أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - مسرحية - تداعيات صالح بن زغيّر - لرسول الصغير وهيمنة البُعد السردي على بنية الفعل الدرامية















المزيد.....

مسرحية - تداعيات صالح بن زغيّر - لرسول الصغير وهيمنة البُعد السردي على بنية الفعل الدرامية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1079 - 2005 / 1 / 15 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


لا شك في أن النص الذي اعتمدت عليه مسرحية " تداعيات صالح بن زغيّر " لمؤلفها ومخرجها رسول الصغير هو نص " شعبي "، غير أن لغته المحْكية، ونبرته مُستمدة من الواقع الريفي، وليس الواقع الشعبي المديني. وبالتالي فإن مصادر هذا النص ومرجعياته هي مصادر ريفية شكّلتها ذاكرة الناس القرويين الذين يتعاطون مع الحياة من وجهة نظرهم الخاصة. وهذا النص، مثل أغلب النصوص العراقية، لا يخلو من الهاجس السياسي، أو الإشارة السياسية، فالتلميحات الذكية، والدلالات المقصودة، والشيفرات المبطّنة ممكن أن تُرحّل من بُعدها الحقيقي إلى أبعاد مجازية دالّة، وهذا هو الهدف الأسمى لمؤلف النص رسول الصغير الذي ترتكن أسرته على ماضٍ سياسي سبب لها الكثير من المتاعب الجدية، ولا بد لرسول الصغير، بوصفه الابن الحالم بحياة أفضل أن يتأثر بهذه المرجعية اليسارية، ويتبناها كلما عنَّ له أن يكتب نصاً، أو يُعِّده، أو يخرجه. ثم أن هذه الواقعة بما تنطوي عليه من علاقات اجتماعية معروفة بين شيخ القبيلة، الذي يمكن أن تُرحَّل دلالته الاجتماعية من " شيخ " إلى مسؤول كبير في الدولة أو رمزها الأول " الرئيس "، كما يمكن توسيع دلالة الخادم " زغيّر " لتخرج من إطارها الفردي، وتمتد لتشمل مجتمع " العبيد " أو عامة الناس، الذين هم بالضرورة أدنى مرتبة اجتماعية من سلالة الشيوخ بحسب التصورات الشائعة التي قسمّت الناس إلى " أسياد وعبيد " ورسختها كأعراف وتقاليد اجتماعية صارمة لا يمكن تجاوزها، أو القفز عليها من دون تضحيات، تماماً كما التضحيات التي قدّمها الأب " زغيّر " الذي ضحّى بحياته من أجل نزوات الشيخ، ورغباته المتواصلة، وتضحية الابن " صالح " الذي فقد " ذكورته " لأنه غنّى في عرس ابن " موزان " الفلاح الفقير، الذي يمثل عامة الناس. من هنا فإن النص يتوفر على أبعاد و " ذروات " درامية متعددة، وكان يمكن لمخرج النص رسول الصغير أن يستثمر نقاط التوتر، ويستغل منعطفاتها الدرامية غير مرة ضمن سياق النص الذي شهِد هزّات، ومواقف تراجيدية مفجعة، غير أن العيب الوحيد للمخرج في هذا النص هو تركيزه على الشخصية الساردة التي تقص أحداثاً ما لجهمور من المتلقين، أو المتفرجين الذين يستمعون إلى وقائع مُؤسية تُروى لهم الأمر الذي أضعف فعلاً عملية " التصعّيد الدرامي " التي تُعد جوهر العمل المسرحي.
بؤرة النص ومستوياته الدرامية
تفتقر الكثير من النصوص المسرحية إلى التكثيف الدرامي الذي يرسم للنص بؤرة محددة من خلال المستويات المختلفة التي يرسمها المؤلف لشخصياته. فمن غير المعقول أن تتحرك كل الشخصيات بمستوى واحد، ذلك أن ردود الفعل غالباً ما تأتي على وفق المرجعيات الذاتية لكل شخصية على انفراد. ولو حاولنا اختصار هذا النص المسرحي لوجدناه يتمحور حول علاقة الشيخ بالخادم، أو بمعنى أوسع " السيد بالعبد " أو " الرئيس بالمرؤوس " وغالباً ما تكون هذه العلاقة طفيلية، جشعة، فيها مُصادرة لحقوق الضعفاء، وانتهاك لحرماتهم، وهيمنة على وجودهم الكلي. فالشيخ مولع بالصقور، ولكن ولعه مختلف تماماً عن ولع " زغيّر " الخادم الذي يُدرك معنى مفردة " الصقر "، وعشقه لهذا الطائر الأصيل والذي غالباً ما تُغدق عليه الذاكرة الجمعية العربية بلقب " الطير الحر " والذي يتميز على بقية الطيور الأخرى التي لا تمتلك خصاله المتفردة. وثمة فرق كبير بين هذا الشيخ الذي يتخذ من " الصقور الحرة " هواية عابرة لتزجية الوقت، بينما يُعَد هذا التعلّق بالصقور نزوعاً آخر بالنسبة إلى الخادم " زغيّر " الذي يكرّس حياته لصيد هذه الطيور النادرة، ثم تربيتها، والحفاظ عليها. هذا الخادم " الصغير " يمتلك خُلقاً كبيراً بخلاف أخلاق الشيخ الذي أجبره ذات مرة أن يصطاد صقراً بضربة عصا، وما يترتب على عملية الصيد غير الأخلاقية من خسارة فادحة ليس أقلها إعاقة الصقر أو موته بطريقة بشعة لا تناسب الطيور الحرة. إن هذه البؤرة التي تكثفت في الأحداث وتصاعدت بطريقة درامية كان يمكن لها أن تشد المتلقي، وتأخذ بتلابيبه في حال الإفادة من التوتر الذي استبد بالأب " زغيّر " بحيث أصابته الحمّى، وسقط طريح الفراش، وكان سقوطه معادلاً موضوعياً وأخلاقياً لمرض الطير واعتلاله جرّاء اصطياده بعصا، وليس بشبكة مثلاً. إن مفردات مثل " الصيد، الصيّاد، بندقية الصيد، الصقر، الشبكة، العصا الخ. . " هي مفردات قابلة للشحن والتثوير الرمزي الذي ينقذ النص من السقوط في فخ المباشرة، والتعويم، والسرد العابر، بينما ينتبه المخرج المحترف إلى ضرورة الإفادة من سيميائية المفردة المسرحية الدالة التي تحمل بذرة تشنجها، وتوترها، وانفعالها بحيث تغدو مفردة مسرحية خالية من بُعدها الأدبي وأمينة لبعدها الصوري الدرامي. إن هذه الخسارة الفادحة بالنسبة لـ " مدلولة " الزوجة التي فقدت زوجها بسبب نزوات الشيخ هي التي دفعتها لأن تناشد الابن " صالح " أن يكون ما يشاء، ويمتهن أية مهنة في هذا الوجود المؤرق باستثناء المهنة التي امتهنها والده، وقبل أن يكون خادماً في " مضيف " الشيخ، وعبداً حقيقياً لنزواته المريضة. وإذا كانت الأم تمارس هنا دور " المحرّض " فإن الابن " صالح أو صويلح " كما يحلو للشيخ وزوجته وابنته أن ينادونه به هو " الثائر الحقيقي " الذي لا يقبل بهذا الظلم البشع الذي لحق به وبأسرته. من هنا فإن تمرّده ضد الشيخ يتجلى أول الأمر في موافقته على الغناء في عرس ابن موزان، الفلاح الفقير الذي يمثل عامة الناس بحيث يمكن للمتلقي أن يلمس بسهولة فكرة الصراع الطبقي القائمة بين " السادة والعبيد " أو بين " المُستَغلِين، والمُستغَلين "، وربما تكون البؤرة الثانية التي توترت فيها الأحداث، وبلغت إلى أقصاها هي اللحظة التي يأمر فيها الشيخ رجاله وأعوانه " الموجودين في كل العصور " ليس بقطع لسان " صويلح " وإنما " باستئصال فحولته! " وليت الأمر وقف عند هذا الحد المفجع، فالأغرب من ذلك أن هذا الشيخ " المُستبِد، والسادي " طلب من صويلح أن يغني أيضاً، فلقد سمعه الشيخ وهو يغني حينما كان " رجلاً " والآن يريد أن يسمعه وهو يغني بعد أن تحوّل إلى " امرأة " أو إلى شخص " فاقد الرجولة " ببساطة شديدة! وإذا كان الابن " صويلح " يصرخ سابقاً بالقول المأثور " الـ خلّف ما مات " لأن الابن هو امتداد طبيعي للأب، فإن زغيّر قد بات يصرخ بمرارة شديدة " الـ خلّف مات بوية " ابتي ". وثمة موقف ثالث وهو الأشد خطورة في النص المسرحي، وكان على المؤلف أن ينمّيه، ويصعّده، وهو الموقف الذي تجلى من خلال الحوار المكشوف الذي دار بين " نعيمة " بنت الشيخ، وبين صويلح ابن زغيّر، إذ قالت البنت بما معناه " أن أمها هي التي طلبت من زوجها الشيخ ألا يخصي " زغيّر " العبد أو الخادم، وهذا يعني أيضاً أن الأم لها الفضل في مجيء " صويلح " كما تكشف هذه العلاقة الشائكة عن طبيعة " الخيانات " الزوجية التي ترتكبها " زوجات الشيوخ " مع الخدم والعبيد.
الشخصية المسرحية بين الإِخبار والفعل الدرامي
إذا كنا نحمّل مؤلف النص ومخرجه مسؤولية بعض الأخطاء في أن النص المسرحي يفتقد الفعل الدرامي بسبب النَفَس الإخباري أو هيمنة الطابع السردي الذي يتمحور حول آلية " القص " أو " الروي " لجمهور من المتفرجين، فإن الممثل المحترف لا بد أن ينبّه المخرج إلى هذا " الهنّة " التي قد تكون مؤذية، أو تجهز على العمل المسرحي برمته، ولكن الفنان سلمان رحيم كان ما يزال في بداياته الفنية، ولم يكن يمتلك " حق الاعتراض " أو التدخل في خصوصيات المخرج رسول الصغير الذي مهّد له سبيل المشاركة بدور البطولة المُطلقة في عرض مسرحي يتوفر على عناصر نجاح واضحة رغم إخفاقه في بعض الجوانب الفنية. ويجب ألا يغرب عن البال أن هذه المسرحية قُدمت أول الأمر في أحد المهرجانات اليمنية المسرحية عام 1995، وقد نالت استحسان الجمهور اليمني، كما حفزّت بعض النقاد للكتابة عنها، ولكن تبقى المشكلة الأساسية في أن هذا النص ظل يدور في إطاره السردي أكثر من دورانه في إطاره الدرامي. بقي أن نقول أن هذه المسرحية قد عُرضت ثانية في مدينة لاهاي الهولندية على هامش الندوة الثقافية المعنونة بـ " المسرح والديمقراطية " وعلى مدى يوميين متتاليين، والتي شارك فيها نخبة من النقاد والمخرجين والممثلين العراقيين من بينهم د. حسين الأنصاري، والمخرج ناجي عبد الأمير، والفنان صالح حسن، والفنان هادي الخزاعي، والمخرج رسول الصغير، وكاتب هذه السطور، وكذلك الفنان سلمان رحيم الذي أدى دور البطولة في هذا العرض المسرحي، كما أتيحت له الفرصة للحديث عن تجربته الفنية التي تنحصر في مساهمته في عملين مسرحيين آخرين وهما " أبو حيان التوحيدي " من إخراج إسماعيل خليل، و " قصائد بلا شعراء " من إخراج صالح حسن. وسبق للفنان سلمان رحيم أن فاز بجائزة أفضل مخرج لمدارس الجمهورية اليمنية لعامي 1998، و1999، كما فاز بجائزة أفضل تأليف نص مسرحي مدرسي عام 2000 عن مسرحية " المتنبي ينهض من جديد ". وقد نجح الفنان سلمان رحيم في تقمّص شخصيات متعددة في المسرحية من بينها شخصيات نسوية، وقد أجاد في تأدية أدواره من دون الوقوع في أخطاء أدائية تُذكر. وفي الختام نستطيع القول إن هذه المسرحية، بما انطوت عليه من نجاحات وإخفاقات، تنضاف إلى رصيد الفنان رسول الصغير الذي رسّخ حضوره الإخراجي في المسرح العراقي والهولندي على حد سواء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصابة شاذة تختطف ثلاث نساء شمال أفريقيات من بروكسل، وتغتصبهن ...
- الفنان والمخرج صالح حسن: قراءة في طفولة الجسد، وتفكيك - شيفر ...
- الفيلم التسجيلي- غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم والقراءة المحاي ...
- فيلم - جبّار - لجمال أمين وحكاية البطل التراجيدي الذي يقارع ...
- فيلم - غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم: قناة - الجزيرة - محور ال ...
- مسرحيون عراقيون في لاهاي
- حوار الشرق والغرب: المسلمون بين الأصولية والاندماج
- التطرّف الإسلامي يخترق قلعة التسامح في هولندا
- ضوء- بيار سلّوم والنهاية المفجعة التي تشيع اليأس لدى المتلقي ...
- فيلم - رشيدة - للمخرجة الجزائرية يامينا شويخ وآلية التعاطي م ...
- فاقد الصلاحية - للمخرج العراقي رسول الصغير ثيمة غربية ساخنة ...
- فوز الكاتبة، وعضوة البرلمان الهولندي أيان هيرسي علي - من أصل ...
- زنّار النار - لبهيج حجيج: هذيان، وقلق، ولهاث خلف حلمٍ متوارٍ ...
- فيلم - خضوع - يفضي إلى اغتيال مخرجه الهولندي ثيّو فان خوخ عل ...
- طيّارة من ورق - لرندة الشهّال جماليات الخطاب البصري، وتفكيك ...
- فيلم - زائر - لبسام الذوادي بين بنية التخاطر والنهاية الرمزي ...
- باب العرش - لمختار العجيمي- الشريط الذي ترقّبه الجمهور التون ...
- فوق كفِّ امرأة - لفاطمة ناعوت: خدع فنية، ومتاهات نصِّية حافل ...
- مَنْ قال إن - الملائكة لا تحلّق فوق الدار البيضاء - ؟:محمد ا ...
- - بحب السيما - لأسامة فوزي الفيلم الذي انتزع إعجاب النقاد وا ...


المزيد.....




- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - مسرحية - تداعيات صالح بن زغيّر - لرسول الصغير وهيمنة البُعد السردي على بنية الفعل الدرامية