|
اللوغوس والفلسفة الرواقية وبولس
وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3647 - 2012 / 2 / 23 - 15:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في إفتتاحية أنجيل يوحنا ، نقرأ مقدمة فلسفية . لاهوتية مشبعة بفلسفة العرفان ( الغنوص) في البدء كانت الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الله الكلمة . ( 2 ) هو في البدء كان عند الله ( 3 ) به كان كل شيء ، وبغيره ما كان شيء مما كان . ( 4 ) فيه كانت الحياة ، وحياته كانت نور الناس . ( 5 ) والنور يشرق في الظلمة ، والظلمة لا تقوى عليه . ( 6 ) ظهر رسول من الله اسمه يوحنا . ( 7 ) جاء يشهد للنور حتى يؤمن الناس على يده . ( 8 ) ما كان هو النور ، بل شاهد للنور . ( 9 ) الكلمة هو النور الحق . جاء الى العالم لينير كل انسان . ( 10 ) وكان في العالم . وبه كان العالم ، وما عرفه العالم . ( 11 ) الى بيته جاء ، فما قبله اهل بيته ( 12 ) اما الذين قبلوه ، المؤمنون باسمه فاعطاهم سلطاناً ان يصيروا ابناء الله ، ( 13 ) وهم الذين ولدوا لا من دم ولا من رغبة جسد ولا من رغبة رجل ، بل من الله . ( 14 ) والكلمة صار جسداً وعاش بيننا ، فرأينا مجده مجداً . يفيض بالنعمة والحق ، ناله من الاب ، ( كأبن ) له اوحد . ( 15 ) شهد له يوحنا فنادى : ( هذا هو الذي قلت فيه : يجيء بعدي ويكون اعظم مني ، لأنه كان قبلي ، ( 16 ) من فيض نعمه نلنا جميعا نعمة على نعمة ، ( 17 ) لأن الله بموسى اعطانا الشريعة ، واما بيسوع المسيح فوهبنا النعمة والحق . ( 18 ) الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الاب هو خبرّ ********** يكتب الباحث فراس السواح في صفحته الالكترونية مقالاً بعنوان ( في البدء كانت الكلمة ) ، اضواء على مقدمة انجيل يوحنا في صفحة : ( الاوان من اجل ثقافة علمانية عقلانية ) : ( هناك مفهومان يتحكمان بهذه المقدمة الفخمة . المفهوم الاول هو اللوغوس والثاني هو التجسد . فاللوغوس الذي هو كلام الله موجود منذ الازل ( في البدء كان الكلمة ) . وعلى الرغم من انه صدر عنه ، الا ان هذا الصدور ليس زمانياً ، بمعنى انه حدث في وقت معين ، وانما هو صدور وجودي يتضمن معنى الاختلاف في الرتبة بين الاثنين : فالله هو الاب واللوغوس هو الابن المتولد عن الله . الله هو المتكلم و اللوغوس هو كلامه ، وما الاثنان في المحصلة الا هوية واحدة : ( وكان الله الكلمة ) . وعند الحد الفاصل بين السرمدية والزمن الدنيوي ، لما قدر الله ان يخلق العالم ، كان اللوغوس او الكلمة وسيلته الى ذلك : ( به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان ) . وقال السواح في موضوع أخر : ( فقد قال هيراقليطس صاحب فلسفة الجدل والتغيرات ، ان اللوغوس هو القانون الكوني الذي تجري على اساسة انواع التغيرات في الوجود . وقال الرواقيون انه القوة التي تسود الموجودات جميعاً وتحفظها والعلة المشتركة المقومة لجميع الاشياء . وهذه القوة هي التي تربط بين جميع الاجزاء المنفصلة للوجود وتجمع بينها في وحدة مترابطة . وفي العهد الهيلينستي قال فيلون الاسكندري ان اللوغوس هو الاداة التي خلق الله بواسطتها العالم ، وهو الوسيط بين الله والعالم . وقالت الرسائل الهرمزية المعزوة لهرمز مثلث العظمة ، ان اللوغوس هو المبدأ الذي يجلب النظام الى العالم ، وهو ابن الله . وكان لفيلون الاسكندري على ما يبدو الاثر الاقوى على فكر مؤلف انجيل يوحنا .... وبما ان غاية الفلسفة عند فيلون هي تحقيق الخلاص للأنسان وذلك بتجاوزه لحالة المتناهي الى حالة اللامتناهي فإن الطريق الذي يرسمه لتحقيق الخلاص هو التصوف الذي تعرف به نفسك ، وتعرف ان العالم زائل ومتناه ، ولا قيمة اطلاقاً لأي شيء موجود فيه . عند ذلك تتجه الى معرفة الله حدسا والهاماً والفناء عن نفسك فيه ) هذه المعرفة الداخلية لله ( والكلام لوليد يوسف عطو ) تجدها في انجيل يوحنا : ( الحق الحق اقول لكم : من يسمع لي ويؤمن بمن ارسلني فله الحياة الابدية ، ولايحضر الدينونة ، لانه انتقل من الموت الى الحياة ) يوحنا 5 / 24 . وفي يوحنا 8 / 51 : ( الحق الحق اقول لكم : من عمل بكلامي لايرى الموت ابداً ) . وفي يوحنا 17 / 3 ( والحياة الابدية هي ان يعرفوك انت الاله الحق ) .. اللوغوس كلمة يونانية logos وتعني الكلمة القادرة على الخلق . من اجل مفهوم ( اللوغوس ) في الفلسفة اليونانية ، وفي فكر فيلون الاسكندري يذكر السواح كتاب د . عبد الرحمن بدوي : ( طريق الفكر اليوناني – دار القلم – بيروت – 1979 . ويكتب فراس السواح ايضا في كتابه ( الوجه الاخر للمسيح ) عن اللوغوس ، ان فيلو الاسكندري أطلق عدة تسميات على اللوغوس ودعاه بالاله الثاني وبالملاك وبالرب وبالاسم وليس مستعبد ان تكون احدى الطوائف والشيع قد طورت في الاسكندرية مفهوم الاله الوكيل الى نتيجته المنطقية بان عزت اليه مهمة خلق العالم وتصورت وجود اله خفي اعلى يسمو فوق ثنائيات الكون . وهذا يشبه تصور بولس عن الخلق . وهنا نجد احد الفروق الرئيسية بين فلسفة العرفان في انجيل يوحنا وبين الغنوصية المسيحية الكاملة كما عرضتها لنا اناجيل مكتبة نجمع حمادي في مصر . فالغنوصية تعتمد على مبدأ الثنائية حيث ابليس الاله الادنى والذي هو يهوه اله التوراة مستقل تماما عن الاب السماوي . اله النور والخير ويقوم هذا الاله الادنى الذي هو ابليس بخلق العالم وجسد الانسان بينما الاب السماوي يكون قد قام في البداية بخلق روح الانسان . وبالتالي فلسفة العرفان في انجيل يوحنا والكلام للكاتب ( وليد يوسف عطو ) تقترب من فلسفة العرفان في التصوف الاسلامي ، ويشبه العقاد في كتابه ( عبقرية المسيح ) اللوغوس بالعسل الذي يملأ التجاويف في خلية النحل في وحدة منسجمة ومتكاملة . فكرة الاله الوكيل الذي يقدم بالخلق والدينونة نجدها في اماكن متعددة من انجيل يوحنا :. ففي يوحنا 2215 : ( والاب لايدين بنفسه احداً لانه جعل الدينونة كلها للابن ) وفي يوحنا 5 / 26 ، 27 : ( فكلما ان الاب هو في ذاته مصدر الحياة ، فكذلك اعطى الابن ان يكون في ذاته مصدر الحياة واعطاه ان يدين ايضاً ) . ويبدو اللوغوس في الانجيل حد الوسيط بين الله والانسان : ( انا هو الباب ، فمن دخل مني يخلص ) يوحنا 10 / 9 وفي يوحنا 14 / 6 : ( انا هو الطريق والحق والحياة ، لا يجيء احد الى الاب الّا بي ) . وفي كتاب شرح الرسالة الى رومية للكنيسة القبطية المصرية تأليف د . موريس تاودرس ، يذكر تأثير الرسول بولس بالفلسفة الرواقية . وتتمثل الصعوبات التي نواجهها في تعاليم الرسول بولس في مشكلة ( التعيين السابق ) و ( الحرية الانسانية ) والتي تقابل عند الرواقيين مشكلة ( القدر ) . وقد انتشرت افكار الرواقيين في عصر القديس بولس وخصوصا في طرسوس مسقط رأسه والى هؤلاء الاخلاقيين ندين ببعض الكلمات الجميلة مثل : الضمير الملائم او المناسب وقد قيل ان مثال زينون اقرب الى مثال النبى الشرقي منه الى مثال الفيلسوف اليوناني . ويكتب الدكتور تاودرس ان الرسول بولس يشترك مع الفلاسفة الرواقيين في كثير من السمات ويتشابه معهم كثيرا في الافكار واللغة . وكان انبياء الرواقيين كما يسميهم تاودرس مدفوعين بغيرة تبشيرية ينتقلون من مكان الى مكان يعلمون بمبادئهم عن ( اللوغوس ) و ( القدر ) و ( العناية او التدبير الالهي ) وعن الاصل الالهي للانسان ، وعن المساواة بين الجميع . وبهذه المعتقدات او التعاليم كانوا يحثون الناس على ان يعيشوا حسب العقل او حسب الطبيعة . وقد تناول جلسون في كتابه ( روح الفلسفة في العصر الوسيط ) الحديث عن ( فكرة الفلسفة المسيحية ) ومما قاله عن الرسول بولس ما يلي :. ( ان علينا ان نعود القهقري الى ما وراء فلاسفة المسيحية الاوائل . فاقدم شاهد لم يكن فيلسوفا ومع ذلك فقط سيطر فكره على التطور التالي للافكار المسيحية كلها . ونحن نشير بذلك بالطبع الى القديس بولس اذ يمكن ان يقال انه هو الذي ارسى القواعد التي اقيم عليها بناء الفكر المسيحي كله وان المفكرين المسيحيين الذين جاءوا بعده لم يفعلوا شيئا اكثر من استخراج النتائج المترتبة على هذه القواعد ولم تكن المسيحية عند القديس بولس فلسفة فقط وانما دين فهو لايعرف شيئا ولا يعلم شيئا ولا يكرز ولا يعظ بشيء الا بشي واحد هو : يسوع المسيح مصلوبا ومخلصا ومفتدياً الخطاة بنعمة منه ) أنتهى الاقتباس . ويمكن القول بكل ثقة ان الرسول بولس استخدم الفلسفة اليونانية وبالاساس الرواقية منها بالاضافة الى مبدأ القياس الارسطي للتبشير بالمسيح وشرح اللاهوت المسيحي . كتب الرسول بولس في رسالته الى كنيسة أفسس ( 1/3 – 14 ) : ( تبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح ، باركنا في المسيح كل بركة روحية في السماوات ، فاختارنا فيه قبل انشاء العالم لنكون عنده قديسين بلا لوم في المحبة ، وقضى بسابق تدبيره ان يتبنانا بيسوع المسيح على ما ارتضى وشاء لحمد نعمته المجيدة التي انعم بها علينا في ابنه الحبيب . فكان لنا فيه الفداء بدمه اي غفران الخطايا على مقدار غنى نعمته التي افاضها علينا بكل ما فيها من حكمة وفهم ، فكشف لنا سر مشيئته التي ارتضى في نفسه ان يحققها ، اي التدبير الذي يتممه عندما تكتمل الازمنه فيجمع في المسيح كل شيء في السماوات وفي الارض . وفيه قضى الله بسابق تدبيره ، وهو الذي يفعل كل شيء على ما ترضى مشيئته ، ان يختارنا لنسبح بمجده نحن الذين جعلوا رجاءهم من قديم الزمان في المسيح . وفيه انتم ايضا ، حين سمعتم كلام الحق ، اي بشارة خلاصكم وامنتم ، ختمتم بالروح القدس الموعود ، وهو عربون ميراثنا ، الى ان يفتدي الله خاصته للتسبيح بمجده ) . وفي رسالته الى كنيسة كولوسي يكتب الرسول بولس في ( 15/1 -20 ) : ( هو صورة الله الذي لايرى وبكر الخلائق كلها (16) به خلق الله كل شيء في السماوات وفي الارض مايرى وما لا يرى ااصحاب عرش كانوا ام سيادة ام رئاسة ام سلطان به وله خلف الله كل شيء (17) كان قبل كل شيء وفيه يتكون كل شيء (18) هو رأس الجسد ، اي رأس الكنيسة ، وهو البدء وبكر من قام من الاموات لتكون له الاولوية في كل شيء (19) لان الله شاء ان يحل فيه الملء كله (20) وان يصالح به كل شيء في الارض كما في السماوات فبدمه على الصليب حقق السلام .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة التسول في بغداد
-
سيدة هندية تضع فريقا لكرة القدم
-
الموسيقى والغناء حلالٌ حلال,ج2
-
حرية الله مرتبطة بحرية الانسان
-
الصهيونية تزيف التاريخ
-
الموسيقى والغناء,حلالٌ حلال
-
ديك صيني يبيض!!!
-
الناسخ و المنسوخ في الانجيل
-
في ملكوت نانسي عجرم
-
الوجه الاخر عند الرسول بولس
-
الالوهة والانسان
-
اهلا بحزب الحمير الكردستاني
-
ماليس من متغير... ليندا وكرة القدم
-
الدعوة الى المباهلة بين محمد ووفد نجران
-
تجارة البغاء عبر الحدود
-
الغنوصية المسيحية
-
جدلية الامة العربية و الامة العراقية
-
بين تزييف التاريخ و التراث وتزييف الوعي
-
سلمان الفارسي رمز للموالي في الاسلام ,ج2
-
الكنائس المسيحية - الصهيونية
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|