نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1076 - 2005 / 1 / 12 - 09:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لم يملك اي مصري حق إلا التألم لما أصاب هذا البلد و دفع به إلى هذه النهاية المحزنة.. امرأة مسيحية تعلن إسلامها و شائعات تتردد حولها بأنها تزوجت من مسلم و يتظاهر لأجلها عدد من الأقباط في الكاتدرائية ثم ينتهي الأمر بتسليمها للكنيسة و إعلانها رجوعها إلى المسيحية و موت بعض المسلمين كمداً لما اعتبروه إجباراً للمواطنة المسيحية على الارتداد عن دينها الجديد.
لا يمكن فهم قضية وفاء قسطنطين إلا بردها إلى ظاهرة سادت في الأعمال الدرامية مؤخراً, منذ اربع سنوات عندما تم عرض مسلسل أوان الورد بطولة يسرا و هشام عبد الحميد و قصة و حوار وحيد حامد, في هذا المسلسل يتزوج ضابط الشرطة المسلم من أرستقراطية مسيحية. هذه المسيحية كانت تواصل تمردها على أسرتها الذي اعلنته أمها حينما تزوجت قديماً من مسلم رغماً عن الكنيسة و عن عائلتها. منذ عدة اشهر كذلك و عندما تم عرض فيلم بحب السينما بطولة محمود حميدة و ليلى علوي كان من ضمن الأسباب التي أدت لاحتجاج الأقباط على بعض مشاهد الفيلم هو مشهد تضمن علاقة حب تجمع بين ليلى علوي و بين شاب مسلم , هي المسيحية المتزوجة من مسيحي. و أعتقد أن مسلسل محمود المصري كذلك قد تضمن حبكة فرعية حول علاقة حب تنشأ بين شاب مسلم و فتاة مسيحية. ثم تحدث أزمة وفاء قسطنطين مؤخراً.
دافع البعض عن عرض الأعمال الدرامية المذكورة آنفاً من منطلق حرية الإبداع, و أحياناً من منطلق رومانسي ينبع من كون الحب هو العلاقة الوحيدة التي تعجز أمامها الأديان و العقائد, و هو كلام لا غبار عليه, ولكن سيطرح سؤال قد يسأله قبطي خبيث: لماذا كانت دائماً المرأة هي المسيحية و الرجل هو المسلم؟ هكذا يلتقط هذا المسيحي العادي تماماً غير المثقف و غير الليبرالي خيطاً شوفينياً مضمراً في الأعمال الدرمية المقنعة بغلاف من الليبرالية و التسامح. يرد بعض مؤلفي الأعمال الدرامية هذه على هذه التفرقة, و منهم مسيحيون: أن الدين المسيحي يسمح بزواج المسيحية من المسلم بينما الإسلام لا يسمح. إذن و الحال هكذا, و مادام ثم مناخ يسمح باستفزاز المؤسسات الدينية, لماذا لا تتم مناقشة في الأعمال الدرامية تشريع الزواج المدني في مصر, ولماذا لا تتم مناقشة جوهر الدين الإسلامي نفسه, هذا الدين الذي يعتبر أنه يعلو و لا يعلى عليه, ولا يعني هذا إلا أن يغتصب رجالنا نساءهم.
هنا يلوح الجنس خيطاً مهماً يمكننا تتبعه في الأعمال الدرامية المذكورة آنفاً و عن طريقها يمكن فهم قضية وفاء قسطنطين و غضب الأقباط إزاءها. الجنس بوصفه أداة للسيطرة و ليس أداة للمتعة. حيث تلوح المرأة دوماً في العملية الجنسية هي العنصر المنتهك, الأسفل, هي الموصومة دوماً بكونها موطوئة, مخترقة, هذا الجنس الذي يتم التعبير عنه في اللغة العربية الفصحى و كل اللهجات العربية المحكية تقريباً عبر فعل أكثر شيوعاً و بذاءة من ان يحتويه مقال محترم كهذا المقال, هذا الفعل الذي يجعل من العملية الجنسية, التي تدور بالتبادل و بالمشاركة, عملاً له فاعل, و هو الرجل, و مفعول به و هي المرأة. هذه المرأة هي وفاء قسطنين, و هي التي أثارت كل هذا الغضب القبطي على العنصرية الإسلامية. هل سعد المسلمون حقاً بإسلام وفاء قسطنطين, أعتقد أن الجزء الغالب من فرحتهم كانت بكون وفاء قسطنطين, كما رددت الشائعات, قد تزوجت من مسلم بعد خلافاتها مع زوجها الكاهن المريض, و قد اختلطت في الشائعات حقيقة كون زوجها مريضاً بكونه عاجزاً جنسياً, أي أن زوجها لم يستطع إمتاعها, و زوجها هذا ليس أي زوج, إنه كاهن, أي رمز للكنيسة, بينما استطاع إمتاعها شاب مسلم عادي. فهم الأقباط هذا, و عبروا عنه بالمظاهرات السخيفة, و غضبوا له بالإضافة بالطبع إلى فهموه من تحول رمز للكنيسة إلى الإسلام. عمل الفهمان معاً و شكلاً رد فعل أحمق على العنصرية و القمع الإسلاميين.
هنا يمكننا الالتفات بالغضب إلى الأقباط و التساؤل لأي شيء يتظاهرون. فعندما يتم حجب الوظائف الحساسة عنهم و عدم تمثيلهم إلا في الحدود الدنيا في الوظائف الرسمية و تتكرر حوادث الاعتداء البدنية ضدهم (آخرها في محافظة المنيا في قرية دمشاو هاشم عندما تم الاعتداء على شقيقين بالحجارة لما تردد عنهما من إشاعات انهما ينويان تحويل منزلهما, و ليحفظنا الرب, إلى كنيسة) و عندما يتم الترديد في الدستور بفظاظة غير عادية أن دين الدولة هو الإسلام و أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الإسلامي للتشريع, و عندما تكون نسبة البرامج المسيحية من البرامج الدينية في التليفزيون هي نسبة صفر في المائة (الديني يعني الإسلامي و الإسلامي يعني الديني في بلادنا), في أثناء كل هذا يبدو غضب الأقباط بسبب انتهاك حدث للكنيسة, في المنظومة الرمزية فحسب, غضباً فكاهياً إلى حد بعيد. هذه المنظومة الرمزية ليست من اختراعي, فهي كانت تعبير أدلى به الكثير جداً من الأقباط الذين أجريت الحوارات معهم و الذين عبروا عن أنهم لا يتظاهرون لكون امرأة مسيحية قد أسلمت فهذا قد حدث من قبل كثيراً, و إنما لكون هذه المرأة هي زوجة كاهن, فهي "رمز" للكنيسة. هكذا لا تهم المعاناة اليومية للأقباط, ولا يهم الاضطهاد و القمع الديني الواقع عليهم, و إنما يهم عدم المساس بالرمز الديني. بماذا يذكر هذا في الواقع؟ يذكر بالمسلمين الذين يعانون من البطالة و الفقر و التلوث و من حكم فرد واحد لأربع و عشرين عاماً يريدون تحويلها إلى ثلاثين عاماً في أحسن الظروف, و برغم هذا فلا يثورون إلا عندما ينوي وزير الأوقاف توحيد الأذان. يذكر بالفارق الشاسع بين حجم أي مظاهرة تقام ضد الجدار العازل في الضفة الغربية نفسها (و هي المعني الأساسي بالجدار) و بين المظاهرات التي حدثت لدى اغتيال الشيخ ياسين (و هي المظاهرات التي حدثت في القاهرة, غير المعنية بالأمر إلا بشكل غير مباشر), فبينما لا تضم الأولى إلا بعض النشطاء يبدو أن الثانية تضم الشارع القاهري كله, و هذا طبيعي لأن الشيخ ياسين رمز للمقاومة. هل نحن عبيد رموزنا؟ نعم.. و في هذا الإطار فقط يمكننا فهم الألم القبطي. يمكننا فهم ضمور خلايا الألم لدى الأقباط و الاستعاضة عنها بخلايا اخرى, فالأقباط هم أبناء لهذا المجتمع التافه, شاءوا أم أبوا, هذا المجتمع الذي يخشى من الثورة ضد مستغليه الحقيقيين و يقيم مظاهرات حاشدة ضد جملة في رواية او مشهد في فيلم سينمائي.
أي وضع مقرف نعيش نحن فيه الآن؟ أول احتجاج علني و عنيف للأقباط ضد المجتمع "الإسلامي" يكون لأتفه سبب يمكن التظاهر لأجله, و يكون الموضوع موضوع حياة أو موت بالنسبة للمسلمين ناسين كل الحديث الأبله عن الوحدة الوطنية و عنصري الأمة و ما إلى ذلك. و في سبيل سبب رمزي كذلك يردد الأقباط منادين القوة الإمبريالية و الرأسمالية الأولى في العالم (يا أمريكا فينك فينك الإرهاب بيننا وبينك), بينما ينمو تعاطف خفي من المسلمين تجاه شيخ ميكي ماوسي اسمه بن لادن لأنه الوحيد القادر على إيقاف هذه الحشرات الحية عند حدها. ترى هي سيجرؤ أي ماركسي بعد ذلك على الحلم بالثورة العمالية أو بنضوج الصراع الطبقي في مجتمع فاشي إلى درجة الطفولية كالمجتمع الذي نعيش فيه حالياً؟ لا أعتقد.. بل في غالب الأحوال سيصل إلى نتيجة مفادها أن هذا المجتمع لا يستحق حتى ثورته على قامعيه.
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟