ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 10:34
المحور:
الادب والفن
كنتُ دوما أراها من زاويتي الحادة في طرف الغرفة , تلتصق بصمت بالحائط قرب النافذة المطلة على الحديقة عبر قضبان حديديّة , لا تملك أن تغيّر مكانها.
***
تمرّ ( هي ) بها كلّ صباح وفي يدها أحمر شفاه. تحدّق فيها برعب إذ يُطلّ عليها وجها شاحبا. ترتجف يدها فيسقط أحمر الشفاه من بين أناملها ليتدحرج بعيدا حيث تجلس الطفلة تترقب بلهفة مغادرة والدتها . وتفرّ (هي) من وجهها كأنها ضحيّة تفرّ من وجه جلاد !
وهنا تتسلل ( الصغيرة ) فورا اليها وفي يدها أحمر الشفاه . تمرره على شفتيها بفرح ثمّ تلتصق بها .. الفم على الفم والأنف على الأنف . تبتسم .. تبتعد .. تتمايل أمامها بدلال أنثوي .. تُسرّح شعرها الكستنائي الطويل بمشطها العاجيّ , تجعله ضفيرتين , وتزين كل ضفيرة بفراشة حمراء.. تحلم بحكاية البيضاء كالثلج.. تناجيها: مرآتي يا مرآتي , من أجمل أنا أم ماما!؟ ولا يوقظها من حلمها الورديّ سوى معاتبة والدتها : (تأخرنا عن الروضة يا شهرزاد !), وصرخة والدها وهو يهرول نحوها مسببا لها الرّعب وكأنه أحدب نوتردام وهو يختطف أحمر الشفاه من يدها: ( ستفقد البنت عقلها بسببك ! لماذا تشترين هذه الأشياء السخيفة! )
ولا نسمع نحن الثلاثة سوى أنين امرأة تنشج بحرقة خلف الجدار وتحلم بأمير يراها في حفلة فيعشقها ويتبع أثر خطواتها وفي يده فردة حذائها إلى أن يعثر عليها ويخلصها من كهف القهر!
وكان (هو) ... فمنذ انتقلت للعيش هنا قبل سنوات حين توفيت والدتي فتركتني في عهدة أختي الكُبرى , لم ألمحه ولو مرّة يدنو منها !كان دوما يرتدي ثيابه على عجل كأن أناقته لا تعني له شيئا ذا قيمة و يُسرّح شعره دون أن ينظرَ وجهه فيها ! وإذا ما نظر سهوا اليها , كان دوما يُقنع ذاته أنّ ذلك الوجه الذّي أطلّ عليه لم يكن انعكاسا لوجهه الحقيقيّ !
***
أمّا أنا فقد اعتدتُ أن أترصَّدَ وجوههم لأكتب حكاياتهم , وأرى أن ما أكتبه سيكون دوما مـِرْآتـِي الأزليـّة .
____________
2002
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟