|
العراق ... كيف أصبح عصيا على الاصلاح
مؤيد عبد الستار
الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 13:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غالبا ما تصف الادبيات التاريخية العراق بانه بلد متمرد عصي على الطاعة ، وترد في طيات كتب التاريخ اوصاف تدل على ان العراقيين اهل شقاق ، من الصعب على حاكم أن يسوسهم ، حتى ان أحد الخلفاء الامويين اوصى ابنه ان يغير حاكم العراق كل يوم اذا اراد العراقيون ذلك ... ولاشك انهم وضعوا على لسان الامام علي (ع )عبارات في خطبه تدل على ضيق صدره باهل العراق كأن يقول : لقد ملأتم قلبي قيحا وجرعتموني الموت انفاسا .. الخ ما جاء في امهات كتب التاريخ القديم والمعاصر مما لا يجهله القارئ الكريم. واذا دققنا النظر في مجمل هذه الاقوال والاوصاف نجد ان معظمها ينطلق من البادية والصحراء التي تحـد العراق من الغرب والجنوب الغربي ، ولا شك ان أهل البادية ( اهل الوبر ) كانوا ينظرون الى سكان المدن والحواضر ومنهم سكان العراق ، نظرة استخفاف واحتقار ، على اعتبار ان سكان المدن ( أهل المدر ) اي بيوت الطين ، وان بيوت الطين ثابتة لا تمتاز بسهولة النقل ولا تساعد على الترحال وترك المكان مثل بيوت الشعر المتنقلة التي يسهل حملها ومغادرة المكان فهي لا تربط البدوي الى الارض مثلما تربطه بيوت الطين الثابتة. اضافة الى ان أهل المدر لا يجيدون القتال ، فهم أهل زراعة ودواجن ، ينعمون بالمياه والفاكهة ويعيشون بين المزارع والبساتين عيشة رغد وهناء ، مارسوا الفنون الجميلة من رسم وغناء ونحت وزخرفة ، فهم يعشقون الحياة ، بينما البدو أهل قتال ورجال سيف ورعي ينتقلون في ارض الله الواسعة بحثا عن الكلأ يقضمون من خيراتها ويتركونها دون ان يبذلوا جهدا في اعمارها ، فهم احرار يعيثون بالارض فسادا دون خوف من سلطان او حاكم ، سيوفهم في ايديهم ينالون ما يريدون بـقـوة وعزيمـة ، يغيرون على سكان المدن متى يشاؤون ، لا يهابون ولا يخافون سكان المدن الذين لا يعرفون شظف العيش ولم يتعلموا القسوة والعنف فهم لا يقوون على الثبات في ميادين الوغى . وبسبب الهجمات – الغزوات – التي دأب سكان البادية على القيام بها ضد سكان المدن العراقية ، لجأ سكان المدن الى الحيلة وعملوا الدفاعات من جدران وقلاع وخنادق ، واستخدموا بعض اهل البادية مثل المناذرة ليحموا مدنهم من هجمات البدو الرحل ، ولكن ظهور الاسلام في الجزيرة العربية ساعد البدو على تحشيد قبائلهم تحت راية الجهاد في سبيل الاسلام ، فشنوا الحروب والمعارك والغزوات طوال عقدين من السنين تمكنوا خلالها من تفكيك اسيجة الدفاع العراقية ، ونفذوا اخيرا الى عمق بلاد الرافدين بعد ان اقتحموا اخر الحصون ليسقط العراق لقمة سائغة بيد سكان البادية وحلفائهم الذين التحفوا راية الاسلام في اشرس معركة بين البادية والمدينة ، بين الحضارة والبداوة ، لذلك توسع العلامة على الوردي في معالجة هذه الاشكالية التي اصابت العراق في كبده ، فولدت ازدواجا في الشخصية العراقية التي ظلت تعاني من ازدواج القيم كما يفصل ذلك في اشهر دراساته . ترتبت على هذه الازدواجية فوضى في الادارة ، فالاقوياء الذين يسيطرون على ادارة وحكم البلاد وفي ايديهم السلطة العليا هم القادمون من البادية ، الذين لا يجيدون ادارة الاعمال الزراعية يتسلطون ويسومون اهل البلاد سوء العذاب ، فحدثت العديد من الثورات ، وعرفت باسم ثورات الموالي او الشعوبية ، وهي ثورات تقنعت احيانا باردية عنصرية و دينية او مذهبية و عقائدية ، الا انها في جوهرها كانت ثورات ضد الظلم مثلما بين ذلك الدكتور قاسم حسين العزيز في دراسة قيمة له بعنوان البابكية او ثورة بابك الخرمي . توالت ثورات أهل العراق على اسيادهم الظلمة مثل الحجاج واشباهه ، حتى كانت اخر ثوراتهم ما قاموا به في اوائل التسعينات من القرن الماضي اثر اندحار الحاكم الطاغية صدام في حرب الكويت وغزوها ، فثار سكان المدن الجنوبية والوسطى ومدن كوردستان فيما عرف بالانتفاضة الشعبانية او انتفاضة آذار ، والتي انتهت الى مصير مأساوي كانت نتيجته عشرات المقابر الجماعية لابناء الوسط والجنوب وكوردستان. من خلال هذا السرد التاريخي الذي تجنبنا فيه الاطالة والتحليل ، نلمس عمق الاشكالات الحضارية التي واجهت سكان بلاد الرافدين وحضارتهم التي سقطت على ايدي بدو الصحراء وحلفائهم ، ومازال العراق يعاني منها حتى اليوم ، لذلك يصعب فك هذا الاشتباك ما لم يحدث تطور تاريخي ينقل بدو البادية الى مستوى حضاري اخر ، مثلما حدث في الخليج من تطور اقتصادي بسبب استخراج النفط ، ولكنه ظل ناقصا بسبب عدم استخدام الثروة النفطية بشكل يسهم في احداث نقلة حضارية متكاملة ، ولهذا ظلت العديد من القوى الخليجية تدعم قوى الظلام والتخلف بالمال والمتطوعين والمجاهدين في سبيل الله زورا في محاولة لاعاقة اي تقدم حضاري في المنطقة قد يعود عليهم بالضرر ، ويلغي حقوقهم التي شرعوا لها قواعد فقهية وقوانين استبداد بالية . يحتاج العراق لكي يتخلص من ثقل التاريخ الذي اتسم بالصراع بين البداوة والحضارة الى الاخذ بالنظام الفيدرالي بشكل حقيقي ، كي يستطيع تقسيم الواقع الجيو سياسي الى مناطق جغرافية تحمل سمات متقاربة ان لم تكن متشابهة ، فاهل البصرة على سبيل المثال ، وهي ميناء تاريخي منذ مئات السنين ، لايستطيعون الانقياد لاحكام يفرضها واقع عشائري او بدوي يستمد افكاره وقوانينه من البادية ، وكذلك اهل بغداد لايستطيعون العيش تحت رحمة سيف البداوة التي تريد جعل عاصمة العباسيين شبيهة بعاصمة النجديين في الجزيرة العربية ، الى غير ذلك من اختلافات بحاجة الى الوصول الى منطقة وسطى رمادية يختلط فيها الاخضر اليانع مع الاصفر اليابس لكي ينتج لونا قمحيا بالامكان استيعابه ، وحتى يحدث ذلك سنكون بحاجة الى تجربة فيدرالية قد تطول عقدين من الزمان او ثلاثة حتى نستطيع الوصول الى نقطة التقاء مناسبة ، ولكن اقامة الفيدراليات العراقية يجب ان لا يكون مستنبطا من القيم البدوية في الغزو والنهب ، وانما الى شريعة القانون الحضاري الذي يستمد قوته من جميع القوانين الحضارية بدء من مسلة حمورابي حتى شرائع الامم المتحدة الحديثة . وعلى سبيل المثال لا يمكن البدء بتطبيق الفيدرالية والبعض يختبئ تحت بدعة قوانين سلطة الطاغية صدام في اقتطاع اجزاء من الاراضي للبعض ومنحها لغير اهلها في عملية سرقة مكشوفة لم تراعي حرمة الاخوة والجار والدين والاخلاق . لذلك يجب العمل على ازالة مظاهر الظلم والاجحاف الذي اصاب البعض ومعالجة المشاكل التي تركها النظام السابق كي تسهل عملية اصلاح ذات البين بين المحافظات العراقية وبين الشعوب العراقية المختلفة والتي نردد دوما انها فسيفساء جميل دون ادراك جمال الفسيفساء حين يكون منسقا ومتسقا شكلا ولونا .
#مؤيد_عبد_الستار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعدان .. الكورد الفيلية .. المندائيون ... شعوب بلاد الرافد
...
-
أقدم ختم بابلي لحقوق الانسان .. عهد كورش
-
المؤتمر الوطني .. بغداد - اربيل - بغداد
-
السنة في العراق أكبر من القائمة العراقية
-
تداعيات المواجهة بين المالكي وخصومه
-
طفولة الربيع العربي ... حمير الله
-
عراق الاقاليم ... و تقسيم الهند
-
صبغ اللحى ... بمناسبة عيد الاضحى
-
اقاليم الفوضى ... العراق بين فكي الرحى
-
الانسحاب الامريكي ... امتحان الدولة العراقية الحديثة
-
الدولة المدنية أم الدولة الاثنية
-
مؤتمر الكورد الفيليين ببغداد مبادرة مباركة
-
العشاء مع طالباني أدسم
-
مذكرات حمار الرئيس .... ترشيق الوزراء
-
شكرا حسن العلوي ... لانريد دولتك
-
تظاهرات الجمعة ... هل تستمع الحكومة الى صوت الجماهير
-
شباب شباط ... لن يقفوا مكتوفي الايدي !!
-
وزارة الدفاع على موائد الافطار
-
اسقاط حكومة المالكي .. من يدعو ومن ينفذ
-
طبول الحرب على الحدود بين العراق وايران
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|