|
مقدمة للتفكير في القضايا التشكيلية المعارض الفنية بالمغرب بين تضخم تواريخها وتسجيل فرادة الفنانين
محمد ربيعة
الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 09:47
المحور:
الادب والفن
ان المعرض بصفة عامة او المعارض الفنية بصفة خاصة ، يمكن اعتبارها تحديدا هي فضاء مكاني وزماني محدد لتلاقي ثلاث عناصر أساسية للعمل الفني في لحظة محددة ، وهذه العناصر هي المنتج او المبدع الفني أي الفنان ، والمنتوج او الإبداع او العمل الفني ، والمتلقي سواء اكان المتلقي متخصصا وباحثا في المضمار الفني او مقتني لتلك الأعمال او مجرد زائر عابر للعمل.وفي غياب أي عنصر من الثلاث ،والمعارض حاليا نوعان اما معرض مستمر او معرض مؤقت ..كما ان مكان المعارض اما مغلق او مفتوح ،فالمعارض المستمرة نجدها عادة بالمتاحف الفنية التي تعرض أعمال من تاريخ الفنون وتوفر للزائرين للباحثين في تاريخ الفن المواد المشهدية اللازمة لانجاز أبحاثهم، كما تمكنهم من دراسة وإعادة تمثل الوقائع التاريخية انطلاقا من تمثلها الفني للفنانين الذين تركوا لنا تلك الآثار الشاهدة على تلك الفترات، او للسائحين الذين يعتبرون السياحة الثقافية جزءا من اهتماماتهم، وتعتبر هذه المتاحف من موارد الماليات العامة في البلدان التي انتبهت لأهمية المتاحف،والمعارض الفنية هي التي تضم اعمال ابداعية اما لوحات مرسومة سواء اكانت زيتية او مائية او اعمالا بالاكريليك او بالتقنيات المختلطة ، او أعمال نحت بكل ما شهده النحت من تطوير لمواده وأدواته واستباحته لكل المواد التي يستعمل الإنسان في حياته ومجاله، اوصور اما بالأبيض و الأسود او بالألوان ، وايضا التراكيب التي منحت الفن بعدا رؤيويا وتفكيريا باستعمال مختلف المواد ممكنة اياه بالتفكير في الأعمال، اما المعلقة بالفضاء حيث أثارت بشكل دقيق قضية التوازن والظلال او تلك التي تركب فوق الأرضيات، او العروض المشهدية على جهاز الفيديو سواء أكانت تلك العروض مرئيات او صوتيات ، وقد ساهمت هذه الأخيرة في تطوير الجانب التجريبي للمسرح .. والتمييز ضروري بين المعارض التي تقام بالمتاحف ومراكز الفنون اوالثقافات ، حيث تكون تلك الأعمال بها غير موجهة للبيع ، والمعارض التي تقام بالقاعات الخاصة (الغاليريهات) او بهو الفنادق ، او ممرات بعض المؤسسات الكبرى الخاصة او العامة والتي تكون الأعمال بها موجهة للاقتناء. وهذه المعارض اما معارض فردية ، أي لفنان فرد او معارض جماعية لمجموعة فنانين ، وتمكننا البيوغرافيات الخاصة بالفنانين بتلك المعلومات حول أنشطتهم وحضورهم الفني ،. واذا كان تارخ الفنون يحدثنا عن ا ن اول معرض خصص للأعمال الفنية أقيم بباريس سنة 1648 ، الذي كان الهدف منه هو تقديم الأعمال الأخيرة لمتوجي مدرسة الأكاديمية الملكية للصباغة والنحت الفنون الجميلة التي أنشاها القس مزارين، وقد كان لهذا الصالون مقاييس محددة وصارمة لكي يسمح للعارضين بالمشاركة فيه ، فلسفته قائمة على تراتبية للأنواع ، تضع على رأسها الصباغة التاريخية ( المدنسة، الدينية او الترميزية (التمثيلية او بلغتنا اليوم علامات اللوغو لكل مؤسسة او مفاهيم)،ثم يليها فن البورتريه ، ولوحات الانواع ( مشاهد الكائنات الإنسانية في حياتها اليومية) والمناظر والطبيعة الميتة، وكانت رؤيته الاستطيقية محددة في نقل اليومي الى العمل ، وكانت الأعمال التاريخية هي التي تمنح الصفة الرسمية لشغل وظائف الأستاذية الفنية بمختلف درجاتها. ويعتبر الصالون ثورة داخل الممارسة الفنية ، اذ بعدما كانت الأعمال اما رسوم جدارية داخل الكنائس ، ومرتبطة بموضوعاتها وثيماتها الدينية ، او أسيرة قصور العائلات الثرية جدا ، فان المعارض كانت فرصة ليخرج الفنان الى عموم الزوار. ويعتبر معرض صالون كاري بباريس سنة 1673 اول معرض يخرج عن تلك التقاليد الصارمة المرتبطة فقط بفناني الأكاديمية الملكية، ومنذ سنة1773 ستظهر صالونات متعددة أهمها صالون المرفوضين سنة 1863 الذي سيعطى للصالون ملمحا جديدا وهو فرصة التعبير عن التجمعات الفنية ، وبالتالي سيصير كل صالون معبر عن رؤية ثقافية ما وعن انتماء اجتماعي للممارسة الثقافية. وستصير المعارض شاهدة على الحركات الفنية المختلفة ، بل وستنخرط في الحركات التاريخية لشعوبها ، ومع أواخر القرن التاسع عشر ستظهر الصالونات الخاصة ، وسيشهد القرن العشرين ميلاد المعارض التي عبرت عن الحريات المفتوحة للكائن الإنساني ، قبل ان تعلن المعارض عن ضرورة الخروج حتى من القاعات الفنية..و رغم تلك الموجات التي سعت الى هذا الا ان المعارض ستبقى هي الفرصة الممكنة والمنظمة لكي يتم التلاقي بين اعمال الفنان وجمهور المشاهدين سواء أكانوا مجرد زوار او نقادا متخصصين او باحثين ، حيث ستوفر للآخرين الأكاديميات الفنية والمتاحف فرصة الاطلاع العميق ، وتمكنهم من الوثائق والمستندات التي تسمح بانجاز دراسات تتعلق بالفنون بمختلف أنواعها وأجناسها.. وحيث ان موضوع المقال ليس هو تقديم عرض لتاريخية المعارض، اذ سؤالنا الأساسي هو قضية المعارض في التجربة التشكيلية المغربية ، ودورها في ربط الفن التشكيلي بحقله الحقيقي وهو الثقافة ، والتنازع القائمة بين الراغبين في تحويل المعارض الى مجرد فرصة للفنانين للدخول في الدورة التجارية التي رسموها لمسارات الفنان المغربي، فأول المعارض التي شهدتها الساحة الفنية والتشكيلية بالمغرب ، كانت مع مرحلة الاستعمار سواء الفرنسي او الاسباني ، ولقد كانت تلك المعارض الاولى ضمن التنشيط الثقافي والتربوي للمستعمرين، واول المشاركات المغربية هي التي شهدتها المعارض الخاصة بالفنانين الافريقانيين ، أولها المعرض الذي شهدته مدريد في نهاية اربعنيات القرن الماضي حيث شاركت أولى الأسماء المغربية التي درست الفنون بطريقة أكاديمية وهما الفنانان التهامي ألقصري الداد كنحات ، والفنان محمد السرغيني الذي سيكون اول مغربي على رأس مدرسة الفنون الجميلة بتطوان.ومع سنة 1957 سيأخذ الحضور المغربي في المعارض الجماعية الدولية او على المستوى الوطني يشهد تزايد أعداد الفنانين الذين كانوا أوائل الخريجين من الأكاديميات الأوروبية والعائدين الى ارض الوطن. غير انه في سنة 1968 ستشهد ساحة جامع الفنا أول معرض للأعمال الفنية من انجاز فنانين مغاربة ، وسيتلوها معرض الربيع بساحة الفدان بتطوان في بداية السبعينات كتجربتين سعتا للخروج بالأعمال من اسر القاعات الفنية والكاليريهات والصالونات الى معانقة أبصار المشاهدين المختلفين العابرين لتلك الساحتين ، باعتبارهما ساحتين/ذاكرتين تاريخيتين وفضاء لتلاقي الناس وتبادل الحوار اليومي وللممارسات الثقافية الغير الرسمية . واذا كانت محطة جامع الفنا قد شهدت معرضا يتيما إلا ان معرض الربيع بتطوان سيعيش دوراته الى غاية سنة 1987، بعدما تنازعت الفنانين رغبات في السيطرة على تلك التظاهرات ، وتجلي ذلك ف يتعدد الجمعيات المنبثقة عن تلك المعارض سواء الأولى جمعية تلاميذ المدرسة الوطنية للفنون الجميلة، او جمعية القنا للفنون والثقافة التي شهدت صراعا حول الملكية الثقافية لذلك المعرض ، وأيضا تخلى جل الفنانين عن ذلك المكتسب لانخراطهم في حركة السوق الفنية ، ثم أتت تجارب موسم أصيلة لتوجه ضربة قاضية لتلك التجارب ، حيث حولت التجربة الفنية وهذا الخروج للتواصل مع الجمهور وإثارة القضايا الفنية الى جعل الفنون مجرد تزويق للجدارات واليات على هامش موسمة الفعل الثقافي وتسييح الأنشطة الفكرية كل صيف ، وبالتالي ساهمت في ضرب المسمار في تعش التظاهرات الفنية التي تحولت الى تكرار فقط خاص بكل مدينة بدل ان تستمر تلك المعارض في إثارة الأسئلة باعتبارها فرصة للتلاقي الجماعي للفنانين. كما ان المعارض الفنية سيستحوذ عليها أصحاب الغالريهات ليحولوها الى مجرد مواعيد لتوفر البضاعة الفنية وضبط توقيت ترويجها ليس الا..وأخيرا دخلت وزارة الثقافة ومعها مجموعة من المؤسسات المالية الى تنظيم معارض استعادية للفنانين مدعومة بجيش من المستكتبين حول الفنون لعرض ليس التجربة الثرية للفنانين ، ولكن الى تنظيم تلك المعارض لعرض مقتنيات تلك المؤسسات الكبرى ، مع الحرص على ابقاء تلك الأعمال داخل القاعات الخاصة بالابناك ، دون التفكير في تمكين المواطنين من فرصة الاطلاع عليها ، واهم ما يحسب لتلك المؤسسات هو طبع تلك الدلائل الفاخرة للمعروضين. كما ستشهد الساحة الاستهلاكية للفن حاليا معارض لمختلف دور العرض ومقتني اللوحات السنوي الذي تشهده مدينة مراكش ن حيث كل فنان مشارك ينال نقط على تلك المشاركة تمنح أعمال قيمة مادية –ثمن اللوحة- كرقم محدد لإعماله ، وستشتغل مجموعة من وسائط النشر المكتوبة او المرئية او الرقمية على نشر ثقافة ثمن اللوحة بدل نشر المقاربة الثقافية لتلك اللوحة او لتجربة ذلك الفنانين ، وجل الفنانين انخرطوا في هذا اللهاث ، الذي حولهم الى دماء ضرورية لمصاصيهم. وليس غريبا ان تصير أعمال هؤلاء الفنانين مجرد نسخ معدلة للتجربة الاولى ، بدل تطوير الأسئلة والبحث الفني بالمغرب، ولكل فنان ما اختاره ، وكيف سيشعر بأهميته عندما يعرض على المهتمين الأرقام الفلكية لأعماله التي لن ينالها أبدا لأنها أرقام لفائدة الوسطاء الفنيين . وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا كلما قاربنا فنان ما الا ومدنا بتسلسل رقمي لعدد المشاركات في المعارض، بينما يبقى الحضور النوعي لأغلبهم باهتا، رغم مصرين على ضرورة نعتهم بالفنانين و المبدعين وهم تحولوا فقط إلى آلات بشرية لإعادة إنتاج نفس اللوحات الأولى ، وصاروا يكرهون التساؤلات الثقافية والفكرية للفن . وستأتي الوسائط الرقمية عبر شبكات التواصل الاجتماعي كفرصة لتحرير الفنانين من اسر مستعبديهم، وستشهد تلك الوسائط محاولات استدراج المنفلتون الى شبكة التسويق الفني.. ومابين الرغبة في التعبير عن الوجود بحرية ، والاستمرار في الاستقلالية المتميزة للفنان ، وما بين تركيعه وتحويله إلى ضحية جديدة للمصاصين تتأرجح التجربة المغربية ..وما علينا سوى بالدفع في أن يجعل الفنانون من المعارض علامات تميزهم وإبداعيتهم، وليحذر كل آليات الإغراء إن أرادوا ان يكونوا صوتا بصريا او ليختاروا ان يتحولوا الى مجرد رقم يتم احتقاره بازدياد الأرقام الجيدة الوافدة والتي تضغط حتى على قدراته الإبداعية ..
#محمد_ربيعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التجربة التشكيلية بالمغرب مقدمة للتفكير في القضايا التشكيلية
...
-
التجربة التشكيلية بالمغرب :مقدمة للتفكير في القضايا حتى يعود
...
-
قراءة في ديوان الشاعر نجيب بنداوود -نهود موجعة-عندما يعيد ال
...
-
قراءة في قاموس دنيا بنقاسم حول التشكيل المغربي المعاصر
-
درس الرقة الأنثوية المغربية لطابور الذكورة حول الحقيقة الفني
...
-
حول مسلسل بوقتادة الكويتي.. انقدونا من ضحالة الإسقاطات والتم
...
المزيد.....
-
سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي
...
-
لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
-
مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م
...
-
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|