أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح سلامة - الإلحاد يتحدى _ ج_















المزيد.....



الإلحاد يتحدى _ ج_


سامح سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 3680 - 2012 / 3 / 27 - 20:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


83. الحقيقة أن الله وأى كائنات غيبية أخرى من شاكلته هو نتاج سلسلة من الافتراضات العقلية التعسفية التى لا دليل عليها، صدقها المؤمنون، و يطالبونا بالتسليم بها بلا دليل، كما يسلمون هم بها، وكأنها بداهة رياضية كالنقطة والخط لا تحتاج إلى أن نثبتها لكل ذى عقل.
84. برهان الوجود هو أحد البراهين على وجود الله، و هو افتراض المؤمنين بالله، أن هناك ما هو مطلق وكامل ولا نهائي و ثابت، برغم أنه لا يوجد أحد قد رصد هذا المطلق والكامل واللانهائى والثابت فى أى كائنات طبيعية (فيزيقية)، و من هنا يبنى المؤمنون على هذا الافتراض سلاسل من البراهين العقلية على وجود كائنات مطلقة وكاملة ولا نهائية و ثابتة لا طبيعية (ميتافيزيقية)، لأن كل ما هو غير موجود لا يمكن أن يكون مطلق وكامل ونهائى وثابت، وبما أن هناك ما هو كامل ومطلق ونهائى و ثابت، كما يفترضون هم عقليا، فأنه لا بد أن هذا الكمال والإطلاق و اللانهائية و الثبات يتمثل فى كائن لا مادى أو ميتافيزيقى، أى ما كان اسمه، الله، براهما، زيوس، وحش الإسباجيتى الطائر، التنين الوردى، وهذا هو برهان وجوده الرئيسى لديهم، رغم أنه لا يمكن أن تدركه الكائنات المادية الفيزيقية مثلنا إلا عن طريق إيمانها العقلى بوجوده لا عن طريق الحواس. وبرغم ذلك يطالبون من ينفى وجوده بالدليل على هذا النفى، كما لو كانوا هم قد أتوا بدليل الوجود، والحقيقة التى يتغاضون عنها فى هذه الحالة أن البينة على من أدعى لا على من أنكر، ونحن لا ندعى وجود تلك الكائنات حتى تكون علينا البينة بإثبات نفيها، فعلى من يدعون وجودها أن يثبتوا هذا الوجود لنا بالبينة. فهم يدعون أن الكون مخلوق، فعليهم إذن اثبات كونه مخلوق فضلا عن اثبات وجود من خلقه بناء على ذلك، أما من يقولون مثلنا أن الكون غير مخلوق فليس عليهم اثبات نفى وجود هذا الخالق المزعوم لكون يؤكدون بأنفسهم أنه غير مخلوق.
85. المؤمنون بالله يفترضون ضرورة وجود ما هو كامل وثابت ومطلق و لانهائي برغم كل ما يرونه من نقص وتغير ونسبية ونهائية فى كل ما حولهم من أشياء، و هم بناء على ذلك الفرض يثبتون وجود الله، لأن الله لا بد و أن يكون كامل وثابت ومطلق و لانهائي، وهى أحد أهم الحجج التى يبرهنون بها على وجود الله، و تسمى حجة الوجوب وهى تقوم على افتراض أن الله لا بد وأنه يتصف بكمال وثبات وإطلاق و لانهائية ينفرد به وحده عن كل مخلوقاته، مستندين فى ذلك على أن الكمال والثبات واللانهائية والاطلاقية صفات ضرورية للوجود، ومن ثم فلابد من وجود ما هو كامل فى مقابل ما هو ناقص، ما هو ثابت فى مقابل ما هو متغير، ما هو مطلق فى مقابل ما هو نسبى، ما هو لا نهائى فى مواجهة ما هو نهائى، وهذا دليل على وجود الله من وجهه نظر المؤمنين به.
86. الحقيقة أن الكمال والثبات والإطلاق واللانهائية ليس صفات ضرورية للوجود كما يزعم المؤمنون، فكل الأشياء من حولنا موجودة رغم نقصها و تغيرها ونسبيتها ونهائيتها، فالوجود إذن ليس صفة كصفات اللون والحجم والشكل التى تلتصق بالموجود أو الشئ بمجرد وجوده، فاللون كصفة لا يمكن أن يوجد منفصلا عن الموجود الملون، فالأزرق صفة لا يمكن فصلها عن البحر، أما البحر كشئ فيمكن أن يتلون بلون آخر، حيث أن لونه الأزرق مجرد صفه له، ناتجة عن عدم امتصاصه اللون الأزرق من ضوء الشمس الساقط عليه، بصرف النظر عن إدراكنا لتلك الصفة أو معرفتنا بها.
87. غير الموجود إلا فى خيالنا ليس له من صفات إلا ما نفترضها نحن فيه، فنتخيل الغول، أو وحش الإسباجيتى الطائر، أو التنين الوردى، أو أى كائن غيبى آخر، ونفترض وجوده خارج عقلنا ككيان مستقل عن هذا العقل، ونعطيه صفات من خيالنا، إلا أن هذا لا يكفى إطلاقا لمنحه الوجود الحقيقى، و لا يعنى أن هذه الصفات التى افترضناها نحن فيه حقيقية، وهذا لا يجعلها موجودة خارج عقولنا، بعكس صفات الموجودات الحقيقية من بحر وجبل ووادى، التى تؤثر فى حواسنا وعقولنا، فنصفها بتلك الصفات التى ندركها فيها من شكل ولون الخ.
88. يمكنا البرهنة عمليا على أن كل الأشياء والظواهر من حولنا ناقصة ونسبية ونهائية ومتغيرة، إلا أنه لا يمكنا إثبات أن هناك أشياء كاملة أو مطلقة أو لا نهائية أو ثابتة عمليا، فهى مجرد افتراضات فى عقولنا لا يمكن البرهنة علي وجودها علميا، فافتراض الكمال و الإطلاق واللانهائية والثبات فى شيء ما، هى مجرد فكرة مثالية لا أساس لها من الواقع الملموس الذى نعيشه، فلا معنى لكمال الصفات الحسية التى نعرف من خلالها الأشياء، من حجم و شكل ولون وقوة، أو غير الحسية من خير وشر ومعرفة، التى يفترض الغيبيين أن الله يتصف بها، و الذى يجب أن يوجد أولا حتى يمكن أن نعرفها فيه ونثبتها له.
89. أن الصفات الحسية هى صفات للموجودات المادية من طاقات وكتل، حية وغير حية فقط، و هى ليست من صفات الكائنات "اللا مادية" لأنها كائنات غير قابلة للقياس، و لا تخضع للحواس، فلو كان لها صفات حسية لأدركتها الحواس، و الله لابد من تجريده وتنزيهه عن الصفات الحسية من صفات مخلوقاته، و إلا كان كائن مادي مجسد وناقص ومتغير ونسبى ونهائى كسائر مخلوقاته، ونكون قد وقعنا بذلك فى التشبيه والتجسيد الوثنى الذى تنكره عقيدة التوحيد الإبراهيمية، ومن ثم فالله كائن منزه عن المادية مما يعنى أنه منزه بالضرورة عن الصفات الحسية للكائنات المادية، و إلا كان يمكنا إدراكه بحواسنا، أو إدراك تأثيره علينا لو كانت لديه تلك الصفات التى يمكن إدراكها بحواسنا فيمكنا رؤيته ولمسه وسمعه، وتعريضه للقياس والرصد بالأجهزة العلمية.
90. الحجة الثانية على وجود الله هى حجة السبب الأول، و هى أن كل شيء يبدأ بالوجود لا بد له من مسبب، و يردد المؤمنون بالله قول ذلك البدوى المؤمن عن كيف استدل على وجود الله "بأن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير"، وبناء على ذلك يفترض المؤمنون بالغيبيات أن الكون كله بدأ بمسبب لوجوده، و أنه لم يكن موجودا دوما، و أنه مخلوق لابد له من خالق، وكان يسبقه العدم دون أن يبرهنوا على إمكانية أو كيفية خلقه من عدم، و لا البرهنة عن لماذا لا يمكن للكون أن يكون هو نفسه مسبب نفسه، و من ثم يفترضون أيضا و بلا دليل أن للكون مسبب مختلف عن الكون نفسه، وخارج عنه، وسابق عليه فى الوجود، و من جانب آخر يفترضون بتعسف و بلا دليل أزلية هذا المسبب وأبديته، على عكس الكون الذى خلقه، و يؤكدون طبيعة هذا السبب الأول غير المادية، والمتصفة بكونها المطلقة القدرة والمعرفة، بعكس طبيعة الكون المادية، و القابلة من وجهه نظرهم للخلق من عدم، والفناء للعدم، و هم يطلقون على هذا المسبب الله أو أى اسم آخر دون دليل منهم على أنه هو نفسه السبب الأول لا غيره من المسببات الافتراضية الأخرى كوحش الأسباجيتى الطائر أو رع أو زيوس أو براهما أو التنين الوردى، وهم يفترضون في المسبب الأول أيا كان اسمه، و بلا دليل أيضا أنه مسبب نفسه بنفسه على عكس الكون الذى تسبب فى وجوده، و الذى يحرمونه بلا دليل من الأزلية والأبدية، فى حين يمنحون الأزلية والأبدية لهذا الكائن الغيبى المتعالى الذى صنعه خيالهم، والذى لا يمكن لنا أن ندركه.
91. أننا حتى مع التسليم بضرورة السبب الأول فنحن لا يمكن أن نحدد ما هو هذا السبب و مواصفاته؟، و لا يمكن أن نثبت أن هذا السبب كائن غير مادى عاقل ذكى كلى المعرفة والقدرة. والتأكيد على أنه ليس هناك إلا سبب أول وحيد, فمن الممكن أن تكون هناك مجموعة من الأسباب تسببت كل واحدة منها في خلق جزء مختلف من الكون، أو بالتفاعل فيما بينها فى خلق الكون كله.
92. لماذا لا تكون هذه الأسباب مادية كامنة فى طبيعة المادة نفسها التى نشأ منها الكون؟، على عكس ما يفترض الغيبيين أنها أسباب غير مادية، ونسألهم بدورنا كيف أثرت الأسباب اللا مادية فخلقت الأشياء المادية من عدم؟، وكيف لها أن تؤثر فيها؟ فكيف لشيء لا يمكن أن ندرك طبيعته أو يمكن أن نثبت وجوده أن يحرك الكرة من حالة سكونها، فى حين أنها لا تحتاج إلا ركلة من القدم أو نسمة هواء كى تتحرك، و إلا سوف تظل ساكنة مهما دعونا الله أن تتحرك، فإنها لن تتحرك إلا بسبب مادى؟.
93. الغائية هى الحجة الثالثة على وجود الله، و هى افتراض المؤمنين بالغيبيات أنه لا بد لهذا الكون من هدف وغاية، وذلك بسبب وجود التعقيد والنظام فيه، ضاربين الأمثال بالكائنات الحية على الأرض، والتى يستنتجون منها حتمية وجود مصمم عاقل ذكى لهذا الكون، ويفترضون مرة أخرى بلا دليل أن الله أو غيره من الكائنات الغيبية وغير المادية، هو هذا المصمم الذكى العاقل كلى القدرة والمعرفة، الخالق لهذا الكون لهدف لا تدركه سوى حكمته، برغم أن وجود هذا المصمم الذكى افتراض لا يعنى أنه هو عينه الله أو غيره من الكائنات الغيبية تحديدا، هو خالق الكون دون سواه، فربما يكون أى كائن غيبى أو مادى آخر، كما أن هذا الافتراض بوجود المصمم الذكى لا يعنى أن لدي هذا المصمم تلك القدرة الخارقة على الخلق من عدم، و أنه قادر أن يقول للشيء كن فيكون، فنحن بحاجة لدليل واضح على وجود هذا الكائن الغيبى الذى يؤمن به المؤمنون دون سواه من كائنات غيبية ينكرون وجودها، فمن يؤمنون بالله ينكرون وجود براهما وملايين الآلهة الأخرى التى عبدها البشر عبر تاريخهم، ومن يؤمنون بوجود أى من هذه الآلهة يكفرون بالله الذى لا يحب أن يكون له منافسين فى الألوهية، وهذا أولا، فضلا على إثبات قدرة هذا الإله تحديدا دون غيره من الآلهة على خلق المادة من عدم وهذا ثانيا، وأنه تحديدا هو من خلق كل تلك المخلوقات دون سواه وهذا ثالثا.
94. بالضرورة لا بد أن يكون الكائن المطلق الكلى القدرة، والخالق لكل تلك المخلوقات أكثر تعقيدا من كل ما صممه وخلقه أى الكون كله، و لا يمكن تصوره أبسط من أى من مخلوقاته، لأننا بهذا نؤكد أن مخلوقاته سوف تكون أكثر تعقيدا وانتظاما منه، أى أعظم منه فى صفة من الصفات، وبالتالى فهو ليس مطلقا و لا كاملا و لا نهائيا كما يفترض أن يكون، وكما يؤمن به المؤمنون، وبناء على تلك الضرورة المنطقية، فإنه وحسب نفس دليل الهدف والغاية الذي يثبت به المؤمنون وجود هذا الكائن الكلى القدرة، لابد أن يكون لوجود هذا المصمم الذكى الخالق هدف و غاية من الوجود، و لابد أن يكون مصمم لإحداث هذه الغاية والهدف، مثله مثل كل الكائنات المادية، طالما كان على هذه الدرجة من التعقيد و الانتظام والقدرة الخارقة، و أنه وفق نفس الدليل القائم على أن هذا التعقيد والانتظام فى الكون لابد أن يكون له خالق ذكى، و من ثم فإن الكائن الغيبى الكلى القدرة لا بد و أنه تم تصميمه من قبل مصمم وخالق آخر أكثر تعقيدا وانتظاما و ذكاء منه بالضرورة، وهذا بدوره سوف ينطبق عليه نفس المنطق، وهكذا إلى ما لا نهاية، أما أن نجعل الكائن الغيبى الأكثر تعقيدا وذكاء وانتظاما من مخلوقاته بلا خالق أكثر تعقيدا وذكاء وانتظاما منه، فى حين نقول أن الكون المادى الأكثر بساطة بالضرورة لا بد له من خالق أكثر تعقيدا منه بحكم تعقيده وانتظامه، فهذه هى الازدواجية فى المعايير، والكيل بمكيالين، ذلك أننا طالما قبلنا بقاعدة فعلينا أن نطبقها على الجميع دون ان نستثنى أحد تعسفا منا، و دون مبرر معقول، فما هو المبرر المعقول لاستثناء الله من ضرورة وجود كائن آخر سابق له أكثر تعقيدا منه خلقه لهدف وغاية، وأنه صممه و سبب وجوده وحركه، و لماذا يؤكد المؤمنون بالغيبيات أن هناك مسبب أول للكون إلا أنه بلا سبب لوجوده، ومحرك أول للكون إلا أنه بلا محرك له، ومصمم أول للكون إلا أنه بلا مصمم له، فى حين يجزمون بضرورة وجود مسبب للكون بلا مسبب له، ومحرك للكون بلا محرك له، وخالق للكون بلا خالق له، ومصمم للكون بلا مصمم له، فأين السفسطة إذن أفى ما يقوله الملحدون أم فى ما يقوله الغيبيون؟.
95. فرضية الغيبيين أن هذا المصمم الذكى لم يصممه ويحركه ويسببه ويخلقه أحد، وأنه صمم وسبب وحرك وخلق نفسه بنفسه، أو أنه موجود هكذا منذ الأزل بلا تصميم و بلا سبب و لا خالق و لا محرك و لا هدف، ليخلق كونا بهذا التعقيد على هذا النحو، تواجهها فرضية أخرى يقول بها الماديون هى أنه من بين الفوضى والبساطة اللتان تتصف بهما معظم مكونات الكون الهائلة فى الحقيقة، انبثقت موجودات متناهية الندرة بالقياس لحجم الكون اللامحدود، تتصف بأنها أكثر تعقيدا وانتظاما، بتراكم الانتظام والتعقد، من أبسط الأشياء إلى أعقدها، و من أدنى الأشياء إلى أرقاها، وبالتدريج و بالتكيف مع ظروف البيئة، وعبر بلايين السنين مثل الكائنات الحية على الأرض التى تتأقلم مع محيطها، الفرضية الأولى الغيبية تحتاج اثبات والفرضية الثانية المادية مثبتة علميا.
96. الحقيقة العلمية المؤكدة أن الكون بكل مكوناته فى حالة فوضى لو شاهدناه ككل، على عكس الشائع بين الناس بأنه غاية فى الانتظام، حيث تصطدم باستمرار المجرات والنجوم والكواكب ببعضها، وتنفجر وتتبعثر مكوناتها فى الكون، ثم تندمج مكونات أخرى من السحب الكونية، لتنتج مجرات ونجوم وكواكب أخرى، أما ما يحدث أمامنا من انتظام ظاهرى، وثبات مؤقت أحيانا، قياسا على تاريخنا القصير جدا كبشر على الأرض الذى لا يتجاوز مئات القرون، ووجودنا اللحظى كأفراد الذى لا يتجاوز بضعة عشرات من السنين، قياسا لزمن الكون المقاس بمليارات السنين، هو ناتج عملية اصطفاء آلية، إلا أن هذا الانتظام مهما طال به الزمن سوف يعود بعد فترة لحالة الفوضى، فحياة الكائن الحى هى نتيجة انتظام ظاهرى مؤقت لجزيئات كيميائية، سرعان ما تنتهى إلى حالة من الفوضى تؤدى لموت هذا الكائن الحى، و المجموعة الشمسية التي نرى كواكبها تتحرك بشكل منتظم فى أفلاكها، فإن انتظامها طارئ و مؤقت و سوف يتلاشى بعد زمن طويل بالنسبة لمقاييسنا البشرية القصيرة لحالة من الفوضى، و إن هذا الانتظام المؤقت للمجموعة الشمسية قد حدث لأن كل جسم لا يسير بسرعة معينة و وفق مسار معين فى مجال جاذبية الشمس ابتلعته الشمس او انفلت من حقل جاذبيتها، و لم يبقى في النهاية إلا الكواكب التي نراها الان والتى سوف تبتلع الشمس معظمها عند انفجارها بعد خمسة مليون سنة، لتتكون مجموعة نجمية جديدة على أنقاض القديمة بنفس الطريقة التى تكونت بها مجموعتنا الشمسية، من مجموعة نجمية أسبق، و الكائنات الحية تخضع لنفس المبدأ فتغيرها ناتج عن عمليتين هما الطفرات الوراثية التى تحدث للكائنات الحية، والتكيف مع ظروف الطبيعة، فمن يتكيف يبقى ومن لا يتكيف ينقرض، وهذا ما يؤدى إلى الانتخاب الطبيعي للكائنات الحية.
و يؤكد تلك الحقيقة أن هناك تطابقا مذهلا مع السجل الأحفوري الذي يؤرخ للحياة فوق كوكبنا، فنجد الكائنات الحية بدأت قبل 4 أربعة مليارات سنة، بدائية بسيطة، و ازدادت تعقيدا بالتدريج نتيجة تراكم الطفرات، و تفاعلها مع الوسط الخارجي، و لعبت البيئة و الظروف الطبيعية دور الانتقاء، فكل الكائنات التي "فشلت" في العيش وفق ظروف بيئتها انقرضت... و لم نعد نرى الان بعد هذه الرحلة الطويلة الا الكائنات الحية "الناجحة" و المتأقلمة مع بيئتها.
97. الكائنات الحية التى يبرهنون بها غالبا على وجود المصمم الذكى، تمتلئ فى الحقيقة بالتصميمات السيئة مما يسبب إعاقتها وأمراضها وشيخوختها و موتها، وهذا برهان قوى على عدم تصميمها المسبق من كائن أذكى من الإنسان، الذى يدرك بعقله مدى سوء تصميمها، ويعالج عيوبها أحيانا عندما تمرض، بل ويمكنه تصميم ما هو أكثر كفاءة منها أحيانا، وهو الأقل قدرة ومعرفة وذكاء مقارنة بالقدرة والمعرفة والذكاء الذين نفترضهم لدى المصمم الإلهى الذكى، الذى إذا كان فعلا كلى القدرة والمعرفة، كما يؤمن المؤمنون به، فعلى تصميماته أن تخلوا من العيوب والمكونات غير المفيدة و المعطوبة والمعطلة والضارة، وعليها أن تخلوا من عدم الانسجام فيما بينها.
98. يزعم الغيبيون أن عالمنا منظم متقن الصنع، و لا توجد أية أخطاء به، بل مصمم بذكاء مطلق يفوق بالطبع الذكاء البشرى النسبى، وهذا هو أحد أهم أدلتهم على ما يزعمونه من ضرورة وجود خالق عظيم خبير لهذا الكون، بعد ثبوت تهافت الأدلة التقليدية على وجوده, وهى الوجوب والمحرك الأول والسبب الأول والهدف، ليبقى دليل المصمم الذكى الذى يقدمه إعلاميو ومثقفو الدجل الدينى بشكل يسحر أحيانا ألباب الألوهيين غيبيين أو ماديين، واللا أدريين، فضلا عن المتدينين بالطبع. دون أن يسأل أحد منهم أين كفاءة التصميم فى الأمراض الطارئة التي تصيب الجسم وتهدده بالموت ثم تزول بالعلاج, و فى العاهات المختلفة، والتشوهات والإعاقات الجسدية والنفسية والعقلية التى يولد بها البعض دون ذنب جنوه، والأمراض والتشوهات الوراثية المميتة والمؤلمة، وفى الأوبئة والأمراض المزمنة التى لا علاج لها، وفى الشيخوخة وأمراضها، والتى لا تدل على كفاءة الكائن الحى فى أداء وظائفه مقارنة بما يصنعه الإنسان من أدوات وآلات، وأين الكفاءة فى الكوارث الطبيعية من براكين وزلازل وسيول وفياضانات، و فى المجاعات التى يتم حصد الناس فيها حصدا بلا داعى، وما يقلل من آثارها المدمرة إلا جهد الإنسان فى تلافيها قدر استطاعته.
99. أين الرحمة التى يزعمونها فى ذلك الخالق، الذى خلق مخلوقاته الحية ما بين آكل ومأكول، وحوش وفرائس، و أين الحب مع كل هذا الألم الجسدى والنفسى الذى يتعرض له كل الأحياء من الميلاد حتى الموت، مهما حاولوا تلافيه، أين الرأفة والعبقرية والحكمة فى خلق خلايا غضة لأطفال صغار مازلت حديثة الصنع، ولكنها رغم ذلك تصاب بالعطب لعيوب فى التصنيع، فيصابون بالسرطان، ويتألمون كل تلك الآلام المبرحة دون ذنب جنوه، بل إن سوء تصميم هذا الخالق المزعوم للبشر وغيرهم من الأحياء، جعل هذا الألم ملازم لكل حرمان من إشباع رغبة غريزية وضعها فيهم، فيدفعهم لإشباعها لينتهوا من ألم الحرمان منها، كما هو ملازم أيضا لإشباعها على السواء، ففى كل الأحوال لن تهرب من الألم، جسدا أو نفسا، فلا هنا راحة ولا هناك، فيا لها من نعم من بها علينا، كأنما نحن من طلبنا منه أن يخلقنا على هذا النحو، وكأنما كانت لنا إرادة فى الوجود، وفى الظروف التى وجدنا بها، وبعد كل هذا يدعى الدجالون أنه يحبنا، وأنه رحيم بنا، وأننا إذا اقبلنا إليه أقبل علينا، وإذا دعوناه استجاب لنا، وإذا أطعناه حمانا من قسوته، و إذا عصيناه سلط علينا عذابه، و يدعون إن ما يصيبنا من ألم هو اختبار للمؤمنين به، وفى نفس الوقت عقاب للكافرين به، فساوى بذلك و هو العادل بين من أطاعوه وعصوه على السواء، فما الجدوى من طاعته إذن، ولما الخوف من عصيانه إذن، وحقيقة الأمر، أنه لا يقبل على المقبلين عليه، و لا يدبر عن المدبرين عنه، و لا يستجيب لدعاء المؤمنين به، ولا يعنيه صمت الملحدين به، و لا يرحم من يطيعونه، و لا يعاقب من يعصونه، فهو لا يضر و لا ينفع. مهما أطاعوه أو عصوه. لأنه ببساطة، وهما صنعوه لأنفسهم لأغراض التخدير و التسلط والتربح.
100. هناك مشاكل تدل على سوء التصميم في أجسام الكائنات الحية نفسها. فشبكية العين عكس العديد من الأعضاء في الجسم, حيث تكون الطبقة الوظيفية في الداخل، وتأتيها من الخارج الطبقات المغذية ( الأوعية الدموية ), لكن في شبكية العين نلاحظ أن التركيب مختلف, فالطبقة الحساسة للضوء هي في الخارج, وأما الأوعية الدموية فهي في الداخل. وأضرار هذا التصميم, هو وجود البقعة العمياء في العين, وهي بقعة غير حساسة للضوء, ولكن هذه المشكلة يمكن تجاوزها, أما المشكلة الأكبر فهي ارتباط العصب البصري بالشبكية من داخل العين فقط وليس من جزءها الخلفي، وهذا يجعل الارتباط ضعيف بين الشبكية ومؤخرة العين, مما يؤدي عند كثير من البشر إلى حدوث انفصال الشبكية والعمى...... كما نلاحظ عند الرجال أن القناة التي تنقل البول إلى الخارج تمر في وسط البروستات، هذا التصميم يؤدي إلى كثير من المشاكل وخاصةً عند الكهول المصابين بضخامة البروستات مما يعيق تدفق البول. و آلام الظهر تأتى عن الأقراص الفقرية الرقيقة و وجود التحدب الخاص في أسفل الظهر, وفي الحقيقة فإن تصميماً بديلاً مع زيادة ثخانة الأقراص وانحناء بسيط مع أعلى الجذع للأمام سيخفف الضغط على الفقرات ويقلل خطر الانزلاق.... دوالي الأطراف السفلية التي تسبب توسع الأوردة الدموية وانتفاخها و أحياناً جلطات دموية مميتة, يمكن إصلاحه بوجود عدد أكبر من الصمامات في أوردة الساق مما يقلل خطر الدوالي.
101. الإنسان والقرود العليا تحتاج إلى فيتامين "سي" بصفة يومية, الغريب هو أنّ أغلب الكائنات تملك خاصية الإنتاج الذاتي له في تركيبها ومن بينها الإنسان والقرد. المفروض أنهم يملكون خاصية الإنتاج الذاتي لهذا الفيتامين في تركيبهم الجيني. وهو موجود ولكنه في نفس الوقت "معطل عن العمل" لسببٍ ما. الزائدة الدودية ليس لها أي فائدة, وهي زائدة عن حاجة الجسم, وهي في الأغلب تمثل جراباً لتجميع البكتيريا، وتتضخم غالباً ليلجأ الشخص للتخلص منها. فك الإنسان "مصمم" أصغر من الحجم المناسب لعدد الأسنان الموجودة فيه, وهذا هو السبب في وجود "ضروس العقل" التي تتسبب في حدوث مشاكل عند أغلب الأشخاص.
102. الكائنات المائية التي لا تعيش إلا في أعماق الماء والكهوف, بحيث تكون الرؤية منعدمة تماماً, لها أعين معطلة عمياء لا فائدة منها كسمكة السمندل مثلاً. بعض الثعابين التي تمتلك رئتين أحداهما تعمل والأخرى معطلة. البقايا الضامرة لعظام الرجل وعظام الحوض الضامرة والغير مستخدمة في الثعابين والحيتان. أجنحة الطيور التي لا تطير كالدجاج مثلاً. الأجنحة الضامرة لطيور لا تطير إطلاقاً كالكيوي. هناك مكونات أخرى فى جسم الإنسان يسمونها مكونات أثرية مثل بقايا الجفن الثالث الموجود فى العين الظاهر فى القرنية فى ركنها القريب من أعلى الأنف، والعصص الذى هو ذيل ضامر فى نهاية العمود الفقرى، والغشاء الجلدى ما بين الأصابع. والحلمتان بثدى الرجل اللذان لا وظيفة لهما.
103. 98% - 99 % من "الدي إن إيه" في جسم الإنسان معطل وليس له وظيفة في بناء الجسم. و من المعروف أن الميتوكوندريا إحدى مكونات الخلايا والمختصة بإمداد الخلية بالطاقة تحتوي على جينات البروتينات الخاصة بها في داخلها, وفي هذا تعتبر الميتوكوندريا "خلية" مستقلة داخل الخلية الأم, فمن المعروف أنّ النواة فقط هي التي تحوي على جينات صنع البروتينات, ولكن الميتوكوندريا كسرت هذه القاعدة. وللعلم فقد وُجِدَت الجينات الميتوكوندرية المسئولة عن صنع البروتينات الميتوكوندرية, مكررة مرة أخرى في النواة ! الذي توجد الجينات المكونة له مرتين في الخلية؛ مرة في النواة, ومرة أخرى في الميتوكوندريا، فما هذا الإهدار الذكى للموارد أيها المصمم الذكى؟.
104. في الأحصنة الحديثة توجد الجينات المسببة للخطوط, والتي تدل على تطور هذا الحيوان من سلف مخطط مثل الحمار الوحشى, فلو كان الخالق خلق الحصان بطريقة ذكية فلماذا نسي هذه الجينات في المخزن. لسمك المقص ( أبو جلمبو ) ذيلاً ضامراً قصيراً أسفل الحيوان.
105. بعض الأمثلة التي ذكرتها تدل على صحة نظرية التطور لا صحة نظرية المصمم الذكى، مثلا: بعض الطيور التي لها أجنحة ولكنها لا تطير؛ وسبب ذلك إلى أنها كانت تطير وبعد أن استقرت في مناطق مناسبة يكثر فيها الغذاء ويقل فيها الأعداء توقفت بالتدريج عن الطيران والتنقل ثم زاد وزنها وأصبحت الأجنحة لا تقوى على حملها، ويتوجب أن تعيش هكذا مراحل زمنية كبيرة لتضمر هذه الأجنحة، مثلما ضمرت أعضاء أخرى لدى كائنات أخرى لم تعد في حاجة إليها مثلما جرى مع العيون التي لا ترى لدى بعض الأسماك وحتى الثعابين، فقد تطورت لديها أدوات أخرى عوضتها عن ذلك مثل شدة الشم عند الثعبان وجهاز إرسال واستقبال الذبذبات عند الخفاش، وهو جهاز خارق يتمكن به من تمييز حشرات صغيرة طائرة على مسافات بعيدة والتوجه نحوها بدون خطأ في الظلام الدامس.
106. هناك كون وجد بانفجار كبير منذ خمسة عشر مليار عام لكتلة لا متناهية الكثافة والحرارة، يحتوى على مئة مليار مجرة، وكل مجرة تحتوى على مئة مليار نجم كالشمس، تدور حول كل نجم كواكب، وأقمار حول الكواكب أكثر منها عددا بالطبع، وتتناثر كوكيبات ومذنبات وشظايا انفجارات كونية بأكثر من هذا بكثير، وغالبيتها الساحقة غير صالحة للحياة، و يمتد هذا الكون فى حجم يبلغ نصف قطره المرصود لنا 16 مليار سنة ضوئية، والثانية الضوئية إن لم تكن تعلم300ألف كيلو متر، وعلى أحد هذه الكواكب الصالحة للحياة، منذ حوالى أربعة مليار عام، يفترض المتدينون بالأديان الإبراهيمية، تعسفا بلا دليل، وجود مصمم ذكى بعد أن خلق كون بهذا الحجم الهائل، أنتظر طويلا حوالى 12 مليار عام حتى أخذ يخلق كائنات حية على مدى أربعة مليارات عام على هذا الكوكب المختار الذى يبلغ عمره ستة مليارات عام، وبعد ذلك بوقت طويل جدا أستطاع أن يخلق البشر منذ 6 مليون عام، وانتظر طويلا حتى خلق الإنسان العاقل منذ خمسة وعشرين ألف عام، وأنتظر طويلا حتى قبل بضع ألوف من السنين ليرسل رسله وأنبيائه لسكان منطقة محدودة هى الشام والعراق والجزيرة العربية، وهو جزء صغير جدا من هذا الكوكب الصالح للحياة الذى يقارنه المتدينون بكل الكون، وهم عندما يساوون بين كوكبهم التافه هذا و الكون اللانهائى، فهم يساوون بين ذرة هيدروجين بالأرض كلها، والغريب و الذى يدل على الذكاء الفائق لهذا المصمم المنسوب إليه خلق الكون، أن معظم مساحة هذا الكوكب تغمرها مياه البحار وتغطيها الصحارى الجرداء رملية و جليدية، مما لا يصلح لحياة ذلك الإنسان، ولو سألت المتدينين عن الهدف من خلق الكون لقالوا لك أنه مسخر لذلك الإنسان، و لو سألتهم عن الحكمة من خلق الإنسان؟ لأجابوك من أجل أن يعبد الإنسان هذا المصمم و يعرفه، و الواقع المر بالنسبة لهذا المصمم برغم ذكائه المطلق، إذا كان خلقنا حقا لنعبده أو نعرفه، إنه لم ينجح فيما يهدف إليه نجاحا يذكر، بل يمكن اعتباره نموذج على الفشل الفاضح، رغم قدراته الخارقة المزعومة، إذ أن الغالب الأعم والساحق من البشر الذين خلقهم على مدار كل تلك السنوات الطويلة للغاية كانوا ومازالوا كافرون به، ولا و لم يعرفونه حق معرفته، و لا ولم يعبدونه حق عبادته، ولا و لم يعرفونه ويعبدونه إلا فيما ندر منهم، وعلى مساحة صغيرة معينة من هذا الكوكب، وفى وسط عدد محدود من سكانه الذين لم يسمعوا عنه من قبل، فيا له من عجز.
107. يستندون على نظرية الانفجار الكبير ليثبتوا خلق الكون من عدم، إلا أن المادة قبل الانفجار الكبير الذى أدى لتكون الكون الحالى الذى نعرفه، كانت موجودة منذ الأزل بكيفية لا نعرفها، لأن المادة ببساطة لا تفنى و لا تستحدث و لا تخلق من عدم، وإنما تتحول من شكل لآخر، وفق قوانين الحفظ والبقاء المثبتة علميا، بالتجربة والبرهان، والتى ليست مجرد افتراض تعسفى من قبل العلماء كما يفترض الغيبيين وجود الله أو غيره من كائنات غيبية، و ستظل المادة موجودة سواء استمر الكون فى تمدده أو توقف عن هذا التمدد، أو بدء فى التقلص ليرجع مرة أخرى لوضعه قبل الانفجار الكبير، فالمادة التى تشكل منها الكون تشمل أشكال من الطاقة، أو القوى المادية التى تسبب وجود الأشكال المختلفة من الكتل وتحركها وتأثيراتها المتبادلة فيما بينها، كما تشمل الكتل المختلفة التى تتحرك وتتفاعل فيما بينها بفضل تلك الطاقات والقوى، دون احتياج لطاقات وقوى غيبية من خارجها لتحركها أو لتخلقها، ولأن الأصل المادى واحد للطاقات والكتل، فإن الكتلة تتحول إلى طاقة كما يمكن للطاقة أن تتحول لكتلة، وأنه لا يمكن أن نفصل بين الطاقة والكتلة حيث أنهما وجهى عملة للمادة الواحدة، مما يؤكد عدم احتياج المادة للمحرك الأول الذى يفترضون أنه كائن غيبى لا مادى كلى المعرفة والقدرة، والذى يفترضون أنه هو المحرك الأول على أساس أن كل متحرك يحتاج لمن يحركه، فلماذا يفترضون أن هذا المحرك الأول كائن غير مادى، فما الذى يمنع من كونه طاقة مادية مادامت الطاقة هى التى تسبب حركة الكتل.
108. هناك حقائق أخلاقية كالصدق والكذب، الأمانة والخيانة، و من هنا فإن المؤمنون بالله يفترضون أنه لا معنى لها من دون وجود مصدر مطلق للأخلاق، يأمر بالخير، وينهى عن الشر، يكافئ فاعل الخير، ويعاقب مرتكب الشر. ويرددون العبارة التافهة " أنه طالما الله ليس موجودا فكل شئ مباح"، وطالما أنه ليس كل شئ مباح فلابد من وجود الله، وبناء على ذلك يفترضون دون دليل أن الله تحديدا دون غيره من المصادر هو المصدر المطلق لتلك الأخلاق، وكأن البشر عاجزين عن أن يكونوا هم مصدر الأخلاق بأنفسهم، لتلبية احتياجهم الضرورى للعيش الآمن المشترك فيما بينهم، والذى يستحيل دون اتفاقهم على معايير أخلاقية والتزامهم بها، لكى يضمنوا استمرار عيشهم سويا.
109. يؤكد تغير القيم الأخلاقية، و نسبيتها بحسب الزمان والمكان، عدم ثبات القيم الأخلاقية، أو اطلاقيتها، عبر التاريخ البشرى، وبالتالى عدم صحة مصدرها الإلهى المطلق والثابت واللا نهائى، فهناك قيم كانت قديما شريرة أصبحت اليوم قيما خيرة، وما كان خيرا أمس أصبح شريرا اليوم، وما يعتبره مجتمع خير، يعتبره مجتمع آخر شر، والعكس صحيح، فالأخلاق الخيرة والشريرة ليست محض أوامر ونواهى مثالية مفروضة على الجنس البشرى من قوى خارجهم، بل هى ضرورة اجتماعية، بل واحتياج نفسى للبشر مثله مثل الاحتياجات الحيوية من طعام وشراب ونوم، وقد مارسها البشر أو امتنعوا عنها دائما حفاظا على وجودهم الاجتماعى نفسه، وبما يحقق مصالحهم واحتياجهم، سواء أرجعوا مصدرها لكائنات غيبية، أم لم يرجعوها لتلك الكائنات الغيبية.
110. الحقيقة التى أثبتها العلم الحديث أن الإنسان مجرد حيوان محدود للغاية فى حريته وإرادته، وفى المسئولية عن سلوكه و أفكاره واختياراته فعلا، حيث تحكمه وتشكله ظروفه البيولوجية ككائن حى من مورثات و غرائز واحتياجات و دوافع وكيمياء جسده من هورمونات و غيرها من ناحية، وظروفه الاجتماعية كعضو فى مجتمع ما فى زمن ومكان محددين، إذ يبرمجه مجتمعه بقيمه وعقائده وعاداته وتقاليده ومعلوماته وثقافته وكل ما يشكل وعيه ويحكم سلوكه من ناحية أخرى. فنشاطه وكسله، سروره و حزنه، جماله وقبحه، عيوبه ومميزاته الجسدية والنفسية، صحته و مرضه، ذكاءه وغباءه، مشاعره وانفعالاته، عواطفه وسلوكياته، و تفضيلاته واختياراته وأذواقه وقدراته كلها ما هى إلا نتيجة حتمية لتفاعلات كيميائية بين جزئيات كيميائية تشكل كل من جسده و ذاته وشخصيته، لا فضل له فيها ليتم ثوابه عليها، و لا ذنب له فيها ليتم عقابه عليها، وما الروح التى يزعم الغيبيون وجودها إلا تلك التفاعلات الكيميائية نفسها لا شئ غير ذلك، فالروح ليست كائن غيبى منفصل عن الجسد بقدر ما هى برامج مكتوبة على الجسد، تنتهى بموته، وكل تلك البرمجة البيولوجية والاجتماعية التى يتعرض لها الإنسان من الميلاد حتى الموت، تشكل قيودا على حريته فى الاختيار و فى التفكير واتخاذ القرار مما يجعلها ضئيلة للغاية، فإذ كان الله يضع شروطا و ظروفا بيولوجية واجتماعية محددة للإنسان لا دخل له فيها و لا اختيار، فكيف يأتى بعد ذلك ويقوم بمحاسبة هذا الكائن الناقص على نقصه، و المقيد رغم قيده، كيف يخلق له مخ قاصر على إدراكه، و يعاقبه على استخدامه عندما ينكر وجوده، ويثيبه على استخدامه عندما يؤمن به؟! .
111. لا معنى أن تكون صفات مثل، الجمال والقبح، والخير والشر، والحق والباطل، والعدل والظلم، والحرية والعبودية، القدرة والعجز..الخ، مطلقة و كاملة و ثابتة و لا نهائية، لأن الإطلاق والكمال واللانهائية والثبات مجرد أفكار عقلية فارغة من المعنى التجريبى الملموس، فنحن لا يمكن لنا أن نرى ونلمس ونسمع ونتذوق و نحس ذلك الكامل واللانهائى والمطلق والثابت، بينما كل ما حولنا من أشياء متناهية وناقصة ونسبية ومتغيرة، مما يؤكد أن الكمال والإطلاق والثبات و اللانهائية، مجرد أفكار ارتضاها الغيبيين وجعلوها تسيطر عليهم برغم أنهم لا يختبرون فى حياتهم الواقعية واليومية إلا كل ما هو نسبى وناقص ومتغير ومتناهى من أشياء وصفات للأشياء، ولسيطرة تلك الأفكار غير المثبتة، و لا المبرهن عليها، علي عقولهم، فإنهم يفترضون أن خالق هذا الواقع، والمتحكم فيه، و الذى يزعمون وجوده على عكس كل مخلوقاته النسبية والناقصة والثابتة والنهائية، مطلق وكامل وثابت و لا نهائى فى جميع صفاته.
112. بحكم وصف الله بالمطلق واللانهائى والثابت والكامل، فلا بد أن لا تسرى عليه قواعد الزمن، أى لا تنطبق عليه قواعد البداية والتحول والنهاية، التى تسرى على كل مخلوق من مخلوقاته، و ككل ما هو خاضع للزمن من أشياء مادية، و من ثم لا يمكن لله أن يتواجد فى أى زمن ما، بعكس مخلوقاته المادية التى لا توجد إلا خلال زمن ما، لأنها خاضعة للبداية والتحول والنهاية، وهذا التعالى على الزمن المنسوب إلى الله يتناقض مع فعل خلقه للمخلوقات منطقيا، لأن فعل الخلق لا يمكن أن يتم إلا فى لحظة فى الزمن، هذه اللحظة تقسم الزمن لما قبل هذه اللحظة وما بعدها، ومن هذا فحجة السبب الأول التى يعللون بها خلق الله للكون تتطلب منطقيا مفهوم الزمن, حيث الأسباب أو المؤثرات تسبق تأثيراتها أو المسببات زمنيا، ركلك للكرة يسبق تحركها، فلا معنى للسببية إذن من دون الزمن. فإذا كان الله موجودا خارج الزمن, فإن ذلك يجعل اعتبار خلق الكون الذى هو على نقيضه خاضع لمفهوم الزمن كلام لا معنى له. ولأنه متعالى على الزمن فهو أزلى أى لا بداية له، وأبدى أى لا نهاية له، وثابت لا يتحول و لا يتبدل برغم مرور الزمن، ومن هنا تنشأ الحيرة التى تجعل الكثيرين يطلقون أسئلة من نوعية: ماذا كان يفعل الله قبل أن يخلق الكون. و ماذا سوف يفعل الله بعد أن يفنى الكون إن شاء له أن يفنى؟، إذا كان مقدرا له أن يفنى.
113. لما كان فعل الخلق هو حادث أى بدء فى لحظة ما، وليس قديم أى أزلى، أى أن الخلق حدث فى لحظة فى مجرى الزمن، فأنه كى تحدث هذه اللحظة ينبغى عبور الأزلية أولا لتلك اللحظة، وهذا يعنى قطع مقدار لا نهائى من الزمن قبل الوصول لتلك اللحظة! و هى استحالة منطقية واضحة، لا يحلها إلا اعتبار أن المادة التى تشكل منها الكون الحالى أزلية وأبدية، فهى إذن لا مخلوقة ولا قابلة للفناء كما ينكر الغيبيون، و كما أثبت ذلك العلم الطبيعى فعليا، فوجود المادة نفسه وتطورها هو الذى يخلق الزمن ويعطيه معناه، وفناء المادة وثباتها يعنى انتهاء الزمن لأنه بغيرها بلا معنى، ومن ثم فالزمن مرتبط بالمادة وتطورها وجودا وعدما.
114. بما أنهم يفترضون أن الله كائن غيبى "لا مادى"، مطلق وكامل وثابت ولا نهائى، و أنه لذلك لا حدود له، وبما أنه قبل خلقه للكون المادى لم يكن يوجد سواه، إذن كان هو وحده فى اللا مكان، ذلك لأن المكان بابعاده الثلاث الطول والعرض والارتفاع، مفهوم نسبى مرتبط بالأشياء المادية فقط دون الأشياء "اللامادية"، فبدون تلك الأشياء المادية أصلا لا يمكن أن نتخيل المكان و لا أبعاده، فالمكان شأن الزمن مرتبط بالمادة وجودا وعدما، فالأشياء المادية فقط هى التى يمكن أن نقيس طولها وعرضها وارتفاعها، ومن ثم نحدد مكانها، فوجودها نفسه هو الذى يخلق المكان، و عدم وجودها يعنى اللا مكان، فما هو هذا "اللا مكان" وما هو هذا "اللا زمان" الذى تواجد فيهما الله قبل أن يخلق مخلوقاته المادية؟،
115. أنه نتيجة وجود الكون المادى أصبح هناك مكان، كان لا يمكن أن نتصور وجود المكان بدونه، فوجود هذا المكان يضع حدودا لوجود الله ومكانه. أى يصبح الكون المحدود بالمكان فى مقابل الله اللا محدود فى مكان.
116. من أجل أن يتلافى المؤمنون بالله هذه المتناقضات، يلجأ المؤمنون بالله لفكرة أنه موجود فى كل مكان، لأنه لا يحده حد، بما فيها الكون المحدود، رغم أنهم يقولون أن مكونات هذا الكون المادية منفصلة عنه، لأن المؤمنين بالله يتمسكون فى نفس الوقت بأن الله مستقل عن أى مكان، لأنه خارج الكون المادى، يحتوى الكون و لا يحتويه الكون، فى كل مكان وفى نفس الوقت فى مكان ما، "فيا لها من سفسطة"، و هو بالضرورة أكبر من الكون الذى خلقه، لأنه لا يصح أن يكون الكون الذى خلقه أكبر منه، فهو المطلق الذى لا يوجد ما هو أكبر منه، رغم أنه لا طول له و لا عرض و لا ارتفاع مثل الكون الذى خلقه، و إلا سقطنا فى التشبيه والتجسيد، و لتلافى التشبيه والتجسيد لا بد أن ننفى عنه الأبعاد المادية المكانية، باعتباره كائن غير مادى لا عرض له و لا ارتفاع و لا طول، فما هى الكيفية إذن التى يحتوى بها ما له طول وعرض وارتفاع كالكون المادى.



#سامح_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإلحاد يتحدى_ب_
- الإلحاد يتحدى _أ_
- جذور الإلحاد(12) الكتب المقدسة
- جذور الإلحاد(11) الدين والصراع الاجتماعى
- جذور الإلحاد(9) المصمم الذكى
- جذور الإلحاد(9) و هم الذات
- جذور الإلحاد(8) صفات الخالق الغامضة
- جذور الإلحاد(6) المعرفة الإنسانية والغيبيات
- جذور الإلحاد(7) خصائص للفكر الغيبى
- جذور الإلحاد(5) المعجزات والإعجاز
- جذور الإلحاد(4) ردود على التعليقات
- جذور الإلحاد(3) غموض و لا منطقية الغيبيات
- جذور الإلحاد(2) تناقضات فكرة اللة
- جذور الإلحاد (1)حجج وحجج مضادة


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح سلامة - الإلحاد يتحدى _ ج_