أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال القواسمي - كوب- قصة قصيرة














المزيد.....

كوب- قصة قصيرة


جمال القواسمي

الحوار المتمدن-العدد: 3670 - 2012 / 3 / 17 - 21:00
المحور: الادب والفن
    


الملاكم من وزن الريشة المشهور في البلد لم يعانِ من أي مرض في حياته، ولم يجرؤ أحد على أن يجعله يعاني. انه رجل صعب وعقله في قبضتيه. يكفي أن يقول: أريد فيقف الناس له احتراماً، وتنفتح الأبواب أمامه: اوراقاً ثبوتية، عقوداً، مالاً، وعوداً تتحقق، وكثيراً مما شاء ما عدا الزوجة، فلم تقبل به فتاة أبداً. كل أهل المدينة تعرفه، فقد رأوه هنا وهناك، في جميع فصول السنة، في النوادي، في شوارع البلد، في قنوات التلفاز الرياضية ونشرة الأخبار: الملاكم من وزن الريشة هزم غريمة فلان وفلان وفلان بالضربة القاضية، ركض، تدرب، دخل في طوشة، أخذ عطوة، استقبل جاهة، سالماً غانماً، لم يعانِ بحياته من مرض أو ارتجاج او حتى جرح بسيط ولا أحد جرؤ على تكسير كلمة من كلامه. منذ أصبح ملاكماً مشهوراً، لم يجرؤ في حياته أحد على أن يخدش أسمه ما عدا بائع الكعك الذي طلب منه الملاكم قبل شهـرين من نافذة البيت أن يبيع الكعك بعيداً عن حارته لأنه يزعج الناس بزعيقه، "كـعــك!! كـعــك!! كعك مقحمش!" فلم يآبه لكلامه، فخرج له من البيت وطلب منه عدم الزعيق على الأقل؛ بائع الكعك الغشيم رآه أصغر حجماً منه فضحك مستهزئاً به قائلاً له انه يريد الترويج لكعكاته، فقال الملاكم ان كل المارة ترى انه يبيع كعكاً وليس أحذية؛ وحالما فكر البائع المسكين برفع يده، ضربه الملاكم كأنه كيس من الرمل يتدرب عليه، وتركه منفَّخ الوجه وبلا حاجب. لا يوجد أحد من أقربائه أو أصدقائه أو جيرانه أو معارفه إلا وحمل منه تذكاراً على وجهه او عرجة في قدمه او أصابعه؛ كانت قائمة ضحاياه قد بدأت بابن خاله الذي بات أعور في الطفولة. وقد بلغ الملاكم الخامسة والأربعين ولم يجد أحداً يزوجه من ابنته؛ بقي يعيش مع أمه العجوز، وحده في عِلية البيت ذات السقف الواطئ مثل فنجان قهوة أفطس.
وهكذا فجأة وجدته عائلته وحده ميتاً في البيت. حامت شكوك كثيرة حول موته، وقيل انه مات مقتولاً. جسده الذي لم يخضع لمبضع في حياته صار هدفاً للتشريح، وصوروا جثَّته أخيرا علهم يكتشفوا فيما إذا كان لديه كسور في صدره او رأسه؛ لا شيء. تقرير التشريح كان نظيفاً، وأشار إلى أن الوفاة حدثت منذ يومين وان سببها جلطة قلبية قوية. ولم يبقَ إلا دفنه، وكان الجميع في انتظار وثيقة الدفن التي تأخر تحريرها حتى خاف الناس أن يعود الملاكم من وزن الريشة من ثلاجة الموتى ويُشبع موظفي وزارة الصحة وأهله وأصدقائه ضرباً. لكن أخيراً عاد أقاربه ومعهم وثيقة الدفن، فقد كان عليهم أولاً إحضار تقرير المشرحة، وكان الطبيب المسؤول عن التشريح مريضاً وغاب يومين وكان عليه التوقيع على التقرير. وكان اقرباؤه سعيدين بالتقرير الذي يؤكِّد انه لا يوجد خدش بسيط في جسد الملاكم من وزن الريشة او اي كدمات او ما يشير الى عنف. وهكذا فقد بقي عليهم أن يدفنوه. وجاؤا جميعاً: الأعرج والأعور والأطرش، والذين ركَّبوا أطقم أسنان وهم شباب، وكذلك ثلاثة معاقين بعكازات وبائع الكعك الذي ضربه قبل شهرين، وكل من تشاجر معه بنظرات الأعين. كان الملاكم من وزن الريشة صغير الحجم وكان التابوت كبيراً عليه، فحملوه من البيت، والجميع يتدافعون ليحملوا تابوته، تصايحوا وتشاجروا حول من يحمل التابوت أولاً، ومن الأولى بلحم ثوره: أصدقاؤه أم أخوته، بائع الكعك ملأ بزعيقه البيت والأزقَّة والدنيا خلال الجنازة كلها: وحِّـدوه!! وحدوه!! وحِّدوا الله!! تدافعوا وتلقفوا التابوت طوال الجنازة عبر أزقة القدس، صعدوا درجاً، نزلوا درجاً، هربوا من المطر، لحقوا بالغيم، تراكضوا هنا وهناك، والتابوت على الأيادي والأكتاف، وكان بوسع الجميع ان يسمع ارتطام جثته في ارجاء التابوت وكأنها تهشَّمت مثل كوب زجاج.
1-3-2012
 



#جمال_القواسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعدُّ - نصّ
- أميرة تريد أن تلعب- قصة قصيرة
- ظلم- قصة ق جداً
- تلخيص - قصة قصيرة
- كاتب فاشل - قصة قصيرة جداً
- ملِك - قصة قصيرة
- حمَّام- أقصوصة
- بيتي- قصة قصيرة جداً
- مباراة- أقصوصة
- أخر الأخر- أقصوصة
- اللحظات الأخيرة- قصة قصيرة
- خبر اسرائيلي- أقصوصة
- أجمل رواية- قصة قصيرة جداً
- رسالة - أقصوصة
- عن قتل أحد الوالدين، الثورة والجنس
- فيلم - أقصوصة
- الرئيس في البيرنابو- نص
- قصة كتاب الأنساب - للكبار +18
- خزانة العطارين - قصة قصيرة
- ع اليوم - ثلاثة نصوص


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال القواسمي - كوب- قصة قصيرة