|
حكم حماس في غزة.. واستقالة فصائل منظمة التحرير
حسن شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 3642 - 2012 / 2 / 18 - 23:57
المحور:
القضية الفلسطينية
ستة سنوات بالتمام والكمال مرت على الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، التي حملت غالبية "حمساويّة" إلى المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية. كانت النتيجة صادمة بكل المقاييس، سواء بالنسبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي وجدت نفسها أمام سؤال الشرعية، ومن طرح السؤال هذه المرة كان الشعب الفلسطيني لا قوى خارجية. كذلك الأمر بالنسبة إلى حركة فتح، الفصيل الأكبر، والقائد للثورة الفلسطينية، والتي استأثرت قيادتها بقيادة المنظمة طوال أربعة عقود خلت. وجدت نفسها، ولأول مرة في تاريخها، أمام سؤال المحافظة على موقع الحركة القائدة. كانت الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، تعبيراً عن تحول جذري في المزاج السياسي للشارع الفلسطيني، الذي كفر قسم كبير منه -لا بل القسم الأكبر كما بيّنت الانتخابات- بمرجعيته التاريخية، التي قادته عبر طريق طويل من الخيبات، وظنت –وهي نظام مستبد لها ما لأنظمة الاستبداد من صفات وطبائع- أنها تمتلك تفويضاً مفتوحاً من الشعب، تستطيع بموجبه لا أن تتفاوض باسمه فحسب، بل أن تعيد تحديد وترتيب أولوياته وأهدافه وحتى آماله وتطلعاته. وأصبح المشروع السياسي لقيادة المنظمة -شيئاً فشيئاً، وفي ظل نظام الاستبداد، الذي يفتح الباب بلا حدود أمام تنامي المصالح الذاتية الضيقة- متمايزاً عن ذلك الذي رفعته عند انطلاقتها، والذي على أساسه التف الشعب الفلسطيني حولها كممثل شرعي ووحيد له. وما لبثت قيادة المنظمة، ومعها فتح، أن خسرت غزة كنتيجة منطقية لتعاطيها باستخفاف مع دروس انتخابات 2006. فعوضاً عن أن تقوم بعملية مراجعة شاملة للسياسة والأدوات والأشخاص التي قادتها إلى الهزيمة؛ كرست جهدها للالتفاف على نتيجة الانتخابات بالتواطؤ مع القوى الدولية النافذة. ولولا عوامل لا شأن لها بموازين القوى الداخلية لخسرت الضفة أيضاً. لقد كان لصعود حركة حماس الكبير، وتنامي قوتها الشعبية والعسكرية، خلال السنوات التي تلت اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ومنازعتها لشرعية التمثيل الفلسطيني؛ أسباب ومقدمات عديدة، الكثير منها يتعلق بعوامل ذاتية تحسب لحركة حماس، من أهمها: أداؤها الكفاحي البارز خلال انتفاضة الأقصى، وتبنيها للمقاومة كنهج سياسي نقيض لنهج التسوية الذي تبنته المنظمة، وبنائها لهيكل قيادتها على أسس فيها الكثير من مبادئ الديمقراطية، تضمن القيادة الجماعية وتداول السلطة وتفتح الباب أمام تجديد دماء القيادة باستمرار، هذا علاوة على الموارد المالية الكبيرة التي أمنتها لها تحالفاتها الإقليمية. إلا أن تلك العوامل الذاتية الخاصة بحركة حماس، ليست وحدها وراء صعود الحركة على حساب المنظمة وقواها، فهناك الكثير العوامل التي تعود للمنظمة وفصائلها المختلفة، وربما كانت هذه العوامل هي الأهم والأكثر تأثيراً، منها ما يخص حركة فتح كقائدة للمنظمة، وأخرى تخص باقي الفصائل وخاصة اليسارية منها. وبالنسبة لفتح، يمكن إبراز عوامل عديدة، من أهمها: وصول الخيار السياسي الذي تبنته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى طريق مسدود، ورغم ذلك، مازالت قيادة المنظمة التي هي قيادة فتح مصرة على خيارها هذا وتعتبره خيارها الوحيد. تراجع الأداء النضالي لفتح، وحتى العمليات الكفاحية التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى، جناحها العسكري، لم تُراكِم في رصيد الحركة السياسي، بقدر ما راكمت في رصيد دعاة المقاومة والكفاح المسلح وعلى رأسهم حركة حماس. فكيف يُراكِم فعل في رصيد من يُدينَه وينكره صباح مساء؟!. استشراء الفساد في جسد المنظمة والسلطة الفلسطينية، التي تقودهما وتهيمن عليهما فتح وقيادتها، وسوء إدارة الوظائف الحيوية التي تولتها السلطة في الضفة والقطاع، كالصحة والتعليم والإدارة المحلية. في الوقت الذي كانت فيه مؤسسات تتبع لحركة حماس كالجامعة الإسلامية في غزة، مضرباً للمثل في جودة الإدارة وحُسن التسيير. كذلك الفَلتَان الأمني، الذي كان سمة للسنوات الأخيرة من حكم فتح في غزة، والذي ساهمت فيه مجموعات عسكرية، بعضها يتبع مباشرة لأجهزة أمنية أو مرتبط بها، وبعضها الآخر يتبع لعائلات كبرى، وأخرى تعلن عن نفسها كفروع لكتائب شهداء الأقصى، ومعظمها تدور من حيث التمويل والرعاية في فلك السلطة أو نافذين فيها. ومن بين العوامل بروز مراكز القوى داخل حركة فتح، والصراعات فيما بينها، ما شتت جسد الحركة، وحولها إلى جُزر متناثرة يجمعها العنوان. تركّز قرار الحركة ومواردها بيد الرئيس، سواء الراحل ياسر عرفات أو الرئيس أبو مازن من بعده، وسيطرة جيل المؤسسين على هيئاتها القيادية، واحتجاز الطاقات الشابة داخل الحركة في الهيئات والمستويات القاعدية وإغلاق الباب أمام صعودها وترقيها. أما باقي فصائل المنظمة، فربما كانت الخاسر الأكبر من لعبة الصعود والهبوط بين حماس وفتح، فإن كانت فتح تواجه سؤال القيادة، فباقي فصائل المنظمة، وتحديداً اليسارية منها، وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام سؤال الوجود، بوجهه الأصفر الشاحب. فعلاوة على أن فصائل اليسار مجتمعة لم تتحصل سوى على حوالي 4% من مقاعد التشريعي، كانت في الصراع بين فتح وحماس ضائعة ومشتتة، وأقصى ما تمكنت عمله هو لعب دور فرقة إطفاء أينما تسنى لها ذلك، ولم تنجح في طرح برنامج بديل يمكن أن يستقطب الناس ويقنعهم. وقد دأب قادة ومفكري اليسار إلى عزو هذا التراجع لضعف الموارد المالية وغياب حلفاء دوليين وإقليميين بارزين لقوى اليسار بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وهو تحليل لا يجانب الصواب، لكنه غير كاف لوحده لتبرير ضمور وتآكل شعبية اليسار في الحالة الفلسطينية، رغم إرثه النضالي والكفاحي المشهود. فهنالك سبب آخر لا يقل أهمية، وهو ارتباط قوى اليسار بعلاقة عضوية "بمؤسسة" قيادة منظمة التحرير. وهي علاقة نمت وتطورت مع الزمن، شكلتها خيارات وقرارات بدت، حين اتخذتها فصائل اليسار، عابرة ومؤقتة، لكنها لم تكن كذلك. وأسست، هذه الخيارات والمواقف، لنسق العلاقة العضوية التي سرت تفاعلاتها وارتداداتها في جسد فصائل اليسار، وأحدثت فيه ما أحدثت من تشوهات وانحرافات. هذا دون التقليل من دور قوى اليسار في معارضة قيادة المنظمة المهيمنة، في العديد من المحطات المفصلية في التاريخ الفلسطيني المعاصر، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى حد القطيعة... اللانهائية بالطبع. وقد سارت هذه العلاقة في قنوات رسمية وغير رسمية، على مستويين مالي ومؤسسي. وكان مظهرها الأبرز هو تلقي الفصائل مخصص مالي شبه منتظم من قيادة المنظمة، يرتهن انتظام صرفه بمدى تطابق مواقفها مع موقف القيادة، إضافة إلى استيعاب جزء من كوادر هذه الفصائل في مؤسسات المنظمة ووزارات السلطة. كل ذلك وفق آليات بعيدة كل البعد عن معايير الشفافية والإدارة الرشيدة، بحيث تصبح قوى المعارضة عملياً، شريكة بشكل أو بآخر في بيئة الفساد التي أشاعتها قيادة المنظمة. هذا علاوة على تمتع عدد من قيادات المعارضة بمزايا علاقتهم، التي بدأت تنظيمية وأضحت مع الوقت شخصية، مع أعضاء بارزين في قيادة المنظمة، فتحصّلوا منهم على هبات وعطاءات مالية -تحت بنود مختلفة- لهم ولأبنائهم ولأقربائهم ولمحاسيبهم. ووصلت الأمور في كثير من الأحيان لأن يصبح مندوب الفصيل لدى القيادة، مندوباً للقيادة في ذلك الفصيل. فأصبحت فصائل المعارضة داخل المنظمة، بالمحصلة، خاضعة للصيغة اللاديمقراطية لإدارة موارد المنظمة، ولهيمنة "مؤسسة" القيادة على القرار في مؤسسات المنظمة التمثيلية. فكانت تعارض سياسات القيادة دون المساس بمكانتها وشرعية تمثيلها التي كانت دائماً خطاً أحمر لا تتجاوزه، فيتبدى موقفها –الذي تعوزه الممارسة- كخطاب طوباوي في أحيان وديماغوجي في أحيان أخرى. لقد جاءت سيطرة حماس على غزة في حزيران 2007، وفصائل المنظمة على هذه الحالة من الضعف والعجز. وعلى الرغم من السياسات والممارسات غير الشعبية، التي ميزت أداء سلطة حماس في غزة، من تعدٍ على الحريات العامة، وتعسف في ممارسة السلطة، وغياب للشفافية المالية فيما يخص موازنة حكومتها وتجارة الأنفاق التي تجري في عروقها أموال طائلة تقدّر بمليارات الدولارات سنوياً، وحالات الاعتداء المتكرر من مجهولين –معلومين- على ناشطين سياسيين وحقوقيين وصحافيين وفنانين والمقاهي ومحلات الحلاقة النسائية، وكنائس ومراكز اجتماعية مسيحية. على الرغم من كل ذلك، فشلت فصائل المنظمة، وخاصة فصائل اليسار، في أن تستثمر السخط الشعبي المتنامي على سياسات حماس الداخلية، لتنهض بأوضاعها في القطاع، وتمارس معارضة جدية للحكم المستبد الذي أقامته حماس في غزة، والمشابه –والشيء بالشيء يذكر- في استبداده وقمعه لنظام السلطة في الضفة. لقد كان رد فصائل اليسار على سياسات حماس في غزة –كما هو ردها على سياسات السلطة في الضفة- إما بالصمت أو بالبيان السياسي أو بتنظيم اعتصامات، بمشاركة جماهيرية محدودة، سرعان أن تنفض أو تُفض. حتى الحراك الشبابي لإنهاء الانقسام، والذي كان شباب اليسار في طليعته والمحرك النشط له؛ دعمته قوى اليسار من بعيد، وتلطّت القيادات خلف ظهور الشباب الذين واجهوا القمع والاعتقال والتنكيل. لقد أصبح التغيير الثوري داخل قوى المنظمة، ضرورياً وملحاً أكثر من أي وقت مضى، بل هو وجودي بكل ما للكلمة من معنى. وإن لم يأت هذا التغيير بمبادرة من كوادرها؛ فإن جمهورها سينتج بديلاً قادراً على القيام بتلك المهام. فالحزب في النهاية هو أداة ووسيلة، ولم يعد ممكناً لتلك القطاعات من الجمهور الفلسطيني، ذات التوجه الليبرالي أو اليساري، التي من المفترض بقوى المنظمة أن تمثلها؛ أن تصبر إلى الأبد، على أدواتها المعطلة الصدئة.
#حسن_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المتطوعون العرب في الثورة الفلسطينية: الحجم، التأثير، والاست
...
-
قوى المقاومة وضرورة المراجعة
-
استحقاق أيلول: من يُنزل أبو مازن عن الشجرة؟
-
غزة على طريق الإمارة الإسلامية
-
ظاهرة -الفلتان الأمني- في فلسطين: الجذور، التجليات والنتائج
-
دراسة تحليلية حول نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثا
...
-
أزمة اليسار... وفرصة النهوض
-
حصاد موسم الانتخابات الفلسطينية
-
اجتياح جباليا ... تواطؤ رسمي وتبلد شعبي
-
ملامح المرحلة ... واستعداد إسرائيل لإنهاء الصراع
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|