عاطف الشبراوي
الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 22:55
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
المرأة المصرية أكبر داعم للحقوق المدنية والحرية والكرامة في العالم العربي, ولم يكن ظهورها بهذا الدور في الربيع العربي هو الدليل الوحيد على ذلك ففي التاريخ المصري المئات من النماذج الرائعه لسيدات أطلقنا صرخة في وجهه الظلم والفساد والاستبداد.
النساء في مصر شاركوا في كل الحركات الاحتجاجية والثورات التي قامت عبر التاريخ الحديث, بدأ من دورهن أثناء الحملة الفرنسية على مصر عندما احتجوا على مينو القائد الثالث للحملة والذى تزوج من زبيدة الرشيدية وكان سبب الاحتجاج التفرقة فى المعاملة بين النساء الفرنسيات ونساء رشيد حيث اعتصموا فى أحد الحمامات العامة وأرسلوا له احتجاج وأستمروا حتى قدم مينو اعتذاره وعدل عن سياسته، وقامت ربات البيوت بالقاء الماء والزيت المغلى من المشربيات فوق رؤوس الإنجليز أثناء حملة فريزر على رشيد عام 1807 وقامت خديجة الجبرتية إحدى نساء رشيد بقيادة مقاومة حملة ضرب عساكر الجيش الإنجليزى بأيادى الهون. وخرجت المرأة لتشارك الرجال في ثورة 1919 مطالبة باعادة زعماء الامة الذين نفاهم الاحتلال البريطاني وعلي رأسهم سعد زغلول.
ثورة يناير 2011 شهدت المئات من الحكايات بطلتها المرأة , منهن شهيدات مثل الشابة سالي زهران، التي تم ضربها على رأسها بالشوم لحظة دخول ميدان التحرير، وأصيبت بنزيف في المخ واستشهدت. ووافقت وكالة «ناسا» الفضائية الأمريكية على وضع اسمها على إحدى المركبات الفضائية المتجهة إلى المريخ، تكريما لها. ومنهن أم الشهيد مصطفى الصاوي، الذي استشهد على أيدي القناصة في ميدان التحرير مساء معركة الجمل، لم تستسلم إلى أحزانها، ونزلت مكانه في الميدان ممسكة بلافتة كبيرة مكتوباً عليها "ألا إن نصر الله قريب"، تقف بها أمام صورة كبيرة لأبنها الشهيد، وتشد أزر المتظاهرين، وتحثهم على الصمود وعدم الاستسلام، بسالة هذه الأم جعلت البعض يطلق عليها خنساء التحرير.
يقدم هذا المقال خمسة نماذج مختلفة لسيدات مصريات مَثَلنْ جزءً من نسيج هذا الشعب وقدمنْ نماذج مبدعة ورائدة في العمل الوطني الذي يخلوا من كل هدف او غاية سوى حب الوطن, عملن في كل المجالات: منهن الباحثة الاكاديمية والقاضية والإعلامية وخبيرة الكمبيوتر واخصائية التسويق, منهن من كافحت جمود وتخلف العادات الاجتماعية في بداية القرن الماضي التي فرضت سياج من التخلف والتبعيه على المراة حتى المتعلمة, ومنهن من تفوقت على كتائب أمن الدولة وسطوتها بالإبداع, ومنهن منْ تعاملت مع التكنولوجيات الحديثة ووظفت مواقع التواصل الاجتماعي, ومنهن من استخدمت الإعلام كوسيلة للتغير. أجتمعن جميعاً على الرغبة في التغيير وفي الإخلاص في العمل نحو ترسيخ مفاهيم سامية للعدالة والمساواة والعدل والكرامة, فلهن كل التحية والإحترام والتقدير.
درية شفيق
يمكن ان يرجع جذور مشاركة المرأة في الربيع العربي إلى الناشطة درية شفيق أحد رواد حركة تحرير المرأة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين وينسب لها الفضل في حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح في دستور مصر العام 1956, قصة درية شفيق قصة امرأة مصرية أرادت لحياتها أن تكون مختلفة وكانت فعلاً قصة كفاح امرأة ناشطة سياسية وحقوقية في وجه قوي الرجعية في بداية القرن العشرين التي كانت تعارض المساواة بين الرجل والمرأة وسيرتها محاولة للتعبير عن مولد وعي نسائي وسياسي في المجتمع المصري, فقد تم ارسالها ضمن أول فوج طالبات من قبل وزارة المعارف المصرية للدراسة في جامعة السوربون الفرنسية على للحصول على درجة الدكتوراة في الفلسفة العام، وكان موضوع الرسالة "المرأة في الإسلام" حيث أثبتت في رسالتها أن حقوق المرأة في الإسلام هي أضعاف حقوقها في أي تشريع آخر. العجيب أن أدارة الجامعه لم تسمح لها بالتدريس لكونها إمراة!
لم تستسلم وأعلنت عام 1950 عن برنامج طموح للاصلاح الأجتماعي وبدأت هي وزميلاتها عدد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية تم تخطيطها وتوجيهها بوعي نحو خدمة طبقة النساء العاملات والمحتاجات في القاهرة. في أحد أيام شهر فبراير سنة1951 تحركت درية ومعها ألف وخمسمائة امرأة واقتحمت بوابة مجلس الشعب وقادت مظاهرة صاخبة اضطرت نائب رئيس النواب الي استقبالها بعد أن انتزعت من رئيس المجلس وعدا بأن ينظر البرلمان فورا في مطالب المرأة. لقد كانت هذه اللحظة, لحظة تاريخية فعلا, بالنسبة للحركة النسائية كلها, وبفضل مسيرة الاحتجاج هذه, أمكن لوفد نسائي أن يطالب للمرة الأولي وفي قاعة البرلمان بحقوق محددة: اولا السماح للنساء بالاشتراك في الكفاح الوطني والسياسي ثانيا: إصلاح قانون الاحوال الشخصية, بوضع حد لتعدد الزوجات, وتقنين الطلاق, ثالثا: تساوي الاجور في العمل المتساوي. بعد الثورة احتجت درية شفيق لعدم وجود امرأة واحدة بين أعضاء اللجنة المشكلة من قبل حكومة الثورة لإعداد دستور مصري جديد في العام 1954، وقامت برفقة نساء أخرىات باضراب عن الطعام حينها وعدها الرئيس محمد نجيب بأن الدستور المصري الجديد "سيكفل للمرأة حقها السياسي"، وهو ماتحقق بمنح المرأة المصرية حق التصويت والترشح في الانتخابات العامة لأول مرة في تاريخ مصر الحديث. وفي فبراير 1957 عادت لتضرب عن الطعام احتجاجا على ديكتاتورية عبدالناصر وطالبته بالاستقالة واحتمت بالسفارة الهندية في القاهره, وقتها أطلقت عليها اذاعه مونت كارولو لقبب "الراجل الوحيد في مصر". درية شفيق كانت أيضا أديبة ألفت عدداً من الكتب فى مقدمتها كتاب المرأة المصرية من الفراعنة إلى اليوم وكتاب رحلتى حول العالم التى تحدثت فيه عن انطباعاتها بعد زيارة أكثر من ثمانى عشرة دولة آسيوية وأوروبية وأمريكية. للأسف ظلت درية شفيق في عزلة إختياريه نحو 18 عاما حتى وفاتها معترضة على الأوضاع السياسية في البلاد بعد الثورة وعدم وجود نشاط سياسي حقيقي.
نهى الزيني
لم يكن القضاة بعيدين عن هموم المواطن وآلامه وكان الكثيرون منهم من صناع ثورة يناير 2011, المستشارة نهي الزيني فضحت نظام مبارك وشاركت في صنع الثورة بكسر حاجز الصمت والخروج للعلن ووصفها القضاء المصري الذي يراقب الانتخابات بمقولتها الشهيرة بأنه أصبح "القضاء المنبطح ". لم تكن الدكتورة نهى مناهضة او ناشطة سياسة معارضة للنظام بل كانت أحد خبراء مجلس الوزراء الموقرين من قبل المجتمع, وبالتالي نزلت شهادتها كالزلزال على الجميع وأولهم النظام, وأثبتت بالقول والفعل أن القضاء المصري هو أحد أهم أركان الدولة المصرية وحائط الصد الاول في مواجهه فساد الدولة.
المستشارة نهى هى السيدة والقاضية الوحيدة التى وقفت ضد الظلم والتزوير، مما كان له أثر القنبلة على النظام الذى أعتاد تزوير الإنتخابات في صمت, فهي أول من حصل علي الدكتوراة في هيئة النيابة الإدارية, وتحمل درجة نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية وحاصلة على درجة الدكتوراة في القانون الدستوري من جامعة السربون بفرنسا. جمعت بين عشق القانون وحب الأدب، أَدعَى البعض أنها إخوانيه, وانكرت وذكرت أنها وضعت الحجاب أثناء دراستها في السربون بفرنسا حين أحتاجت لتقوية هويتها, ونهى من أكثر الداعين للهوية المصرية التي بُنيت على التسامح, فأعز أصدقاء طفولتها, وقت أن كانت في المدرسة زميلتها القبطية التي تقول عنها "انها كانت أكثر من أخت بالنسبة لها, والديها كانوا أصدقاء مقربين للعائلة, حتى كنت أتخيلهم من أقاربنا". بكل ما تتميز به الدكتور نهي من صدق وجدية, فقد خرجت وادلت بشهادتها دون ان تضطر لذلك. وكتبت حكايتها لتصف التزوير في رسالتها الشهيره التي نشرتها في جريدة شهيره يوم 24 نوفمبر 2005 تقول فيها:"لقد كنت هناك، وشاركت في هذا الأمر، وهذه شهادة حق إن لم أقلها سوف أسأل عنها يوم القيامة، ولا أقصد مما أقول مساندة أحد أو الإساءة إلي أحد، ولكنه الحق الذي وهبنا له حياتنا والعدالة التي أقسمنا علي الحفاظ عليها، وقبل كل هذا وبعده خشية الله الذي أمرنا ألا نكتم شهادة الحق، وأن نقولها مهما كانت التضحيات والله إنه لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها. توجهت إلى دمنهور للإشراف على الانتخابات التشريعية؛ التي أجريت يوم الأحد 20/11/2005 بتكليف من اللجنة العليا للانتخابات؛:-باعتباري من أعضاء الهيئات القضائية. كانت الرحلة ميسرة؛ فقد وفرت لنا اللجنة العليا كل شيء؛ من تذاكر سفر مجانية إلى إقامة على أفضل مستوى، إلى بدل إعاشة جيد، إلى سيارات بسائقين مخصصة لتنقلاتنا. هذا فضلا عن مكافأة الإشراف التي سوف تصرف لاحقا بمعدل عدة آلاف من الجنيهات لكل عضو.. كل هذا من ميزانية الدولة؛ أي من أموال دافعي الضرائب، وهم الناخبون الذين دفعوا لنا كل هذا طواعية، مقابل أن نؤدي واجبنا، ونحمي إرادتهم من أي تزييف، ونحمل أمانة أن يمثلهم المرشحون الذين يختارونهم هم لا الحكومة في مجلس الشعب.
الزيني شاركت في العديد من القضايا الوطنية, سافرت إلى صعيد مصر لتقصي حقيقة جريمة الاعتداء على الأقباط، سافرت إلى غزة لمساندة المحاصرين، وكانت أهم سيدة وشخصية عامة عربية تقوم برئاسة وفد من الناشطين لتكسر الحصار عن قطاع غزة الفلسطيني حاملة معها المساعدات وإستقبالها رئيس الوزراء إسماعيل هنية. فجرت أيضا الدكتورة نهى قضية سلوك شيخ الازهر الذي آثار جدلاً واسعاً في مصر أثناء جولتة التفقدية للمعاهد الأزهرية حين رأى تلميذة صغيرة ترتدي النقاب داخل الفصل فانفعل وصاح بها غاضباً آمراً أن تخلع النقاب، ولما امتثلت الصبية وأزاحت نقابها إذ بالشيخ يضحك في سخرية واستهزاء وهو يوجه حديثه إليها على مسمع من مشايخ الأزهر ومعلماتها وزميلاتها من الفتيات قائلاً: "لما إنت كده أمال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي إيه؟", وكتبت الدكتورة نهى مقالة واصفه ما قام به شيخ الازهر "بالجريمة الكاملة" في حق صبية غضة تقية, انه لا جدوى من الحديث إلى مثل هذا الرجل "الفظ غليظ القلب" تبعاً لوصفها, وأن تلك العبارات القبيحة التي أطلقها كشفت عن مكنون الإناء الذي نضح بها، الدكتورة نهي شاركت وساندت ثورة 25 يناير بووصفتها بقولها "الحمد لله, فرغم كل ذلك فإن ثورة 25 يناير كانت ثورة كرامة ولم تكن ثورة جياع..".
إسراء عبد الفتاح
إسراء عبد الفتاح شابة من الجيل الأول لنشطاء الفيسبوك تمثل طاقة وإبداع الشباب, كانت هي ومجموعه من لا تزيد عن ثلاثة من الشباب, اول من وظفوا فكرة تنظيم وحشد الدعوة لاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي, كانت الانتخابات الرئاسية عام 2005 نقطة تحول بالنسبة لها وسبب دخولها للعمل السياسي, المرة الأولى التي يمكن أن ترى فيها امكانية انتخابات رئاسية ووجود شخص آخر غير الرئيس (مبارك), إسراء كانت العقل المدبر لاول مبادرة مصرية ناجحة للأضراب العام, فرضت نفسها بقوة علي الساحة السياسية عام 2008، حين قامت بالدعوة لإضراب ٦ أبريل وجاءت دعوتها للإضراب تعبيراً عن إستنكار الأحوال والمشاكل التي يعاني منها المجتمع،, ساهمت بنشر الفكرة والترويج لها عن طريق عمل جروب علي موقع الفيسبوك وصل عدد المشتركين فيه أكثر من مائة ألف مشترك في اقل من شهرين من إطلاق الصفحة. إسراء فوجئت كما فوجئت مصر، أن الدعوة لاقت قبولا واسعاً, ونجح الإضراب وأصبحت هي فجاة واحدة من قيادات الحركة الشبابية في مصر, وتسائل الناس عن خلفيات إسراء التي سمحت لها بإبداع هذه الفكرة, والتي أعتبرتها مشاركة شخصية منها في دعم عمال المحلة الذين دعوا إلى تظاهرة تندد بارتفاع أسعار الخبز. فقد شعرت وقتها بأن هذا الضرر هو ضرر عام، وسائلت نفسها: لماذا لا تحول ذلك النداء إلى نداء عام, فإرتفاع الأسعار يمس جميع المصريين بلا استثناء. إسراء خرجت أيام الثورة إلى وسائل الأعلام, عندما تم دعوتها مع بعض الشباب إلى احد البرامج "التوك شو", تحديدا يوم السابع من فبراير وبعد خطاب مبارك الاول الذي اعطى بعض التنازلات, مَثلت مُداخلة إسراء صدمة لكثيرين مَن مْن صدقوا إدعاءات النظام عن شباب الثورة, وعكست صورة رائعه لشباب واعي ومثقف يعرف حقوقه ولديه خبرة في الحوار, أثناء الحوار ثارت اسراء قائله "عيزنا نصدق نظام كان بيخدعنا 30 سنة! عازينا نجرب فيه كمان 6 شهور!...صدمت شجاعتها ملايين المشاهدين الذي لم يعتادوا على نقد الرئيس علنا في التليفزيون الرسمي للدولة, وكان ردها على ان خطابه لم يلبي أيا من مطالب الثورة وأن على الشباب الأستمرار في الأعتصام, وبدا منطقها وتلقائيتها من القوة بحيث لم يستطع المذيع وممثلي النظام مجادلتها وخاصة عندما ردت بوقة على ما أدعاه البعض وقتها ان مبارك قد لبى مطالب الشباب, وقالت "أي مطالب تتحدثون عن أنها تحققت؟ مفيش شيء من مطالبنا تحققت,إزاي يخرج علينا الرئيس ويقول انه كان ناوي ألا يترشح قبل ما تحدث الثوة, حتى مش معترف ان في قوة وإرادة شعبية لابد ان يتنازل أمامها, لم يُشيد بالشباب ولم يَقل كلمة واحدة لدم الشهداء في ميدان التحرير." وختمت إسراء بقولها الصادم "أسباب عدم الثقة موجودة ومستمرة , لن ترجع, 30 سنة لم نأخذ وعد واحد وتحقق". هذه المقابلة التليفزيونية تم بثها التليفيزون المصري على الهواء مباشرة ودون اي حذف مثلت نقطة مفصلية في تحول الرأي العام للوقوف خلف الثورة وأستمرار التظاهر ومساندة معتصمي التحرير.
نجحت الثورة, وحققت إسراء مجد مضاعف من إطلاقها أول موقع سياسي "إضراب 6 ابريل", وبعد مشاركتها الناجحة في حملة "كلنا خالد سعيد" وتوجت نشاطها السياسي, مع عدد من شباب الثورة في قائمة أكثر 500 شخصية نفوذا لعام 2010-2011, والتي تعدها مجلة "آرابيان بيزنيس". وفيما تَصدر وائل غنيم مؤسس صفحة ”كلنا خالد سعيد” شباب الثورة باحتلاله المرتبة الثانية في القائمة بعد الأمير السعودي الوليد بن طلال, سبقت الناشطة إسراء عبد الفتاح التي احتلت المركز الـ 46 عربياً كلا من: الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، و الدكتور زغلول النجار, والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ، والعالم المصري أحمد زويل, كما سعدت إسراء بوضعها على قائمة المرأة العربية حين أُعلن في مارس 2011 عن أن إسراء أحتلت المركز الـ"73" على قائمة أقوى 100 امرأة عربية والتي تعلن عنها مجلة " آرابيان بيزنيس " العالمية، وذلك تتويجاً لدورها ونشاطها في ثورة 25 يناير. إسراء رشحها الشباب زملاؤها لمنصب "رئيس جمهورية الفيسبوك".
أسماء محفوظ
لا يمكن الحديث عن الشخصيات التي أثرت في إشعال الثورة المصرية في 25 يناير بدون أن نسترجع السياق العام لاحداث هذا اليوم والفترة التي سبقته, فالثورة قد تجلت إبداعاتها في عدد من المكونات ومنها إختيار التاريخ ودعوة الشباب للتظاهر في هذا اليوم, الثورة المصريه هي اول ثورة في التاريخ تم وضع ميعاد مسبق لإنطلاقها, حيث تم الاتفاق بين الشباب على تسجيل غضبهم على تعذيب وقتل خالد سعيد لتقوم مظاهرات الاحتجاج و"الغضب" يوم 25 يناير ميعاد الإحتفال بعيد الشرطة المصرية, تعبيرا عن عدم الرضا عن دور الشرطة في تعذيب وأهانه المواطنين, وتذكير بامجاد الرعيل الأول من رجالها الاوفياء الذي قضوا في الدفاع عن الوطن والمواطن ضد الظلم الاستعمار. وعلى ما يبدو شاركت بطلتنا أسماء محفوظ, في اختيار هذا التاريخ وجلعه رمزا للاحتجاج. أسماء تخرجت من كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية بالقاهرة وعملت محاسبة, وُصِفت قبل الثورة على أنها "ناشطة وعضوه بمجموعة إضراب 6 أبريل عام 2008, إسراء كانت تشعر بالخوف الشديد من المشاركة السياسية, المظاهرة الاولى التي شاركت فيها كانت أمام نقابة الصحفيين وسرعان ما عادت منها لتصف للشباب علي الفيسبوك ما حدث وتشجعهم يتركوا المنازل وينزلوا للواقع. أسماء محفوظ شخصية مبدعه مثل شباب جيلها, ابداعها ظهرا حين كتبت بيان في غالية البساطة والجراة ونشرته عبر صفحات الفيسبوك صرخت فيه من ملاحقة الامن لها ووصفت ما كانت تتعرض له هي وأسرتها من ضغوطات مما سبب حرج كبير لاجهز الأمن, تقول في البيان:" انا اسماء محفوظ عضو بحركة شباب 6 ابريل عندي 10 أعمام و9 خلان كل واحد فيهم عنده متوسط 5 ابناء وكلهم تقريبا اتجوزو يعني العدد اتضاعف وكمان خلف يعني اتضاعف 4 مرات، يعني ممكن نقول مثلا في بتاع 400 فرد في شجرة العيلة, كل واحد فيهم في منصب مختلف ودراسة مختلفة وفكر مختلف مباحث أمن الدولة ابتدت بوالدي كل يومين مكالمة تليفونية من مباحث امن الدولة عايزين حضرتك في موضوع يهمك بخصوص بنتك تيجي انت برجلك ولا نجيبك احنا بطريقتنا؟؟؟ وأختتمت البيان بقولها " إلي كل الهيئات التي تعمل ضد راحه أهلي: أنا أسماء محفوظ أقر بأني أفخر بمصريتي وببلادي وأبزل كل الجهد من أجل تحسين وطني وتطويره ونقله إلي مرتبه الرقي والقوة .. بدلا من الظلام والإستبداد والضعف والوهن الذي نعيشه ... وأني لن أتنازل عن حلمي الذي أحلمه كل يوم لمصر بأن تكون مصر القوة والأمان اعطوا لكل فرد حقه وانا اوعدكم باني هبطل نشاطي السياسي" .
إبداعها الثاني كان في تسجيلها ووضعها مقطع الفيديو الشهير الذي قالت فيه انها سوف تخرج لتظاهر يوم 25 يناير وطالبت الشباب للخروج امام للتظاهر أو لحمايتها هي وغيرها من بطش الشرطة, هذا الفيديو مَثل أشهر دعوة للمصريين وخاصة شباب الفيسبوك للتظاهر. أسماء لاقت تشجيع وثناء العديد من مصر والعالم العربي, كتب عنها الكاتب الأردني يوسف غيشان يقول: "بكيت مرتين تأثرا ، وأنا أستمع للفتاة المصرية (أسماء محفوظ) في اليوتيوب قبل بدء اعتصامات 25 يناير, الخطاب خال من الأيديولوجيا ، وبعيد عن المصطلحات السياسية الرنانة ، ..هو مجرد دعوة من فتاة في ربيع العمر.....وتؤكد في دعوتها أنها سوف تخرج للتظاهر مهما يحصل ، حتى لو لم يأت أحد منهم. من الواضح أن هذا الخطاب العاطفي الرائع قد أثر في الكثيرين ، كأنوا الف متظاهر ، ثم ألفين ..ولم يقترب النهار من نهايته الا وصاروا بعشرات الالاف ، ثم مئات الالاف في اليوم التالي.... ثم الملايين ، حتى الان". ويضيف "كنت ابكي تأثرا وأنا اتذكر في شريط مواز خطابنا الحزبي نحن جميعا ..يساريين وقوميين وأخوان ....انه بلا استثناء خطاب مثخن بالإيديوليجا... ماضوي بعيد عن الناس وهمومهم العصرية. جاءت هذه الفتاة لتكسر ذلك الحاجز السميك بين الخطاب الحزبي وبين الناس ، وتعبر بكل بساطة وبمفردات قليلة جدا لا تزيد عن نصف المفردات التي قد نستخدمها في بيان سخيف من بياناتنا ، نحدد فيه موقفنا (على سبيل المثال فقط) من ثوار البوليساريو. لا حاجة لقراءة (رأس المال) ولا (المادية التاريخية) ، ولا داع لحفظ خطابات أنطون سعادة وميشيل عفلق عن ظهر قلب وبطن ، ولا مبرر للتمثل بكتابات الماوردي وسيد قطب وغيرهم وغيرهم. ويستخلص العبر من ما قامت به إسراء وهو يقول: "اذا اردنا أن نخاطب الجماعير فعلينا أن نفكر بقلوبنا ، علينا أن ننسى ما قرأنا للحظات ونتعلم الدروس في التعبئة والتنظيم من هذه الفتاة الصغيرة ...أسماء محفوظ." أسماء مثل العديد من بنات جيلها لم تخشى الجهر بنشاطها السياسي وخاصة دورها كمتحدثه باسم حركة 6 إبريل, فكانت من الجراة أن تعطي تصريح في بداية عام 2010 لإحدي الصحف تكشف فيه عن خطط وتحركات حركة 6 أبريل في العام الجديد وإقدامها على تشكيل إعلام موازٍ على الإنترنت لمواجهة الفساد، والوقف بقوة خلف المرشحين المستقلين لإسقاط مرشحى الوطنى فى الانتخابات ، ودعم ترشيح الدكتور البرادعى وتوعية الشباب لإصدار البطاقات الانتخابية.
أسماء كانت على رأس مجموعه من النشطاء والمتظاهرين خرجوا من منطقة بولاق الى التحرير يوم 25 يناير, وأعتصمت في التحرير يومها حتى فض الأمن الاعتصام وعاودت في الايام التالية, وفي جمعه الغضب, يوم 28 يناير قادت مظاهرة إلى ميدان التحريروشاهدت شبابا يموتون أمامها، وكانت تبكي، لكنها كانت تقول لنفسها إنها لا يمكنني أن تتراجع لأن دم هؤلاء الشباب لا يجب أن يضيع هباء. قاومت حتى نجحت مع عدد كبير من الشباب في الوصول إلى ميدان التحرير. أسماء صرحت بعد الثورة أنها التي لم تكن تحلم بأن ينضم لدعوتها بمقطع الفيديو أكثر من 10 آلاف شخص، لكن الدعوة تحولت إلى ثورة شعبية.. كان بعض المتظاهرين يرونها وسط المظاهرات ويقولون لها "انت بتاعة الفيديو؟ إحنا نزلنا الشارع علشانك، وتأثرنا بكلامك في الفيديو جدا".
في اللقاء الذي عقده مساعد وزير الدفاع الأمريكي مع شباب من الثوار عدة اسابيع بعد نجاح الثورة بمقر السفارة الأمريكية, شنت أسماء محفوظ هجوماً علي الجنرال الأمريكي وقالت: اللي عانينا منه السنين اللي فاتت كان بسبب امريكا وهما الي صنعوا الحكام العرب وصنعوا دكتاتوريتهم وكانو بيدعموهم من اجل مصالحهم, سواء اختلفنا او اتفقنا ان امريكا عدوة او صديقة ... فاننا اكيد هنتفق ان امريكا صديقة حميمة لعدوة مصر والوطن العربي (اسرائيل) وان امريكا ولا جاية عشان حقوق الانسان ولا جاية عشان مصلحة مصر ... وانهم جايين عشان يشوفو هيستيفدو ازاي من الوضع الحالي... مش هنسمح انكو تفرضو سيطرتكو علينا تاني ولا حتى على الجيش وملكمش دعوة بالشئون الداخلية احنا ادرى بيها ونعرف ازاي نتعامل معاها كويس وان لو انتو مهتمين اووي بحقوق الانسان فين دوركو من سوريا واليمن وليبيا؟؟ منيين بيقولو حقوق انسان ودمقراطية وهما اخر ناس بيطبقوها .. وان اللي حصل مع بن لادن ضد الانسانية سواء اختلفنا او اتفقنا انه ارهابي .. و ان طالما هما حللو لنفسهم دم بن لادن من غير محاكمة ميزعلوش لو حد اغتالهم تحت مسمى انهم ارهابين وبرضو من غير محاكمة..... , امريكا صنعت وهم بن لادن عشان تصنع فزاعة الاسلام ومبارك كان بيطبق نفس السياسة ودلوقتي الاعلام بيطبق نفس الفزاعة تجاه الاسلامين وان الاسلام اكتر الاديان سلام وفيها عدل وحرية, وكل تمثيليات الفتن اللي في الاعلام لا تعبر ولا عن السلف ولا عن الاخوان ولا عن اي اسلامي وكل ده فزاعات اخترعها الاعلام المصري والامريكي اخيرا, اهم رسالة توجها لحكومتك اننا دشعب قوي في دولة قوية ومش هنسمح لحد انه يسيطر علينا او يتحكم في سياستنا."
هذا الحديث الجرئ لم يكن تصريح في الصحف ولكنه حرفياً ما قالته اسماء داخل السفارة لأكبر مسئول أمريكي وصل مصر وقتها, فأي جراءة وجسارة وأي شجاعه تلك التي تمتلكها أسماء وكيف لم نعتبرها حتى الآن من أبطال الثورة؟.
بثينة كامل
المرأة المصرية لها تاريخ كبير في الأعلام والصحافة والفن, الكثيرات منهن رفضنا اساليب النظام السابق واعترضن على سياسية التعلميع واخفاء الحقائق, بثينة كامل إحدى هؤلاء الذين خرجوا من صفوف النظام واعترضت عليه في عز قوته, بثينة كامل شخصية مثيرة للجدل تعشق التمرد على كل ماهو مألوف أثارت دهشة جمهور التليفزيون المصري عندما تم استضافتها لتتحدث عن موضوع عصمة المرأة في برنامج البيت بيتك الشهير وضربت بنفسها مثلا عن المساواة لتفاجئ المشاهدين بأنها اشترطت أن تكون العصمة بيدها وهو أمر ليس مألوفا في المجتمع المصري. بثينة من أكثر الإعلاميين جرأه وتمرد واكثرهم عشقاً للحرية والتعبير عن نفسها. بدأت مسارها المهني في الاذاعة، وعملت خلال فترة التسعينيات كمقدمة برامج بالراديو والتليفزيون، تطرقت إلى العديد من المحظورات فى القضايا الشخصية والسياسية، ناقشت قضايا الفقر ووحشية الحكومة وفسادها. في عام 2005، عقب الاستفتاء المثير للجدل على التعديلات الدستورية، أنخرطت بثينة كامل في النشاط السياسي وأنضمت لحركة "كفاية" الاحتجاجية, وتحولت من عضوة متحمسة في الحركة ، إلى أحد أشد المنتقدين لنظام مبارك علناً, وشاركت في العديد من المظاهرات والمسيرات، خاصة الموجهة ضد الفساد وشاركت في تأسيس المنظمه المدنيه الشهيره "بمصريون ضد الفساد". وفي عام 2006 امتنعت عن قراءة نشرة الأخبار رفضاً للسياسات الإعلامية المصرية وفضلت الخروج للجماهير في الشوارع والمشاركة في الحركات الاحتجاجية. وحين تحرك الشباب لإطلاق الثورة، إنضمت بثينة كامل إلي صفوفهم وخرجت إلى ميدان التحرير وشاركت في الاعتصام حتى تنحي مبارك.
وكان المصريون على موعد مع مفاجأة جديدة مع بثينة عندما أعلنت الترشح لرئاسة الجمهورية لتكون السيدة الوحيدة التي برز إسمها بين كوكبة المرشحين من الرجال. وتقول بثينة أنها استلهمت ترشحها للرئاسة من شجاعة النشطاء الشباب– ومنهم الكثير من النساء- الذين التقت بهم خلال 18 يوماً من الثورة. مؤمنة بأن المرأة لعبت دوراً رئيسياً في الثورة، وسقط الكثير منهن كشهيدات. على الرغم من ذلك فإنها تصر على عدم تترشح لتمثل النساء، ولكن لتمثل المصريين المهمشين في صعيد مصر، والنوبة، ورجال القبائل البدوية، والفقراء والمسنين والمعوقين، فبرنامجها السياسي يركز أساساً على "مكافحة الفساد والبطالة". الكثير من الأوصاف اُطلقت على بثينة كامل في الغرب، منها أنها تمثل لمصر ما تمثله المذيعة الشهيرة أوبرا وينفرى لأمريكا، ومنها إنها الصوت الأساسى للمرأة فى حركة الديمقراطية فى مصر. ومع هذا الاعتراف بقدراتها فقد رفضت بثينة ، الجائزة التي رشحتها لها الخارجية الأمريكية كأشجع إمرأة بالعالم لعام 2011، وصرحت أنها رفضت الجائزة لأنها وضعتها في معضلة أخلاقية، حيث أنها لا تستطيع قبول جائزة من دولة ساهمت بشكل أو بآخر في ضرب الثورة المصرية، ولو بطريقة غير مباشرة، كما إنها رأت في قبولها للجائزة شكل من أشكال التخلي عن الثوار، وضرب لحقوق الشهداء والمصابين الذين دفعوا الكثير من حياتهم وأجسادهم من أجل نيل الحرية.
اخيرا من هذا العرض السريع لمشاركة خمسة سيدات في النضال والحراك السياسي الذي صنع نجاح ثورة الشعب المصري تحركت كل منهن في مساحة التعبير الصغيرة التي توافرت لها ووظفت ما لديها من قدرات ومهارات، وغامرت بحياتها ومستقبلها وواجهت الطغيان بإيمان برسالتها وبفكر وإبداع، كلهن استمدن جذورهن من الشخصية المصرية المبدعة والمتناقضة التي أفرزت أولى الحضارات وأبهره شبابها العالم في 18 يوم فقط هي عمر الثورة المصرية في 25 يناير.
#عاطف_الشبراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟