عبد جاسم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 3649 - 2012 / 2 / 25 - 11:33
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تبدو بغداد معزولة ، شاحبة ، تغطيها شعارات ولافتات سوداء وكأنها تودع عزيزاً عليها.
تنحسر فيها الحركة، يغيب عنها الأطفال والنساء وتختفي الضحكات، لا وقت للسلام والتحية "الحمد لله على السلامة" يرددونها على عجل، وكأنهم خرجوا توّاً من أنقاض خراب، انفجار، حريق...
لا تمنحك بغداد لحظة التوحد مع نفسك والعالم، أو الانصراف لقراءة جريدتك اليومية.
الوجوه متوترة، تغلب عليها الحيرة والقلق، تقلب نظراتها في كل اتجاه. يجمعون أجرة النقل بصمت ويسلمونها الى السائق.
تطلق سيارات وزارة الداخلية النار في الهواء، يخفف السائق السرعة ويعلق ساخراً: " من هل المال حمل جمال"!
يطغى صوت الشيخ الراحل "أحمد الوائلي"، على ركاب السيارة الذين لاذوا بالصمت من دون تعليق طوال الطريق، وكأنهم يسيرون خلف جنازة:
كبح أحدهم صوت "الموبايل، فوراً، وأجاب الآخر بكلمات دقيقة:
لا تقلقوا، الشوارع مزدحمة بالسيارات، نحن نقترب من ساحة الأندلس، سأصلكم بعد دقائق!
اهتزت أرجاء مكتب الجمعية، تباطأت في الخروج، خرجت ليلى بسرعة وكأنها تبحث عن مفقود لها.
عادت تبكي وتروي بلغة متقطعة، أسرعنا الخطى إلى حافة الشارع. توقف نظرنا عند حريق هائل تمتد السنته الى الدكاكين والمقاهي والمطاعم والاسواق الشعبية، اكتسحت في طريقها بائعي السمك في الشارع وصباغ الأحذية.
تناثرت الجثث في كل اتجاه، هرعت كتل بشرية نحو الحريق وعوائل تلهث للتأكد من سلامة أبنائهم في المدرسة الابتدائية.
- أوصيتكم مرات أن يبقى الأولاد في الدار، لا حاجة إلى المدرسة في الوقت الحاضر ... يؤنب الرجل زوجته.
تعانق ليلى أباها، الذي عاد توّاً من مكان الانفجار.
- الحمد الله على السلامة، حياه الجمع بمحبة.
- لا تقتربوا من مكان الحادث، يمكن أن يقع انفجار آخر.
تأخرت سيارات الإسعاف والنجدة.
رنّ هاتف الجمعية: امرأة تفجر جسدها وسط النساء والأطفال في محطة الوقود في مدينة الأمين. ضحاياه بالعشرات!
- اطمئنوا نحن بخير،إلا أنّ جارتنا أم حسن واختها زينب لم يحصلوا على أثر لهنّ، وأنّ الطفل فلاح، تناثرت أشلاؤه بعيداً عن المحطة!
حمّـلوا عربات السمك الخشبية، جثث القتلى والجرحى، ورموا أجساداً أخرى
في سيارات الشرطة مثلما يرمون أكياس البطاطا.
صرخت ليلى برعب حيثما شاهدت جثة الشاب "حسن"، بائع السمك في الشارع، محمولاً في عربته الصغيرة!
وصلت سيارات الاسعاف بعد ربع ساعة من حادث الانفجار. انطلقت تظاهرة تلقائية من الشبان، يهتفون على الإرهاب وعلى الاحتلال الأمريكي.
أصرّ أبو سلمان على متابعة وقائع الجلسة الثالثة عشرة لمحاكمة رئيس النظام السابق وأعوانه.
- تجري الانفجارات في الكرادة وبغداد الجديدة ومدينة الأمين على نسق واحد، في التوقيت والعدد والإصابات، علّق أبو سلمان
- وعند صلاة الظهر أيضاً، أجاب أحد الواقفين...
مارس/أذار 2006
د. عبد جاسم الساعدي
#عبد_جاسم_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟