أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مجاد - عالم مهدي عيسى الصقرالقصصي ...ينابيع التجربة ..وتحولات الرؤية















المزيد.....

عالم مهدي عيسى الصقرالقصصي ...ينابيع التجربة ..وتحولات الرؤية


حسن مجاد

الحوار المتمدن-العدد: 3648 - 2012 / 2 / 24 - 20:43
المحور: الادب والفن
    



هناك في أقصى الجنوب العراقي يولدُ الصقر في البصرة مدينة النخيل والشناشيل والغروب من عام 1927، تعلم العزف والرسم منذ صغره وفشل فيهما معا، وبقي الإيقاع يطارده أينما اتجه إيقاع الطرق والحياة بضيقها واتساعها، ومن ثم إيقاع قلق الإبداع، وحاصرته المشاهد واللوحات التي يطالعها في مدينته، تأمل في صباه الوجوه، وجوه النسوة والصبايا والكهول، وحفرت في ذاكرته تفاصيلها وتجاعيدها، ترك الرسم هاربا منه، وترك الموسيقى هاربا منها، لكنهما ظلتا تطاردانه،وألقي ظلالا على فضاء عالمه القصصي، ومن هنا برز اهتمامه برسم الوجوه القصصية والاعتناء بها وبتفاصيلها النفسية ولواعجها الذاتية وتأملاتها، جاء إلى القصة من هذين البابين بعد هواية لم تثمر أن تصبح دربة أو أن تكون فنا بين يديه، وبقيت الموهبة في جذره تمده بنسغ التواصل، وسحرته الحكاية، فلماذا لا يكون لها إيقاع يضبطها؟ وأسحره القص فلم لا يكون له صورة تخرجه من عنق الإطار القابع فيها والمخفي من ورائها والمتلبد خلف زخارفها؟
يولد الصقر في البصرة ويتعرف على ما بها من مصادرات للحرية والقمع والتفاوت الطبقي والحرمان الاجتماعي والفساد السياسي الذي كانت عليه الدولة العراقية في رحلتها الأولى، ومن هناك كانت المدينة وقاعها مفصلا مهما في عالمه الروائي والقصصي على حد سواء، تلك المدينة التي شكلت وعيه ضفاف صحراء وتيه طرق ! وصخب أزقتها وزحام الطارئين عليها .
لا يمكن لنا أن نقترب من عالم الصقر الروائي بعيدا عن مكونات التجربة ومديات المؤثرات تلك التي تفسر لنا تشكيل العالم روائيا وتمثله للواقع ولمتغيراته الخفية والظاهرة على حد سواء، ومن هنا ينبغي لنا أن نفسر أولا انحدار الصقر من عالم القصة القصيرة إلى الرواية، ونجد وصلا لما قد يبدو لأول وهلة منفصلا ومتباينا من حيث الشكل ودلالة التعبير .
إنَّ عالم الصقر عالم ينتمي للواقع بكل منعطفاته الاجتماعية ومتغيراته السياسية، وهو وبهذا الوصف لا ينقطع عن جذوره التاريخية التي شكلت تحولات في الرؤية وتطور في التجربة من الواقعية النقدية إلى الواقعية التعبيرية المشحونة بدلالات التعبير عن العالم الداخلي للإنسان وهمومه ولواعجه الذاتية؛ ولهذا فإنه يعتقد إننا لسنا بحاجة إلى (واقعية سحرية أو واقعية أسطورية أو واقعية خرافية، مع ذلك لا يحق لنا أن نلوم الروائي إذا تسكع على ضفاف الواقع).
ينتمي الصقر إلى جيل الريادة في القصة العراقية الحديثة، ابتدأ مشواره القصصي في نهايات الأربعينيات، تلك النهايات التي قدمت أجيال التجديد في الأدب العراقي الحديث شعرا وقصة، وكانت الواقعية حينذاك ثقافة العصر فكرا وأدبا، وبها نطل على حياة الإنسان وقد قادته الظروف إلى القهر الاجتماعي، وبها نرى حياة المجتمع وقد وقع في اسر الاستلاب السياسي.
كان الإنسان وقتها مركزا في وعي الجيل الذي نشأ، بعد ان كان في الوعي السياسي هامشا لامتلاك الثروة واستغلال الجهد واستنزاف الطاقة. وكان الصقر مع عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان قد شكل عمود القصة الواقعية بوصفها شكلا للتعبير عن هموم الفرد ومشكلات الواقع، وهو منظور قد رسخته التجربة الحية والإحساس العميق بإيقاع قسوة الحياة وصراع الفرد من اجل الحرية والخروج من مأزق الظلم بحثا عن القيم النبيلة وتصويرا للتمايز الطبقي والقهر الاجتماعي الذي ساد في أجواء الشارع العراقي متخطين بذلك المحاولات القصصية الأولى التي شكلت مرحلة التأسيس في القص العراقي، غير أن تجربة هذا الجيل على الرغم من أهميتها التي تكمن في تطور الفن على يديها إلا انها لا يمكن أن تصلح كلها أنموذجا في دائرة التجديد، إذ بقيت رواسب من ذاك العصر تنزلق في تلك القصة وهذه المجموعة، وتلقي بظلالها على الشكل الفني ومعطياته الموضوعية التي تكشف في الوقت ذاته عدم اكتمال الدائرة، وان ابتدأ الشروع بها، ولعل سبب ذلك يكمن في الوعي الفني للقاص العراقي وخضوعه تحت مؤثرات التغير السياسي الحاد الذي عاشه المجتمع دون أن يحقق شرائط وجوده، غير انه جيل بكل المقاييس استطاع أن يؤسس لتقاليد القصة العراقية أصالة ورؤية واضحة وتعبيرا عن واقع محلي بدا متأرجحا بين وضوح الرؤية وجمالية الأسلوب من جهة والنبرة الخافتة والتقرير المباشر في صياغة الحدث القصصي ونظم بنائه من جهة أخرى.
كان الصقر واحدا من هذا الجيل المضطرب سياسيا الذي بدأت ملامحه في التشكيل، غير ان دربه كان يشهد خطوته المختلفة موقفا في الحياة وتعبيرا في عالم الفن، نراه يقول معبرا عن ذلك :(إن انتمائي لحلقة الأدباء والشباب في المدينة، فتح أمامي أبواباً جديدة . كما أنه علمني أتحسس الهم السياسي الذي يشغل الناس من حولي بشكل أكثر حدّة. وانعكس على قصصي) وان كان غائب طعمة فرمان لم ينفصل عن المجتمع البغدادي في كل إعماله فان ثقافته العميقة التي تتصل بالأدب الروسي في القرن التاسع عشر قراءة وترجمة هي ما شكلت اختلافا في منابع الرؤية، على حين كان التكرلي ينحو منحى وجوديا في بناء عالمه الروائي وتشخيص مظاهر البطل وأزمته على المستوى النفسي والمنحنى الاجتماعي، ولا ريب، فقد كان الرافد الفرنسي مهما في تطوير عالم التكرلي وإثرائه، في حين كان الصقر الذي لم يكمل دراسته بسبب عوائق الحياة مكتفيا بما قادته قدماه على نحو ذاتي في إثراء ذاكرته القصصية بنماذجها المختلفة وتياراتها المتشعبة إذ يقول: (كان على التاجر أن يتوارى، لعل الكاتب يعيش) غير ان هذا الإثراء لم يكن وليد لحظة تاريخية ما، بل بقي في أطوار من الممارسة والمتابعة الجادة، ومن هنا لا بد ان نكتشف أولا منابع الرؤية لديه وأصولها الأولى ومؤثرات التجربة في تشكيل العالم.
بدءا علينا ان نفرق بين منابع المحاولات الأولى التي يستطيع بموجبها المحاول ان يقف على قدميه بعد خطوات متعثرة، وبين تقاليد ذائبة في نسيج عالمه وهي لا شك قد تشكل ملامحه الفنية التي بقيت تلازمه على الرغم من تحولات الرؤية وتطور التجربة، وهو تفريق ضروري لكي لا نضرب بجذور موغلة في أقاصي التاريخ الشخصي ذلك الذي لا يكون عليها الصقر إلا شاهدا وحده، في الوقت الذي لا نستطيع به ان نتلمس آثارها في ظل غيابها الفاعل في عالم الرواية لأنها قد انسلت في اللاوعي ومحيت بفعل تراكم الزمن، فالمنابع الأولى هي قدر جامع بين الأدباء بمختلف اتجاهاتهم وانحداراتهم وأساليبهم، والمهم ان نكتشف المؤثر الحقيقي الذي لازمه وظل يرافق ظلال تجربته، ومن هنا فلسنا بحاجة إلى تفاصيل دقيقة تتعلق بسنوات نشوء أديب يطمح في ان يجد اسمه على صفحات الجرائد، أو ان يصطاد حدثا ليجاهد في ان تساعده قدرته على الكتابة بأسلوب فني، هي تفاصيل مهمة لا ريب فيها، غير ان الإسراف في الركون إليها لا ينعكس على واقع التجربة الآن ومنعطفاتها .
تبدأ رحلة الصقر الأدبية مع عالم القصة القصيرة، وينشر في عام 1954 مجموعته البكر "مجرمون طيبون" عن أسرة الفن المعاصر، يقول الطاهر: (ومجموع الأقاصيص اجتماعي، إطاره محلي، وفكرته النهوض بالمجتمع العراقي إلى حياة كريمة ومستقبل سعيد)، ويتلوها بمجموعته الثانية "غضب المدينة"، وكلاهما يصدران من منبع واحد يتجلى في رصد حركة الواقع وتصوير الظلم والقهر اللذان أطاحا بالإنسان والمجتمع، وبين المجموعتين ثمة نقلة يحدثنا بها الدكتور الطاهر قائلا: (وتحس إذ تنتقل من "مجرمون طيبون" ان قلم الصقر قد ازداد تمكنا وازداد الطابع الشعري في ألفاظه واستعاراته.)
شكل الصقر حينذاك اسمه في المشهد القصصي العراقي غير انه قد طوى صفحة من الظهور، لينعكف مع نفسه متأملا، ولكي لا يقع في اضطراب التغير السياسي الذي شهد المجتمع العراقي في الستينيات، غير ان انقطاعه عن عالم النشر لم يلق بظلاله على انقطاع في المواصلة الجادة مع التطور الكبير في الفن القصصي العالمي وتياراته المختلفة، حتى جاءت نهاية الثمانينيات ليجد الصقر في مجموعته "حيرة سيدة عجوز" تحولا في مسار تجربته القصصية على مستوى التاريخي والفني، يحدثنا موسى كريدي صديقه الذي رافق تجربته طويلا قائلا: (هجر السطح ونفذ إلى الوميض الداخلي للخروج بالقصة هذا الكائن الحي من حالة السكون إلى مجال الحركة ومن الخطابية والارتجال إلى عمق الدلالة، ومن التسجيل المباشر إلى فن الإشارة ومن التبسيط إلى اتساع المخيّلة وصولا إلى الإحساس بمعاناة الإنسان في رحلته نحو عالم الحلم)، ونحن هنا إزاء مرحلة جديدة في عالم الصقر القصصي، وهي مرحلة تتجلى في تعرفه على أدب وليم فوكنر، وجيمس جويس، وديستوفسكي يقول: (فرجّتني رجّا رواية "الجريمة والعقاب" جعلت نومي مضطربا ليالي عديدة، أما "الإخوة كارمازوف" فحيرتني وأيقظت في ذهني مئات الأسئلة)
تجلت الرؤية الواقعية نهجا في الكتابة القصصية عند الصقر بكل تحولاتها الفنية، وقد تجاوز النظرة السطحية لعلاقة الفن بالواقع عبر تمثله للمخفي من العلاقات التي تحكم الطبائع البشرية، وتجديده لأساليب القص عبر التقطيع السردي للأحداث والمنولوج الاستبطاني الذي يولد العوالم الداخلية للبطل في صراعه مع الواقع والبيئة ،فالرواية كما يقول الصقر (وان اختمرت بعض عناصرها في ذهن الروائي فان بناءها الفعلي يتم في الخارج، حيث تتشكل ملامحها، وتكتسب أبعادها في عمل دؤوب، ربما استمر سنوات).
وبقي الصقر في كل ذلك أمينا لإحساسه الداخلي، ومبتعدا عن سيل الانجراف الذي أودى بالآخرين، وعلى الرغم من انه ينتمي فنيا لمدرسة ديستوفيسكي في البناء الروائي، وللإفادة من معطيات تيار الوعي في الرواية الغربية عند فرجينيا وولف ووليم فوكنر في إضاءة الجوانب الداخلية للشخصية وتصويرها في ظل صراعها وسقوطها واندحارها إلا انه بقي مبتعدا عن ركوب الموجات الحداثية وما بعدها ولعل الدكتور الطاهر قد انتبه مبكرا إلى أصالة تجربته حين تحدث عنها قائلا: (ولم توهن مفهومه الفني ما طفح في الغرب واستورده على عيوبه الشرق من بدوات ونزعات ونفجات). ومن هنا فإن بواكير تجربة الصقر القصصية تضيء تحولاته اللاحقة رؤية للواقع وتغيرا في نمط علاقة وأشكال تعبير.



#حسن_مجاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزعة التعبير الايديولوجي روائيا .... من اشكالية تفسير النشأة ...
- سعدي سماوي في الخروج من القمقم ... البناء ودلالة التعبير الر ...
- عبد الرحيم صالح الرحيم ...في طريقه الى أبواب الليل
- جرار قهرمانة - أو مساء الخير أيها الادب النسوي
- الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العرب ...


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مجاد - عالم مهدي عيسى الصقرالقصصي ...ينابيع التجربة ..وتحولات الرؤية