أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل عبد العاطى - الخِدعة الكبرى















المزيد.....



الخِدعة الكبرى


عادل عبد العاطى

الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 10:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


-1-
في الرواية الاسطورية ان احد المحتالين ذهب الي ملكا ما؛ واقنعه ان له رداءا لا مثيل له في الجمال والفخامة؛ لدرجة انه لا يري بالعين المجردة للاغبياء والاجلاف. صدق الملك العيي هذا الاحتيال؛ فهو ايضا نصاب ومحتال ولكنه ككل محتال يصدق بعضا من الكذب المزوق؛ وصفقت الحاشية للمحتال في احتيالها الابدي وكلبيتها السرمدية؛ وتابعت مراحل صناعة الثوب الوهمي خطوة خطوة؛ واٌغدقت علي المحتال الاف الدنانير؛ واحيط بآيات الثناء والتقدير؛ حتي اتي يوم اكتمال الثوب ؛ ويا له من يوم عظيم؛ حيث البس المحتال الملك رداء الوهم؛ وخرج الملك في موكب مهيب ليري الناس الثوب القشيب؛ وهو يعرض بينهم بعريه الفاضح.

اصاب الناس ذهول عظيم؛ فهم لا يروا ثوبا وانما ملك يتمخطر في عريه وحاشية تصفق وتمدح في الثوب المزعوم؛ وشعراء ينسجوا القصائد المفخمة وموسيقين يلعبوا بالاتهم وحواة وبهلوانات يقدموا عروضهم وحيلهم الصغيرة؛ فاليوم يوم عيد وهو يوم اكتمال الثوب القشيب الذي لم ير مثله بشر؛ والذي لم تلبسه من قبل لا انثي ولا ذكر.

سكت معظم الناس في ذهولهم؛ فهم لا يروا الثوب ولكنهم في تواضعهم عزوا الامر لبلادة وجلافة فيهم؛ كيف لا والكتاب والشعراء والوزراء والفقهاء والعلماء يمدحون الثوب العظيم ويتغزلون في نسجه الماهر ومادته النادرة ؟؟ هل يعقل ان يكون كل هؤلاء الا صادقين؛ وان عدم رؤية الثوب من هذا الانسان البسيط او الانسانة البسيطة؛ لا ينبع الا من جلافة اصابت روحه او غشاوة غطت عيناه؛ والملك وحاشيته والمطبلون يروا كل شي وهم به جد معجبون؟

ثم كان ان قطعت الصمت القاتل طفلة.

-2-
لا يزال بنا الحال منذ ان كانت بلادنا الحديثة؛ ان تربص بنا ملوك محتالون؛ وحاشية مرائية؛ وعلماء كذبة؛ ورواد ما فتئوا يكذبوا اهلهم؛ وحواة ومهرجين يتبعون كل كاذب وزنيم؛ ومتخصصين في التزوير والتدليس؛ ومهرة حذقة في الاحتيال والتدجيل؛ يريدوا ان يخدعوا الناس وهم لا يخدعوا الا انفسهم؛ لان الحق يظهر ولو بعد حين؛ وساعة الباطل ساعة؛ وساعة الحق الي قيام الساعة.

كانت اول خدعاتنا هي سيطرة السامريين علي حياتنا العامة؛ ممن مزقوا الوطن علي اساس الانتماء الطائفي والديني؛ وجعلوا من الدين واسم السلف العظيم؛ مطية للمال والكرسي؛ يبغوه لا لخير يعم الجميع؛وانما لمصلحة ترجع للذات والاسرة والاقربين؛ يدفعهم في ذلك مرات ويدعمهم مرات اخرين؛ مثقفين مهترئين باعوا امانة الكلمة وشرف القلم وقيمة العلم بثمن بخس دراهم معدودات؛ وببهرج من سلطة زائلة جلسوا عليها يوما او بعض يوم.

لم يكن غريبا اذن؛ ان ندخل دائرة الامم الحديثة علي جناح شعارات زائفة؛ من نوع : تحرير لا تعمير؛ وان تطبع حياتنا العامة المكايدات الصغيرة؛ والحيل الفطيرة؛ والمماحكات والصراعات غير المبدئية؛ وان يذوب اهل الصفوة ولها ب"اسيادهم" من السامريين؛ وان يغدق السامريون من عطفهم علي هؤلاء المبيوعين؛ فاتلم المتعوس علي خايب الرجاء؛ وكان الشعب صامتا يري مسرح العبث؛ حتي اسلم السلطة رئيس الوزاء ومندوب السيدين لكبار الجنرالات في 1958 ؛ بموافقة وتاييد السامرييّّن وتحت اشرافهما التام.

في خلال ذلك؛ شهدنا النكص بالعهود يمارس علي اخوان الوطن الواحد؛ ويلقي من يطالب بتنفيذ العهود في السجون؛ متهما بالخيانة العظمي؛ لانه طالب بالفيدرالية. لذلك سرعان ما اشتعلت الحرب؛ والتي كانت اذهان قادتنا الاقزام الاضيق من خرم الابرة؛ غير قادرة البتة علي ان تستوعب خطورتها؛ فتعاملت معها بلا مسؤولية تامة؛ والقت كثيرا من الحطب والزيت في محرقتها؛ وكانها تظن ان الامم تبني بحد السلاح ؛ وان المجد والتقدم كامن في صليل السيوف ولعلعلة الرصاص.

-3-
كانت اكتوبر هي قولة المواطن والمواطنة الجهورة؛ لا صرخة الطفلة الصغيرة التي اندهشت من العري الفاضح؛ لقول لا للفرعون والحاشية والسامريين؛ وفي اكتوبر اثبت رجل الشارع العادي؛ ممن يقال انه يتبع الطائفية وانه سلبي وانه غايب او مغيب الخ الخ؛ انه اعمق وعيا واجرأ موقفا واكثر تقدما من مجموع النخب السودانية التقليدية والحديثة؛ العقائدية والبروقراطية؛ اليمينية واليسارية؛ والتي تتحدث كلها باسم هذاالمواطن البسيط؛ وهي في الحق تتاجر بقضيته في سوق الله اكبر.

لهذا كان التآمر علي اكتوبر ومعناها كبيرا؛ لانها شكلت نموذجا جديدا؛ اعاد او كاد يعيد ملحمة ثورة 1924 ورجالها ونسائها البواسل؛ وقالت اكتوبر بصورة واضحة لا لزعامة القدامي؛ وقالت لا للحرب في الجنوب والطريق العسكري حلا للازمات السياسية ؛ وطرحت قضية تمكين العمال والمزارعين والنساء والشباب علي بساط البحث؛ وارتفعت فيها اصوات الاقاليم المهمشة في الغرب والشرق وجبال النوبة والانقسنا؛ وذهب فيها الحوار السلمي الي مدي بعيد في المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر وغيرها؛ طريقا لايقاف الحرب العبثية الدامية.

نقول ان حلقات التآمر كالعادة كانت هي هي : تجار السياسة وسياسيي التجارة؛ من السامريين والمثقفين الادعياء الملتفين بالطائفيين والممزقين لوحدة الوطن؛ ومن راس الرمح الجديد في "ثورة" قوي الظلام والتاخر والتسلط: تنظيم الاخوان المسلمين بقيادة ساحرهم الجديد رجل التقليد والتجديد المزعوم؛ واللاعب بالبيضة والحجر وممن سيكون له اسؤا الاثر في مستقبل السودان السياسي؛ حسن عبدالله الترابي.

رميت هذه القوي اذن بعصيها وسحرها والاعيبها؛ تريد بافاعييها الصغيرة ان تلتهم التنين الاكتوبري الوليد؛ فكانت الحرب ضد الحريات وضد الدستور؛ وكانت دعوات الدولة القروسطية فيما يسمي بالدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية؛ وكان الانتكاس بالحوار السلمي واغتيال دعاته - وليم دينق- ؛ وكانت الحرابات الصغيرة والمماحكات؛ وكان الاهمال الاكبر لقضايا التنمية وتطوير الموارد وفتح فرص الكسب والعمل؛ وكان كل طريق الالام الذي ادي الي الكارثة في 1969.

بالمقابل فان من حماه العقل او الحظ او الظرف من ان يسقط في هذا المعسكر المعادي لاكتوبر ومٌثلها؛ رمي به الحال الي معسكر الايدلوجيين اليساريين من كل شاكلة ولون؛ والذين كانت تعشعش بينهم النماذج الانتهازية جنبا الي جنب مع التماذج الثورية الحقة؛ وهوالمعسكر الذي في المحصلة؛بانتهازييه ومبدئييه؛ قد طور علاقات للتسلط والدكتاتورية قوية؛ جعلت له دور الاسد في الانتكاس بما تبقي من روح اكتوبر؛ عندما خططت ونفذت وايدت شرائح مختلفة منه؛ انقلاب الشؤم في 25 مايو 1969 الاسود.

-4-
كانت مايوالخدعة الصغري؛ والتي ظننا انه بعدها لا خدعة ولا خداع؛ والتي مشت علي اجسادنا عبر اطلاق العديد من الخدع الفرعية الاخري؛ اطالت بها حياتها الكئيبة التي تمرغ في وحلها كل الصف الطويل من الصفوة الذين حاورهم منصور خالد ولم يخرج من حوارهم بشئ؛ اذ هو منهم وهم منه؛ يفعل فعلهم ويفعلوا فعله؛ واسهم بيده فيها كل من ادمن الفشل من النخبة السودانية؛ من يسار ويمين وبيروقراط وتكنوقراط؛ الا من عصمه الرب او صوت الشعب او الضمير.

أتت مايو متلفحة ثوب اليسار رافعة شعارات محاربة الرجعية والاشتراكية؛ لتخفي من تحتها طابعها الشمولي الجامح ونزوعها الاسنهلاكي الكاسح وجوهرها الاقصائي المتمكن فيها من لحظة الولادة والي لحظة الممات؛ وعندما اختلف الانتهازيون مع المتحجرون من قبائل اليسار؛ لعلع الرصاص وقامت المذابح واتجهت مايو يمينا لتتحدث عن الوحدة الوطنية والتنمية وتوقع خدعة صغيرة من خدعها فيما سمي باتفاقية اديس اببا والتي اسماها المايويون بالوحدة الوطنية ولا كانت وحدة ولا وطنية؛ حتي مزق رئيس النظام الورق الذي خطه بيده؛ مثبتا ان نخبة السودان وحكامه لا يفوقهاانسان في الحنث بالعهود والهرب من الالتزامات؛ ومن بينها التي فرضوها علي انفسيهم او قالوا انها من المنجزات.

اما السامريين فبعد ان وقف بعضهم مع مايو في البداية بالاصالة والوكالة رغم ما كالته لهم من اوصاف و ما ادعته تجاههم من عداء؛ عملا بوصية ابيهم:الفتة لو حارة ما تدخلوا يدكم فيها؛ وحاربها البعض الاخر منهم بسيوف العشر وبايادي البسطاء حتي ابيدوا دون تعويض ولا ذكر ولا شكورا؛ وبعد مناورات ومؤامرات ومغامرات؛ فقد صالحوها في الخدعة الثانية والتي سميت بالمصالحة الوطنية؛ ولا هي مصالحة ولا هي وطنية؛ ودخل حفيد المهدي الامام وابن السيد الصديق اروقة الاتحاد الاشتراكي حليفا للنظام؛ يسمع لرئيسه يصف من مات من اجله بالمرتزقة؛ بينما جلس احمد الميرغني واحمد السيد حمد في مكتب "الاتحاد الاشتراكي" السياسي حتي الانتفاضة؛ ثم لحقوا بها وانتفضوا مع المنتفضين؛ مثبتين ان قادة جمهورية الخرتيت هم اتخن جلدا من خرتيتهم الذي كان.

الا ان الخدعة التي ظن النميري ومن تبعه بغير احسان من جماعة الترابي ومن لف لفهم من الفقهاء وال"الفقراء" والساسة المبيوعين؛ انها ستكون طريقهم للتمكن وانها القول الذي سيسكت كل طفلة وكل طفل وكل مواطن وكل مواطنة؛ فقد كان التجارة بالدين الذي لا يملكوه؛ومن تاجر بشئ لم يملكه؛ فكانت قوانين سبتمبر وكانت ماساة الفكر الحر وكان الرجوع الي عهد البريرية والجاهلية الحقيقية؛ حتي انتفض الشعب مرة اخري عندما يئس من كل فرعون ظنه موسي فاكتشف انه هامان؛ ومرة اخري قال المواطن كلمته امام هذا العبث؛ وخصوصا ان نار الحرب استعرت من جديد وفغرت المجاعة فاهها تحصد الارواح في غرب البلاد؛ وتفسخحت الدولة وكادت تتحلل؛ وبدأ طريق الفقر والمسغبة بعد ان اكلت النخبة كل البقرات السمان والعجاف ولم تترك للشعب سوي الفتات وما هو اقل من الفتات.

-5-
لسبب ما اسمى الناس الهبة الشعبية في مارس -ابريل 1985 ضد نظام الخدعة الصغري؛ انتفاضة ولم يسموها ثورة؛ كما اسمموا ثورة اكتوبر 1964؛ وقد اتفق اليمين واليسار والوسط علي كلمة لانتفاضة في وصف تلك الهبة؛ وان حاول كل منهم ان يلبسها جلبابه؛ فوجدنا من يسميها انتفاضة مارس- ابريل؛ ومن يسميبها انتفاضة ابريل؛ ومن يسميها انتفاضة 6 ابريل؛ ومن يسميها انتفاضة رجب؛ ومن يسميها انتفاضة الربيع!.

التسميات اعلاه كلها تنطلق من مواقف سياسية وايدلوجية بعينه؛ يحاول كل منها ان يجبر الانتتفاضة لاصلاح كسره القديم اوالجديد؛ ولكن تعبير الانتفاضة في وصف ما شهده العام 1985 ؛ في مقابل الثورة الذي اطلق علي ما ما جري في 1964 ؛ يوضح الطابع الضعيف لزخم تلك الانتفاضة؛ والسقف المنخفض الذي تحركت من تحته؛ رغم مواجهتها لقضايا اكثر تعقيدا وحدة؛ من القضايا التي واجهتها "ثورة" اكتوبر؛ والمتعلقة بالازمة الاقتصادية - الاجتماعية الطاحنة؛ والتي كانت المجاعة احد اشكالها الاكثر تطرفا؛ واندلاع الحرب اللاهلية من جدبيد بشكل اكثر عنفا؛ وبطروحات جديدة؛ وقضية النظام السياسي والقانوني للدولة؛ وقضية الهوية الثقافية للسودان والسودانيين الخ الخ من القضايا العقدية المهمة.

نقول ان هذا الضعف والسقف المنخفض؛ كان نتيجة طبيعية للحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي تم في السبعينات والنصف الاول من الثمانينات؛ وبروز دور الاسلام السياسي او قل الراسمالية الطفيلية او قل الطفابيع؛ ممثلا في تنظيم الترابي؛ بصورة كبيرة؛ والذي جعل كل القوي الاخري في حالة دفاع؛ بما فيها قوي السامريين واليسار التقليدي القديم؛ بينما برز قطب جديد في الصراع؛ لا يقل في الشمولية والديناميكية والانتهازية عن تنظيم الترابي؛ مما سيتضح لاحقا؛ وهو الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وكالعادة فان آل بوربون السياسة السودانية؛ من قادة الاحزاب الطائفية والمثقفين الانتهازيين الداعمين لهم؛ لم يتعلموا شيئا ولم يغفروا شيئا ولم ينسوا شيئا؛ فمارسوا طريق المحركة والهدر الكامل للموارد والجهود؛ وواصلوا الحرب في حين تحدثوا عن السلام؛ ووعدوا بكنس اثار مايو بينما ثبتوها في كل مكان؛وفي النهاية تحالفوا علنيا مع من كانوايدعوا لاقصائهم علنيا؛ من حزب الترابي الفاشي؛ وكان في كل هذا لهم دعم معلن او خفي؛ صريح او مضمر؛ من قبل اليسار التقليدي من حزب نقد وغيره؛ ممن ارادوا ان يحاربوا معاركهم بايادي الطائفيين؛ راجعين بذلك الي عهود غابرة تجاوزها الناس - بفضلهم ويا للعجب- منذ زمن مؤتمر الخريجين.

عجزت الديمقراطية الثالثة ان تقدم مبادرة مثل مؤتمر المائدة المستديرة؛ وان تقدم شيئا يشابه زخم النضال السياسي والاجتماعي والفكري في الستينات؛ وان تبذل اي جهد لايقاف الجرح النازف في الحرب الاهلية المعلنة في الجنوب والمسكوت عنها في دارفور؛ وحتي ما يسمي بمعاهدة السلام السودانية؛ والتي قدونا بها؛ فانها كانت مناورة سياسية بين قائدين لم يعرف عنهما الحرص علي الحوار والوطن والسلام؛ بل العكس هو الصحيح؛ وارادا بها الكيد لاعدائهما؛ وتحقيق كسب سياسي رخيص بالمتاجرة بالسلام؛ وهو امر افسده عليهما حلفاؤهم واشقائهم الاعداء من ترابيين وامة؛ بالتجارة بالاسلام من جهة؛ وبالتجارة بالوطنية والتحجج بالاجراءات من الجهة الاخري.

كانت الديمقراطية الثالثة طفلا يتيما اذن؛ تامر عليه اباؤه المتبنيين له؛ من احزاب اليمين واليسار والاحزاب الطائفية؛ والتي كانت تعمل كل وسعها لتهديم هذا النظام؛ عمدا وبصورة منظمة وممنهجة؛ من قبل الترابيين؛ ضمن استراتيجتهم للتمكين والتي اعدوها في عام 1973؛ وبممارساتها المتناقضة والضعيفة والمحطة بقدر النظام الديمقراطي؛ من قبل الاحزاب الطائفية واليسار؛ والامثلة هنا لا تعد ولا تحصي؛ هذا اذا استبعدنا من بين الاخيرين طبعا مجموعة المتامرين والمندسين والجبناء ؛ ممن كان لهم دور مباشر في الوصول للكارثة.

-6-
لم تكن "الانقاذ" صاعقة اتت الينا من سماء صافية؛ ولم يكن السؤال عن من اين اتي هؤلاء؛ الا تعبيرا عن مبالغة ادبية وسذاجة سياسية؛ فمجري كل تطور الدولةالسودانية الحديثة الانحداري؛ كان يقود بحيثياته كلها؛ الي ان يمسك الفاشست السلطة؛ عندما تفشل كل الطرق السلمية والديمقراطية ؛ لجر الناس للاستسلام للقسمة الضيزي؛ الممارسة في حكم وادارة السودان واهل السودان.

لم تأت الانقاذ بجديد اذن؛ سوى انها ذهبت بكل ما هو سلبي واناني واقصائي في حياتنا العامة؛ الي حدوده القصوي؛ وشكلت التعبير المتطرف لازمة النخبة السودانية؛ والتي وضعت اسس ايدولوجيتها في نشيد مؤتمر الخريجين الاول؛ والذي يقول: "امة اصلها للعرب دينها خير دين يحب"؛ او قبلها في حديث سليمان كشه في العشرينات عن الشعب العربي الكريم؛ فهل فعلت الانقاذ اكثر من ان اسفرت بالمضمر والمسكوت عنه؛ وحاولت تنفيذ كل البرنامج الفاشل الذي سارت عليه بلادنا منذ الاستقلال؛ والذي كان يقودنا من ازمة الي اخرى؛ حتي اوصلنا لام الهزائم: حكم الانقاذ.

واصلت الانقاذ سيرة التدجيل والتجارة بالدين؛ ولم تكن هي التي اتت بهذه الممارسات الي السودان؛ بل مارسها قبلها بعقود قيادات الطائفية؛ وقد احتضنوا رجال الانقاذ عندما كانوا طيورا غضة في الخمسينات والستينات؛وبسطوا عليهم جناح الدعم؛ وساندوهم في مهزلة حل الحزب الشيوعي وفي مؤامرة "الدستور الاسلامي" وفي محكمة الردة الاولي للاستاذ محمود؛ ثم تحالفوا معهم في المعارضة ضد مايو تحت لواءالجبهة الوطنية واعطوهم البعدالشعبي؛ ثم تحالفوا معهم بعد الانتفاضة وادخلوهم الحكم؛ واذا كان الكيزان في الديمقراطية الثالثة كانوا يرفعوا راية "دعم شرع الله وقواته المسلحة" ؛ فان الميرغني كان يتحدث عن الجمهورية الاسلامية والصادق عن نهج الصحوة ومحمدابراهيم نقد يعلن قبول الشريعة لو جائت من البرلمان؛ فهل كان هذا الطير الا من ذاك السرب؟

أتت الانقاذ بتشكيلات الدفاع الشعبي ودعم التشكيلات المسلحة القبلية وعصابات النهب المسلح "الجنجويد" وغيرهم؛ تحقيقا لاهدافها في السيطرة العسكرية واجهاض العمل المعارض لها ؛ وخصوصا المعارضة العسكرية؛ فهل كانت لا تطبق الا ما بدأه الصادق المهدي وبرمة ناصر من قبل؛ عندما تحالفوا مع القوات "الصديقة" وعندما سلحوا قبائل التماس وعندما دعموا قوات المراحيل- وهي الصيغة الجنينية لمليشيات الجنجويد-؛ وعندما حاولوا ان يلقوا كل اسباب الحرب الاهلية و تشعباتها علي التدخل الاجنبي الماركسي الصهيوني الامبريالي الرجعي ؟

ان من يريد ان يري نهج الانقاذ مطبقا في زمن الديمقراطية الثالثة؛ فليرجع الي جريدة القوات المسلحة ويري خطابها الانقاذي الكامل؛ فهذه الصحيفة كانت تتحدث عن "الخوارج" في وصفها للمعارضين العسكريين؛ وتخلط خلطا بينا بين الدين والسياسة؛ وتنتهج نهجا رجعيا في معاداة الدول المجاورة وفي الاستقطاب السياسي ضد المعكسر الماركسي ومحور عدن وغيره من المحاور الحقيقية والمزعومة؛ وكانت لا تختلف عن جريدة الراية الا اختلاف مقدار؛ بل لقد كانت الراية هي الجريدة الوحيدة التي تباع وتوزع علنا في معسكرات الجيش؛ وكان التلبس بقراءة "الميدان" او "الهدف" يعرض الجندي او الضابط للفصل التعسفي؛ وكل هذا تحت رايات الديمقراطية وتحت حكم ابو كلام؛ فهل نعيب علي الكيزان ان ارداوا ان يحكموا اذن منفردين لا مؤتلفين مع اخوانهم الاعداء؛ معلنين لا مخفيين؟

اتت الانقاذ بقوانينها البغيضة والرجعية في عام 1991؛ ومن بينها القانون الجنائي وقانون الاحوال الشخصية و قانون الاجراءات الخ ؛ فهل كانت تفعل شيئا غير ان تزيح الغبار وتعيد صياغة قوانين سبتمبر 1983 من جديد؛ او تتبني مشروع قانون الترابي لعام 1988 والذي كان يريد ان يمرره عبر البرلمان؛ حين كان وزيرا للعدل ونائبا عاما؛ في حكومته الائتلافية مع "السيدين"؟

لم تات الانقاذ بما لم تأت به الاوائل؛ وانما طبقت بانتظام ومثابرة؛ ماظل يمارس بعشوائية ومدافرة منذ الخمسينتات والستينات؛ من قبل اعضاء النادي النخبوي الحاكم؛ من عسكريين ومدنيين؛ طائفيين ومتمردين علي الطائفية عائدين اليها؛ ودمجت الانقاذ في ايدولجيتها وممارساتها كلا من عبود وحسن نصر وجعفر نميري والصادق المهدي وحسن الترابي ؛ ولذلك فلا عجب ان طعمت تيمها باقطاب المايويين من امثال شدو وسبدرات وغيرهم؛ واعادت النميري "معززا مكرما"؛ وجذبت لها العدد الوفير من قادة الاحزاب الطائفية؛ كحسين ابو صالح وعبدالله محمد احمد وزين العابدين الهندي ومبارك الفاضل المهدي ؛ وجددت دمها بالمنكفئين من اليساريين ممن دعموها سرا وجهرا؛ عملا وفكرا؛ ولا غرو؛ فانها كانت التعبير الامثل لاقصي احلام هؤلاء الموجودة في لا وعيهم والممارسة في وعيهم.

-7-
لم يكن للنخبة الحاكمة بالضد من المواطن وفي اسلوب للنهب والسلب والاحتلاب لقدرات الوطن؛ والتي بنت مجدها وقواعد تاييدها علي استغلال المشاعر العرقية والجهوية والدينية والطائفية؛ والتي رات كل الاقتصاد الوطني ممثلا في وزارة التجارة؛ احد اهم وزارات العهود الديمقراطية؛ بما توفره من "رخص" ومن عائد سريع؛ والتي كانت تحارب الانتاج والادخار والاستثمار كانه عدوها الاول؛ ان تنتهي الا بتسليم السلطة لطفيليي الانقاذ؛ والذين اثبتوا انهم الحوار الغلب شيخو؛ وانهم لا يهزلوا في طريق مصالحهم الذاتية وفي طريق خرابة الوطن واعمار انفسهم.

لقد نفدت امكانيات الدولة السودانية؛ هذه البقرة الحلوب للنخب الحاكمة؛ والعدو الاول للمواطنين؛ في ظل ازدياد كثافةالسكان وزيادة عدد السياسيين والمحسوبين وضمور الاقتصادالخ ؛ فما عاد ضرع الدولة المكرمش يكفي لاشباع شره كل النخبة؛ في الوقت الذي بدأ فيه المواطنون والمهمشون يطالبوا بحقوقهم؛ فكان الطريق "السلمي" الديمقراطي القديم فاشلا في الاستمرار؛ وكان الامر يحتاج الي اعادة ترتيب؛ تقدم اليه الترابيون علي فوهة مدفع ومن قلب دبابة.

ان فشل حكومات الصادق المهدي في الديمقراطية الثالثة؛ لا تعزي لسلبيات وضعف الرجل فحسب؛ وانما تعزي في المقام الاول لبؤس وخطل الطريق القديم في ممارسة السياسة وادارة الدولة والاقتصاد في السودان؛ والتراجع التدريجي لدور من يمسكوا العصا من وسطها؛ من امثال الصادق والميرغني ونقد؛ وبروز قيادات جديدة تطرح شعارات جديدة ومتناقضة؛ ويبدوالصراع بينها حتميا؛ فاما تغيير شامل كامل في البنية الاجتماعية والسياسية يصل الي حدودالثورة؛ او "ثورة" رجعية مضادة؛ تحاول ان تحافظ علي جوهر القديم بالقوة؛ بعد التخلص من التردد ومن القيود التي تكبل القدامي من قيادات النخبة؛ ومن اجل هذا قد أتت الانقاذ؛ وهكذا كانت وهي الانقاذ.

ان الطابع العنيف جدا لسياسات الانقاذ في نصف عمرها الاول؛انما كان مقصودا ومدبرا ومخطط له بعناية؛ ولسبب ما كان الترابي معجبا بتجربة حزب البعث في سوريا والعراق؛ رغم اختلاف المنطلقات؛ حيث كان يتحدث باعجاب كبير عن كيف سيطر حزب صغير علي شعوب متمردة تاريخيا؛ عال وعيها السياسي؛ باستخدام القوة المفرطة؛ كما كان معجبا بنموذج الحزب الحديدي اللينيني؛ وكانت الصين وايران هي القوي الدولية الاساسية؛ التي بني حزب الترابي معها علاقات دبلومسية عالية؛ في فترة الديمقراطية الثالثة؛ قبل ان يصل الحكم منفردا في الانقاذ.

كان القصد من عنف الانقاذ تحطيم المجتمع المدني تماما؛ وتفريغ البلاد والاقاليم من النخب المعارضة والقوميات المهمشة ومن القيادات البديلة التي تطرح طريق التغيير؛ وقد كانت يد الانقاذ باطشة حقا تجاه هؤلاء؛ وفي حين انها قد ضيقت الخناق علي قادة الاحزاب الطائفية ؛ ممن لم تعد تحتاج اليهم بعد ان وصلت السلطة بمفردها؛ وبعد ان "تمكنت"؛ فانها حاولت ان تكسب جل قاعدتهم وقياداتهم المحلية والوسيطة؛ وحققت نجاحات كبيرة في كل ذلك؛ معتمدة علي التهييج القبلي والديني والعرقي؛ وغارفة من تراث "السودان القديم" ما حلا لها؛ دامجة له مع ما اتت به من ايدلوجيات التوحش والشذوذ الاسلاموية الشرق اوسطية والباكستانية؛ وايدولوجيات التعربن الفجة؛ ونظام اقتصاد المافيا المنقول حرفا من مختلف تجارب التسلطية والانانية ومعاداة الشعوب.

ان الانقاذ ليست الا النهج القديم للسودان القديم ؛ متعريا وخالصا من الشوائب والموازنات ؛ ينفذ بقوة الحديد والنار؛ وهي قد كانت ولا تزال السد الاخير والحاجز النهائي امام ثورة التغيير الحقيقية في السودان؛ وهي امل كل القوي القديمة وان اختلفت معها مؤقتا او ظاهريا؛ وهي الدلالة الفاقعة لخطل هذا النهج وفشله وانه لا يمكن تطبيقه الا علي جماجم البشر وعبر الخوض في انهار الدم؛الامر الذي لم تتورع عنه الانقاذ؛ وما اجداها ذلك فتيلا.

-8-
لهذا كله ولغيره؛ لم تكن معارضة الانقاذ ممكنة في اطار النهج القديم؛اي محاربتها ومعارضتها لانجاز تغيير فوقي في السلطة؛ يرجع الاشكال الديمقراطية الخاوية؛ لان ذلك النهج قد فشل؛ ولان ظروف سودان الاربعين مليونا؛ سودان الثورات والحروب؛ ما عاد يقبل حلول الترقيع؛ ولا عاد يمكن جره لادارة الخمسينات والستينات؛ والتي افرزت في المحصلة الانقاذ.

لم يكن للطائفيين ان يعارضوا الانقاذ بجدية؛ لان الانقاذ وحزبها ورجالها؛ هم اطفالهم المدللين؛ نشاؤا عهلي اياديهم وترعرعوا في كنفهم وتعلموا كل ما هم عليه من لؤم ومن انانية وضيق افق منهم.. كان هؤلاء يعرفوا ان الانقاذ هي ابنهم العاق الذي شب عن الطوق وانقلب علي والديه؛ ولكنها ابنهم علي اية حال؛ نفذ مخططاتهم وتبني ايدلوجيتهم وذهب بها الي حدودها القصوي وكسب بعض جماهيرهم ولا يزال يغريهم بفتات من الكعكة؛ والعشم يظل دائما ان ترجع العرجا لي مراحا؛ وان يرجع الابن الضال الي والديه؛ او يذهب المراح الي العرجا؛ ويعود الابوان للابن؛ والمال تلتو ولا كتلتو.

في هذا تكمن اسرار كل التامرات والتنازلات والانقسامات والتراجعات والثورية اللفظية والانهزام الحقيقي الذي واجه به قادة الطائفيون الانقاذ؛ فما بين تهتدون وترجعون وتستسلمون وتستهبلون؛ تكمن حقيقة انعدام اي افق لمعارضة الانقاذ بادوات القديم؛ وما بين "سلم تسلم" الانفعالية واتفاق جدة القمئ الذي يعبر عن المواقف الحقيقية؛ يمكن فهم العلاقة الخاصة التي تربط الانقاذيون مع الشموس الغاربة من قيادات السودان القديم.

واذا كانت الانقاذ من جانبها قدحاربت بلا هوادة كل مؤسسات المجتمع المدني؛ وكل بذور التغيير؛ وكل العناصر العاملة في الحقل العام ممن تشكل تهديدا لنظامها ولكامل البنية التي قامت عليها الانقاذ وتستند عليها؛ فان السامريين قد كانوا يمارسوا عملا شاقا بذلوا فيه جهدا اكثر من جهدهم في معارضة الانقاذ؛ وهو افسادوتخريب العمل المعارض؛ واطفاء شمعات الجديد.

افسد هؤلاء العمل المعارض حينما جعلوه تكية جديدة؛ لا تستوعب الا اتباعهم؛ وحكرا لا يمارس الا بطريقتهم؛ القائمة علي اللعب علي الذقون والوعودالكاذبة والتامر والاقصاء والفساد والافساد ؛ فكان ان ابعدوا بطريقة مباشرة او غير مباشرة؛ عشرات الالاف من الكوادر المعارضة المخلصة؛ وخذلوا الملايين من الجماهير المنتظرة لهم والكارهة للانقاذ والتي اوصلتها الانقاذ الي الفقر والعذاب والمسغبة؛ وكانوا في غدوهم ورواحهم؛وفي حلهم وترحالهم؛ يعملوا كل شي لتكريه ما تبقي من الناس في السياسة وفي قضية السودان وفي العمل العام؛ عسي ان يفرغ لهم الجو؛ كيما يتفقوا في النهاية مع ابنهم العاق؛ وذلك بعد ان يقضوا - من طرفهم- علي كل دعوات ودعاة التغيير ؛ قضاء مبرما.

ان من كان يعول علي السامريين ان يقودوا النضال فهو اما انه كان يخدع نفسه؛ او يخدع الناس؛ فهؤلاء لم يكن لهم برنامج غير برنامج الامس الذي انهار؛ ولا حيلة لهم في مواجهة قضايا التغيير؛ غير باسلوب الانقاذ؛ولو كانوا نجحوا من قبل؛ لما قامت الانقاذ؛ وهم اول من يعلموا؛ ان اي تغيير جذري في السودان؛ سيستهدفههم باكثر مما استهدفتهم الانقاذ؛ وسيفكك قاعدتهم ويضعهم في مكانهم الطبيعي حيث ينتمون: في الماضي وفي التاريخ وفي متحف المنقرضات.

-9-
هذه كانت قصة التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان؛ والذي تعلقت به افئدة الملايين؛ فاصبح اضحوكة الملايين ومهزلة الزمان؛ اليوم قد افتضحت سؤتهم وحدودهم؛ يهرولوا من غير كرامة؛ ويتدافعوا من غير هدي؛ ويتنازلوا من دون حساب؛ عما لا يملكوا التنازل عنه؛ وعما لم يفوضهم احد للتنازل عنه؛ ويسيل لعابهم في انتظار الفتات الذي رمت به اليهم الانقاذ؛ بعد 15 عاما قضوها بعيدين عن بهرج السلطان.

هذا هو حال حزب الامة وقائده العبثي ؛ يتخبط في مواقفه في اليوم الواحد عشرات المرات؛ يرفع عصاية وينزل اخري؛ يمسك العصا من وسطها ويضع العربة قبل الحصان ويمسك الثور من ذنبه بدلا من قرنيه. تقتل الطموحات الذاتية رئيسه ولكنه يعلم بقوانين الزمن وقوانين التاريخ واحداثيات البوليتيكا والجيوبوليتيكا ان زمانه قد مات وان غنايه قد مات؛ فيمارس الركض وراء الاحداث والتنظير الفارغ والعرض خارج الدائرة؛ ويذهب تدريجيا الي ان يكون واحدا من الشخصيات الكاريكوترية في حياتنا السياسية؛ مهرجا يجلب الحزن والعزاء اكثر مما يبعث علي المرح او الاستهزاء.

هذا هو حال اليسار التقليدي بمختلف مدارسه؛ تكلسوا وعبدوا النصوص والرجال؛ حتي اهدروا تضحيات النساء والرجال؛ واهدروا التاريخ والقيم والمواقف؛ تحولوا الي اباطرة صغار؛ يحكموا في ضيعاتهم الحزبية كالطائفيين تماما؛ قد فشلوا وجروا الاحرين الي الفشل؛ فنجدهم اليوم ايضا ينضموا في استحياء الي قائمة المطبلين للتسوية وللصفقات الصغيرة؛ ليكسبوا من ورائها بعضا من راحة فيما تبقي لهم من عمر؛ ويمارسوا فيها السياسة بالشكل الذي رفضوها به لاربعين او خمسين عاما خلت؛ ويغلقوا الدائرة علي "الحلقة الشريرة" التي قالوا بها؛ وما هي الا حلقة انكسار النخبة ما بعد الكولانيالية الخالية من كل منهجية واصالة ومبدئية ومثابرة.

هكذا هو حال الحركات الجديدة التي قامت دون منهجية ودون فكر ودون مؤسسات؛ من مواقع الانفعال العاطفي او بسبب من الطموحات الشخصية؛ فلم تنتهي الا بالانفعال المحروق وبالطموحات المنكسرة.. هذا هوحال قوات التحالف الذي تكسرت الي شظايا صغيرة لا تري بالعين المجردة؛ وهذا هو حال "جاد" التي قامت كأمل وانتهت كألم؛ وهذا هو حال حركة حق بجناحيها؛ والتي يبحث احدهما عن ظل ياؤيه تحت شجرة الحركة الشعبية؛ ويتشعبط الاخر برداء "الاصلاحيين" و"دعاة السلام" من النظام.

هذا هو حال المثقفين المنكسرين من اشباه الثوار وانصاف الثوار؛ ممن يعلو صوتهم عند انتصارات الغير؛ ويتراجعوا بغير انتصار عند الهزائم وفي المنحدرات؛ هؤلاء هم الرواد الذين خذلوا اهلهم؛ هؤلاء هم من جعلوا نفسهم عبيدا لقادة الطائفية وكهنة الايدلوجيات؛ هؤلاء هم المبررين لكل باطل باكثر مما كان الباطل يبرر لنفسه؛ لو كانله صوت او كان يكتب بالقلم؛ هؤلاء هم افةالسياسة السودانية وافة السودان ومصدر البلاء الاساس؛ بما "يقفوه" من مواقف وبما لا يقفوه من مواقف.

لو كان كل هؤلاء قد حاولوا اختراط طريق جديد؛ وحاربوا الضعف في انفسهم قبل الاخرين؛ وقمعوا صوت الذات واتجهوا وانصتوا الي صوت المواطن وسمعوه؛ وتخلوا عن الوهم وحاولوا مقاربة الواقع؛ لما كان حالنا هو حالنا اليوم؛ ولما حاولوا ان يبيعوا لنا الصخر علي انه ثمر؛ والنحاس علي انه ذهب؛ ولما حاولوا ترويج الخديعة الكبري؛ بانها الانتصار الكبير الذي ليس له مثيل.

-10-
ظن البعض -وبعض الظن اثم- ؛ ان التغيير اذن لا يمكن ان يأتي الا من المناطق المهمشة ومن القوي المهمشة؛ واذا كان التهميش عاما في السودان؛ واذا كانت اقاليم وقوميات بعينها اكثر تهميشا؛ واذا كان التهميش يتم علي اسس عرقية ودينية وجهوية؛ فان اكثر المهمشين واصحاب التهميش المثلث يكونوا اذن من ابناء الجنوب؛ ولذلك فان الثورة والتغيير لا يمكن ان تاتي الا من الجنوب.

ولان طروحات الثورة قد جائت؛ علي ايادي الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ فقد تعلقت بها عقول وافئدة الباحثين عن الثورة والعدالة والتغيير؛ ولهجوا باطروحاتها وقدموا دعمهم لها وانضموا لها وكانت لهم نجمة الجنوب الهادية والتي ستتقدم حتي تضيئ الوطن كله؛ ولام يتم ذلك وما كان الا برقا خلبا.

لا حاجة لنا هنا بالقيام بتحليل سوسيولوجي عن امكانيات الثورة والتغيير الحقيقي قي البلدان والمناطق المتخلفة؛ بل عن مآلات الثورة عموما في العالم؛ والتي قيل انها في الغالب تنتهي اما الي دكتاتورية او فوضي ؛ او اعادة انتاج النظام القديم. بالمقابل نحاول ان نقرأ في الامكانيات الثورية للحركة الشعبية؛ ولما آلت اليه عبر السنين.

كانت الحركة الشعبية محاولة من بعض النخب الجديدة الجنوبية؛ للاجابة علي سؤالين هامين وصعبين: تحرير الجنوب من التهميش وعلاقات الاستغلال والسيطرة التي يمارسها ضده المركز - المعبر ضمنيا عن "الشمال"؛ او المعبر عنه بالشمال- ؛ وقضية التغيير في كل السودان؛ بما فيها تغيير العلاقات في ذلك "الشمال" الافتراضي نفسه؛ بما يفكك العلاقات فيه ويعيد تركيبها من جديد؛ علي اسس اكثر عدالة ةعلي قاعدة المواطنة والمساواة.

اعتمدت الحركة الشعبية علي مرجعيات فكرية وسياسية متعددة؛ منهامرجعية "القومية" الجنوبية؛ والهادفة الي استقلال جنوب السودان؛ والتي دخلت فيها من التراث العسكري والسياسي والثقافي لانيانيا الاولي؛ ولا غرو؛ فالعديد من قادتها ومقاتليها كانوا من قبل في الانانيا؛ وكذلك من بعض تيارات الماركسية الافريقية والاشتراكية الافريقية؛ ومنها مكون اشتراكي اممي؛ اتي اليها بتاثير تحالفاتها مع المعسكر الشرقي ومحاوره في المنطقة؛ ومن تاثير بعض قياداتها الهاربين اليها من عجز اليسار؛ وكذلك كان فيها مكون غربي "مسيحي" ؛ يستندالي نشاط سياسي وديني كنسي؛ محلي واقليمي وعالمي؛ اخترق الحركة منذ البدء او اخترقته؛ رغم الشعارات الاشتراكية الطافحة؛ واخيرا تيار ديمقراطي ليبرالي؛ اتي اليها من بقايا الاحزاب الجنوبية والعناصر المستقلة التي يئست من سياسات المركز؛ وسئمت تكرار حنث العهود ونقض الاتفاقيات.

لم يكن الطريق سهلا ولا قصيرا؛ ما بين الانطلاق من كل هذا التعددالايدلوجي؛ بما يحمل من امكانية صياغته ودمجه في اتجاه تغيير حقيقي؛ يستشرف افضل ما في تلك المرجعيات ويطورها؛ وبين الوصول الي ممارسة الانتهازية السياسية؛ والحديث بخطاب مختلف مع كل مجموعة وكل قبيلة وكل فصيل؛ الامر الذي انتهت اليه الحركة الشعبية؛ والتي لم تحسم اطلاقا وبعد 21 عاما من انطلاقها؛ قضية اختياراتها الفكرية والايدلوجية والسياسية؛ متلاعبة بالبيضة والحجر؛ وحاشرة الجميع في جلباب سياسي فضفاض؛ اشد تلوينا وترقيعا من جبة درويش.

واذا كان الخيار السياسي الاساسي لم يحسم؛ فان بعض الامور سارت بقوة الدفع الذاتي؛ وبعضها الاخر سار بتخطيط مدبر من بعض الاقسام المتنفذة في الحركة؛ وبعضها الثالث دفعته حسابات البرغماتية - النفعية - الخالصة؛ المشابهة لنفعية الترابي تماما؛ لتدفع الحركة الشعبية رويدا رويدا من مواقع الثورة الي مواقع الثروة؛ ومن مواقع دعوة التحرر الي مواقع تبرير التسلط؛ ومن استشراف القومية الي الاتكاء علي حراب القبلية؛ ومن افق الثورة الانساني الي المطامح الشخصية للقائد الاناني.

ترافق هذا مع قيام الحركة علي اساس عسكري في المقام الاول؛ وسيادة عقلية الحرب والعنف؛ وهي عقلية معادية اساسا للديمقراطية والتحرر الانساني وكرامة الانسان؛ وتوصل معتنقيهاوممارسيها طال الزمن او قصر؛ الي ان يصبحوا طغاة صغارا او كبارا ؛ وكتب التاريخ مفتوحة علي مصاريعها لمن اراد النماذج؛ والتحدي مطروح لتقديم نموذج واحد لحركة قامت علي الحرب والعنف والتقتيل؛ ثم انتجت تراثا ديمقراطيا او انحيازا للانسان او خروجا من دائرة التسلط والشمولية.

لا يغيب عنا كذلك؛ الدور المتخاذل الذي لعبه من يٌحسبوا علي تيار التغيير من المثقفين او الاحزاب في المركز؛ والذين مارسوا تنظيرهم عن الحركة من البعيد؛ دون ان يدعموها او يرفدوها بعمل يوازي حجم التحديات المطروحة؛ بل قبعوا اما في ابراجهم العاجية او في قوقعاتهم الايدلوجية او في مصالحهم الذاتية؛ ينظروا وينظِّروا وينتظروا نتيجة الصراع؛ دون ان يسهموا ولو باقل القليل؛ في التاثير عليه ودفعه في اتجاه التغيير الحقيقي والثورة الديمقراطية المرتجاة.

-11-
هكذا انتهت الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ الي تنظيم مركزي عسكري؛ يبحث عن الفاعلية السياسية والنجاعة في الوصول للمكاسب؛ بينما غابت عنه الرؤي الاستراتيجية تماما؛ وضاعت اهداف التحرر الاولي التي طرحت؛ في زحمة الصراعات القبلية والشخصية والجهوية والخطاب المتناقض والذي لا يثبت علي قرار؛ سايرة بذلك بخطي سريعة؛ في اتجاه ان تكون وجه العملة الاخر؛ لتنظيم الترابي المهيمن اولا ؛ ثم الحاكم في الخرطوم.

لقد مارست الحركة الشعبية انتهاك حقوق الانسان بابشع ما يكون؛ حيث قتلت الناس وسرقتهم ونهبتهم؛ وجيشت الاطفال واغتصبت النساء واجبرت الناس علي العمل سخرة؛ وحاربت المثقفين واغتالتهم ومارست سياسة استخدام المجاعة كسلاح واستخدمت القبلية اسؤا استخدام؛ وكان كل هذا يتم تحت سمع العالم وبصره؛ دون اعتراض الا من القليل.

انحدرت الحركة الشعبية تدريجيبا؛ الا ان تصبح تنظيما للوردات الحرب؛ يغطي طبيعته بشعارات فضفاضة عن السودان القديم والسودان الجديد؛ دون ان يوضح ما هو هذا السودان الجديد؛ اهو مفهوم جغرافي يعني الجنوب والمناطق الاخري التي تعمل فيها الحركة؛ ام هو تغيير جذري للعلاقات في السودان؛ ام هو عقد صفقة انتهازية مع النظام الحاكم في الخرطوم تقتسم السلطة بينهما.

سارت الحركة الشعبية في طريق الانتهازية السياسية؛ لتضع يدها اولا في يد زعماء السودان القديم ومن اسسوه ومن قادوه طيلة عقود ؛ من قيادات الاحزاب الطائفية؛ في اطار التجمع الوطني الديمقراطي وغيره؛ في الوقت الذي همشت فيه بل وحاربت القوي الجديدة في المركز والاطراف وفي الجنوب؛ مما يوضح ان عينها كانت حينها قد اتجهت للسلطة؛ وليس الي الثورة والتحرير باي حال من الاحوال.

ثم لم تلبث ان انقلبت الحركة علي عقبيها؛ لتبدأ تحالفا مع تنظيم الترابي الفاشي؛ وذلك بعد اخراجه من تركيبة الانقاذ السياسيةالعليا؛ في خلافات لا مبدئية تماما؛بين اقطاب النظام؛ ضاربة عرض الحائط بدماء الاف الابرياءالتي سالت بسبب فتاوي وممارسات الرجل؛ والذي كان المحرك الاول لكل الحملات البربرية علي المواطنين في الجنوب والغرب والشرق باسم الجهاد؛ وعلي ممارسة القمع والاضطهاد والتقتيل في الشمال والمركز؛ بنفس الادعاء.

في خلال كل هذا كانت الحركة تحاور الانقاذ وتفاوضها؛ باسم الجنوب هذه المرة وليس باسم كل شعوب السودان او مواطني كل المناطق المهمشة؛ وتعددت اللقاءات ما بين نيروبي وابوجا ومشاكوس ونيفاشا؛ لينخفض السقف الثوري للحركة يوما بعد يوم؛ وليرتفع السقف السلطوي فيها يوما اثر يوم؛ ولتبيع كل شعاراتها القديمة؛ من اجل قسم البلاد جزئين؛ جزء تحكمه هي بلا منازع؛ وجزء يحكمه نظام الانقاذ؛ ولتذهب الثورة والتحرير الي الجحيم.

عبر كل هذا الوقت كان الطائفيين والعقائديين والثوار المزعومين واهل السودان الجديد المنبت والمبني للمجهول ؛ يطبلوا للحركة ويتمسحوا بها؛ في انتهازية نادرة المثال؛ حيث هم لا يدعموها دعما حقيقيا ولا ينقدوها نقدا حقيقيا؛ لانهم ظنوا انها ستحارب وهم سيحصدوا الثمر؛ كما يفعلوا كل مرة؛ ولانهم ظنوا انهم وجدوا مغفلا نافعا جديدا يخوض لهم معاركهم؛ ويدخل بدلا منهم المحرقة؛ لتسقط الثمرات من بعد طيبة في اياديهم؛ وهيهات.

لو كان هؤلاء قد قاموا بدورهم الوطني؛ واقاموا جهدا مقابلا لاستنهاض الجماهير في الوسط والشمال وبقية المناطق المهمشة؛ ولو تعاملوا مع مسؤولياتهم الوطنية بجدية؛ وراجعوا مواقفهم ومواقعهم التي افضت الي الازمة؛ ولو تعاملوا بمبدئية مع الحركة الشعبية؛ فدعموها حين تستحق الدعم؛ ونقدوها حين تستحق النقد؛ لربما ما كان آل الحال الي ما آل اليه؛ ولما حاولت الانقاذ والحركة ومن شايعهم ان يبيعوا لنا بالنهار الغراب علي انه هدهدا؛ ويصوروا الباطل علي انه حقا؛ ولما حاولوا ان يخدعونا بهذه الخدعة الكبري.

-12-
انتهي الامر اذن بالسودان ومواطنيه؛الي ان يتم الاستقطاب بين تنظيمين او معسكرين؛ يختلفان في المظهر والشعارات؛ ويتفقان في الجوهر والممارسات؛وهما الانقاذ من جهة؛والحركة الشعبية لتحرير السودان من الجهة الاحري؛ بينما غابت قوي التغيير الجذري والديمقراطي ؛ وبينما تكسر المجتمع المدني وتفتت؛ وهٌمش المواطن وقضاياه وحقوقه؛ واقصي من قبل الطرفان الفاعلان وحلفاؤهما الصغار من كل شاكلة ولون

ولكن ولان واقع البوليتيكا والجيوبوليتيكا لا يتيح لايا من هذين التنظيمين او المعسكرين الانتصار النهائي علي الاخر؛ ولانهما قد ارهقا بشدة في مسيرة الدم والعنف والاقصاء التي مارساها؛ والتي ارتدت اليهما بضربات موجعة؛ كان من بينها انقسام الناصر في عام 1991 للحركة الشعبية؛ وانقسام القصر- المنشية في 1999 للانقاذ؛ ولان ممارسة العنف والاقصاء وتغييب المواطن ما عادت ممكنة في عالم اليوم؛ ولانه قد بدأت تخرج وان ببطء شديد وضعف بالغ ومخاض اليم؛ دعوات لمواجهة كل من هذين التنظيمين الذين اصبحا عاملا اساسيا في الازمة؛ وكامل منهجهما المتشابة؛ فكان حينها لا بد من الصفقة والمساومة الانتهازية

لقدتحدث الدكتور ابكر ادم اسماعيل؛ في مقاله المهم عن جدلية المركز والهامش واشكال الهوية في السودان؛ عن ثلاثة سيناريوهات للتغيير في السودان؛ ذكر منها الثورة؛ والمساومة التاريخية؛ والانهيار؛ وقد ناقشنا في وقتها هذه السيناريوهات؛ واضفنا اليها سيناريوها جديدة؛ كان من بينها المساومة الانتهازية؛ او الصفقة؛ وقد كنا كتبنا عنها ما يلي:

اما المساومة الانتهازية؛ فهي اتفاقات سياسية بين اكثر الاطراف تاثيرا وقوة ؛ وفي اللحظة الحالية هذه الاطراف هي الاسلاميين – الانقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان؛ ويتم الاتفاق بينهما علي تقاسم السلطة الاستراتيجي ؛ وادماج القوي الاخري في هذه المساومة؛ اوقمعها؛ سواء كانت من القوي المدينية او قوي الهامش؛ ومن الطبيعي ان النظام الناتج من مثل هكذا مساومة؛ سيكون مليئا بالتناقضات؛ ويحمل من بوادر المرض والفناء ما يهدد بعودة الصراع من جديد؛ او تفسخ الدولة والنظام التدريجي تحت وطأة تناقضاتهما الداخلية.
http://abbakaradam.masarat.org/abdelaati.htm

نقول هنا ان الامر قد سار كما قلنا؛ وان الصفقة قد فرضتها ظروف هذين التنظيمين؛ وظروف منهجمها المتشابه ان لم يكن المتطابق؛ والمخالف لروح العصر؛ وحالة العزلة التي بدآ يسقطان فيها؛ والضغط المحلي والاقليمي والعالمي المتزايد؛ لايقاف نزيف الدم وحل هذه الازمة الانسانية التي ادت الي مليوني ضحية؛ وهي ضغوط ما كان هؤلاء بكل تصلبهم؛ بقادرين علي رفضها دون ان يخاطروا بفتح باب الجحيم علي انفسهم؛ وتعريض مشاريعهم للهزيمة الماحقة

لهذا كانت الصفقة؛ والتي ما كان لها الا ان تكون ثنائية؛ وما كان لها الا ان تتم بين اقوي الاطراف العاملة في الساحة؛ واستبعاد كل القوي الاخري؛ باعتبار ان جهاز الدولة التعبان واقتصاد الريع الاستهلاكي؛ لا يستطيع ان يشبع شهواتهم كلهم؛ وباعتبار ان كل الصراع انما هو حول من من شرائح النخبة يحق لها الحكم والسرقة والانتهاب؛ وفي الاهم كان لا بد ان يكون هذا الاتفاق مغيبا للجماهير والمواطنين ومن وراء ظهرهم وبتغييب حقوقهم وقضاياهم

الزمت الصفقة الحركة الشعبية ان تتخلي عن كل الايجابي والتقدمي في طرحها؛ عن السودان الجديد باعتباره تغييرا شاملا في البنية السياسية والقتصادية والاجتماعية والثقافية في السودان؛ وان ترتد الي حدودالانيانيا الاولي ؛ لتتحدث عن قضية الجنوب مفهوما لها باطار ديني وجهوي؛ وان تتخلي عن قضية المهشين في كل السودان؛ والذين انضم الكثير منهم لها ؛ في جبال النوبة وجنوب النيل الازرق ودارفور وغيرها؛ وان تطور خطابا قائما علي الاستقطاب العرقي وتقسيم المواطنين الي افارقة مٌهَمشين وعرب جلابة مهمِشين؛ وان تصبح قضية نصيب نخبتها السياسية والعسكرية من كعكة السلطة والمال العام والكراسي؛هي همها الاول وقضيتها الاهم؛ والذي اشبعته الصفقة ايما اشباع؛ بجعل الجنوب كله سلطنة يحكمها قرنق وحزبه؛ وتقديم "تحلية " له في المشاركة في الحكومة المركزية؛ ولعب دور ما فيما اسمي بالمناطق الثلاثة؛ يمكنان تعطي له مستقبلا اذا سارت الامور كما يجبز

بالمقابل فرضت الصفقة علي الانقاذ ان تتخلي عن كل مشاريعها المغامرة عن "الثورة الاسلامية" في افريقيا؛ وان تتخلي عن طموحها لفرض التعريب والاسلمة القسرية للجنوب وباقي الاقاليم المهمشة والثقافات المختلفة؛ وان تتخلي تماما عن دعم حركات الجهاد العاتلمية ؛ بل وان تتعاون مع "الشيطان الاكبر"ضدها؛ كل ذلك مقابل ان توطد سلطتها في "الشمال"؛وتفرض فيه نموذجها الايدلوجي الشائه؛ لكيما تحافظ به علي الحدالادني من شرعيتها امام مؤيديها ؛ ولكيما تغطي به علي مصالحها السياسية والاقتصادية التي تشكل لب وجودها؛ ومحور الصراع الرئيسي لها؛ بعد ان سقطت الاقنعة؛ وتبين ان كل ما يدور انما يدور حول من من شرائح النخبة؛ يمكن له ان يقهر المجتمع ويستغله ويحتلب الدولة ويسيطر علي المال والسلطة والعقول.

-13-
لا يهمنا من هذه الصفقة انها ازاحت بصلف وجلافة لا تحسد عليهما؛ نخب السودان القديم من الاحزاب الطائفية والعقائدية؛ وهمشتهم وعاملتهم باقصي درجات الازدراء؛ بل اننا نعتبر ان هذا من حسناتها الوحيدة؛ لو كان لها حسنات؛ حيث فضحت تهافت هؤلاء وبعدهم عن قضايا المواطن الحقيقية وركضهم وراء الكراسي وقبولهم بالفتات؛ ونعلم انهم سيندرجوا في النهاية في النظام المسخ الذي سيقوم ؛ داعمين لهذا الطرف او ذاك منه؛ وهم في الحقيقة يدعموه كله؛ بقسمته الضيزي التي استبعدت المواطنين وحقوقهم؛وليس هذا غريب عليهم؛ بل هو نهجهم الذي فطموا عليه وقاموا به وشابوا عليه.

يهمنا هنا ان الصفقة قد قامت كليا علي ابعاد وتغييب وتغريب المواطن؛ وعلي التجاهل الفظ لحقوقه الاساسية؛ ومن بينها حق الحياة وحق التعويض العادل عن كل الحسارات المادية والمعنوية وحق المحاسبة العادلة وحق الكسب الشريف وحق توفير الدولة لابسط متطلبات الحياة وحق المشاركة السياسية وحق القرار في اهم قضايا البلاد الخ الخ من التجاهلات؛ مما سودنا والاخرون به الصفحات؛ نقضا للصفقة؛ مما لا حاجة لنا بترداده في هذا المقام.

تجاهلت الصفقة كذلك؛ الطابع الشامل للازمة السودانية؛ وانها ما عادت تحل عن طريق الترقيعات وتقسيم الامتيازات والكراسي؛ وان منهج الدولة الريعية الاستهلاكية التي تمتص الفائض الاقتصادي او تنتهبه؛ وتعيد توزيعه علي النخبة الحاكمة؛ ما عاد مجديا ولا ممكنا؛ وان درجة التاخر وضعف الموارد والانفجار السكاني التي ضربت السودان؛ ما عادت تقبل الا حلولا عظيمة في مستوي الثورة؛ او المساومة التاريخية؛ وهذه حلول اسقطتها الصفقة تماما؛ بل وجائت لقطع الطريق عليها.

قامت الصفقة علي تقسيم الوطن والمواطنين علي اساس الدين والجهة؛ فاقامت نظامين في دولة واحدة؛ احدهما يدعي العلمانية والاخر يدعي الاسلامية؛ ولكنهما الاثنان يتفقان في الشمولية؛ وسيمارس هذان النظامان السلطة والقانون وجهاز العنف لمحاربى كل من يخرج عنهما؛ ولتوطيد سلطات حزبيهما وهيمنتهما؛ وهو امر في ظل واقع التعدد الاثني والثقافي والديني والسياسي؛ في كل من الشمال والجنوب؛ لا بد ان يؤدي الي نقل الاحتراب الي الخرطوم والي رمبيك؛ من قبل من سيتم تهميشهم من المواطنين في الشمال وفي الجنوب؛ علي اسس دينية او جهوية او سياسية.

زعمت الصفقة انها تقف مع مبدأ حق تقرير المصير للجنوب؛ولكنها عملت كل شي؛من اجل ان يكون تقريرالمصير هذا لصالح الانفصال؛ فهي قد فككت من وحدة الوطن والمواطنين؛ عندما دعت لنظامين سياسيين وقانونيين مختلفين؛ وحين فرضت سيطرة اطراف بعينها علي كل من الجنوب والشمال؛ لا شرعية لها او شرهيتها منتقصة؛ وبداخلهما قوي انفصالية عاتية؛ وعندما نزعت قضية الجنوب من قضية المناطق الثلاثة؛ بل ودعت اليسحب قوات الجركة الشعبية من تلبك المناطق؛ وقوات النظاممن الجنوب؛ تمهيدا لقيام الجيشين المنفصلين والنظامين المنفصلين والدولتين المنفصلتين.

تقول الصفقة انها تقف مع حقوق الجنوب في الحكم الذاتي وتقريرالمصير؛ ولكن نفس قادتها يعلنوا انهم لم يطبقوا اي شي من هذا؛ في حالة دارفور او الشرق او غيلاها من الاقاليم؛ والجكم الذاتي لا يمكن لن يكون لاقليم دون اخر ؛ ولا يمكن ان ياحق دون ان يكون شامكلا للوطن كله؛ وكل الامر يوضح ان الصفقة تعمل لفصل الجنوب وضمان تشديد هيمنة المركز والدوبلة والمركزية علي بقية الاقاليم.

-14-
ان الصفقة قد ادت الي ايقاف القتال في الجنوب؛ ولكنها لم تؤدي ولن تؤدي الي السلام العادل الشامل؛ لانها اساسا لم تعالج اسبا وجذور المشاكل التي انتجت القتال؛ والمتمثلة في حالة التاخر الاقتصادي وطابع الدولة الريعي ومحاربة الانتاج والمركزية المفرطة واغتراب الدولة عن المواطن والاحاديات الثقافية والسياسية والهيمنة الدينية الاقصاء وتغييب المجتمع المدني ؛ وهي كلها ثيمات تعيد انتاجها الصفقة في نموذجها المقدم الينا؛ سوي في شكل ومحتوي حكم الشمال والجنوب علي يد طرفيها؛ او في كامل النظام المسخ الذي سيحكم البلاد.

ان الحديث عن السلام في حين تسيل انهار الدم في دارفور؛ وتدق طبول الحرب في الشرق؛ انما يعبر عن الافق الضيق الذي تعامل به طرفا الصفقة مع المشكلة السودانية؛ ونحن هنا نقول انه اذا ما تنازل طرفا الصفقة عن بعض جشعهم؛ وادخلا مثلي النخب الدارفورية وشرق السودان في نظامها؛ فان هذا لن يحل الاشكال؛وستظل الصفقة صفقة؛ لانها تقسم الاسلاب والغنائم ؛ دون ان تهتم بحل الاشكالات الحقيقية.

اننا نقول هنا؛ ان موقفنا يختلف تماما عن موقف قوي التجمع او حزب الامة؛ والتي تدافر وتعافر لكيما تجد لها طرفا من الكعكة؛ بينما نحننناضل من اجل هزيمة كامل النهج الذي ادي الي الازمة؛ والي مقاربة الحلول التي تزيل اسبابها؛ ولا توقف القتال فحسب؛ وانما تضمن عدم اندلاعه من جديد؛ وذلك بتفكيكالدولة السودانية واعادة بنائها من جديد؛ علي اسس مدنية وفيدرالية وبسيطة؛ وان توجه نحو الانتاج لا الاستهلاك؛ وان تطور الموارد والثروات بدلا من ان تهتم بتوزيعها؛ وان تشيع العلمانية السياسية والاجتماعية وروح التسامح والاندغام الاجتماعي والثقافي؛ لا ان تقوم علي تصعيد الاختلافات الثقافية والقومية وتقسيم الوطنوالمواطنين علي اساسها.

اننا كنا ولا زلنا ضد الحروب الاهلية في السودان؛ باعتبار انها التجسيد الابشع للازمة؛ومصدر الخراب الاساسي لكل الموارد - البسيطة- المتوفرة؛ وقبل كل شي تحمل الموت والتدمير للانسان ولكل ما هو انساني؛ وقد ظل يدفع ثمنها الباهظ المواطنين البسطاء؛ وينتقع منها لورادت الجرب والساسة الانتهازيين؛ ولا زلنا عند موقفنا منتايدد اي وقف لها؛مهما كانت حيثياته واسبابه والقائمين عليه.

الا ان ايقاف حرب ما اوعدة حروب؛ لا يعني تحقيق السلام باي حال من الاحوال؛ فتحقيق السلام الشامل لا يتم دون دون نزع كل فتيل للحرب؛ ناهيك عما اذا كان هذا الايقاف يحمل في احشائه نذر حروب جديدة؛ او يحرض علي حروب جديدة؛ او يشجع علي استمرار اخري قائمة؛ كما هوالحال مع الصفقة الحالية؛والتي ستؤدي لاطلاق مارد الحرب في دارفور وفي الشرق وجبال النوبة والجنوب والشمال نفسه؛ بما تحمله من اقصاء ومن انانية ومن سطحية وخطورة في الحلول؛ ولذلك لا يمكن لنا ان نسمي هذا العيث سلاما.

اننا نرفض تماما خلط المفاهعيم والمصطلحات؛ والذي يمارسه الكثيرون عن عمد اوعن جهل؛ حين يسمون الصفقة الحالية واتفاق تقسيم البلاد ومقدراتها ومواردها؛ بين من لا يملكون ولا يستحقون؛ بانه سلام؛ ولو ارتبط بوقف مؤقت لاطلاق النار ووقف العمليات القتالية في الجنوب؛ فالحرب عمليا في الجنوب متوقفة منذ عامان؛ ومستعرة في دارفور في نفس الوقت؛ التزاما بقاعدة النظام المجربة في عدم تشتيت القوي؛ و"سلام" لا يوقف سيل الدم المدرار الان في دارفور؛ لا يمكن الا ان يكون استهبالا وخديعة ودجلا وكذبا؛ و"سلام" لا يتقي خطر اندلاع القتال في الخرطوم او الشمالية او الشرق او جبال النوبة او كردفان؛ لا يزيد عن كونه ثوب وهمي يلبسه نظام عار؛ يعرض به وصف تصفيق الحاشية وصمت الجمهور المصدوم.

-15-
لا نعلم ماذا تم من بعد؛ بعد ان صرخت الطفلة: الملك عريان.

كتب التاريخ لم تسجل لنا هذا؛ واهل الادب يهتموا بالنهايات المثيرة؛ اكثر من اهتمامهم بالتسلسل المنطقي للاشياء؛ ويتركوننا موزعين بين مختلف الاحتمالات.

نحن هنا نطرح احتمالا رئيسا؛ وهوان صرخة الطفلة قد اسقطت الاقنعة وكسرت صمت الزيف؛ فماذا تم بعدها يا تري: فهل هرول الملك مسرعا الي عربته ليختبئ؛ ام القي عليه البعض عبائة اومعطفا او سروالا؛ لكي يغطوا عريه المخجل؛ وهل عوقب المحتال الخياط؛ ام عوقب الملك المحتال؛ ام عوقبت الحاشية الكذابة؛ ام انتفض الشعب كله علي عصبة المحتالين بملكهم غير الميمون؟

هناك احتمال ثاني؛ يحمل ايضا الكثير من الاسئلة؛ وهو هل احدثت صرخة الطفلة اثرها؛ وايقظت الناس من سباتهم وسلبيتهم وعجزهم؛ ام انها عوملت كصرخة طفلة؛ لا يجب ان يستمع لها الكبار والعقلاء؛ وواصل الملك العرض الاستربتيزي وكأن شيئا لم يكن؛ وقمعت الطفلة من قبل ابيها وامها؛ وحاولت الحاشية والناس والجميع ان يقنعوا انفسهم؛ ان تلك الصرخة لم تكن ؟

لا نعرف شيئا من هذا ولا ذاك؛ ولا يهمنا الا نعرف؛ فنحن لا نبني المواقف علي الاساطير؛ وفي ملوك اليوم العراة وحاشيات الكذب والنفاق؛ ما يقدم لنا عشرات الامثلة كل لحظة؛ عن مسيرات الخداع ؛ وان كان الاطفال قد اصيبوا - لسبب ما - بالخرس؛ ولكننا نقول اننا لن ننتظر حتي تكشف الامر لنا براءة وصدق الاطفال؛ وان شعبنا لن يصمت امام المهزلة؛ وان الخياط والملك والحاشية عندنا مدانون؛ كلهم مدان بقدر ما كذب علينا واجرم وافسد.

لا سبيل لنا اذن ؛ غير ان نرفض خدعة اليوم الكبري؛ المسماة ب"السلام" في السودان؛ ولا سلام ولا يحزنون؛ وانما متاجرة باسم السلام؛ كما كانت بالامس متاجرة باسم الاسلام؛ وكما كانت متاجرة باسم الثورة ؛ وكما كانت متاجرة باسم السودان الجديد؛ الي آخر موال التجار واشباه الثوار.

سنظل في موقفنا من هذا النظام؛ ولن نعطيه شرعية لا يملكها؛ ولن نوافق علي خدعه الصغيرة او الكبيرة؛ ولن نقبل مناوراته ولا تحالفاته الجديدة ولا القديمة؛ ومن يذهب معه يصبح مثله عدوا لنا؛ نعرفهم من تاريخهم ومواقفهم؛ انهم اعداءالشعب واعداء السلام الحقيقي؛ ونعمل كل ما في وسعنا وما في غير وسعنا؛ لاقتلاعهم من حياتنا العامة؛ وارسالهم الي حيث موقعهم : موقع المحتالين الترزية والملوك المحتالين والمنافقين والمنتفعين والظلمة والقتلة والسفاحين؛ من كل شاكلة ولون.
عادل عبدالعاطي
10-12/1/2005



#عادل_عبد_العاطى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العام 2005
- المنجز والمؤمل :إطلاق سراح عبد العزيز خالد والدور المرتقب لل ...
- ندى علي وتيسير محمد احمد وعودة بيوت الأشباح
- طلب بالتحقيق والتدخل في قضية المعتقلين والمفقودين من اعضاء ق ...
- رسالة مفتوحة الي بروفيسور تيسير محمد احمد علي
- رسالة مفتوحة الي الدكتورة ندى مصطفي علي
- رسالة مفتوحة الي شباب وشابات حزب الامة السوداني
- عبد العزيز خالد الشاهد والشهيد- مهام الحركة الجماهيرية علي خ ...
- ثلاثية الهزيمة والمؤامرة والصمود:في اسباب وخلفيات اعتقال الع ...
- مطالبة السلطات الاماراتية باطلاق سراح قائد سياسي سوداني
- لماذا ندعو للفيدرالية وكيف نراها؟ مساهمة في تطوير برنامج ال ...
- جهاز الامن يحجب موقع سودانيز اونلاين بالسودان
- نوره عبد الله إدريس امرأة من السودان
- جدل المركز والهامش مآلات الصراع السياسي في السودان - مقاربة ...
- من المحلي الخاص الي الوطني العام المعارضة المسلحة في دارفور ...
- جيش تحرير دارفور ومآلات الصراع المسلح في السودان
- فى مزبلة التاريخ - موضوع حول الحزب الشيوعي السودانى
- قراءة فى تجربة التجمع الوطنى الديمقراطى - السودان فىالعمل ال ...
- تأملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد ...
- سلاح الوعي ووعي السلاح عرض كتاب - الجيش السوداني والسياسة


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل عبد العاطى - الخِدعة الكبرى