ الفَوَائِد كما فَـعَل إِبَّـانَ إنتِخابات 2007 : يعتقد ساركُوزِي رئيس الأثرِياء أنّ الشّعب يُفكِّر مِثله ، وهُو خطأ مُـمِيت.

لا يكفي الحدِيث عن الشّعب وعنِ العُمّال ، وتوجِيه الأنظَار إلى ما يُعانُونَهُ من صُعُوباتٍ ومشاكِل يُوجِهُونها للتّموِيهِ عَنْ حقِيقةِ أنّ ساركُوزِي على الدّوام ، وبِشَكلٍ أساسِيٍّ "رئيس الأغْنِياء" و "صدِيق الثّروات الضّخمَة" وهُو من سَمَح لهَا بِسِياساتِهِ بزيادة الثَّرَاء في الأزمة عبر دَفْعِنَا إلى دفْعِ تكالِيفها عِوضًا عنهَا !
من ناحية، 73.5 مليار أرباح المُؤسّسات الضّخمة* سنة 2011.

ومِن جهةٍ أُخرَى، عشرات المليارات تُنْهَبُ مِن الجماهير من خِلال زِيادة الضَّرَائِب، علاوةً عن مليارت "التقشُّف" المُعادِل لتقلِيص الخدمات العُمُومِيّة وتخفِيض الحِماية الإجتِماعِيّة. المُحَصِّلَة ثقِيلة جِدًّا ولن نُفصِّل هُنا إذ مِن الوَاضح أنّ "برنَامج" ساركوزي واليمين يتلخَّصُ في : "الإستِمرَار، لأنّهُ لا يُوجَد خِيَار" بالنسبة له، وليس هناك مِن بدِيلٍ غير الإِمْعَان في التقشُّف.
يَسْعَى مع قادةِ الأقطَار الأُخرَى للإتِّحاد الأورُوبِيّ إلى جَعْلِ "التقشُّف" دُستُورِيًّا لِــفَرْضِهِ على جميع الشُّعُوب عبر مُعاهدة ميركُوزي** المُصَادَقِ عليها مُؤخَّرًا .

للمُعاهدة مرحلَتَيْن ، الأُولَى تمَثَّلت في آلِيّة الإستِقرار الأوروبِيّة (Mécanisme Européen de Stabilité MES ) المعرُوضة للمُصادقة على البرلمان في جَلسة 21 فيفري 2012 ، والتي تحَفَّظ خِلالها الحزب الإشتراكِيّ بأغلبِيّة في الوقت الذي كان بإمكانِهِ إيقاف المُعاهدة عبر التّصوِيت ضِدّها وخُصُوصًا في مجلِس الشّيُو ؛ بِـما يعنِي أنّ هذا الحِزب ومُرَشَّحهُ لا يُرِيد القطِيعة مع هذِهِ التوجُّهات السّاركُوزِيّة.

أمّا مُمَثِّلِي الجبهة اليَسَارِيّة فَـقَد صوّتُوا بالضِدّ ونجحُوا في جَرِّ بعضِ نُوّاب الحِزب الإشتِراكِي؛ لم تنتهِ المعركة بعدُ ،سيكُونُ هُناك تصديقٌ ثانِي إثْرَ الإنتِخابات الرِّئاسِيّة ، ومِن الجَلِيِّ أنّهُ بِقَدر ماكانَ للجبهة اليسارِيّة ثِقَلٌ بِـقدْر ما ستتحقّقُ نتائِج خاصّةً في علاقة بِـفَرْضِ إستِفتاء حول هذِهِ الإتِّفاقِيّة.

تتوجّهُ الجبهة اليسَارِيّة إلَى العُمّال والمُوظّفِين والشّباب والنِّساء في الأوساط الشّعبِيّة ، لجميع أولئك الذين يريدون التخلُّص من ساركوزي، والذين يقاتلون مُشتقَّات ماري لوبان وطُرُوحاته الرّجعية وكُلّ من يُرِيدُ قطيعةً حقيقِيّةً مع السِّياسات النّيُوليبرالِيَّة ، سواء كانت "وطنيّةً" أو أورُوبِيّ ؛ وتُقدِّمُ برنامَجَها ومُقترحاتها المَلْمُوسَة كبدِيلٍ عن اللّيبرالِيّة-الإجتِماعِيّة.واضِعة نُصْب الأعيُن ضرُورة القطع مع النِّظام الرّأسمالِيّ .

لهذه الأسباب، ولأنَّها جبهة سِياسِيّة إلتحَقْنَا بِها عامِلِين على تعزِيزِها في إسْتِطلاعات الرّأي وفِي الأوساط الشّعبِيّة وداخِل المُؤسَّسات والأحيَاء ...
لا أحد بإمكانِه إنكار أنّ الجبهة اليسارِيّة إستطاعت خلْقَ دِينامِيكِيّة حقِيقِيَّة تجاوَزَت النِّسَب المسنُودة إليْها في إستِطلاعات الرّأي ، إذ تُمَثِّل دينامِيكِيّة جماعِيَّة وَوِحْدَوِيَّة ترتكِزُ على الجماهير الشّعبِيَّة والعُمَّال والمُثقَّفِين والشّبَاب ... الذِين قدّمَت لهُم آلِيّة تنَظُّم ؛ دِينامِيكِيّة فِعْلِيًّا مُنْفَتِحَة على بقِيّة المُنظّمات والجَمْعِيّات التي يُمكِنُ أن تُنَزِّل معارِكَها الخُصُوصِيّة في حِراك الجبهة اليسارِيّة ؛ ديناميكِيّة مَبْنِيَّة على نِضالاتٍ مُخاضَة عملِيًّا تقترِحُ توسِيعها وتعمِيمها لخلقِ موازِين قوى أكبَر.

يَتَأتَّى كُلّ ذلِك عبْر العَـمَـل ، ولا بُدّ من تعزِيز وتجذِير سيرُورة "الجبهة تَنْطَلِق".

سمة من سمات حملة الجبهة اليسارِيّة ومُرَشّحها هِي الحدِيث بِضمِير الجمع لا بصِيغة الــ"أَنَا" التي تتجاوزُ مُعطَى اللُّغة لِتَعْكِس مفهُومًا وتصوُّرًا لقد أحيَيْنا التطلُّعات كجبهة وكمُرَشَّح. وعُقِدَت علينا آمال هائِلَة لا مجال لِتَخْيِيبِها ؛ ولِذلِك عليْنَا تعزِيز جبهتِنا حتَّى تتحوّل إلى قُوّة كُبْرَى للتّغْيِير السِّياسِيّ والإجتِماعِيّ.
ترجمة : رمزي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*: المُؤسّسات المُصنّفة وِفق مُؤشِّر بُورصة بارِيس المعرُوف دُوَلِيًّا بإسم CAC 40 والذي يُعْنَى بِأكبر 40 مُؤسّسة فرنسِيّة من حيث قِيمة المُعامَلات وحجم إمتِلاك الأُصُول (ملاحظات المترجم)
**: ميركوزِي هي إتِّفاقِيّة جمعت بين أقطاب الأوليغارشِيا الأوروبِيّة المُستشارة الألمانِيّة ميركل والرّئِيس الفرنسِيّ ساركُوزي تُمهِّدُ لِتعمِيم سياسات التقشُّف على كامِل أقطار الإتِّحاد الأوروبيّ وبِـسببها حدث الخِلاف الشّهِير مع بريطانِيا إبَّان القِمّة الأوروبِيّة المُنعقِدة في 8/9 ديسمبر 2011 فِي العاصمة البلجيكِيّة بروكسال.(المترجم)

#السموأل_راجي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات