مرح البقاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1075 - 2005 / 1 / 11 - 11:22
المحور:
الادب والفن
حال الثقافة العربية اليوم من حال مثقفيها، زائغة، مقموعة، هاربة، منفية، متناقضة، خائفة، مترددة، انتهازية في الغالب الأعم وفردية المذهب في القليل النادر.
لكن هذا كله لا يحول دون وجود مسلّمة التغيّر الثقافي، فهذا التغيّر حالة قائمة وممتدة الجذور في دراما تتابع الأجيال، لكنه ليس ملموسا أو عضويا حتى الآن، بل هو عبارة عن حالات أشبه ما تكون بالبوارق المجردة المحدودة وغير المؤثرة في الواقع الاجتماعي والسياسي وذلك كما كان عليه الحال في الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث كانت الحركة الثقافية العربية منتعشة بتواتر الأفكار والمناهج والتيارات السياسية والثقافية على اختلافها. وربّ قائل إن تراجع نفوذ المثقف بشكل عام، بات ظاهرة عالمية، خصوصا بعد تصدع الإيديولوجيات الكبرى وانهيار الأنظمة الشمولية المتمثلة في الاتحاد السوفييتي السابق و كتلته الاشتراكية داخل أوروبا الشرقية وخارجها..
تراجع دور المثقف العالمي، و انزوى هذا الكائن "التفاعلي بالضرورة" ليتأمل مشهد التحولات الانقلابية التي بدأت تعتري وجه العالم الحديث حيث تتقدم إلى المنصة بقوة، العولمة الاقتصادية، و امتداد نفوذ الشركات العملاقة العابرة للقارات التي بدورها أرادت أن تفرض قيمها وإعلامها ومفاهيمها الثقافية المتصلة باقتصاد السوق و"سحر" متطلباته. والمثقف العربي ليس في نجوة من هذا الأمر الواقع العالمي، لكن الثقل مبهظ عليه بأضعاف مسؤوليات غيره، ذلك لأنه أصلا يعاني من قمع رسمي مزمن، ومن غياب الديموقراطية والحرية وإقامة الحوار الجدي و المتكافئ مع أصحاب القرار..فضلا عن انعدام فرص إشباع حاجاته الأساسية، الأمر الذي أدى إما إلى تقويض جهوده وأحلامه، وإما إلى جعله عرضة للسجن والنفي والتهديد، أو اضطراره للتنازل عن مشروعه كله مقابل لقمة العيش.
أما خارج مجتمعه الممزق، فالمثقف العربي فرد منتج وفعال.إنه يشارك بحيوية إبداعية في المعارف الكونية التي تضخها مركزية الحضارة الغربية الحديثة، وهوأصلا الذي يضفي حضورا مكملا على معارفها المتحركة وذلك بامتحانها والمشاركة في معترك أنساقها ومناهجها وبتشريحها ونقدها، ثم بإعادة إنتاجها، وبشكل مستقل ومتكامل، مع ما يجري في محيطه التاريخي وفي مناطق أخرى من العالم.
يبقى أن يمد هذا المثقف العربي المقيم في الخارج نفوذه الحر والحيوي إلى داخل مجتمعه الكبير ليسهم في عملية التغيير، ذلك أن الثقافة التي لا تكون مرتبطة بمن ينتجها تتغرب أيضا، حتى عن محيطها المباشر فكيف بالمحيط البعيد عنها؟
#مرح_البقاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟