أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادر قريط - سوريا -خلصت- والأزمة بخير














المزيد.....

سوريا -خلصت- والأزمة بخير


نادر قريط

الحوار المتمدن-العدد: 3643 - 2012 / 2 / 19 - 16:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان آباء الإستقلال قد إختاروا يوم 6 مايو/أيار عيدا للشهداء، لتخليد ثلة من الوطنيين الذين شنقهم العثماني جمال باشا (السفاح) فهل تتسع الآن أوراقُ الروزنامة لدماء أبنائهم؟

كلّ ذي بصيرة كان يعلم أن شعار "إرحل" لن تتسعه طائرة، أو سرير في محكمة، بل مساحة من الفوضى والإحتراب. وكلنا يعرف كيف بدأت الحكاية، فالنظام الذي أرعب الناس، أرعبته بضعة شعارات كتبها صبية درعا على الحيطان، حينذاك سارعت القبضة الحديدية للبطش، وحجب وسائل الإعلام، ومنع الإعتصام، ظنا بأنها أمام تقليعة فيسبوكية وعبث صبياني سينتهي في مهده (ففي سوريا النعيم والرفاه لا مكان للثورة!) وبهذا إنطلق بركان المكبوت، فجوبه بعنف مضطرد وبأدوات إعلامية ركيكة، ووعود إصلاح، لا تمسّ كينونة النظام. وبهذه العجرفة يكون النظام قد أشعل الثورة، ثم زادها لهيبا بإرتكاب كبيرتين:

الأولى تمثلت في إنشاء ميليشيا الشبيحة، وزجّها بوجه المتظاهرين بدل حمايتهم حسب منطق الدولة، وفي هذا ترخيص ضمني لولادة أية ميليشيا مضادة، وبالتالي تشريع للإحتراب الأهلي.

والثانية كانت في إقحام الجيش النظامي للمدن والبلدات، الأمر الذي دفع لإنشقاقات تحوّلت بمرور الأيام إلى أداة عسكرية لحفظ وديمومة الإحتجاج. وتحوّل كثير من الأرياف والبلدات والمدن إلى حاضنة للثورة وبؤر لحرب العصابات، خصوصا في المناطق المُهمشة التي كانت ضحية لإقتصاد السوق المافيوزي والبطالة والإنفجار السكاني وأمور عديدة، جعلت الحياة عبئا ثقيلا يَسهُل الموتُ دونه.
وحيث ينعدم الأمل، تُغلَقُ نافذة السياسة (فن الممكن) وتشرع الثورة أبوابها بإعتبارها فن المستحيل، وبهذا يمكن فهم الشجاعة الأسطورية التي ميّزت الإحتجاج السوري، وجعلته يستخف بالموت ويصمّ أذنه عن شعارات الممانعة (الميتافيزيقية) التي لم تطعم جائعا، ولم تقتل ذبابة.

وبرغم تعقيد المشهد دوليا ومحليا، وإذ لا حلّ في الأفق، سوى توسل الأمنيات وإنتظار المعجزات، التي تسمح بتداول سلمي، يحقن الدماء، ويحفظ البلاد من روح الثأر ووصاية الدم، فإننا بلا ريب أمام حرب عصابات مريرة وطويلة الأجل، توفرها حاضنة شعبية كبيرة، ودعم سخي من دول المحيط (والخليج) وهذه مقتلة للشعب ناهيك عن الجيش، الذي يتمدد مضطرا فيضعف، أو يتمركز فيخسر الأرض، إنها بديهية فأمريكا بكل جبروتها لم تهزم "البشتون"

إن أبجدية العصر التي تغضّ بصرها عن أنظمة بترولية قروسطية، توفر الخبز والرفاهية لرعاياها، لا تحتمل بقاء نظام حكم يحتقر حياة محكوميه، ويكمم أفواههم، ويقذف بهم لتسول الرغيف في المنافي.

هذا النظام الذي كرسته الحرب الباردة، بقشور قومية حداثية تحررية اشتراكية. ومضمون شمولي عنفي، أسقط كل شعاراته، حتى الشمولية بمحمولها الحداثي العلماني كانت بمنأى عنه، لأنها تفترض قبض الدولة على دفة الثقافة والتربية، وهذا لم يحصل أبدا. وبدل ذلك ومن أجل ترقيع شرعية الأمر الواقع، قام النظام بمحاباة سدنة الموروث وشراء ولائهم، مقابل إطلاق يدهم لترويض العقل الجمعي، كل ذلك، يعود إلى أن نواته تتكثف حول عصبيات ما قبل الدولة الحديثة، حيث حكم السلالة وقادة الجند والوعاظ والتجار، والمماهاة المطلقة بين الدولة ونظام الحكم، وكسب الشرعية من خلال إخضاع المحكوم كرها أو طواعية.
وربما يكون طرح الدستور على الإستفتاء، مثالا صارخا لعقم الإستبداد، فالدستور هو مرآة لعقد إجتماعي يشترط حضور أطرافه لإبرامه، فهل حضر الوكيل المسيحي يا ترى، ووافق على إخصائه وطنيا؟ وإذا كان منصب رئيس الدولة يُدستر حسب الصدفة البيولوجية، فلمَ لا تُوزّع باقي حقائب الدولة بنفس الطريقة؟!
المشكلة الحقيقية أن النظام الحاكم في بنيته العميقة هو الأشد بؤسا وغلاظة، فالأنظمة القروسطية كانت دائما مضبوطة بقواعد العصبية، ومؤطرة بأرثودوكسية دينية، ترفض الحداثة العقلية جملة وتفصيلا، لكنها عموما تلتزم بمبادئ العقد الإجتماعي (العُرف والتقليد) بعكس النظام السوري الذي يستخدم الحداثة بكفاءة عالية وميكافيلية مقيتة، تكاد تخلو من قواعد الضمير.
في سوريا فقط يُقتل الإنسان ثم يُقتل مشيعو جنازته، في سابقة لم يألفها تراث الأنسنة، الذي عرف منذ العصر الحجري تقاليد الدفن وجلال الموت ومهابته.



#نادر_قريط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار الإفتراضي
- سقوط خيمة العقيد
- القانون: دين الدولة؟
- مواء عربي فصيح
- تقسيمات: على قرع الطبول
- أدونيس: في حضرة تاتانوس
- سوريا (دليل غير سياحي)؟
- بقايا مواطن سوري
- كابوس الثورة المضادة
- مبروك وكل ثورة وأنتم بخير
- فخامة الرئيس المنصف المرزوقي:
- الثورة اللا إسلامية
- حدثنا عن الإسكندرية قال:
- الكتابة خارج الإطار
- بدايات الإسلام -الطبري-
- نادر قريط في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الديني والد ...
- ماركس والأفيون
- هرطقات (إسرائيل والكاستراتو)
- نقد النقد الديني: المقال 100 في الحوار المتمدن
- قبور بلا عظام


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادر قريط - سوريا -خلصت- والأزمة بخير