|
لماذا يغير المثقفون قناعتهم
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 15:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كتب الدكتور عبد الخالق حسين يؤكد على ضرورة تغيير المثقف "لجلدته" وعلل ذلك بالنضوج العقلي للمثقف مع تقدم العمر والتجربة !! ووفقاً لتعليل الدكتور حسين فإن ماركس وإنجلز ولينين وستالين ـ وهم من المثقفين باعتبار الدكتور حسين ـ لم ينضجوا عقلياً ولذلك لم يغيروا قناعاتهم، بدأوا شيوعيين وماتوا شيوعيين، بينما بالمقابل نضج عقليا كل من الدكتور حسين وزميله الحاج إذ بدأوا شيوعيين وانتهوا إلى ليبراليين. ثم من يدري فبحكم ضرورة تغيير الجلد أو القناعات التي يؤكدها الدكتور حسين فلعله وزميله الحاج يغيران جلدهما الليبرالي بجلد إسلامي في المستقبل طبقاً لضرورة التغيير !!
أنا كماركسي شيوعي لم ولن أغير جلدي ـ وغير ناضج عقلياً بحكم حسين ـ أود أن أفاجئ الدكتور عبد الخالق حسين وأتفق معه على أن المثقف يغير جلده عادةً بل وأزايد عليه لأقول أن ذلك التغيير ليس ضرورة فقط بل هو حقيقة. نقطة الخلاف بيني وبين حسين هي أنه مثالي الطرح وأنا ماركسي مادي. حسين يقول أن سبب التغيير هو النضوج العقلي المتجلّي في حكمة التفكير بغض النظر عن شروط الحياة المحيطة بالمثقف بينما السبب الحقيقي برأيي هو شروط حياة المثقف وعلاقته الحيوية بالمجتمع. المثقفون هم وفقاً للتشريح العلمي للمجتمع يشكلون الشريحة المستنيرة من الطبقة البورجوازية الوضيعة. وهم برغم كل التنوير المدعى به ـ باعتبار دعوة حسين للشيوعيين بتغيير جلودهم ضرباً من التنوير ـ هم قبل كل شيء آخر الحرّاس الأمناء البارون بطبقتهم، طبقة البورجوازية الوضيعة، التي تبيع خدماتها للرأسماليين لتتقاضى بدلاتها مقطوعة من أجور العمال. الطبقة البورجوازية الوضيعة هي الطبقة الطفيلية في المجتمع. فإذا كان الرأسماليون يقدمون المال والمواد الخام وأدوات الانتاج في عملية الانتاج من أجل أن يسرقوا فائض القيمة من إنتاج العمال، فالبورجوازية الوضيعة والمثقفون في طليعتها لا تقدم شيئاً يذكر لعلمية الانتاج وتحصل مع ذلك على القطعة الأكبر من الكعكة الوطنية. البورجوازية الوضيعة لا تقدم لعملية الانتاج سوى التسهيلات للطبقة الرأسمالية من أجل استغلال أوسع للطبقة العاملة. البورجوازية الوضيعة هي مثل البكتيريا التي تعيش على حد النصل الغارق بدم الذبيح. لذلك تجد المثقفين الحراس الأمناء لطبقتهم هم دائماً مثال الذلاقة وتغيير الجلود، مثال المناورة والخديعة، تنعدم لديهم القيم الثابتة الرفيعة حيث كل شيء قابل للبيع والاستبدال.
من جملة قرآتي لكتابات الدكتور عبد الخالق حسين الديموقراطية المؤنسنة بت أعتقد أنه يرفض رفضاً قاطعاً مثل هذه الصورة للمثقفين باعتباره في النهاية أحدهم، وسيقول أن النمري يتحدث عن المجتمع الرأسمالي قبل قرن أو قرنين وأن الطبقة البورجوازية الوضيعة تقدم الخدمات مقابل حصتها من الانتاج الوطني ولعله يتحدث عن ذاته ليؤكد القيم الرفيعة لديه. ليعفني الدكتور حسين من مناقشة هذه المواضيع معه لأن ذلك لا يكتمل قبل كتابة آلاف الصفحات، وقد كتبت فيه الكثير، لكن ما أود أن أؤكده لسيادته أن بنية المجتمعات الحالية غير الرأسمالية هي أسوأ بكثير من رأسمالية القرن التاسع عشر حيث البورجوازية الوضيعة الحاكمة اليوم في مختلف الجتمعات تفترس مجتمعاتها بكل مكوناتها؛ وقبل أن يصل العالم إلى الكارثة أدخلته البورجوازية الوضيعة في نظام إقتصادي مدمر وهو ما يسمى مجازاً بالاقتصاد الاستهلاكي ويستظل بمظلة من الدولارات الخادعة، والمثقفون ـ والدكتور منهم للأسف ـ يدافعون عن مثل هذا المسار. من المفيد أن يشار هنا إلى أن الطبقة البورجوازية الوضيعة السوفياتية هي التي قوضت التجربة الاشتراكية السوفياتية التي ستظل مثالا نيّراً يحتذى لشعوب العالم كما وصفها الكاتبان الشهيران برنارد شو واتش جي ويلز مبكراً في العام 1933.
ما دفعني لكتابة هذا الاحتجاج على مقالة الدكتور حسين التي تحمل نفس العنوان في حوار الأمس هو جهل المثقفين في مسارات الحرب العالمية الثانية. كنت قد نبهت الكاتب طارق حجي لمثل هذا الجهل وأكدت له أن أوراق إعتماد المثقف تبدأ بالمعرفة التفصيلية بالحرب العالمية الثانية، وها أناذا أؤكده مرة أخرى للدكتور عبد الخالق حسين الذي ادّعى أن " ساهمت أمريكا في تحرير أوربا من النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، ولولاها لكانت البشرية محكومة الآن بالفاشية والنازية والعسكرية اليابانية المستبدة ". أحيل الدكتور حسين إلى برقية تشيرتشل لستالين بتاريخ 6 إبريل 1943 وترجمتها الحرفية تقول .. " أنا أعي تماما الأعباء الهائلة التي تتحملها الجيوش الروسية ومساهمتها التي لا تجارى في قضيتنا المشتركة ". الحقيقة التي يطمسها الاعلام الغربي وتفوت على مثقفين عرب مرموقين من مثل طارق حجي وعبد الخالق حسين هي أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانت مساهمتهما في الحرب محدودة للغاية. اقتصرت حربهما على مواجهة إيطاليا بثلاثين فرقة إيطالية رثة ولم تخوضا إلا معركة العلمين شمال أفريقيا وكانت مجموع الخسائر على الجبهتين أقل من عشرين ألفاً بينما كانت معارك الجيش الأحمر تصل إلى حوالي نصف مليون جندي في كل من معركة موسكو 1941 ومعركة ستالينغراد 1942 ومعركة كورسك 1943 ومعركة وارسو 1944 ومعركة برلين 1945 . جيوش أميركا وبريطانيا نزلت في أوروبا النورماندي فقط في 6 حزيران يونيو 1944 عندما كانت الحرب محسومة وفي نهايتها ولم تخوضا أية معارك. هل بوسع أخينا حسين أن يسمي معركة واحدة للجيوش الغربية على الأرض الأوروبية؟ أما عن الجبهة اليابانية فالغلبة كانت لليابانيين قبل تدخل الجيش الأحمر وتحطيم القوى البرية اليابانية في منشوريا. القنبلتان الذريتان اللتان ألقتهما أميركا على هيروشيما وناغازاكي فهما كانتا فعلاً تهديداً للإتحاد السوفياتي وعملاً انتقامياً من جانب آخر وليس لتحقيق أغراض عسكرية. وبخصوص العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 فلعل الدكتور حسين لم يكن بعمر المعني بالشؤون السياسية كما تابعت أنا العدوان ساعة بساعة. الولايات المتحدة كانت تحمي العدوان من الخلف. وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل ما كانت لتقوم بالعدوان على مصر على عاتقهما دون مشاورة الولايات المتحدة وهي الجهة المكافئة للقوى السوفياتية. قبل توقف العدوان ألح الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة أن تشاركه في وقف العدوان لكنها رفضت مرتين العرض السوفياتي وهو ما يثبت دورها في حماية العدوان من الخلف إلى أن اضطر الاتحاد السوفياتي إلى توجيه إنذار حدي وصارم لدول العدوان بوجوب وقف العدوان في منتصف ليلة 6 نوفمبر وإلا تعرضت عواصمها للقصف بالصواريخ العابرة للقارات. اعتذرت أميركا عن مواجهة الانذار السوفياتي الذي سمي في الصحافة " إنذار بولغانين الرهيب " فكان أن توقف العدوان. الإعلام العربي الموالي للإعلام الغربي لا يذكر أي دور للسوفييت في التاريخ الحديث لدرجة اعتبار هزيمة النازية قد تمت على أيدي بريطانيا التي لم تقاتل الألمان إلا عندما انهزمت في دنكرك 1940
ما أود أن أؤكده قبل انتهائي من الاحتجاج على تغيير الجلود هو أن إحدى نقاط خلافي مع الحزب الشيوعي في العام 1965 هي أنني أعتبرت الذين "غيروا" قناعاتهم تحت الضغط والتعذيب هم أصدق شيوعية من الذين لم يغيروا جلودهم من قبيل المراهنة على حصان الشيوعية وهؤلاء كثيرون بين صفوف الأحزاب الشيوعية التي لم تتفكك بعد.
www.fuadnimri.yolasite.com
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
-
لينين باقٍ في التاريخ
-
الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
-
رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
-
شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
-
عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
-
مواجهة مع أحد المرتدين
-
نهاية إقتصاد السوق
-
رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي
-
ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
-
العمل الشيوعي في عالم خارج التاريخ
-
في نقد الإشتراكية السوفياتية
-
من الديموقراطية إلى الشيوعية
-
خيانة الاشتراكية وانهيار الإتحاد السوفياتي
-
دور النقد في انهيار الرأسمالية
-
المثقفون وسقوط التاريخ
-
اللغو البغو تلغيه وقائع التاريخ
-
نذر الكارثة الإقتصادية تقرع طبولها
-
الإفساد بالأدلجة
-
نقد فظ لشيوعي ناعم
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|