|
يوسف كركوش الحلي 1906-1990 وكتابه تاريخ الحلة
ابراهيم خليل العلاف
الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 12:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لعل أول مرة سمعت فيها بالمؤرخ الأستاذ يوسف حمادي حسين كركوش الحلي 1906-1990 ، كانت عندما كنت طالبا في الصف الأول في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد قبل أكثر من 40 سنة .وكان كتابه عن " تاريخ الحلة " ويقع في جزئين من المصادر التاريخية المعتمدة لدينا .والأستاذ يوسف كركوش الحلي في تاريخ الحلة –شأنه شأن كل من كتب عن تاريخ مدينته –أمثال سليمان الصائغ في "تاريخ الموصل" وعبد الكريم الندواني في "تاريخ العمارة" ووادي العطية في "تاريخ الديوانية" ، محبا لمدينته بل عاشقا لها لهذا فقد تحدث عن الحلة بمحبة ،ووقف عند دورها السياسي الوطني والثقافي . كتب الأستاذ حميد المطبعي عنه في "موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين" فقال انه باحث ولد في مدينة الحلة سنة 1906 .وقد منعته حالته الاقتصادية من أن يدخل المدارس الرسمية ، فعمل خياطا في سوق الحلة لكنه اتجه نحو الدراسة عند علماء وادباء عصره .درس على الشيخ ناجي الخميس النحو وعلوم اللغة .كما درس المنطق على السيد القاسم العطار والفلسفة على الشيخ عبد الكريم الماشطة .لهذا انتدبته وزارة المعارف (التربية ) وعينته في سنة 1936 معلما في احدى المدارس الابتدائية في الحلة . من مؤلفاته المطبوعة : * "مختصر تاريخ الحلة" ، صيدا -1934 * "رأي في الإعراب" - 1958 * " تاريخ الحلة " جزءان - 1965 طبع كتابه الموسوعي "تاريخ الحلة " بجزئي ناو كما سماهما هو بقسمين تناول في القسم الأول "الحياة السياسية " في الحلة . وفي القسم الثاني " الحياة الفكرية في الحلة " .وقد وردت أمام اسم المؤلف في الكتاب كلمة "العلامة المتتبع الشيخ يوسف كركوش الحلي " وتولى السيد محمد كاظم الحاج محمد صادق الكتبي نشر الكتاب في مطبعته " المطبعة الحيدرية" في النجف الاشرف سنة 1385 هجرية 1965 ميلادية .وقد وقع الكتاب بجزئيه في 512 صفحة من القطع المتوسط . في القسم الأول من الكتاب، تناول الشيخ الحلي الحياة السياسية في الحلة فذكر تاريخها ، ووقف عند دورها السياسي في أحداث العراق عبر العصور .أما في القسم الثاني فقد تطرق عبر ثلاثة فصول إلى النهضة العلمية والأدبية في الحلة وبين عوامل النهضة ، وأشار إلى أن تلاميذ الشيخ الطوسي غرسوا بذور النهضة في الحلة .ولم ينس أن يتحدث عن المزيديين ،وال البطريق ، وال سعيد ، وال المطهر، وال طاووس، وال ممية ، وبنو الأعرج . وفي الفصل الثاني المعنون : " دور الركود الفكري في الحلة " ، قال ان الركود لم يحل دون ظهور أدباء وشعراء ونحويين منهم أبو الغنائم الحسيني، والحسين بن الابزر الحسيني، والسيد نعمان الاعرجي ، والشيخ احمد النحوي . أما الفصل الثالث ، فقد كرسه لتوضيح أبعاد النهضة الأدبية في الحلة في القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجريين (التاسع عشر والعشرين الميلاديين ) .وفي هذه الفترة المهمة التي لم تكن تختلف عن النهضة في كل إنحاء العالم العربي ظهر أدباء، وشعراء مجددين منهم الشيخ حبيب المطيري ، والشيخ علي العذاري ، والشيخ صالح الكواز، والشيخ حسن الفلوجي ، والحاج عبد المجيد العطار ، والشيخ ناجي الخميس ، والمحامي الشيخ رؤوف الجبوري، والشيخ محمد حسين الجباوي . كان الشيخ يوسف كركوش الحلي يرى بأن الحلة ، ومنذ أن مصرها الأمير سيف الدولة صدقة المزيدي ، شهدت نهضة علمية وأدبية وصلت أوج عطائها في القرن السابع الهجري –الثالث عشر الميلادي ، فصارت دار هجرة لطلاب العلوم والمعارف فقصدها عشاق الفضيلة ، ليدرسوا العلوم على علمائها الأعلام فنبغ فيها العلماء والحكماء والأدباء، وذاع صيتهم مدى الآفاق ...كانت الحلة في ذلك العهد من أرقى المدن العربية والإسلامية بالنسبة لرقيها العلمي والأدبي ، وكانت مدرستها تعد اكبر جامعة إسلامية. ومما ساعد على ذلك أمران: أولهما أن أمراء الحلة من المزيديين كانوا على جانب عظيم من الفضل ،والكمال ،وسمو الأخلاق ، وكرم السجايا .كانت للأمير سيف الدولة مكتبة تحوي الآلاف من المجلدات . وكان أمراء بنو مزيد يدنون العلماء والأدباء ويطلقون لهم الحرية ، وهكذا ترسخت الروح العلمية والأدبية في الحلة، وأثمرت وجادت. تحدث الشيخ يوسف كركوش الحلي عن الأسر العلمية والأدبية في الحلة إبان النهضة الفكرية المزيدية ، وراعى الترتيب الزمني في ظهور الأسرة على مسرح الحياة الفكرية . ولعل ابرز ما فعله هو أن ترجم لأبرز رموز الأسر العلمية والأدبية وقبل ذلك وقف عند المزيديين وهم أمراء الحلة ومؤسسوها وقال إن في الأسرة المزيدية نبغ جماعة في قيادة الجيوش ، وسياسة الملك وفي الآداب والعلوم وبقي اسم هذه الأسرة لامعا حتى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي ثم اختفى ذكرهم ودخلوا في غمار الناس .ومما يذكر انه ترجم لجماعة من أولئك الأمراء في القسم السياسي من كتابه تاريخ الحلة وفي القسم الثاني ترجم لمن أبدى نشاطا فكريا وأدبيا وعلميا .ولعل من ابرز من ترجم له بدران بن سيف الدولة ، والأمير مزيد الحلي المزيدي ، والشيخ جمال الدين احمد المزيدي ، ورضي الدين علي المزيدي، والشيخ علي بن منصور بن الحسين المزيدي . لقد أورد شيئا من شعرهم وقال أن بعضهم اشتهر بالفقه ، واختص آخرون بالتاريخ والرواية والأدب والبلاغة والنحو والمنطق .قال عن الأمير مزيد الحلي المزيدي انه كان شاعرا مجيدا ، مكثرا من الوصف والغزل والنسيب والتغني بالخمرة ، ووصف مجالس الشراب ،ووصف الطلول والمناجاة . ومن استعراض قصائده يلحظ أنها كانت تمتاز بالقوة ،والجزالة ،والرقة .كما تدل على انه شاعر مرهف الحس ، رقيق الشعور، صادق العاطفة يعبر عن الم دفين ، وحزن كمين . ومن شعره : ومرابع بالجامعين عهدتها تزهو بغيلان لها وجاذر أيام كنت أجر في روض الصبا رد في بين رفارف وعباقر من كل فاتنة أللحاظ إذا رنت ياللرجال من اللحاظ الفاتر بيضاء كاملة المحاسن كاعب تختال بين خلاخل وأساور أخذت من الضدين ماعرفا به من فاحم جثل ، وابيض زاهر فمن الصباح لها ابيضاض معاصم ومن الظلام لها اسوداد غدائر ينقل عنه الأستاذ حميد المطبعي قوله عن سبب اهتمامه بالتاريخ : " يقول : إذا سألتني عن سبب ميلي الشديد إلى الكتابة عن تاريخ الحلة فأقول : أن في الحلة غنى في التاريخ .غنى في المشاهير ، وغنى في الوقائع . ثم أن في تاريخها صراعا يثير الجدل في العقل، ويدفع المرء إلى التتبع والنفاذ بشوق في هذا الصراع... " .رحم الله مؤرخنا الشيخ يوسف كركوش الحلي ، وجزاه خيرا على ما قدم لمدينته ووطنه وأمته وللإنسانية .
#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأستاذ الدكتور شاكر مصطفى سليم ..وصفحة من تاريخ الصراع السي
...
-
الدكتور محمد يوسف إبراهيم القريشي ..مؤرخا
-
سعاد خيري ..في ذكرى ميلادها ال83 عاما
-
الدكتور سلمان هادي آل طعمة مؤرخا
-
القوى اليسارية والتقدمية وحركات التغيير العربية
-
المرأة العراقية ودورها في بناء العراق المعاصر1921-2003
-
مثري العاني..الكاتب والمسرحي والإنسان
-
المواطنة والدولة المدنية والحريات وحق تقرير المصير
-
تاريخ الحركة العمالية في العراق
-
الدكتور طلعت الشيباني مفكرا اقتصاديا وقانونيا وأول وزير للتخ
...
-
الدكتور أحمد سعيد حديد وتطور المدرسة الجغرافية العراقية المع
...
-
الدكتورة نزيهة الدليمي وريادة الحركة النسائية في العراق
-
هل ثمة مدرسة تاريخية عراقية ؟
-
شخصية الموصل ودورها الحضاري
-
المواطنة الصالحة
-
مراقبة ظاهرة التصحر وتأثيراتها البيئية في ندوة مركز التحسس ا
...
-
سالم حسين الطائي ..الإعلامي الموصلي المتميز
-
العشوائية
-
العلم .. والثقافة
-
خيري أمين العمري 1926 – 2003 والتأريخ للعراق المعاصر
المزيد.....
-
شاهد.. رئيسة المكسيك تكشف تفاصيل مكالمتها مع ترامب التي أدت
...
-
-لم يتبق لها سوى أيام معدودة للعيش-.. رضيعة نٌقلت من غزة لتل
...
-
وزير الخارجية الأمريكي يتولى إدارة وكالة التنمية الدولية، وت
...
-
شهادات مرضى تناولوا عقار باركنسون -ريكويب-: هوس جنسي وإدمان
...
-
شاهد: الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع يؤدي مناسك العمرة ف
...
-
باريس تُسلِّم آخر قاعدة عسكرية لها في تشاد.. هل ولّى عصر -إف
...
-
أول رئيس ألماني يزور السعودية: بن سلمان يستقبل شتاينماير
-
لماذا تخشى إسرائيل تسليح الجيش المصري؟
-
-فايننشال تايمز-: بريطانيا تستعد للرد على الولايات المتحدة إ
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يصدر بيانا إثر مغادرته السعودية
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|