جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3681 - 2012 / 3 / 28 - 21:25
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.
كان الناس وما زال بعضهم لا يأكل نوعا واحدا من الخبز,ورغيف الخبز هو المعركة الوحيدة والتي ما زالت مشتعلة بين الناس جميعا,فمعركة الحصول على رغيف الخبز بالقوة أو بالمسكنة معركة ما زالت تلقي بثقلها على هموم الإنسان أينما كان وأينما حل وذهب,ولا يمر يوما على الإنسان في كافة بقاع الأرض إلا وشن حربا من أجل الحصول على رغيف الخبز, حتى غدا رغيف الخبز رمزا للشعارات السياسية وعنوانا لبعض القصائد الشعرية في كافة اللغات الحية هذا اليوم,وكانت أنواع الخبز متعددة على عدد وتنوع الطبقات الاجتماعية,ففي البلدان والمواقع الجغرافية التي كانت تأكل نوعين من الخبز فإن هذا يعطينا انطباعا ودليلا حيا عن وجود طبقتين اجتماعيتين وترتفع مكانة الطبقة الاجتماعية على حسب ما كانت تأكله من خبز,تماما كما ترتفع مكانة الإنسان اليوم في بعض البلدان على حسب ونوعية المسكن الذي يسكنه سواء أكان في الريف أم المدينة,وفي العصور الحديثة الموضوع ليس مختلفا جدا إلا من ناحية الذوق وتعدد الأمزجة,ففي البلدان التي يتناول فيها المواطن عشرين نوعا من الخبز يعطينا هذا انطباعا على وجود عشرين نوعا من الأمزجة المتعددة فكل إنسان يأكل الخبز على طريقته وعلى مزاجه وفي عصرنا الحاضر الكل يأكل الخبز الأسمر والأبيض ولكن لكل نوع أكثر من خمسين طريقة للصنع وبعض الناس اليوم منقسمون حول رغيف الخبز الأسمر والأبيض وأيهما يسبب التخمة وأيهما يسبب انخفاضا في الوزن وأيهما غني بالألياف أكثر من الآخر,وأنا شخصيا كلما ذهبت إلى المخبز لشراء الخبز أجد أناسا يطلبونه مخالفا لبعض الناس حتى أنا لا أأخذ ولا أأكل من النوعية التي يأكل منها جاري أو حتى أولادي,وأنا بالنسبة لي حتى سن السادسة عشر من عمري كانت أمي هي التي تصنع لنا الخبز في البيت ولم أكن أعرف مصانع الخبز إلا متأخرا جدا بعد سن البلوغ تقريبا حتى اختفت في الآونة الأخيرة من بلدتنا كل الأمهات اللواتي يصنعن الخبز عن بكرة أبيهن,وقد فاتني جدا أن أأخذ صورة تذكارية بجانب أمي وهي تصنع لنا الخبز,لقد كان مشهدا لا نستطيع إعادة تصويره.
وبسبب الفتوحات العسكرية وبسبب انتشار تجارة الرقيق انتشرت ثقافة صناعة الخبز من اليونان إلى الرومان وانتصر الخبازون الرومان على الخبازين اليونان من ناحية تفننهم في صناعة الخبز, وثار الأردنيون من أجل رغيف الخبز في سنة 1989م,وكل دولة وكل بقعة في العالم عاصرت حربا ضروسة من أجل رغيف الخبز ولا توجد بقعة جغرافية إلا وعانت من ثورات الخبز الدموية,وكان الإنسان الأول يأكل القمح في مصر وفي بلاد الرافدين قبل أن يتوصل ذلك الإنسان إلى طريقة أخرى يطحنُ فيها القمح ليعجنه بالماء ومن ثم ليشويه على النار,لقد كان الإنسان يعيش على الحبوب وعلى الدرنات مثل البطاطة والجذور وثارا لشعب الجزائري من أجل رغيف الخبز في سنة 1988م وسقط فيها أكثر من 500 قتيل أو شهيد,وانتفض الشعب التونسي في سنة 1984 م من أجل رغيف الخبز, والخبز في الأيام السياسية والعصيبة والصعبة جدا يعني للشعوب الثائرة الشيء الكثير وكثيرون هم الثوار الذين يستغلون الخبز كشعارٍ لثوراتهم والخبز بالنسبة للغالبية من السياسيين يعني رمز الموت والحياة وتحقيق النتائج المرضية, وإذا حدثت أي أزمة غذائية في العالم فإنها تحدث أول ما تحدث على الخبز,وفي الأدب العالمي يعتبر بعض النقاد أن كل لوحة فنية أو كل عمل إبداعي من الأجناس الأدبية يعتبر بحد ذاته رغيفا من الخبز, لقد قامت الثورات عبر التاريخ من أجل الملح والبترول والخبز للسيطرة على منابع ومصادر الملح والماء والخبز,واستغل رغيف الخبز كثيرٌ من الشعراء والأدباء حتى قال أبو العتاهية:
ورغيف خبزٍ يابسٍ..أأكله في زاويه
أحبُ إليَّ من ..القصور العاليه.
ويقال بأن انبراطورة فرنسا ماري أنطوانيت قد جعلت الشعب يهيج ضدها أكثر حين قالت ردا على جواب كانت سألته عن أسباب الثورة بأن الناس ثائرة لأنها لا تجد الخبز لتأكله فردت عليهم ساخرة:ليأكلوا البسكويت.. وقطعت الثورة الفرنسية رأسها سنة 1793م,ويقال في هذا مبالغة كبيرة والله أعلم بالحقيقة, ,ودافعت كافة شعوب العالم عن رغيف الخبز أكثر مما دافعوا عن معابدهم ومعتقداتهم الدينية وإذا ما قسنا تاريخيا ثورات الخبز والجياع والثورات الدينية فإن عدد ثورات رغيف الخبز كانت هي الأكثر والأعنف والأكثر دموية على مدى التاريخ الطويل للإنسان العاقل ,ومن أجل رغيف الخبز سقط السلاطين ومن أجل رغيف الخبز باع الناس أراضيهم وأوطانهم ومنهم من خان دينه في سبيل الحصول على رغيف الخبز .
ولم يكن الإنسان الأول الذي عجن الخبز يعرف شيئا عن الخميرة بل كان يحتفظ ببعض العجين لصباح اليوم التالي لكي يضيفه إلى العجين الجديد ومن هذا المنطلق عرف الإنسان (الخميرة),ودفن الفراعنة الخبز مع موتاهم كمعيل لهم في رحلتهم الأبدية نحو العالم الآخر وعرف الفراعنة الأوائل أكثر من 30 نوعا من أنواع الخبز الشعبي,واشتهر عن اليونان مجادلات كثيرة على أيهم الأفضل الخبز الأسمر أم الخبز الأبيض؟وأكل الأغنياء على مر التاريخ الخبز المعحون من القمح وأكل الأقل منهم مرتبة الخبز المصنوع من الشعير وغيرهم من الناس كان يأكل الخبز المعجون من حبوب الذرة,وروت لي جدتي ذات يوم بأن الناس في قريتنا كانوا يأكلون خبز الذرة ولم يكن باستطاعة الجميع أن يأكلوا من خبز القمح,وكان للمد العسكري شرقا وغربا والفتوحات التي فتحها البابليون في بلاد ما بين النهرين أثرا كبيرا على انتشار ثقافة صناعة الخبز حيث تعلمت الشعوب الأخرى من المصريين ومن الرافديين طريقة صناعة رغيف الخبز المشوي على النار.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟