|
انتحار حماس
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 10:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن تستطيع كل تلك التصريحات المنمقة والدبلوماسية لرموز حماس أن تغير من صورة الواقع في شيء، أو أن تقول غير ما بات حقيقة وواقعاً جيوسياسيا-أخلاقياً يلمسه الجميع اليوم فيما يتعلق بالقطيعة المعلنة بين حليفي الأمس دمشق والمنظمة التي أطلقوا عليها دهراً صفة "المقاومة"، وتكرموا جميعاً، على أية حال. كما أن صمت أبي الهول لخالد مشعل يقول أشياء كثيرة، أكثر مما يريد إخفاءه، وكثيرة جداُ تؤكد تلك الحقائق الماثلة على الأرض أكثر مما تنفيها. وكل ذلك لم يفلح في محاولات تجميل "غدر" حماس، والتنكر للنظام السوري الذي احتضنها على مدى عقدين في الزمن الصعب، وفي الوقت الذي كانت تقفل في وجهها كل أبواب العواصم التي ترتمي حماس في حضنها، اليوم، العواصم المشرعة اليوم على مصراعيها لاستقبال حماس بفرح غامر، ليس حباً بها، وإنما لأنها تمكنت من تفكيك وعزل "فصيل مقاوم" آخر، وعلى ندرتهم هذه الأيام، وتبدو أنها تتهيأ لذبح حماس والإعلان عن موتها، أو تجميدها، على الأقل وليس إنقاذها من "الورطة" السورية، أكثر مما يبدو الأمر نجاحاً، أو انتصاراً لحماس. فهذه العواصم ذاتها، من القاهرة إلى الدوحة، مروراً بما يسمى بالرياض في سعودية آل وهـّاب، هي من حاصرت غزة، وكانت تتفرج، وربما بمتعة ما، على الرصاص المسكوب، والقنابل الفوسفورية، واليورانيوم المنضب، ذات يوم، حين كانت تغرق غزة، وتنهمر على أجساد أطفالها، في حرب تسيبي- أولمرت في بدايات 2009.
ومن المفارقات المحزنة، أن أحد الشروط المعروضة، والمقدّمة لسوريا، عبر قنوات دبلوماسية، سعت في بداية الأزمة للعب دور الوسيط لإنهاء الأزمة ووأدها في مهدها، هو قطع دمشق مع كل ما يسمى بالمقاومة، ومنها حماس بالطبع، ومنع توفير أي ملاذ، وتقديم أي دعم لوجيستي أو مادي، وسياسي وإعلامي لها، ولقد كان وجود ما يسمى بالمقاومة في دمشق يشكل صداعاً حاداً ومؤرقاً لإسرائيل وحلفائها العرب والغربيين، ولكن ما عجز أولئك عن فعله جميعاً قدمته حماس لهم على طبق من ذهب بإعلان تنصلها وبراءتها من النظام في سوريا. فقد كان خروج حماس، في الحقيقة، بأحد وجوهه، تعبيراً عن تضامن، وتأييداً، واصطفافاً متعمداً مع الحلف الغربي-العربي- الإسرائيلي الذي يشن هذه الأيام حملة إعلامية، وسياسية، وعسكرية هوجاء ضد سوريا، ومن ورائها إيران. والأنكى من ذلك إن تصريحات "صقور" حماس النارية باتت موجهة اليوم ضد سوريا وإيران، حلفاء الأمس، يقابلها صمت مطبق، كصمت ووداعة الغزلان والحملان، حيال إسرائيل، الحليف، والصديق، المقبل على ما يبدو لمقاومي حماس.
طبعاً نحن لا نأسف على خروج حماس، وشخصياً تنفست الصعداء مع خروج آخر "مقاوم" زائف من سوريا. وكم أتمنى أن تتخلى السياسة الرسمية السورية عن كل ما يتعلق بالعرب ومشاكلهم وأزماتهم التي لا تحل وهمروجات "القضايا المركزية" الفارغة. ولسنا بحاجة، بعد اليوم، لصرف أي قرش، أطفالنا بحاجة إليه، على ما يسمى مقاومة ومقاومين. فمن كان لديه أرض محتلة فليذهب ويحررها بنفسه. ومن كان لديه أزمة أو مشكلة، أو "قضية مركزية"، فليحلها بنفسه، وليقلع أشواكه بيديه. فلم تعد أصابعنا، كسوريين، تتحمل شوك الأعاريب، و"عضاتهم"، وطعناتهم، و"بلاويهم" السوداء، المزمنة والمستعصية مع قضاياهم المركزية.
وفي الحقيقة، لم أكن مقتنعاً يوماً بـما يسمى "مقاومة" حماس، أو كونها ضمن أي مشروع تحرري، ومقاوم، طالما أنها فرع إسرائيل، أو "فلسطين" سابقاً للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي هو بالمحصلة، ذراع استخباراتي بريطاني تاريخي أصيل، كما هو معلوم للجميع، ناهيك عن ممارسات حماس القمعية والاستبدادية والظلامية في غزة-ستان، ما لا يؤهلها لقيادة أي مجتمع نحو شواطئ الحرية والأمان، ومن يكره الحرية لغيره، ويكون قمعياً واستبدادياً، وإقصائياً، لا يمكن أن يكون تحررياً، ولا مقاوماً، بأية حال.
انتحار حماس ذو وجهين مادي، عملي لن يكون بمقدور حماس فيه ممارسة فعل "المقاومة"، ولا حتى كلامياً، فالبعيد عن العين و"الأرض" المحتلة سيكون بعيداً عن القلب والبندقية، من جهة، ولعدم إغضاب إسرائيل وأمريكا من قبل محتضنيها الجدد، من جهة أخرى، وإثارة حفيظتهم. والوجه الآخر للانتحار هو معنوي أخلاقي، حيث فقدت حماس أية مصداقية أو رصيد أخلاقي، وبدت وكأنها تبيع أصدقاءها وحلفاءها وتتخلى عنهم بسهولة في زمن الشدائد والصعاب وبأبخس الأثمان، وتنقل بندقيتها "المقاومة"، من كتف إلى آخر، وتسقط سقوطاً مدوياً ومجلجلاً مع أول امتحان، وتبدو سهلة القياد تتنقل بين هذا وذاك من دون مواقف مبدئية وشجاعة، وهذا ليس من شيم المقاومين والثوار، وهي من قلبت ظهر المجن، وأدارت ظهرها لمن مد لها يد العون، في وقت المحن والتشرد والضياع، الأمر الذي كان يتطلب من حماس موقفاً أكثر رجولة وأخلاقاُ من هذا الموقف المحزن، والمعيب، والمشين الذي لم نكن نرتضيه أبداً لمن يسمون أنفسهم بالمقاومين والثوار وكل تلك الرطانة والكلام الفارغ والهراء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سفاه الشيخ: القرضاوي يقرّع حكام الإمارات
-
عقوبات أم معونات؟
-
بدون سوريا
-
يوم سوري حزين: لا للدساتير الفاشية
-
لماذا لا يكون دستور سوريا علمانياً؟
-
سوريا: هزيمة المشروع المدني والحضاري
-
-العهدة- الدستورية والذمّيون الجدد في سوريا
-
لصوص الإعلام السوري
-
السيناريو السوري
-
رسائل موسكو القوية
-
سقوط الفاشية الوهابية في سوريا
-
أبعد من الفيتو الروسي الصيني
-
ماذا عن ولاية المرأة في الدستور السوريِ الجديد؟
-
الثورة السورية المخصية
-
المادة الثالثة: وجعلناكم بعضكم فوق بعض درجات
-
إفلاس العرب
-
سوريا: المسلم قائداً للدولة والمجتمع
-
المادة الثالثة في الدستور السوري: عودة الخلافة الإسلامية
-
رسالة إلى معارض سوري
-
غزو سوريا
المزيد.....
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
-
إيران تزيح الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
-تلفزيون سوريا-: ظهور شقيق للرئيس أحمد الشرع علنا في السعودي
...
-
الرئيس البنمي يعلن إنهاء مشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|