نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1075 - 2005 / 1 / 11 - 11:06
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
يعتقد البعض ونتيجة للمد العولمي المتعاظم أنها ستسحقه كما سحق تسونامي الغاضب فقراء آسيا وسواحهم الأغنياء بلمح البصر,ويكثر الكلام عن فقدان للهوية الشخصية , والخصائص الوطنية,امام ثقافة الجينز ,والمكدونالد , واليانكي المتوحش ,والطغيان الهائل للإعلام والفن السابع الأمريكي. وهو ليس إلا مرحلة في التطور العام, ونسوا قوى صاعدة أخرى في الميدان.ولكن ما العمل إذا كان البعض مصابا بالكساح والفالج الحضاري وعاجزا عن الحركة والتقدم ولو لبضعة سنتيمترات؟فهاهي الساح مجالا للمنافسة وإبراز العضلات,ومضمار للسباق وليس للكلام الفارغ والترهات, والعنتريات الخلبية الرعناء.وبدلا من لعن العولمة والحداثة لنشعل ولو عودا من الثقاب.
فالعولمة ليست نهاية الرحلة والمطاف.وهي حتما ليست المحطة الأخيرة. كما خرجت الثورة الزراعية من المشاعية البدائية,والصناعية من الزراعية,والرأسمالية من الصناعية. و العولمة ليست خيرا أو شرا ,ولا يجب التعامل معها من هذا المنظور الضيق ,كعادة العقل العقيم السقيم التقييمي التحذيري من منطق الكفر والإيمان ,والمستمر بنجاح منذ خمسة عشر قرنا بدون انقطاع.ومن هنا فالعولمة تطور انساني تاريخي متصاعد, ,وإذا طبعت بعض من جوانبها بصبغ أمريكي فإن اللون النهائي مايزال غير معروف وغير محدد الألوان,وربما يكون عربيا في بعض مراحله ومن يدري , لاسيما وأننا صنعنا الإرهاب العولمي يوما ما مر من هنا وفي هذه الزواريب المظلمة القاحلة الموحشة.أوليس البترول هوسلعة عولمية إقتصادية تتحكم بمصير البورصات في أقوى الإقتصادات أم ينسى الجهابذة الأفذاذ ذلك الأمر ويركزون على بعض "المنكرات " العولمية الأخريات؟أوليس الإسلام دين عولمي يمتد ويرفرف فوق القارات ؟ولماذا لايزعل الزاعلون ويحرد الحردانون حين نعولم الإسلام ؟ وحين نبعث بالدعاة والسعاة الثقاة إلى أربع أطراف الأرض, المعممين منهم أوحاسري الرأس من الموضة الجديدة أصحاب البزات الأنيقة وربطات العنق الفرنسية الشهيرة ,لنشر أفكارنا وطريقة سلوكنا وتفكيرنا,ونخصص عشرات القنوات الفضائية للتجييش ,والضخ , والتأجيج ضد الآخرين, ولا يعتبر الآخرون ذلك اعتداءا على الخصوصيات والثوابت والمحرمات ؟أم أن الآخرين منتهكون وبدون ذواكر وتاريخ وحضارات؟ونهتاج لو قدم أي كان فكرة جديدة ومهما كان لونها؟ فهل العيش في الماضي , والنكوص إلى الغيب حلال ومسموح به؟وأما التطلع للمستقبل والطموح الإنساني وحركة السير ألى الأمام منكرة وممنوعة وحرام؟ وهل كتب علينا العيش والدوران في فلك الماضي الميت والمدفون بشهادة وفاة رسمية؟
إن وراء العولمة مراحل أخرى وإن لم تتبين ملامحها وخصائصها بوضوح بعد .والعولمة ليست قرارا سياسيا يتخذ في مؤتمر من مؤتمرات القمة ,او فتوى فقهية يطلقها معمم تكفيري نيراني ببطلانها أو تحريمها أو المن علينا بالأخذ بما "تيسر"منها. ولن يستطيع شيئ أن يوقف مدها, وهذا ليس تأييدا لها كما قد يفهم من السياق,ولكنه واقع الحال وقراءة للمشهد بتجرد وحياد.إنها مرحلة أخرى في مسيرة التطور الإنساني الثري والمتنوع.وأين المشكلة إذا صار العالم وطنا واحدا ,فعلى الأقل قد تنتفي وقتذاك الحروب ونرتاح قليلا من بعض القراقوشيات ,وتفتح الأجواء ولن نعود بحاجة للوقوف المهين أمام أبواب السفارات التي تشهد زحمة وتدافعا هذه الأيام, وتصبح الفضائح وقتذاك أممية وعولمية ,ولن تستطيع جرائد الكلمات المتقاطعة والأبراج, وقنوات الإستهبال الشامل التعتيم عليها؟ والعولمة لم تبدأ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي –كما توهم البعض - ولن تتوقف عند الحدود الأمريكية, أو الأوروبية,وإن كانت هي الأخرى في سباق وتنافس,فهناك قوى صاعدة سياسيا ,وديمغرافيا ,واقتصاديا,ولن نذكر بالمارد الصيني ,ونبوءة السيطرة للعرق الأصفر.ويخطئ من يظن أن العولمة سترتدي زي العم سام في النهاية وقولبة العالم في أحادية تتزعمها الولايات المتحدة,ويكون مركز القرار في البيت الأبيض كما يبدو الآن . فلقد بدأت أولى موجات المد العولمية مع خروج أولى السفن الحربية الإمبراطوربة من معاقلها,وربما من أيام أثينا واسبارطة وروما ,ومهما أختلفت أشكالها وتوجهاتها,ولكن السؤال في النهاية عن مدى تأثيرها في الآخرين,وهل ترك هذا تفاعلا وتواصلا وتعارفا من نوع ما؟,وهذا كما هو معلوم أحد مضامين العولمة,وإن بدا دمويا في بعض الأحيان؟ أولم يتمدد العرب يوما ما وأطلقنا عليه اسم الفتوحات وهو في بعض أوجهه عولمة دينية وإن كانت بوصايا وتعاليم سماوية؟ والداعين لرفضها, عليهم أولا عدم التأثر والأخذ بأي من أعراضها الجانبية ,وتأثيراتها المغناطيسة الكثيرة ،وإن استطاعوا إلى ذلك سبيلا عندئذ سنبذأ بتسجيل النقاط لهم وليس عليهم.
ومهما اتخذت من تدابير أو اجراءات, فإننا كل يوم نتعولم- أي نتواصل - آلاف المرات شئنا أم أبينا.ومن المفارقات المضحكة أن يقوم أحدهم بشتم ورفض العولمة فضائيا ,وإلكترونيا,دون أن يعلم الصنديد النحرير أنه يتعولم في ذات اللحظة اللاهبة المتمردة .وهذا الحوار بحد ذاته عولمة مصغرة ,فواحد في لندن,وآخر في عمان ,وثالث في ميونخ أو لبنان,ونستعمل الفيزا كارد في دول العالم كله,وحركة الطيران في الجو لاتهدأ ليل نهار,والفضائيات والإنترنت جعلت العالم"حوشا" في قرية صغيرة, فيما تسير وتسيطر على عجلة الإقتصاد العالمي شركات بعينها لاذنب لها إذا كانت مجدة ومثابرة وناجحة وكاسحة وتتبنى قوانين وسياسة مرنة وواقعية وعلمية ,فيما الآخرون نائمون , وشاخرون ,وسابحون في سماوات الأوهام والخرافات والشعوذة والسحر.ولماذا تتسابق الدول على الانضمام لمنظمة التجارة العالميةWTO وتقف بذل وترقب على لائحة الإنتظار Waiting List انتظارا لبركات عولمية وفتات من أصحاب القرار؟ألم يكن هناك عولمة طبية أنقذت الملايين من السل والجدري والأمراض؟أوليست الأمم المتحدة هي نواة "لبرلمان" عالمي يضم ممثلين ل188دولة بين جنباته ويناقشون كافة المشكلات ولو كانت فاشلة في معظم الأوقات؟وطريق الألف ميل عولمية تبدأ بالتحية والسلام .
ولاتستطيع دول كثيرة في العالم باستثمار وبيع ثرواتها الوطنية دون اللجوء إلى الشركات العولمية الخبيرة.ولو فكرت هذه الدول الغنية برفض ,وعدم شراء البترول مثلا,والتفكير ببدائل أخرى للطاقة مثلا لهلك أصحاب البترول وجاعوا ولم يجدوا من يشتري نفطهم ويسوقه, ,وعادوا إلى مضاربهم في أعماق الصحراء, وليس العكس هو الصحيح طبعا كما يروج الصبيان والأغرار.وسقطت وإلى الأبد أسطورة وخدعة سلاح المقاطعة,فأنت لاتستطيع أن تقاطع البيبسي كولا وتستورد المرسيدس والكاديلاك, وتضحك على ذقون ولحى وشوارب وعقول العباد والدهماء, وكلها شركات لها تعاملات ووكلاء "هنا" و"هناك". ولاننسى العملة العولمية "الخضراء" الأولى في العالم والتي تسيل لها شلالات من اللعاب, وخاصة من الراقصين والمطالبين بدماء العولمة من الثوار الأحرار الأبرار. ويتسابقون على شفطها وكنزها في بنوك "الخواجات" العولمية أكثر مما يتراكضون في ساح الوغى والقتام.
وهذه المجتمعات بطبيعتها معزولة ومنزوية حضاريا منذ فترة بعيدة, وفي أقفاص فكرية وقضبان فولاذية وأسلاك شائكة, بعد أن فقدت أجنحتها للإبحار في الفضاء والآفاق .ولكنه مع ذلك فإنها لم تسلم من تيارات العولمة الجامحة.وإن العدالة في أي نظام لاتحدد مدى ازدهاره وتطوره,فالنظام الرأسمالي مزدهر ووديناميكي ومتطور برغم أنه ظالم وقاس وغير عادل إلى حد كبير,ولكنه نظام يقرأ الواقع ,ويدرك احتياجاته ,ويلبي طموحات الإنسان قدر الإمكان والعودة بالفائدة الخاصة له هو بالذات,وروما القديمة قامت على أكتاف العبيد وصنعت حضارة عظيمة بأيديهم,ولكنها كانت جائرة وظالمة بحقهم فانتفضوا عليها فيما بعد بقيادة سبارتاكوس. ويتكررنفس السيناريو الممل بتناحة وغباء الآن وفي أماكن أخرى. وهل هناك مجتمع ما يدعو العدالة ,ويحققها للجميع؟ ولقد ظلت اليوتوبيات حبيسة للكتب والأحلام والتمنيات. والليبراليون والمحافظون والماركسيون والرأسماليون لم يخترعوا ولن يحددوا مصير العولمة,والعولمة تتقدم وتقترب أكثر فأكثر من الجميع كحالة إنسانية قبل أن تكون استعمارا اقتصاديا,أو هيمنة ثقافية أو سياسية, بعد قرون من سيادة فلسفة وإيديولوجيا الفصل والكانتونات العنصرية والإثنية والطائفية. وللبحث صلة قريبة جدا.
إنها العولمة الجامحة..................فتعولموا قبل أن تعولموا.
نضال نعيسة كاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟