|
-ليش مين مات- ترجمة عن العبرية لمقال للروائي دافيد غروسمان نشر في جريدة هآرتس اليسارية في اسرائيل عن مقتل فلسطيني. مقال مؤلم يأسر الضمير الانساني
روجيه طابور
الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 18:36
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بتاريخ 17/2/2012، نشر حاييم لفينسون في جريدة "هآرتس" تقريرا تحت عنوان" ببيجاما، حافيا، بلا أكل ولا ماء"، يصف فيه حادث سرق سيارة من قبل عمر جريبان الذي دخل إسرائيل بدون تصريح وقاد السيارة بتهور في الشارع السريع رقم 6 فاصطدم بسيارة أخرى عند مفترق "سورق" مما أدى الى جرح أربعة أشخاص، أما هو فنقل إلى مستشفى كابلن وهو في حالة خطيرة. وبسبب خطورة جراحه نقل ثانية إلى مستشفى شيبا حيث عهد إلى شرطة رحوفوت التحقيق في تفاصيل الحادث. عند وصول عمر إلى المستشفى سُجل كمجهول الهوية، وادخل غرفة العمليات حيث تم تشخيص أصابته كمتعددة الأنظمة: نزيف دماغي، كسر في عظمة الفخذ، كسر في الحوض وشرخ في الأورطى. بلّغ المستشفى الشرطة أن العلاج سيستغرق ثلاثة أسابيع على الأقل. وفي الخامس من حزيران نُقل عمر إلى قسم العظام لعلاج كسوره وهناك أصيب بالتهاب رئوي. وبعد أسبوع، يوم الخميس 6/2/2008 قرر طاقم طبي بان العلاج الحيوي قد انتهى ويجوز نقله إلى العلاج الطبيعي. وقّع الدكتور جال فيخمن على شهادة التحرير، مع توصيات لاستمرار العلاج وتناول الأدوية. ورد فيها: "يُسمح له بالدوس كاملا بالرجل اليسار وجزئيا بالرجل اليمين. التوصيات: السير بمساعدة عكاز عجلي. مسكنات للألم بحسب الحاجة. مراجعة العيادة بعد ستة أسابيع. علاج طبيعي في البيت للحفاظ على الحركة وتقوية العضلات". لم تمض 38 دقيقة وإذا الممرضة في القسم تعد شهادة تحرير إضافية، فيها تصف الممرضة حالة عمر ابو جريبان بأنها أكثر صعوبة: " قدرة الاهتداء- متواترة. الحركة: غير متزنة. المريض في حالة ارتباك. هناك خطر كبير من وقوعه. القدرة على الأكل: جزئية. تم غسل المريض في الفراش. التبول بواسطة سوبرا بوبيك (قسطرة- المترجم). المريض مرتبك، بحاجة للمساعدة في المشي والأكل". في محضر الشرطة كتب الشرطي ابراهيم كعبية: "وصل الموقوف عاريا جزئيا. حاولت أن أوقظه ولكنه بدا لي في حالة غيبوبة أو صدمة. الممرض والطبيبة طلبا تغيير الحفاض وألبساه بيجامة مستشفى دون حذاء، وكان يحمل كيسا لجمع البول. سألت الممرض إن كان الموقوف في حالة تسمح بتسلّمه إذ أنه لا يتحرك...فقال لي إن الموقوف يتمارض وقد أنهى العلاج". بعد ذلك تقرر في الشرطة إعادة المريض إلى أهله ولكنه وجد بعد أيام ملقيا على جانب الطريق جثة هامدة. وبدأت الشرطة بالتحقيق في ملابسات الأمر. وقدمت لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة الذين أخذوه. المحكمة لم تبتّ في القضية بعد. إن ما أثار حفيظة القراء أن احد أفراد الشرطة المتهمين في القضية رقي في عمله. وفي عدد يوم الجمعة 24/2/2012 وبعد أسبوع على نشر التقرير الصحفي الطويل للفينسون والذي اقتبسنا منه مطلعا فقط، صدرت جريدة هآرتس الإسرائيلية، ذات المنهج المستقل الليبرالي، بعنوان لم تشهده الجريدة إلا في حالات حدوث الكوارث: "ليش مين مات" بقلم الكاتب ذائع الصيت دافيد غروسمان. والعنوان بالعبرية وهو مصطلح لغوي باللغة المحكية يُستعمل للتقليل من أهمية أمر أو حدث. وغروسمان كان كتب "الزمن الأصفر" والذي سبق اندلاع الانتفاضة الأولى. ومما قد يهم القارئ أن غروسمان فقد ابنا في حرب لبنان الأخيرة. إليكم نصه:
ليش مين مات؟ بقلم دافيد غروسمان ترجمة روجيه طابور عمر أبو جريبان، من سكان غزة، مقيم غير شرعي في إسرائيل، جرح في حادث سيارة كان قد سرقها. وقد قرر المستشفى تحريره قبل انتهاء علاجه فنقل إلى مركز شرطة رحوفوت لاستمرار عملية توقيفه هناك. لم يتمكن مركز الشرطة من القطع في هويته لكونه في حالة هذيان فقرروا التخلص منه. ثلاثة رجال شرطة حملوه ليلا بسيارة الدورية وقد ثُبّت إلى جسم عمر قسطرة وحفاض وكيس لجمع البول. بعد يومين وجدت جثته ملقاة على جانب الطريق. خبر قصير. نقرأ الكثير مثله وربما أصعب منه. فما العجب؟ مقيم غير شرعي من غزة، وأيضا لص سيارات، والحادث قديم من عام 2008 فما القضية؟ هناك أمور مستعجلة أخرى تهم حياتنا نحن وتتطلب اهتمامنا ( عدا ذلك فهم البادئون دائما وقد عرضنا عليهم السلام مرارا ورفضوه واستمروا في الإرهاب). منذ قرأت الخبر يصعب عليّ تنفس الهواء هنا: أعود وأفكر مليا بسيارة الدورية وكأنّ شيئا مني بقي مسمرا فيها لا يستطيع الخروج. ما جرى هناك. كيف تمت الأمور بالضبط؟ ما هي عناصر الواقع المحسوسة، التافهة، التي عند جمع أجزائها تصبح رعبا واشمئزازا كهذا! فهمت من الجريدة أنهم كانوا أربعة: عمر وثلاثة أفراد شرطة. أدير الشريط في راسي مرة بعد مرة. هل كان جالسا على مقعد مثلهم أو على ارض السيارة؟ مغلولا أم لا؟ ماذا يقولون له؟ هل يناولونه شربة ماء أو يضحكون معه؟ أو عليه؟ على الحفاض وهذيانه؟ على القسطرة البولية؟ أو ما سيفعله أو لا يفعله بعد انتزاع القسطرة؟ انه يستحق ما حصل له؟ يهمزونه قليلا بأقدامهم، "بمودة"...لأن الموقف يتطلب لبطة صغيرة، أو هكذا ببساطة لأن الأمر ممكن، ولما لا؟ بشكل عام، ما هذا التصرف في إخراجه هكذا من مستشفى شيبا؟ من حرره في مثل هذه الحالة؟ كيف فسر الأمرَ ذلك الطبيب في شهادة التحرير ووقع عليها؟ ماذا حدث عندما وصلت السيارة إلى حاجز مكابيم؟ أقرأ في الجريدة عن جدال جرى مع قائد الحاجز الإسرائيلي، وانه رفض إدخال المصاب. هل سمع عمر، يا ترى، مِن مكان جلوسه في السيارة، تفاصيل الجدال؟ أو أنهم أخرجوه من السيارة وأوقفوه أمام القائد برداء المستشفى بالقسطرة والحفاض كي يسرع في اتخاذ القرار، لكنه قال: لا. ويالله يعودون الى سيارة الدورية ويسافرون. والآن وهم في السيارة، مغتاظون والدنيا بعد نصف ليل، يريدون العودة إلى بيوتهم وهذا "العربوش" يعوّق دون ذلك. ماذا نفعل به الآن؟ إذا الحاجز لم يقبل به، فأكيد لن يقبلوه في حاجز عطروت، من سيقبل به؟ وها هم مسافرون في طريق 45، بين معسكر عوفر وحاجز عطروت، والليل حالك السواد، تبدأ فكرة تتبلور في أذهانهم، ربما اقتراح ألقاه احدهم، ولم يناقشه فيه احد، ربما ناقشه ولكن الأول كان أكثر تأثيرا، ربما لم يكن هناك أي نقاش البتة، مجرد أن احدهم قال شيئا ما والآخران شعرا أن الموقف يتطلب ذلك بالضبط. فيقول احدهم للسائق: قف على جانب الطريق للحظة، ليس هنا، المكان مغمور بالضوء، قف هناك. هلو أنت، نعم أنت، تعال! قوم يا خرا...أنتنت لنا السيارة، نكت ليلتنا، تحرك قُلنا لك. لوين؟ هناك! ماذا يحدث بعد ذلك؟ هل يقف عمر على رجليه الاثنتين؟ أو أنهما تخوران؟ هل يتركونه على جانب الطريق أو أنهم يأخذونه معهم وكيف؟ يسحبونه؟ يجرونه على الأرض قليلا إلى الداخل، نحو السهل؟ ابق هنا! لا تتحرك! يعودون إلى السيارة، يسرعون قافلين وهم ينظرون عبر أكتافهم كيلا يطاردهم، كأن به شيئا يعدي. ليس جراحه. شيئا آخر، بدأ يرشح منه، نذير فأل، أو قرار حكم له، سُق، يالله، انتهى الأمر. وهو، عمر أبو جريبان، ماذا فعل؟ هل وقف على قدميه أو انه فجأة صحا لأمره وبدأ يركض وراءهم يطلب أخذه معهم؟ ربما لم يستوعب شيئا، بل كان يهذي هناك في جانب الشارع، أو في الحقل يشاهد الشارع، وسيارة الشرطة تبتعد؟ ماذا فعل؟ ماذا فعل حقا؟ هل أخذ يمشي دون وجهة، لفكرةٍ ما غير واضحة بأن التوجه هكذا أحسن؟ لربما جلس محدقا ليفهم ولم يفهم شيئا؟ فاق الموقفُ قدرة فهمه له. أو انه استلقى على الأرض ولف جسمه حوله ينتظر؟ لِمَ؟ بمَ فكّر؟ من له في هذا العالم؟ هل دار في خلد أحد من أفراد الشرطة، طوال الليل، سؤالٌ إن كان هناك أحد في العالم، رجل أو امرأة أو عائلة، يهمه أو يهمها أمر عمر؟ هل هناك من يبالي به؟ انه من الممكن بذلُ قليل من الجهد للبحث عنهم وتسليمهم إياه؟ يومين بعد ذلك وجدوا جثته. لا أدري كم من الوقت مر منذ القوا به إلى الحقل حتى مات. مَن سيعْلم متى أدرك عمر أن لا قدرة لجسمه على إنقاذ نفسه؟ وانه حتى لو استجمع قواه فهو أسير موقف لا مخرج منه. إن حياته القصيرة تنتهي هنا. قال أخوه أحمد في مكالمة عبر التليفون من غزة، "ببساطة القوا به للكلاب". وفي الجريدة كتب: "مع هول الفاجعة، استطاع أخوه أن يحسن وصف ما حدث". أقرأ وأرى أن التخيّل يصبح واقعا، وأحاول طرد الصورة من ذهني. وفي سيارة الدورية، بعد أن ألقوا بعمر، ماذا حدث؟ هل تبادلوا الحديث بينهم؟ عمَّ؟ هل حمّسوا بعضهم بعضا بكراهيتهم له واشمئزازهم منه، كي يبرروا ما فعلوه؟ هل أدركوا في قرارة قلوبهم أنهم ارتكبوا عملا يناقض شيئا ما؟ ربما القانون مثلا (ولربما فكروا أنهم سيتدبرون أمر القانون) أو ربما أدركوا شيئا أعمق، شيئا من ذاكرتهم أنفسهم، عبرةً سمعوها من آبائهم قبل سنين بعيدة، أو قرؤوا قصة أطفال تحكي أن الخير خير والشر شرّ، أو أن أحدهم تذكر شيئا تعلمه في المدرسة – فقد تعلموا كلهم في جهاز التعليم هنا، أليس كذلك؟- مثلا قصة "الأسير" للكاتب يزهار سميلانسكي. ربما اخرج ثلاثتهم تليفوناتهم الخليوية وتحدثوا مع الزوجة، الصديقة أو الابن. أرادوا في مثل هذه اللحظات التحدث مع شخص من الخارج لم يكن هناك. لا علاقة له بالأمر. أم أنهم صمتوا. لا، قد يكون الصمت في تلك المرحلة خطيرا. ومع ذلك، شيء ما في السيارة بدأ يتغبّر، إحساس لزج وعكر، كالخطيئة المروعة التي لا كفارة عنها. ربما اقترح أحدهم بصوت خفيض، تعالوا نعود. نقول له إننا مزحنا معه. لا يجوز رمي إنسان هكذا. في الجريدة مكتوب: "وفي أعقاب التحقيقات التي أجراها قسم التحقيق مع الشرطة، عام 2009، تقرر تقديم لائحات اتهام ضد شرطيين فقط كونهما سبّبا الموتَ نتيجة الإهمال بإلقائهم ابو جريبان والتخلي عنه. لم تبدأ مرحلة تقديم الإثباتات بعد، ولكن أحد المتهمين حصل على ترقية في الشرطة". أعلم أنهم لا يمثلون الشرطة. ولا المجتمع، ولا الدولة. أعلم أنهم حفنة من التفاح العفن، أو الأعشاب الضارة (بالعبرية في الكلام دلالة تهكم- المترجم). ساعتها أفكر- إنّ من ألقى شعبا كاملا على قارعة الطريق خمسة وأربعين عاما، وأدار له الظهر، ثم نجح في بناء حياة رغيدة، من خلال عملية كبْت مُحكمة الصنع، فائقة النبوغ، للمسؤولية، بالإضافة إلى ذلك أفلح في تجاهل مدى التشويه والخرق الذي تسرب خلال تلك السنوات إلى أنظمة حياته نفسه – فما بالك أن يتأثر من عمر واحد كهذا؟ ملاحظة المترجم: في خبر لاحق يكتب صاحب التقرير حاييم لفينسون انه تبين أن عمر ابو جريبان بعكس ما ادعى به أفراد الشرطة عرّف بنفسه ومكان سكناه وقد كان في الإمكان إعادته إلى ذويه.
#روجيه_طابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|