أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بشير الصاري - الشعر .. انتهاك للعرف اللغوي السائد














المزيد.....

الشعر .. انتهاك للعرف اللغوي السائد


عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 3663 - 2012 / 3 / 10 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


من المعروف أن كلمات اللغة ترتبط بصور ثابتة في الذهن ، تجمعت عبر موروث لغوي قديم ، فعندما تسمع كلمة قمر مثلا يستدعي عقلك على الفور كلمة أو تركيبا يتناسب مع ما تجمع في ذهنك من أفكار وتصورات حول القمر ، وتتوقع أن تكون الكلمة المناسبة المكملة له من مثل : مضيء ، غطاه السحاب ، خالٍ من الحياة ... إلخ.
كذلك حين تسمع كلمة ( شمس ) فلا بد أن تتبادر إلى ذهنك مجموعة من الكلمات مثل : دافئة ، الأصيل ، النهار ، إلخ ، ولكن إذا قال المتكلم : قمر أسود ، وقال شمس الليل ، فإن هذا يعني أن المتكلم أعاد ترتيب الكلمات وصورها الحاصلة في الذهن بشكل غير مألوف مع ما اكتسبته من خبرة لغوية سابقة ، وأنه قصد من هذا لفت انتباهك إلى معنى جديد أو إيحاء خاص .
والشاعر المبدع لا يخرج عمله عن هذا الإطار ، فهو يعيد ترتيب كلمات اللغة في نظام متميز عن وضعها العادي ، بحيث تبدو العلاقة بين الكلمات وصورها المختزنة في الذهن جديدة ومفاجئة لك .
ويتفاوت الشعراء في صياغة هذه العلاقة ، فمنهم مقتصد يبقي على كثير من الأواصر بين الدوال والمدلولات ، ومنهم مغالٍ حريص على قطع هذه الأواصر وصدْم المتلقي بعلاقات غريبة شاذة .
لقد أخذ شعراء هذا العصر يطورون العلاقات والأساليب اللغوية التي استحدثها شعراء الرمزية من قبلهم ، وبدأت الكلمات تتجاور في قصائدهم تجاوراً غريباً أفقدها ألفتها ، وأبعدها كثيرا من الميراث اللغوي والذاكرة الشعرية ، وكان غرضهم من هذا هو التطلع إلى جملة شعرية تأتلف فيها الكلمات حسب الانفعال والتجربة لا حسب العلاقة اللغوية الموروثة .
لقد دأب هؤلاء الشعراء على وصف الأشياء المادية المحسوسة بصفات معنوية ، فقد ( جسَّدوا المعنوي غير المحسوس فخلعوا عليه صفات مجسَّدة ملموسة ، وصار ما نحسه بالعين نسمعه بالأذن ، وأصبح للألوان عطور، وللعطور ضياء ، وجمعوا بين المتناقضات ، فالربيع أسود ، والفرح خريفي ، والحزن أبيض ... وذابت الفوارق ، وأصبح غير الممكن ممكناً ) .
وهذه مجموعة من التراكيب والعلاقات اللغوية الجديدة انتقيناها من قصائد ودواوين مختلفة لستة شعراء معاصرين هم : نازك الملائكة ، بدر شاكر السياب ، عبد الوهاب البياتي ، أدونيس ، خليل حاوي ، نزار قباني :
عطر الضياء المذاب ـ نام الزمان على الزمان ـ عطور الثلج ـ الدموع الخُرس ـ جواد النار ـ غابات من النعاس ـ نعمة الخيانة ـ فخدان من صلاة ـ مطر الأرض ـ النار في الدخان ـ السعال المدوَّر ـ لابساً قامة الهواء ـ القبر السفيه ـ الزمن المعجون ـ صوتها الشفقي ـ الضوء الطري ـ جبهة الرعد ـ لحماً حزيناً ـ صدى الرغوة ـ فمي يفتش عن فمي ـ تعبتُ من استدارة فمي ـ يمشي إلى الوراء الوراء ـ أنهض نحوك يا أبعادي أرضاً ـ عرس يدور تحت سراويل الموت .
هذا غيض من فيض ، فأكثر قصائد شعراء العصر تمتلئ بهذه المصاحبات اللغوية التي تصدم المتلقي بغرابتها وتناقضها واستحالة تصورها عقلا .
لا شك أن كل تركيب من هذه التراكيب اللغوية يعد خروجاً عن العرف اللغوي المتوارث ، وتهشيماً لبنية الجملة العربية التي عرفت على مدى آماد وأحقاب زمنية طويلة بأن العلاقة بين مفرداتها تؤسس وفق العقل والمنطق ، لكن شعراء العصر أدركوا بحسهم الجمالي أن عليهم مهمة تطوير لغة القصيدة ، لذلك شرعوا في تفكيك هذه الروابط العقلية والمنطقية وإحلال نمط آخر محلها صادر من دهاليز الذات وأغوار النفس وتلافيف المخيلة .
إن الدواعي التي حتَّمتْ على شعراء العصر تفكيك التركيب اللغوي القديم وإعادة صياغته من جديد ، أو إنشاء علاقة لغوية جديدة بين كلمتين أو أكثر هي في الواقع دواعٍ فنية تعود إلى رؤية كل منهم للأشياء ، وهي رؤية بالطبع لن تكون على الدوام متماهية مع رؤية المجموع أو الموروث ، فالشاعر لا بد أن تكون حواسه متميزة عن حواس غيره ، لكي يصوِّر ما لم يُصوَّر من قبل ، وليقول ما لم يقله غيره ، وذلك لأجل أن يثير في متلقيه الدهشة الممتعة ويحفِّزه على التفاعل مع تجربته ، لذلك جعل العطر مضيئا ، والصوت ملونا ، واللحم حزينا ، والخيانة نعمة ، والأفخاد جزء من الصلاة ، والقبر سفيها ... إلخ .



#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفات الإنسان في القرآن الكريم
- الكفر الذي يُثابُ عليه
- أنماط التعبير الأدبي
- خطر تضخم الهاجس الديني
- مفهوم الأدب وغايته
- الأمة التي تكره نفسها
- خطر الإدمان على تعاطي المخدِّرات الأدبية والفنية
- اللغة العربية كما تُدرَّس في الجامعات الليبية
- اللغة العربية كما درسْتُها في الجامعة
- عيدٌ .. ولكنْ لا أقولُ سعيدُ
- أما آن لهؤلاء الأيتام أن يعتذروا ؟
- أمنيات عربي أهبل
- لبنان .. دولة أم منتجع سياحي ؟
- أدونيس .. الشاعر الجائع
- نساء الصعيد وهوانم Garden city
- لو كان الإسلام رجلا لقتلته
- وصية ابن الراوندي
- انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
- إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
- عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء


المزيد.....




- وفاء لوصيته.. فنانة لبنانية شهيرة تعود إلى المسرح بعد أسبوع ...
- مصر.. منشور غامض لفنانة شهيرة يثير قلق متابعيها
- الخبير في الثقافة الإسرائيلية أورن شالوم: إسرائيل تتجه نحو ا ...
- تونس.. وفاة مغني الراب أحمد العبيدي الشهير باسم --كافون-- عن ...
- رغم خلاف قديم بينهما.. فنانة مصرية شهيرة تفجّر مفاجآت مع إعل ...
- أزمة ورثة الفنان محمود عبد العزيز وبوسي شلبي تفتح ملف توثيق ...
- الفنان الشهير سيلاوي يكشف أسرارا عن معاناته وعن الظلم الذي ت ...
- المواطنة في فكر محمد بن زايد... أطروحة دكتوراه بامتياز لعلي ...
- تمثالان عملاقان من فيلم -ملك الخواتم- بمطار.. فرصة اخيرة لرؤ ...
- حمدان يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض ا ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بشير الصاري - الشعر .. انتهاك للعرف اللغوي السائد