|
الفنان التشكيلي العراقي محمد جبار الحسن: اللوحة الثانية - إله العشق
عبدالرحمن الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 3665 - 2012 / 3 / 12 - 12:31
المحور:
الادب والفن
إله العشق
اللوحة الثانية لمعرض فنانا التشكيلي العراقي محمد جبار الحسن التي اطلق اسم عمله عليها هي "إله العشق"، هي مشروع إقامة علاقة تاريخية مع إله العشق بخطاب فني-تشكيلي وليس مجرد فكرة...وترك لنا بصمات من أسئلة وتراودات تتلوى في الذهن التأملي. اذن ما هو أستنباط "إله العشق" لدى الفنان محمد جبار؟ هل هو موضوع للتحليل الاكاديمي الفني المحض عبر الالوان والشكل، أم هو موصف موضعي ذاتي؟ عم ماذا يريد الفنان أن نشاركه البحث فيه، عن قوانين ذلك الإله وافاق بناء عشقه، ام عن شروط وجوده المسبقة؟ أم هي دعوة لمراجعة الذات لفكرة إله العشق نفسها ووعيها وحقل ممارستها التي تلقاها الفنان كنداء بذاته؟ أم لتلك العلاقة المتشابكة التواصل بين الذوات وتوصيفاتها؟ أذن ماهي تلك المجاهيل التي تنساق اليها فرشاته وملونه الابداعي بأغلاقها كنتيجة فينا.؟ هذا التشظَي الباطني والعميق مع الخرجَاني المبعثر، هذا الفراغ/الفضاء/الإله "الاخر" الخارج، الذي يعيش بداخله فينا، ليكوَن الخارج المسافر وهو يتهدى لدواخلنا أبدا.... قد تكون جملة أسئلة تبدأ بمبتدأ لا خبر لها بعد؟!
العشق كما حددها الفنان التشكيلي المبدع محمد جبار بلوحته "إله العشق"، هو ليس وعيا يسكن كمشروع في الشكل الخارجي للإله، أو علَ ليس للعشق لغة لونية تضاف له ذات محددة ليتكامل. بل هو ممارسة وجدانيه لها أشكالها الخصوصية من الترابط والتتابع اللاشعوري. مما قد نجده في لوحة الفنان أن الالحاح على خصوصية إله العشق واستقلاليته النسبية وكيفية ممارسته مكَنت الفنان من تخطَي محددات التشعق/التشوق النسبوي المنسوبة الى ذات الإله/العاشق. سواء كانت ذاتيه فردية أو أثنية مشتركة، محايثة أم معاينة، صاحب قرار مطلق أو مصدراً للمعنى أو القيمة. وهنا تجد خطورة وعي الفنان بلوحته وتوزيعاته لهذا الخارج-الداخل، المتشظَي في مُركَب الداخل المبعثر المُعين ومجاله المرثَي/المرئي، والمرتكز الثابت الذي يوزع التعاشق والتشاوق الى قوانين التواترات بفضاءه، ونظام توزيع مشاكله، وقواعد توزيع أساليبه، وفرض الرفض لكل الأكراهات بأنغلاقتها وأنفتاحاتها والغير المحددة الملامح ، التي تتسم بتحريف العشق...ما يبحث عنه ذاك الإله الضمني، لا ذاك الإله اللاشعوري، هنا يقربنا الفنان حاثثيين نوعا ما الى تاريخية بنية اللاشعور المعرفي المختزل في نظمه المعرفية وفي ثقافة بناءه للاشعور نفسه. أو الاحتفاظ بالاعتقاد في ذاتية باطنية تقربنا من فائض القول لنكبته.. .ونجهل كيفية آلية بروزه إن كان لائقا ب"إله العشق" وممارسته. وهذه التلامسية لفكرة مشروع عمل الفنان قد أوقفنا بها طوعا، وهو أمر لا يعتقد فيه الفنان كثيرا كما سنرى ولا يحذر من عدم فهمه، في المحددات التاريخية التي نستطيع عبرها تحديد عتبات مدخلاتها وتعيين شروط ظهورها وزوالها في الازاحة كانت ام المراجعة بها.
وأحد تلك المحددات التي وظفها الفنان هو ما اتجه بنا للتمعن من وسط اللوحة بالنظر الى اسفلها وجوانبها وزواياها بتلك اللمسات المبهرة، ونحن نتجول بموشوره اللوني، حينها يوقفنا في الوسط وحينا في الاطراف، ويمدنا على حين غرة باللون الازرق على ضفاف الجسد والمدى، ويمدد المكَون لهذا المجال لحركة "إله العشق" التلفظي، ينظر بدهليزنا وغليون أفكارنا التي ذاك التلفظ يمثل في الاختزال والاحتراو من التوزيع اللوني الجرئ بماديته، إذ وكأنه يحاورنا بالقول يجب أن يكون لصفات "إله العشق" فحوى وسند وموقع وتأريخ.
الفنان بتحديد تلك التوظيفة للوحته وشقاء فرشاته ولونها المادي، حدد ما أراد أن يقوله لمتعقبي أغواره، بأن لإله العشق تاريخيته بأفاقه التي أظهرها الفنان باللون الازرق كندرة، بنسقها اللفظي في تلك المساحة للوحة وتضريسها الفني بالأمتداد والمعابر، أي أنه لم يقع بالقول كل شيء...، حاول أي الفنان أن يقول أنه بالأمكان قول الكثير...، وتلك هي الجرأة والمهارة بكيفية أختراق المستويات والمساحات المتعددة في فضاء فتنة المبحث الرمزي وكشف الطلاسم المعدَة سلفا يقياس مساحة اللوحة وتوزيعها، مما يجعل هنا أن إله العشق الملفوظ الظاهري/المعنى، في عشقه هو الموضوع، كموضوع للرغبة والصراع، وهو موضوع شأنه شأن بقية الأشياء، يتداول، ويستعمل، يتخفى، يعد بتحقيق رغبته، او العمل على منعها، بل يستطيع أن يهادن بعض نزواته ويواجهها، يدخل ممكن أيضا في منظومة النزاعات والصراعات الرغبوية، ويمكن أن يصبح موضوع تملَك أو تخاصم. اذن هل هي تلك المحددات التوظيفية التي اراد الفنان به نختلف.؟!
أذن الفنان التشكيلي المبدع محمد جبار ترك لنا أن نعي وقائع العشق، بأن وقائعه ليست كائنة بذاتها، بل من خلال تنوع زوايا اللوحة اللونية المتعددة، بأعتبار أن للإله أشياء ليس من الضروري أن تكون على ماهي كائنة عليه، والقول أن تلك هي طبيعة الامور، ولإله العشق له ما يعيق، والتفطَن بها من خلال رسم الاشكال التي تظهر فيها الممارسات والخصوصيات لدوافع ذاته. فنسيان الممارسة هو الانسياق الى ممارسة الاتساق الى الأعتقاد في غائيات مبتسرة، وتعميمها هو تواصلية خادعة، ونتخلى بالتالي عن ممارسة العشق: الذي ينتج، والمفروض لأنتاجه أن يكون؟ وما مكان الإله الذي تصَدر العشق؟ وما موقع من يداوله بالرمز؟ وكيف أصبحت بعض المجرد اللفظي به يقع في الجدية المقدسة؟ لكن كيف اذن يعَبر عن جديتها تلك، هل عن توطيد إرادة الحقيقة؟ كيف تتفاعل وتتصادم الوقائع التي جعلها الفنان ان تنطوي الاحداث التاريخية لتظهر في الأشياء او ما الكلمة التي يمكن ان يقدمه خطاب العشاق لإله العشق اويأتون لأعرابه وهم يكتمون وهم يعلمون.؟!
أن القلق الذي ينتاب لوحت الفنان أزاء "إله العشق"، لا قلق بذات يقتله لضجر والسأم كما عبر عنه بممزوجه اللوني، بل هو ذلك الأنبعاث اللوني "القلق المهمش بقلب اللوحة ذا اللون الاحمر - شغف القلب المدمى" المنبعث من عمق العقلانية الغرائبية، قلق يحث بالوصول لعمق الذاكرة، وبدعمه ما حالت اليه مجسمات الابعاد الكونية لفضاء اللوحه، ومحسسنا لذاك الوجود للعشق،قلق محسسه لماهية العشق في واقعة الاله والمادية التي فينا، بأعتباره مكوَناً من وحدات ومفردات وزعها الفنان في لوحته كلغة منطوقة ومكتوبة في أذهاننا الما-ورائية، قلق يثيره الفنان التشكيلي حول ذاك الاله المحسوس، الاله الذهني/الاله الضمني/ الاله الانتقالي/ الاله أيضا المُقدر عليه الزوال، بموجب ديمومته، التي لاحول لعشقه ولا قوة به، فهو اذن قلق يكمن تشابك وتعاضد الفنان به كي يحاكي نفسه من خلال فرشاته الي يحاول فيها ان يضرب فيها اللمسات الفنية المتباينه الخواص والدلالة من خلال العنق وتظليلالته للحواس بلون تحجبي يستتر به في أحساسنا، تحت وطأة هذه الفاعلية الانفعالية، وهنا الفنان يغرق في التحليل من خلال مسكة بزوايا الفرشاة مثقلا عليها باللون ومرقصا بها الينا من الاعلى الى الاسفل متدحرجا حذرا من مخاطر قد نتخيَلها تخيَلا سيئاً، فالقلق يتقاذف به الينا يتأتى بها من تلك الفرشاة الفنان، فنلج بالتوَهمات بالالوان ومن أخفاقات ونبوغات وضروب الجروح وهيمنة المكبوتات والاستبعادات من خلال المنبعث لكثرة الزوايا والمستقيمات والمنحنيات في اللوحة التي ضخَ بها الفنان، فنظرة العين يوقفنا بها تأملا طويلا بدعوته للتمعن، كي يقلَم بها المفاهيم الطويلة الاظافر.!
في هذه اللوحة أجاز بها الفنان ملخصاً ذكيا قد تملي قانونها وتعيين نوعية المقاربة لذاتنا دونه، كي لا تحدد تعاطينا مع عالم التشابه لإله العشق، وتارة قد يعطينا مساحة للتأمل بذكاء منشأ المشروع كيف فكفكه ومن ثم جعلنا في محيط المحددات وتلك هي اللعبة الابداعية الابستمية في جعلنا في دوام الحركة ليثبت بفلسفته مفهوم حركة التاريخ وأستمرارية الابديه لإله العشق.!
وفي هذا الحيز الحيوي التي دفعنا الفنان المبدع محمد جبار طرح إله العشق اذن كمشروع ليس وجيز بين الفكر والرغبة والكلمة واللون الذي دسَها بنا كجوف ضمني ممرراً أسم المشروع ومعناه، بعبارة أشد وضوحاً وبأيجاز، أن الفنان بفذاذة ذكاءه حمل قلقه في اللوحة بتساؤلاته القائمة بإله العشق بين فضح ما تفعله الارادة من جهة والمعرفة والحقيقة من جهة أخرى تحديدا.
لذا أنه تركنا كما في البداية بحشدنا بالأسئلة الضمنية، يترك فينا أسئلة أضافية بنهاية أروقة نظرتنا لبحثها، وهي كيف تشكَل هذا المرَكب بين الداخل والخارج، بين الانا والآخر.؟ كيف تميز هذا الافتعال القصدي بالبحث ذاتياً عن إله العشق فينا من خلال سلطة العقل والمعارف والرغبات في نظم توزيعه الحسي.؟ مما يترك لنا الفنان أسئلة أخرى محملين بها عن ما شعور إله العشق بكل ذلك .؟ بل ايضا ما رحمه وما ولادته وما منشئه ما المه وما هي نقاط قوته ونقاط ضعفه وما حفاوته.....؟ وما هذه الاسئلة والوقفات الا ندرة ذكية من التفاته الفنان لما ارد ان يشركنا معه التفكير والتوعي بها...التي تدفعنا الى الوقوف مليا بلوحته الثالثة التي عنونها تحت مسمى "ترتيل سومري".
د. عبدالرحمن الجبوري نيجيريا
#عبدالرحمن_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفنان التشكيلي العراقي محمد جبار الحسن: فنان يبدع داخل غربة
...
-
الفنان التشكيلي العراقي محمد جبار الحسن: اللوحة الاولى - شوق
...
-
الفنان التشكيلي العراقي محمد جبار الحسن: اللوحة الثالثة - تر
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|