|
في أيِّ مسارٍ تُسيَّر -قضية الهاشمي-؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 18:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دَعُونا نُصَدِّق زعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أنَّ نائب الرئيس العراقي (الفار إلى إقليم كردستان) طارق الهاشمي كانت له يد في "أعمال إرهابية"، ولا بدَّ، من ثمَّ، من محاكمته، في بغداد، "محاكمة جنائية"؛ فلماذا لم يستطع المالكي إقناع (على افتراض أنَّه سعى سعياً جاداً في هذا الاتِّجاه) غالبية مؤيِّدي الهاشمي من "العرب السنة" من مواطني العراق بصدق زعمه، وبنقاء هذا الزَّعم من الدوافع والأغراض التي يستكرهها السنة من عرب العراق، وبصفة كونهم سُنَّة؛ مع أنَّ تمييز "العمل الإرهابي" من "العمل غير الإرهابي"، هو أيضاً قضية مدار خلاف في العراق؟!
إنَّ المالكي هو الحاكم الأوَّل والأكبر للعراق، ويُمْسِك، مع مجموعة من الموالين له، بالجزء الأكبر والأهم من مفاتيح السلطة الفعلية، وفي "المركز"، أيْ بغداد، على وجه الخصوص؛ وينزع إلى حيازة مزيدٍ من السلطات والصلاحيات، مرتدياً رداء التمثيل لمصالح وميول الشيعة من عرب العراق، وإنْ بدا، أحياناً، حريصاً على إظهار نفسه على أنَّه ممثِّل لكل العراقيين بصفة كونه رئيس الحكومة العراقية.
والمالكي بسلوكه هذا لا يشذ عن القاعدة المعمول بها في كثير من أنظمة الحكم العربية؛ فالحاكم الذي يحكم بما يخدم مصالحه الشخصية، ومصالح فئوية ضيِّقة، يسعى دائماً إلى أنْ يبتني قاعدة شعبية له (ولنظام حكمه) من طريق هدم "علاقة المواطَنة"، والتي ما زالت من الضعف والهشاشة بمكان إذا ما قورِنت بكثيرٍ من أضدادها، كالانتماء الطائفي (الديني). إنَّه لا يستطيع أنْ يحكم، وأنْ يستمر في الحكم، وأنْ يضع يده على كثير من مفاتيح السلطة الفعلية، إلاَّ من هذه الطريق، طريق تغذية كل انتماء يتنافى و"دولة المواطَنة".
ويكفي أنْ ينجح المالكي، بأقواله وأفعاله، في إقناع الغالبية الشعبية من "العرب السنة" من مواطني العراق بأنَّ تلك هي حقيقته السياسية العارية من الأوهام والشكليات حتى يفشل، ولو كان صادقاً في زعمه ذاك، في منع "العرب السنة" من التعامل مع "قضية الهاشمي" على أنَّها محاولة لإضعافهم سياسياً أكثر؛ ولقد غَذَّت هذه القضية الانقسام بين الشيعة والسنة من عرب العراق بما أكسب المَيْل الانفصالي لدى أكراده في الشمال، والذي يمثِّله الآن، في المقام الأوَّل، رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، مزيداً من القوَّة والحيوية.
إنَّ الانتماء القومي لعرب العراق هو الذي نراه الآن متسارِعاً في انهياره؛ ولقد نجحت قوى دولية، في مقدَّمها الولايات المتحدة، وقوى إقليمية، في مقدَّمها إيران، في تغذية الانقسام الشيعي ـــ السني لعرب العراق بما جعل انتماءهم القومي من الضعف والهشاشة بمكان، وبما سمح، من ثمَّ، بهذا التنامي للنزعة الانفصالية للقومية الكردية.
وأحسب أنَّ المالكي (مع مؤيِّدي نهجه، وفي مقدَّمهم إيران) لن يدخل التاريخ، إذا ما دخله، إلاَّ بصفة كونه الرَّجُل الذي عَرَف كيف يُدمِّر الوحدة القومية لعرب العراق من طريق تأجيج النزاع الكريه والبغيض بين شيعتهم وسنتهم، وكيف يؤسِّس لانفصال كردي يحظى، هذه المرَّة، بتأييد السنة من عرب العراق.
البرزاني، الذي لوَّح بانفصال إقليم كردستان، عَرَفَ كيف يلعب "ورقة الهاشمي" بما يُنْجِح سعيه إلى توطيد وتعظيم ما يتمتَّع به، وإقليمه، من سلطات وصلاحيات من طريق إضعاف وتقليص السلطات والصلاحيات "المركزية" التي تتمتَّع بها حكومة المالكي؛ ولقد أُزيحت الآن، على ما يبدو، "العقبة السنية العربية" من طريق سعيه هذا؛ فالتحالف بين السنة من عرب العراق وبين أكراده يَنْظُر إليه طرفاه الآن على أنَّه خير وأبقى من تحالفهما، أو تحالف كليهما، مع المالكي وجماعته.
ومن الأهمية بمكان أنْ نفهم الآن الصراع في سورية على أنَّه مَصْدَر تغذية جديد للانقسام بين الشيعة والسنة من عرب العراق، وللتحالف قَيْد الظهور بين السنة من عرب العراق وبين أكراده؛ فحكومة المالكي (ومعها إيران وجماعات عراقية شيعية) تَقِف الآن مع نظام حكم بشار؛ وهذه الوقفة لا يمكن فهمها من السنة من عرب العراق إلاَّ بما يغذِّي ذاك الانقسام، وهذا التحالف، الذي يستمدُّ قوَّةً أيضاً من المساهمة الجلية والواضحة لأكراد سورية في الثورة ضدَّ نظام حكم بشار.
لكنَّ البرزاني، وإنْ أحسن حتى الآن لعب "ورقة الهاشمي"، و"ورقة الثورة السورية"، لم يُحْسِن بعد، على ما يبدو، لعب ورقة "العلاقة مع تركيا"، التي ينتابها القلق من "المدِّ الكردي" في العراق وسورية، ومن تأثيره، إنْ لم يكن اليوم فغداً، بأكرادها في جنوبها الشرقي.
وربَّما ينتهي السير في هذا المسار إلى التأسيس لعلاقة (تاريخية) جديدة بين أكراد العراق وتركيا؛ علاقة تُكْسِب تركيا نفوذاً إستراتيجياً في إقليم كردستان العراق الذي ما عاد لـ "المركز"، أيْ بغداد، من سيطرة تُذْكَر عليه، فتعود هذه العلاقة على أنقرة بمنافع نفطية (نفط كركوك) في مقابل تسوية مشكلة أكراد تركيا بما يرضيهم، ويحفظ للدولة التركية وحدتها وأمنها واستقرارها.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة -مَنْ يَرْميني بالثَّلْج أرْميه بالنار-!
-
-الإعلام- و-الصراع في سورية-!
-
بريد الرئيس!
-
سفَّاح الشَّام!
-
في فِقْه -المؤامَرة-!
-
-يوم المرأة العالمي- في -عالَم الرَّجُل-!
-
نشكر أوباما.. ونهنِّئ الشعب السوري!
-
-الربيع العربي- يَطْلُب مزيداً من -الرُّوح القومية-!
-
هل يَثِق نتنياهو ب -تَعَهُّد- أوباما؟
-
مصر التي طُعِنَت في كرامتها!
-
نيوتن في -استنتاجه الخاطئ-!
-
هذا الخلل المنطقي في مفهوم -النقطة الكونية-!
-
هذا -الثقب- في مجرَّتنا!
-
من وحي -دستور بشَّار-!
-
رسالة -تونس-!
-
سؤالٌ تثيره نظرية -الثقب الأسود-!
-
شيءٌ من الجدل!
-
لماذا غابت -فلسطين- عن إعلام -الربيع العربي-؟
-
-الفاسِد- فولف!
-
-النسبي- و-المُطْلَق- في -النسبية-
المزيد.....
-
-حماس- تصدر بيانا بشأن فلسطينيين تتوقع الإفراج عنهم مقابل 3
...
-
عمدة مدينة اسطنبول أمام القضاء وسط هتافات المؤيدين ودعوات لا
...
-
أكبر تجمع للمسلمين بعد الحج .. مهرجان ديني على ضفاف نهر تور
...
-
مشغلو المسيرات الروس ينقذون جنديا روسيا معتقدين أنه أوكراني
...
-
لماذا يخشى ترمب تخلي -بريكس- عن الدولار؟
-
ترامب: سأفرض رسوما جمركية على السلع الأوروبية لأن بروكسل تعا
...
-
إسقاط 7 مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك الروسية
-
فرق الطوارئ الأمريكية تنتشل جثث 41 ضحية في حادث تصادم الطائر
...
-
زاخاروفا: روسيا قدمت بديلا للكتل السياسية العدوانية على السا
...
-
المغرب واليمن.. توقيع 7 اتفاقيات لتعزيز التعاون
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|