|
السواد الأعظم من العراقيين أميون وعزاب
جواد وادي
الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 09:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان صديقي المغربي الذي يعمل في الحقل الدبلوماسي في بلد أوربي، يبحث عني لزيارتي بعد أن عرف أنني كنت في زيارة للعراق نهاية عام 2010 إذ أنني لم ألتقه لأكثر من أربع سنوات، صديقي الطيب هذا جاء للمغرب بانطباع عن العراقيين لم يصدق مصدره، حيث التقى بعراقيين في بلد عمله ودار حوار لا أعرف لماذا.....! حول الأوراق الثبوتية للعراقيين، وكان يدور في خلده سؤال لم يصدق مدى حقيقته، ذلك أنه اطلع على تلك الوثائق لعراقيين يحملون شهادات عليا ومتزوجون ولهم أبناء وأحفاد، لكن بطاقة التعريف الوطنية تقول بأن هذا المواطن أمي في حقل المهنة وهو أستاذ جامعي يدرّس في كبريات الجامعات، كذلك هو أعزب في حقل الحالة الزوجية. صديقي هذا لم يصدق هذه الدربكة، فنقل لي المعلومة وهو مندهش، سألته عن سبب استغرابه هذا؟ فقال بلغة المنذهل، هل يصدق أن بلدا مثل العراق كنا ننظر إليه بأنه متقدم بكثير عن بقية البلدان العربية والعالم الثالث، تكون بطاقة تعريف المواطن بهذه الغرابة؟! عندها بدأ الحوار الجدي لتوضيح الالتباس هذا حين غرر نظام صدام بكل المجتمع العربي ومرر كذبته الكبيرة بتفوق العراق في عهد البعث علميا وثقافيا وتكنولوجيا وعسكريا، بحيث باتت لدى المتابعين آنذاك بأن العراق يعتبر البلد الوحيد من بين بلدان العالم الثالث الذي قضى على الأمية بالكامل، وحين حدث الزلزال وأنقشعت الغيوم البعثية تبين للقاصي والداني مدى التخلف المخيف الذي كان عليه العراق والعراقيون وكيف أن فضائيات العالم نقلت الوجه الحقيقي للعراق وحياة العراقيين، وكيف ظهر البؤساء العراقيون وهم يفرون من زحف المحتلين وهم يتناثرون مثل الجراد وكل يعض على فوقيته (دشداشته) وسط برك المياه الآسنة والأرض الترابية ولا من دليل يثبت ما ذهب إليه البعثيون الأشاوس بأنهم حولوا العراق إلى واحة من الرخاء والعيش الكريم. طبعا لكي تصل الفكرة المشوهة لدي العرب كرّس صدام وزبانيته كل إمكانات العراق لشراء الذمم وتشويه الواقع المشوه. دبج مرتزقة الفكر من عراقيين وأعراب، آلاف المقالات ووضبوا أفلاما كاذبة لإعطاء صور تجعل من العراق بلد التقدم والرفاه، ساعدهم في ذلك الطوق الأمني الخطير على الإعلام وعدم تسريب الحقائق وما يجري على الأرض من انتهاكات صارخة ومن مجازر مرعبة،كان يباركها كتبة المقالات وزبانية النظام من جنسيات مختلفة وبرعاية مثقفي الخاكي البعثي وكنا نحن في منافينا نطلع على هذا النفاق ونلوك الألم، سيما ونحن نتعايش مع هذه المخلوقات هنا في المغرب وهم ينظمون التظاهرات دعما للقيادة القومية الشجاعة ويقيمون ملتقيات بمباركة ودعم سفارة النظام الفاشي هنا، وطبعا صنابير البترودولار توزع كالرز على المصفقين والداعمين لقمع صدام. وهم ذاتهم الآن ينظمون تظاهرات تنديد بالنظام السوري علما أن النظامين البعثيين في العراق وسوريا هما وجهان لعملة واحدة. فلماذا ازدواجية المعايير هذه؟ الله وحده يعلم بهذا العبث الغريب. نأتي إلى موضوعنا الأساس، حالما عرف الصديق المغربي هذه التفاصيل وأن العراق كان في غاية التخلف ولا يمكن بمقارنته بالمغرب الذي وصل حالات متقدمة في منح الوثائق باستخدام التكنولوجيا الحديثة وأن السواد الأعظم كانوا ضحايا هذا الزيف بسبب مثقفي هذا البلد ممن باع ضميره وقلمه لمغريات البعث الفاشي، وأن واحدة من هذه الكوارث هي منح شهادات التعريف الوطنية، ومنها بطاقة الحالة المدنية فبادرت بإخراج بطاقتي الشخصية والتي حصلت عليها مؤخرا من بغداد خلال زيارتي الأخيرة نهاية عام 2010 فتلقفها مني بلهفة الباحث عن حقيقة الأمر. لا يعقل يا أخي جواد (قال صديقي) أن تدون في بطاقتك الوطنية هكذا معلومات مثل كونك أمي وأعزب. وكيف سمحت دائرة الأحوال المدنية أن تثبت مثل هكذا معلومات مضحكة؟ شاركته ضحكته لهذا الاستغراب حتى وإن كان مشروعا لأن المغرب يتقدم العراق بكثير في إنجاز المعاملات البيومترية فائقة الدقة في المعلومات والأناقة. نعود أدراجنا إلى الوراء لنربطه يالراهن، وتحديدا لمنتصف السبعينات من القرن الماضي حيث لا زال الأخوة المغاربة يتذكرون كيف كانت المطبوعات العراقية توزع مجانا في عموم التراب المغربي وخصوصا بين أوساط الطلبة حيث كان صديقي هذا واحدا من آلاف الطلبة وغيرهم ممن يقومون بزيارات لسفارة النظام البعثي ويحصلون على رزم المطبوعات البعثية الرثة. وهنا جاء دور تفسير هكذا تسويف بعثي كان يخفي من وراء ذلك نشر الفكر البعثي الفاشي وإعطاء صورة مشوهة لحقيقة ما يدور في الداخل، حيث كان بمثابة التلقيح الفكري المسموم الذي ظل يلازم المثقفين العرب حتى يومنا هذا، مضافا إلى هذا ما كان يغدقه صدام لمرتزقة فكر من صحافيين وكتاب وشعراء وباحثين، بعد أن أشبعهم نفاقا فكريا لطروحاته المزيفة، فخلق طابورا فكريا بشراء ذمم السواد الأعظم من الكتبة الذين نقلوا ذات الفايروس للأجيال اللاحقة. حتى وصل الأمر بهم إلى تنظيم تظاهرات مليونية لإسناد النظام القمعي بدعوى انحيازه لقضايا العرب الكبرى حتى انتهى الأمر بهم وبكل وقاحة المرتزق أن تنظم كل الفعاليات المجتمعية، من منظمات مجتمع مدني إلى نقابات مهنية إلى أحزاب تدعي أنها يسارية إلى ما سواها، كل هذه الهيلمة خرجت بمسيرة مليونية لتأبين طاغية العراق في أربعينيته المقيتة. حتى وصل الأمر بهم إلى نصب خيم لاستقبال المعزين دون أن تتحرك مشاعرهم قيد أنملة بالملايين من ضحايا النظام البعثي المجرم. ومما زاد الطين بلة أن ساسة العراق الجدد بكل مساوئهم وأفعالهم المشينة منحوا الفرصة لأيتام صدام بالتشفي وتبرير أفعالهم المندوفة بالعار والمذلة. إذن إزاء كل هذا اللغط بات من حق صديقي أن يستهجن من هذة الهفوة الإدارية الساخرة. ما الرابط بين الوثيقة الإدارية والوضع السياسي سابقا وراهنا؟ الجواب في غاية البساطة بمرارتها ذلك أن العراق كان ولا زال يعاني من فراغ إداري وتقني كبير، ورغم مرور ما يناهز العقد على التغيير، لا زالت نفس الإدارة بكل مساوئها وتخلفها الذي ورثته من النظام المنهار في ذات المسار المتخلف في إنجاز المعاملات. ومع ذلك لا زلت أجهل السبب الحقيقي لمنحي هذه الوثيقة بهذه الطريقة المخجلة بعد أن أودعت دفتر نفوسي القديم إحصاء 57لدائرة أحوال الصدر لأحصل على وثيقة بذات المعلومات منذ أكثر 55 عاما. فيا حسرتي على عراق الحضارات وأبجدية الوعي الإنساني منذ مهد المدنية الأول. [email protected]
#جواد_وادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رثاء
-
الديموكتاتورية العراقية
-
حين يعمل المبدع بصمت
-
من تراجيديا الوجع العراقي
-
لماذا أقلمة العراق؟!
-
الطاغية
-
الفيروس البعثي يزحف للصين وروسيا
-
آخر هذيانات سعدي يوسف
-
تحية إجلال للشعب السوري البطل والنصر لثورته الباسلة
-
ازدواجية معايير (حكومتنا) (الوطنية)
-
كلنا هناء أدور......
-
سعي الكويت لخنق العراق
-
هل هؤلاء ساسة أم مهرجون؟
-
متى يتوقف مسلسل الفساد في العراق؟
-
شكرا للبعث السوري
-
المرجعية ومواقفها الغامضة
-
لصوص بحماية القانون
-
بغداد كما وجدتها لا كما ودعتها
-
فراس عبد المجيد شاعر يخرج من ركام الأزمنة المرة...
-
حسين إسماعيل الأعظمي فنان وباحث أصيل لفن المقام العراقي
المزيد.....
-
كوريا الجنوبية.. المحكمة الدستورية تعقد أول جلسة تحضيرية لمح
...
-
لماذا تريد أمة المليار ونصف المليار المزيد من الأطفال؟
-
ما صحة ضرورة التخلي عن السكر؟
-
هل توجد حضارات خارج كوكب الأرض؟
-
OpenAI تبحث إمكانية تطوير روبوت ذكي
-
بوتين: التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يلبي المصالح الأساس
...
-
دونالد ترامب وعد بوقف جنون التحول الجنسي في أمريكا
-
تركيا تُرتّب البيت السوري على طريقتها
-
إسرائيل.. إصابات وتعليق العمل في مطار بن غوريون بسبب صاروخ م
...
-
الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية تعتزم التصويت على عزل الرئ
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|