جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 23:37
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عجبت لم أدرك أمه وأبيه كيف لم يدخلانه الجنة أو كيف عاش طوال حياته معثرا علما أنه كان باستطاعته أن يكون موفقا بالحياة طالما أمه وأبيه راضون عنه ,وأهل حارتنا دائما ما يقولون (يا مسهل الأمور) وكثيرا من الناس حين يخرجون من بيوتهم أو حين يقومون من أماكنهم يقولون(يا كريم) وأنا دائما ما أقول يا رضا الله ورضا الوالدين, وذلك في أيام جاهليتي وفي أيام إسلامي حين كنتُ جاهلا أمشي على غير هدى وحين هداني الله,فإن أردت فعل أي شيء فإنني أطلب من أمي الرضا والتوفيق لكي يرضى الله عني,وإذا أردتُ بأن يسامحني الله فإنني فورا أطلبُ من أمي السماح أولا لكي سامحني الله على ما بدر مني وما عني استتر,وإذا أردت أن أطلب من الله الرزق فإنني أطلب من أمي أن تدعو لي بالخير,بل وأموت قهرا إذا نمت على وسادتي الزهرية اللون وأنا على علم تام بأن أمي غاضبة مني فلا تسمح لي نفسي بالنوم وأمي غاضبة مني وغير راضية عني,ويكاد عقلي أن يطير مني إذا تسببت يوما بانهمار دموع أمي,ولكن على الأغلب ومع الأسف كثيرا ما تبكي أمي بسببي إما خوفا عليّ وإما شفقة منها على حالي,ودائما ما أحاول تجنب المغامرات الصعبة لعلمي بأن أمي سريعة البكاء عليّ وبصراحة ساهمت أمي عن غير قصدٍ منها طوال حياتها بإضعاف شخصيتي من هذه الناحية لأنني أحسب لدموعها حسابات كثيرة وأحيانا أبالغ جدا في حساباتي,ولقد شهدت على دموعها كثيرا وفي كل مرة أقول:في المرة القادمة سأجعلك تضحكين بدل أن تبكي طويلا,ولكن هيهات هيهات فنحن جميعنا نتسبب لأمهاتنا بالبكاء أكثر من تسببنا لهن بالضحك وبالانبساط,فإن كنا هانئين في حياتنا مع أزواجنا مثلا لا نخبرهن بأخبارنا لكي يفرحن بسببنا أما إذا تعرضنا للمصائب فإننا فورا نقوم بإبلاغهن علانية لنكون سببا في حزنهن وبكائهن,وكثيرا من الأحيان ما أقول(يا أرض انشقي وابتلعيني)إذا أحسست يوما مجرد إحساس بسيط بأن أمي غاضبة مني وغير راضية عني.
وإذا كان بعض الناس لا يجدون الهدية المناسبة للأم في عيدها أو يومها السنوي فإنني أنا بمقابل كل هذا لا أجد قولا أعظم من قول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25), والأوابون هم:الراجعون التائبون كما جاء في كتب التفسير,وبالدرجة الثانية لم أجد قولا أعظم من قول محمد عليه الصلاة والسلام: (الجنة تحت أقدام الأمهات) فأنا لم أقرأ طوال حياتي على كثرة قراءاتي قولا أعظم من هذا القول ولم أقرأ تعبيرا منصفا للأم مثل هذا الحديث النبوي الشريف فلقد قرأت في الفلسفة وفي الآداب العالمية ولم أقرأ لفيلسوف أو لمؤرخ أو لأديب قولا يضاهي مقولة سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم,فمن أراد أن يعيش في الحياة السرمدية الأبدية سعيدا إلى الأبد فعليه أن يحنو برأسه وبكل جسمه أمام أمه التي حملته كرها ووضعته كرها,وقول الله (واخفض لهما جناح الذل)قال السيوطي في تفسير الجلالين عن معنى هذه الجملة:اخفض لهما:أي تذلل لهما,وأنا لم أجد لا في كتب الغرب ولا في كتب الشرق قولا عن الوالدين وخصوصا عن الأم أبلغ وأعظم من قوله تعالى في الآية الآنفة الذكر,وقول محمد عليه الصلاة والسلام في حديثه الآنف الذكر,ومن يجد قولا أعظم من ذلك فليرسله لي لأرسله أنا بدوري إلى (موسوعة جنس للأرقام القياسية).
ولمن يريد أن يعمل عمل الخير فعليه بأن يهتم بأمه إن كانت على قيد الحياة ومن أراد أن يموت شهيدا في سبيل الله فما عليه إلا أن يجاهد في سبيل إرضاء أمه وأبيه قبل أن يجاهد في حب المال والجاه والسلاطين,ومن أراد أن يقترب من الله كثيرا فعليه أولا وأخيرا أن يقترب من أمه بدل أن يقترب من المسئولين ومن الأمراء والملوك والخلفاء فهؤلاء جميعا لا يدخلوننا الجنة حتى وإن رضوا عنا وحتى وإن قبلنا الأرض التي يطئون عليها, لأن الجنة تحت أقدامها في كل شيء,وقبل أن نخلص للمسئولين عنا إداريا وسياسيا فعلينا أن نخلص لوالدينا وأن نتقي الله بهم وإذا أردنا في المستقبل بأن يعاملنا أبناؤنا معاملة حسنة فعلينا أن نعامل والدينا معاملة حسنة أمام أبنائنا ذلك أن الأبناء يتعلمون من تصرفات الآباء التي يتصرفونها أمامهم ولا يتعلمون من أقوالهم أو على مبدأ (كما تُدين تدان),فلا يوجد رضا أعظم من رضا الوالدين,ولا يوجد أحد يدخلنا الجنة إلا أعمالنا وأفضل تلك الأعمال هي حب وطاعة الوالدين, وهذه لوحدها تدخل صاحبها في جنة عرضها السماوات والأرض, وأنا طوال حياتي دائما أينما أذهب أقول في نفسي :يا رضا الله ورضا الوالدين,وأموت من القهر لو نمت يوما وأمي غاضبة مني وأتمنى لو أن الله لم يخلقني إذا نمت وأمي في صدرها قيحٌ أو غضب مني,وأتمنى لو أن الله خلقني حجرا أو حيوانا غير ناطق ولا مفكر إذا يوما عملت عملا تغضب منه أمي, ومن أراد وجه الله فما عليه إلا أن يطلب وجه أمه أولا,والمؤمن الحقيقي إذا أدرك والديه يدخلانه الجنة إذا عاشوا وماتوا من الدنيا وهم راضون عنه,ومن أدرك أمه وأبيه وعاشوا وماتوا وهم غير راضين عنه فإنه حتما سيخلد في النار إلى أبد الآبدين ومن الملاحظ جيدا أن ديننا الإسلامي يهتم جدا بالأم بل وفوق كل ذلك يربط رضا الله من رضا الوالدين,فان كانت أمي غاضبة مني فهذا معناه شيئا واحدا ومهما وهو أن الله أيضا غاضب مني بسبب غضب أمي حتى وإن صليت له وصمت,فما نفع الصلاة والعبادة لله إذا كانت أمي غاضبة مني,وما نفع أداء كافة الفروض الدينية إذا كانت أمي غير راضية عني,فإن رضيت أمي عني فهذا معناه أن الله راضيا عني وإذا شعرت بأن الله راضيا عني فهذا معناه أن كل الناس راضية عني وبأن الله لا يحبط لي عملا,ورغم أنني كمسلم لا أتوسل لله بغيره غير أنني أنا وكافة المسلمين نتوسل إلى الله بصلة أرحامنا وبرضا أمهاتنا,فهنيئا لأمهاتنا بهذا الدين الذي يعظمهن كثيرا ويزيد من شأنهن.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟