|
[ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ : تفكيكُ مَلفوظاتِ المُقدمة ] .
أيوب بن حكيم
الحوار المتمدن-العدد: 3673 - 2012 / 3 / 20 - 23:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سنحاول في تحليلنا هذا انتقاءَ بعض السمات لنعكف عليها مدارسة في تجاهل لمفهوم النسق البنيوي الذي يهتم للكل استقرائيا و استنباطيا وليس الجزء بوصفه معبرا عن ذاته ولا يحتاج إلا إلا ذاته كي يضحيَ نَمَوْذَجًا،فلاوجود لشذوذ في تحليلي لمجرد أنه يتيم غير مطرد .
بدأ هذا التحليل حدسا أن بعض تفاسير القرآن خضعت لنفسها أكثر مما خضعت لعظمة القرآن، وفيما ظنت هذه أنها تقدس الكتاب الكريم، عملت على تقديس نسق تفسيري أمعن في الهروب من حقيقة الحقيقة، واكتفت بإيصال ما وصل أصلا من تعابير اللغة ، ناسية أن القرآن خطاب لم يتم إلا في ملفوظه، في حين أنه خطاب مداور مخاتل لا تاريخي ينبغي إعادة قراءة له من أجله، ومن أجلنا.. بوصف ان القدامى امتلكوا لحظتهم التاريخية، وأن فهمهم للقرآن ليس حقيقة نهائية ومعطى وحدانيا علينا ألا نشرك به، بل بوصفه إنجازا لأجيال نظن أنها عاصرت النص، لكن دون أن يكون علينا تقديس هذه الأيقونة فنضحي كالهنود لها عابدين،"..إن معاصر نص ما يخدع نفسه حينما يظن انه في موقع محظوظ بالنسبة لمؤولي العصور اللاحقة( بول ريكور ) إن تراثنا العظيم يهمس في آذاننا " لا تخلصوا لي، بل فوا لعقولكم في اكتناهها للممكنات واللاممكنات..." [1] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبدأ السورة الكريمة خاضعة لفاعلية الغموض{ كهيعص} ، بوصفه كسرًا لأفق توقع المتلقي [2]، فنتساءل، ما بال هذه الحروف ؟ وفي عملية تبادل للجذور المؤلفة لهذه الحروف لا نحصل سوى على ثلاث كلمات من اللغة العربية وهما : (صكّ، كيّ، عيّ) حتى إذا توغلنا عموديا في السورة الجميلة ألفيناها مطردة النغم مسجعة مجنسة، كأنها سجاد إيراني دقيق الصنعة مزخرفها.
انتشلنا من السورة الكريمة بعضا مما لا يحتفل به أحد إلا لماما، وها هي ملاحظاتنا تباعا في شكل مواضيع صغيرة مستقلة
*******************
1 ـ حنان نبي الله زكرياء وعظمة زوجه العاقر :
نبي الله زكرياء شيخ طاعن في السن، ويعترف أن وظيفته البيولوجية والفيسيولوجية قد توقفت، وتحته زوج عجوز عاقر، فنتساءل، كيف عرف زكرياء أن زوجه عاقر ؟ هل تزوجت قبله فلم تلد، وتزوجها ثيبا وليس بكرا ؟ لم لا يكون النبي زكرياء هو العقيم ؟ هل كمال الأنبياء ينبغي معه ألا يكون النبي عقيما ؟هل أشار له الوحي بأن زوجه هي العاقر ؟ يقول عز وجل {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء 90..ما معنى أصلحنا له زوجه ؟ إنها قطعة زراعية غير خصبة عمل الله على إصلاحها فخصبت بعد جدب وقحط.
يتجلى حنان نبي الله زكرياء أنه بقي صابرا الى جانب زوج واحدة، فلم يترك عقبا إلا بعد حدوث المعجزة، أليس جميلا هذا الوفاء ؟ أليس حريا بنا تلقف شيء من هذا لنعامل أزواجنا بمثله فلا نتبرم منهن لأسباب لا حيلة لهن فيها .
في نفس الوقت تبدو زوج زكرياء امرأة استثنائية، إذ حافظت على زوجها فلم ينظر الى أنثى غيرها، إنها زوج مثالية، ولا شك أنها طالبت نبي الله بالزواج بأخرى ليرزقه الله منها عقبا، إلا أن نبي الله صمم أن تكون له زوج واحدة ..هي هذه العاقر.. في زمن كانت النساء سلعة تشترى وتباع ،ما أجمل هذا الإخلاص، وما أقوى هذه المرأة !! فهل هي خميلة خصال حسنة ؟ أم كانت بنتَ سيدٍ عزيزٍ في قبيلةِ النبيّ فلم يقدر أنذاك زكرياء على الزواج بأخرى ؟ (تماما مثل علاقة الرسول محمد (ص) بخديجة ض )
2 ـ نبيُ الله يحيى وإرهاصاتُ ظهور ِ الرسولين عيسَى ومحمدٍ (ص) :
ابتداء من الآية السابعة يقول عز وجل {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } الآية 7 (ولفظة يحيى اسما وفعلا مذكورة في القرآن سبع مرات أيضا ، هل هذه صدفة ؟)، فمن هذا الغلام الذي لم يجعل له الله من قبل سميا ؟ إنه يوحنا المعمدان، المقدس لدى النصارى والمسلمين سواء، إن شأوه يبدو صغيرا في مساحة عالم الأنبياء، لكن في نظري أهمية النبي يحيى تكمن في الآتي :
2 ــ 1 الإسم ِ :
يحيى اسم لم يكن من قبل، والعجيب انه لم يحي، بل مات صغيرا،فإسمه يحمل عكس ما عاش من فسحة عمرية، والنبي محمد (ص) كذلك لم يجعل له الله سميا من قبل !!! من هنا تنبع أهمية النبي يحيى في نظري؛ الإسم لفظة ولغة، لكن اللغة لها ألاعيبها ومخاتلاتها، فنحن عندما نسمي أبناءنا نظن أن اختيارنا مميز، كذلك فعل الله بيحيى ولم يفعل هذا من قبل على الأقل فيما ذكر في القرآن الكريم، وسيكرر الله اللعبة مع رسوله محمد فاختار له اسما لم يوجد، لكن محمدا رسول عظيم أثر في البشرية جمعاء ؟ فما بال يحيى ينافسه في كون أن له اسما لم يكن من قبل ؟ سنحاول الاجابة في :
2 ــ 2 التوقيتِ/ الولادة ِ:
ولادة ُ يحيَى كانت معجزة تلقاها بنو اسرائيلَ ولم يستطيعوا نكرانها، فكيف لعجوز وشيخ أن يلدا إبنا لولا أنها معجزة {كذلكَ قالَ ربُّكَ هُوَ عـَلَيّ هَينٌ} الآية 9، إن ولادة يحيى/ المعجزةِ إرهاصٌ بمعجزةٍ أكبرَ وهي ولادة عيسى؛ المعجزاتُ تتدرج إذن مما هو بسيط الى ما هو لا يصدق، لكن أن تأتيَ ولادة الرسول عيسى دون تمهيد
بطريقة معجزة مساوقة لولادة النبي يحيى فذلك مما كان لن يتقبله بنو إسرائيل، فكان التمهيد وكانت المعاصرة بين يوحنا المعمدان وبين الرسول عيسى عليهما السلام، وسيلتقيان، ويكون تواضع عيسى، وسيعمده يحيى بالماء، وستكون النهاية اقتربت ، نهاية يوحنا المعمدان، فقد أدى وظيفته، وآن له أن يترك عيسى يناطح صخور/عقول اليهود.
2 ــ 3 المقتل ِ :
مصرع يحيى باكرا إيذان برفع عيسى عن الأرض، كيف يعقل أن يُقتل نبي كريم في قيمة يوحنا المعمدان ؟ إذن فبنو إسرائيلَ قادرون على فعل نفس الشيء مع نبي الله عيسى !! وكذلك سيكون، أو كذلك ما سيهمون بفعله، إنها رسالة مزدوجة وموجهة أيضا الى عيسى نفسه، "فالذين قتلوا يحيى قد يقتلونك فاجتهد لإكمال رسالتك".
وهنا تكمن مفارقة أخرى وهي أن أب يحيى بلغ من الكبر عتيا، أما أبنه فهو أصغر الأنبياء الذين سيفارقون الحياة، بل إن مبعثَه كان مخالفا لسنة الله في أنبيائه،{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }الاية 12 وهي أن يبلغوا سن الأربعين، إن بلوغ زكرياء مبلغا متقدما في السن كان مفارقة عميقة مع مبلغ ابنه من السن ومقتله و تشهد على غدر الزمن، غدر بني إسرائيل الذين استمرأوا قتل رسل الله،
يحيى كان آخر نبي يبعث قبل الرسولين عيسى ومحمد عليهما السلام، آخر ممهد لرسولين عظيمين من أولي العزم، إذن أن يمهد نبي واحد لرسولين في قيمتهما فمعناه أن مبعث يحيى كان نقطة تحول في تاريخ البشرية، فوحده استطاع تمريرَ رسائلَ لبني اسرائيل أن المسيحَ اقترب أوانه.
ـ هوامش :
[1] هذه دعوة التأويليين و التفكيكيين و رواد نظرية التلقي على وجه العموم على وصف أن أيّ ّ نص يحتمل ممكنات كثيرة مع اختلاف في مفهوم الذاتي و الموضوعي. [2] المرجو التفريق بين مفهومي "كسر أفق الانتظار" الغاداميري ، و "كسر أفق التوقع" على وصف أن المفهوم الذي أستخدمه مفهوم أسلوبي نشأ في تحليلات الشكلانيين الروس في العقد الثاني من القرن العشرين ، وسيستغله رواد جمالية التلقي و على رأسهم "ياوس" في كتابه "جمالية التلقي" .
#أيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكائد التسمية : من اللواط إلى الشذوذ إلى المثلية [ 1 تفكيكا
...
المزيد.....
-
ترامب يوقع على أمر تنفيذي يهدف إلى مكافحة -التحيز ضد المسيحي
...
-
متى الايام البيض شهر شعبان 1446؟ .. دار الإفتاء تكشف عن أهمي
...
-
عاجل | البيت الأبيض: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا للقضاء على التح
...
-
ترامب يعتزم إنشاء لجنة للقضاء على التحيز ضد المسيحيين
-
الإعلان عن موعد دفن آغا خان زعيم الطائفة الإسماعيلية في مصر
...
-
ماما جابت بيبي..استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
رئيس بلدية رفح يناشد الدول العربية والاسلامية إغاثة المنكوبي
...
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|