اسامة على عبد الحليم
الحوار المتمدن-العدد: 3644 - 2012 / 2 / 20 - 08:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تتزايد الآن حدة الاستقطاب بين اطراف النزاع فى الساحة السودانية بشكل ينذر بكثير من المخاطر, يبدو ان الحركات المسلحة قد عقدت العزم على اسقاط النظام باعتباره الطريق الوحيد لاستقرار الاوضاع هناك , والحكومة التى تواجه حراكا مستمرا من معارضة الداخل تبدو شديدة التوتر فى التعامل مع هذا الوضع, فامام تزايد الانتقادات على تصاعد مؤشرات الفساد , والاعتداءات المستمرة على حريات الناس ومصادرة الصحف, وكل القضايا المطلبية الملحة هنا وهناك, نلحظ ان بروز مصلح اسقاط النظام بقوة وكأنه نقطة الاتفاق الوحيدة بين قوى المعارضة
نلاحظ ايضا ان مسالة اسقاط النظام رغم انها ليست جديدة , وقد استخدمت دائما من قبل المعارضة , الا انها بدأت تأخذ طابعا جديا فى ظل نشوء حركات المعارضة الشبابيه تحديدا, والتى بدأت اسفيرية ثم اثبتت لنفسها حضورا كبيرا فى المشهد السياسى السودانى , سيما فى محاولتها استلهام تجربة ابناء العرب فى ثوراتهم المسماة بالربيع العربى
نقول بان مصطلح اسقاط النظام بدأ يخرج عن السياق الذى نشأ فيه ابتداء, فقد بدأ هذا المصلح ضمن استحقاقات اللعبة الانتخابية الاخيره فى السودان, ضمن اطار صراع سياسى طبيعى كان يهدف الى اسقاط المؤتمر الوطنى فى الانتخابات دون اى اشاره لرغبة فى الثورة على هذا الحزب او اى اشارة لغير هذا الهدف
فالمصطلح /الفكره , نشا فى اطار صراع سياسى طبيعى مفترض , فى ظل ظروف انتخابات, ويشكل علنى, تتنافس فيه الاحزاب بشكل ديمقراطى وتمارس فضيلة الاعتراف ببعضها بعضا, الا ان المؤتمر الوطنى واجه هذا التحرك بحملة واسعة من القمع ادت فى ظل ظروف الفعل السياسى الذى شابه كثير من التوتر والمكايدات السياسية بين الوطنى والشعبية ابان الفتره الانتقالية , اضافة الى ظروف الحرب فى دارفور ثم احداث النيل الازرق وجبال النوبة مؤخرا الى ان تبنت الحركات المسلحة هذا الخيار باعتباره الطريق الوحيد لاى استقرار فى السودان
ان اللغة الغليظة التى تعاملت بها الانقاذ مع مثل هذه الدعوات والامعان فى تحدى تطلعات وآمال الشعوب السودانية , والنظر المتعالى لقضايا الهامش , هو الذى ادى لاستقرار هذه الفكرة فى ذهن اى سياسى فى السودان , فى ظل تبنى الانقاذ للحلول الامنية باعتبارها الطريق الوحيد للتعامل مع قضايا الوطن
فى صراع بين بين تنظيمات متكافئة يمكن ان نفهم ماقد تودى اليه المنافسة , ولكن يصبح من العسير ان نفهم ماتريده الانقاذ بمثل هذا النوع من الممارسة السياسية بين حكومة ومعارضة
اخطئت الانقاذ كثيرا فى تعاملها مع قضايا الشعوب السودانية بمنطق التحدى ولاستخفاف, كان بأمكان الانقاذ ان تطرح مبادرات تاريخية تستجيب لقضايا المعارضة بشكل يقنعها بجدية المطروح والرغبة المخلصة فى تنفيذ اجنده طنية تعصم البلد من ويلات الحروب , وتؤسس لنظام ديمقراطى يعبر بالدولة الى نظام يستجيب على الاقل الى بعض ماكتب فى دستور المرحلة الانتقالية ,من كون السودان دولة ديمقراطية تحترم التعدد العرقى والدينى , ولكن نهج الانقاذ فى ممارسة السياسة كان دائما يبدو كما لو ان الغبائن شخصية, وكأن المؤتمر الوطنى يقود معركة وجود ضد هذه الاحزاب, وكأن التعبير عن الرأى المعارض سيؤدى بشكل تلقائى الى تغييب صوت المؤتمر الوطنى الذى يبدو باهتا جدا فيما يطرح من برامج لا تقدم اى جديد للمشهد السياسى السودانى , وهذا غريب بعض الشىء فالاحزاب كلها تبدو متشابهة, وبرنامج المؤتمر الوطنى هو نفسه برنامج الامة والشعبى والاتحادى, كلها احزاب راسمالية طائفية وشبه اقطاعية , وكلها مشاركة فى السلطة , وكلها مؤيده للمرجعية الاسلامية فى الحكم
ومشكلة هذه الاحزاب فيما يبدو انها لم تستوعب جيدا الهزة الكبرى فى المشهد السياسى السودانى , التى احدثها مشروع الراحل جون قرنق نائب الرئيس السابق وزعيم الحركة الشعبية , وهذه الاحزاب فيما يبدو مثلت دائما الخصم لهذا المشروع, صحيح انها ايدته ظاهريا , ولكن هذه الاحزاب مثلت عمليا الجسم الذى ترتكز عليه ظلامات حركة الهامش التى لاتكف عن التصاعد ضد مشروع هيمنة المشروع العربى الاسلامى فى ظل السودان القديم ماقبل مشروع الحركة الشعبية و الذى يقوم على رفض هيمنة المركزية العربية على مقدرات البلاد, والمطالبة من ثم باعتراف متبادل بين هذا المركز الاسلامى العربى والهامش , يفضى فى النهاية الى تقسيم عادل للثروة والسلطة فى السودان , ومن ثم الى ديمقراطية وحريات,واحترام لثقافات واديان شعوب السودان فى دولة ديمقراطية تتنظم السودان ويصبح فيها التداول السلمى للسلطة مسالة بدهية
هذه الاحزاب اخطئت فى تخليها المجانى عن صيغة التجمع الوطنى الديمقراطى بتقديرات كانت خاطئة بكل المقاييس, رغم ان تجربة التجمع انكشف ضعفها بعد ان وقعت الحركة الشعبية على نيفاشا, الامر الذى جعلها تسارع الى التوقيع على اتفاقية القاهرة برعاية مخابرات المخلوع مبارك ,والتى لم تكن غير مجموعة من النصوص العامة والمعيبة لكونها لم تعالج اى قضية من قضايا الوطن, بل انها احالت قضايا متعلقة بالحقوق ومسألة عودة الديمقراطية برمتها لتتم معالجتها ضمن لجان لم يعرف احد ما كان ىتم داخلها ( هذا ان قامت اصلا)
هذه الاحزاب انتبهت مؤخرا الى هذا الخطأ فيما فعمدت الى صيغة جبهوية حديدة , و الواضح انها فى ظل حالة التضييق على الحراك السياسى الحالية ستظل عاجزة عن اى فعل منتج فى معارضة النظام فى ظل مخاطر الحرب القائمة التى يشنها تحالف حركات دارفور غير الموقعة على اتفاق الدوحة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بالشمال ومجموعات اخرى في الجبهة الثورية المسلحة، اضافة الى مايحدث فى الشرق، و المنحى الجديد لحركة المتضررين من السدود بعد اعتصامات المناصير، و قضية أراضي مشروع الجزيرة المقدمة إلى المحاكم السودانية والأجنبية، اضافة الى الاشكاليات العالقة بين دولتي السودان الشمالى والجنوبى
وكل هذه اسباب يفترض المراقب ان من شأنها ان تفعل دور هذه الاحزاب عبر تبنيها لمواقف محترمة, والمبادرة بتقديم بدائل اكثر معقولية تحشد حولها الناس ,و تعيد بها انتاج نفسها فى بعث سياسى وتنظيمى جديد تفرض من خلاله واقعا ديمقراطيا حقيقيا يستفيد من هذا الهامش المتاح فى الحركة على قلته بدلا من القبول بهذا الوجود الديكورى الذى يشبه مناخ الديمقراطية فى ظاهره ويقدم خدمة مجانية يستفيد منها الحكم فقط وبشكل كبير
فى المقابل تنشط حركات اليسار الجديد المتمثل فى الحركات الشبابية الجديده , والتى بدأت بشكل علنى , ثم اضطرت بفعل المواجهة العنيفة من قبل الاجهزة الامنية الى العمل وفق تكتيكات تعتمد على لامركزية القيادة, من خلال خلايا صغيره يصعب اختراقها , وتعمل بشكل منفصل فى تعبئة الجماهير على فكرة اسقاط النظام, وتتميز هذه الحركات بانها جميعا متفقة على افكار عامة فى اطار غير تنظيمى هى
علمانية الدولة ,والديمقراطية فى مقابل مشروع المؤتمر الوطنى الحضارى , الهدف الواضح والمعلن هو اسقاط النظام عبر الطرق السلمية, وفقا للوسائل المعروفة
لكن الجديد فقط هو ان هذه الحركات بدأت تطور نفسها عبر تقديم خطاب مختلف عن غيرها, فالحديث عن العصيان المدنى هو حديث غير مطروح من غيرها , لاسباب اعتقد انها متعلقة باولوليات القوى الحزبية الاخرى, هذه الحركات تقدم الان ادبا محترما يتناول هذه القضية ويحاول ان يطرح كافة جوانبها سيما فى ظل اتصال هذه الحركات بمنجز التقنية والتقدم التكنلوجى والاستعانة المستمرة بتجربة العالم فى هذا الجانب من التجارب النضالية الشبيهة حول العالم
السؤال الان هو هل افتقار هذه الحركات الى الى قيادة و مشروع فكرى سياسى يطرح برنامج محدد لاشكاليات الحكم فى السودان يؤثر على حظوظ الثورة والحراك السياسى فى السودان ؟
اتبتت التجربة ان غياب النظرية الثورية لايتقاطع وقضية الثورة باى حال من الاحوال, فالثورة تنشأ لاسباب موضوعية تتعلق بجماهير الثائرين ومجرد قيام ثورة حقيقية لاينتظر استكشاف نظرية محددة تتحرك فى اطارها , فاندلاع ثورات الربيع العربى كلها انطلقت دون اى تفكير فى اطر نظرية تسترشد بها هذه الثورات , والحراك الذى حدث فى امريكا اللاتينية منذ بداية نهاية القرن المنصرف والذى ادى لانتعاش الاشتراكية هناك لم يقم مسترشدا بغير شعور الناس بمدى الظلم الواقع عليهم , ينطبق هذا على كل حركات الهامش فى السودان , ولذلك فان ربط قضية الثورة فى السودان بضرورة وجود اطار نظرى تشترشد به هذه الثورات هو راى يحمل فى طياته كثير من العسف, ذلك انه بمثل ما ان التجربة العلمية الدقيقة آلية أساسية من آليات إنتاج المعرفة واختبارها في علوم الطبيعة، فإن الممارسة الثورية هي أيضا آلية أساسية لإنتاج المعرفة النظرية واختبارها في العلوم والحياة
تيار اليسار التقليدى مازال غائبا عن الساحة مكتفيا بالتأكيد على قضية الديمقراطية , ولا يكف عن تقديم مبادرات تبدو للمتابع متناقضة ,فهو يدعو مع الداعين الى اسقاط النظام عبر الطرق السلمية, ويدعو الى تنسيق جهود المعارضة بكافة اطرافها المتصالحة والمحاربة , ثم يدعو الى حوار وطنى تحت مظلة النظام لمناقشة قضايا بعينها, وهو موقف يمكن ان نفهم منه انه يرمى عموما باتجاه الحل الاصلاحى المتصالح مع النظام
#اسامة_على_عبد_الحليم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟