أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان محمد شناوة - الشخصية العراقية وقسوتها المرعبة ....















المزيد.....


الشخصية العراقية وقسوتها المرعبة ....


سلمان محمد شناوة

الحوار المتمدن-العدد: 3641 - 2012 / 2 / 17 - 20:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الشخصية العراقية وقسوتها المرعبة ....

العنف في الشخصية العراقية تحتاج إلى وقفة وبحث ودراسة , تحتاج إلى نقاش وبحث في كل الآراء الممكنة والتي ناقشت سلوكيات هذه الشخصية , والتي توقف عندها كثير من الباحثين وأعطوها صفات ربما هي ليست لها , وكان هناك مغالاة في وصفها أو ربما هناك خطأ في تشريحها وإضافة النتائج إليها ... بحيث أصبحت هذه السمات للشخصية العراقية وكأنها حقيقية مؤكدة , تداولها الكتاب في كل كتابتهم أو الإشارة إليها في اللحظة التي تذكر بها الشخصية العراقية ....

طالما طرح كل من تناول التاريخ العراقي القسوة والانتقام والعدوانية والتطرف والأنانية والتعصب والدموية الشديدة والعنف المصاحب لكل أطوار التاريخ العراقي , طالما تساءلوا عن القسوة المبالغ فيها , وحالة التشفي التي تصاحب الانتقام الشديد الذي يصاحب الكثير من الأفعال وردة الفعل المضادة ...

يقول باقر ياسين ( تاريخ العنف الدموي في العراق ) ... قد يكون من النادر أن يُذكر العراق وأهل العراق في حديث، دون أن تـُذكر ظاهرة العنف الدموية اللصيقة بهذا الشعب. والغريب أن العراقيين لم يجدوا في وصفهم بالعنف والقسوة والدموية أي غضاضة أو منقصة أو إحراج .

ويقول علاء الدين القبانجي " تتصف سيكولوجية المجتمع العراقي بأنها ما زالت عنيفة الروح والسلوك، دموية البطش، متطرفة الانتقام، عالية الأنا، شديدة الغرور، عظيمة الكبرياء، وحساسة المزاج والتطبع .

في سنة 1621 استطاع ضابط شرطة اسمه بكر صوباشي إن يستولي على ولاية بغداد , فقام احد مساعديه اسمه محمد قنبر إن يقول بمحاولة انقلابيه عليه وفشلت أخر الأمر فماذا فعل بكر صوباشي به , تقول الوثائق إن بكر ابدي لقنبر وابنيه منتهى الكراهية والانتقام القاسي , فقد قيدوا بالسلاسل ووضعوا في زورق مملوء بالكبريت والقار ثم احرقوه فماتوا أشنع ميتة , وبذلك شفى بكر غليله بفتل أعداءه برؤية العين وسمع الإذن حتى غطست أخر ذرة من الرماد في دجلة , ولاقى سائر الأسرى مثل ذلك من سوء المصير .....
بعد ذلك بسنوات وبعد كانت الخيانة وقام محمد درويش ابن بكر صوباشي بفتح الأبواب للقوات الغازية , وتم معاقبة بكر صوباشي وبحضور ابنه محمد حيث جئ به مكبلا ولم تترك أية وسيلة وأي نوع من القسوة في تعذيبه وقتله ... (( أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث )) .....

حقيقة خلال مسيرة قرن كامل نجد إن هناك أشبه ما يكون بدورة العنف في العراق , حيث استهل القرن العشرين باحتلال بريطاني من 1914 – 1918 , انتهى بثورة العشرين , ثم كان العهد الملكي في 1921 وأثناء مسيرته كان هناك انقلاب يكر صدقي وتصفية أول وزير دفاع عراقي جعفر العسكري .. وانتهى هذا العهد بمذبحة قصر الرحاب في 1958 , ثم العهد الجمهورية والذي بدا بعهد عبد الكريم قاسم , والذي انتهي بمذابح 8 شباط 1963 , ومع حدوث مجازر على مدى أيام من قبل البعثيين ضد كل من الشيوعيين والقاسميين ، وحفلات تعذيب مرعبة بحق قياديين ومسؤولين حزبيين ، وعدد كبير من الشيوعيين الذين قتلوا ، إذ يذكر صالح مهدي عماّش للرئيس عبد الناصر إن البعثيين حصدوا أربعة آلاف شيوعي .. وهناك من حشر في قطار سموه بـ " قطار الموت " إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي وكانت رحلة عذاب ونهايات مريرة لم نشهد مثلها في أي بلد مجاور ! .

وابتداء العهد الجمهوري الثاني وفترة حكم الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف والذي انتهي , بانقلاب 1968 , ثم كان حكم صدام حسين والذي كان بدايته مجزرة قاعدة الخلد , ثم كان تسفير العراقيين إلى إيران وبداية الحرب لعراقية الإيرانية , وضرب الأكراد , وحرب الكويت الأولى 1991 , ثم حالات الانتقام والانتقام المضاد والذي صاحب الانتفاضة الشعبانية , والحصار الذي استمر 10 سنوات لينتهي بحرب الخليج الثالثة وسقوط النظام العراقي ..... ليدخل العراق في دوامة عنف جديدة منذ 2003 , دوامة عنف ابسطها القتل على الهوية وقطع الرؤوس , وقتل لخر والتهجير العرقي والطائفي , مرورا بتفجير سامراء والذي فتح صفحة جديدة من القتل والقتل المضاد ........ فهل هي دورات عنف مستمرة لها بداية ونهاية .... ودورات العنف هذه مستمرة , لوجود الفرد العراقي , والذي يتصف بالصفات الدموية والقسوة والتمرد وحالة عدم الاستقرار النفسي , وهو هو هكذا .....

يقول الدكتور قاسم حسين في مقاله سيكولوجية الشخصية العراقية ... يكفي أن نشير إلى أن السلطة في تاريخنا العربي والإسلامي تنفرد عن باقي السلطات في العالم أن في قصور حكامها خزائن كانت تحفظ بها رؤوس الخصوم !. وللتذكير فأن قطع الرؤوس ما كان من ابتكار أمراء الإرهاب في العراق . فقد ذبح السلف ابن بنت نبيهم ، وطافوا برأس الحسين في أمصار العرب والإسلام ( إشاعة ثقافة العنف) . وقتل معاوية عمر الخزاعي ورفع رأسه على رمح من الموصل حتى دمشق، ثم رموا رأسه في حجر زوجته الرهينة . ورمى هشام بن عبد الملك رأس الإمام زيد بن علي في حجر والدته . ورمي رأس مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في حجر ابنته . ورمى أبو جعفر المنصور رأس إبراهيم أخي النفس الزكية في حجر والده عبد الله بن الحسن . ورمي رأس المعتز بالله في حجر جاريته . ورمي رأس ابن الفرات في حجر والده الوزير قبل ضرب عنق الأخير ...

يقول احدهم رأيت في هذا الجامع عجبا ويقصد به جامع الكوفة ... رأيت رأس الحسين يحمل إلى عبيد الله بن زياد , ورأيت رأس عبيدا لله بن زياد يحمل إلى المختار الثقفي , ورأيت رأس المختار يحمل إلى مصعب بن الزبير , ورأيت رأس مصعب بن الزبير يحمل إلى عبد الملك بن مروان ....

يقول صاحبي ... حقا انه امرأ عجباً ... ولكن الحقيقة إن هذا الأمر لا يتم إلا في العراق ....

يقول لي صاحبي هذا ..... من ملاحظاتي للشخصية العراقية اقول جازما , إن الإمام الحسين ما كان يقتل لو اتجه إلى بلد أخر غير العراق , وان أهل تلك البلاد ربما وجدوا طريقة أخرى تجنبوا بها قتل حفيد رسول الله ... لكن توجه الإمام الحسين إلى الكوفة بالذات هو الذي خلق هذه المأساة الفظيعة في التاريخ .... وأهل الكوفة هم الذين وضعوا اللبنة الأولى لتشكل الشخصية العراقية المنقسمة بين شيعيتها وسنيتها ..... وهذا الانقسام هو البداية , لما وصفه الوردي بازدواجية الشخصية العراقية اليوم ...

يخاطب الأمام علي أهل العراق .... (( يا أشباه الرجال .... لوددت إني لم أعرفكم معرفة , والله جرت ندما وأعقبت سدما , قاتلكم الله , لقد ملأتم قلبي قيحا , وشحنتم صدري غيضا , وجرعتموني نغب التهام أنفاسا , وأفسدتم رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش , إن ابن أبي طالب , رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب , ولكن لا رأي لمن لا يطاع )) .....

السؤال المطروح هنا من هم أهل العراق الذين يقصدهم الإمام علي , هل هم العرب أم سكان العراق الأصليون , الحقيقة المقصود بأهل العراق هم العرب الذين سكنوا الأمصار والتي بناها العرب بعد الفتح الإسلامي في الكوفة والبصرة , وهم كذلك هم القبائل العربية والتي تشكل منها جيشه في حرب الجمل وصفين والنهر وان ....

والأمام علي حين يقول هذا الكلام إنما يشير بشكل واضح إلى أهل الشام والذين هم أسهل انقيادا لمعاوية من أهل العراق للإمام علي ..
والسؤال الثاني .. إذا كان الإمام علي تعب وتألم من أهل العراق لماذا اتجه في دولته إلى العراق والكوفة بالذات ولم يبقى في المدينة ... عاصمة الرسول والخلفاء الراشدون قبله ....

يقول العقاد (( تولى علي بلادا كلها نزاع من أمر الخلافة إلى اصغر الأمور , فنازعه الخلافة طلحة والزبير , وأحاط به رهط من المتزمتين المتفقهين , يسألونه عن الكبيرة والصغيرة , ويجتهدون اجتهادهم في كل شؤون السياسة ... فكانت أعباء الخلافة كلها على علي , وكانت أحوال الملك كلها مع معاوية ..... وكان الناس مع علي ينظرون إلى سنة النبي وسنة الشيخين ومع معاوية ينظرون إلى أحوال الملك عند قيصر وملوك بيزنطة......

وحتى نرى عمق المسائلة نجد إن الخوارج خرجوا من جيش علي ومن أهل العراق بالذات .... ولم يخرجوا في أهل الشام ... وهكذا نرى الإمام علي يقول (( يا أهل العراق , ما شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر كاذب , إلا كنتم أشياعه وأتباعه وحماته وأنصاره )) ....
انها الروح المتمردة القلقة الحائرة في صدور العراقيين ....

والسؤال المطروح , هل تاريخ العنف في العراق بدا من علاقة الإمام علي مع العراق .... أم يمتد إلى ابعد من ذلك ....

يقول طه باقر في كتابه ( مقدمة في تاريخ الحضارة – تاريخ العراق القديم ) .. " تمتاز البيئة التي نشأت فيها حضارة وادي الرافدين بالعنف والشدة من ناحية تبدلان مواسمها وطغيان أنهارها، مما جعلها تمتاز بالحدة والتوتر وتوقع المفاجآت والفواجع " , فمثلا إن مزاج حضارة وادي النيل يتسم بطابع الاعتداد بالانجازات وشعور الطمأنينة بالسيطرة على البيئة , بحيث جعلت رأس المجتمع ألها , أي أنها الهت ملوكها وجعلتهم إلهة في الحقيقة وليس من باب التقديس أو المجاز , إما الطابع العام لمزاج حضارة وادي الرافدين العنف والتشاؤم والتوتر والتأزم وتوقع المفاجآت , وتطغي عليها الناحية العملية في الحياة , .... و الصفة الغالبة لإلهة وادي الرافدين القوة والبطش والتقلب , وليس من باب الصدفة إن تخلو آداب حضارة وادي النيل من أخبار الطوفان , في حين إن الطوفان يكون موضوعا رئيسيا في آداب حضارة وادي الرافدين ... كذلك يعتبر وادي الرافدين إقليما مفتوحا تقريبا بعكس وادي النيل والذي يعتبر إقليما مغلقا تقريبا , لذلك شهد وادي الرافدين الكثير من الغزوات العنيفة وهجرات الأقوام الكثيرة واختلاط السكان واتصال الثقافات وما يستتبع ذلك من عنف وتدمير وتطور وتبدل في التكوين السياسي والاجتماعي ....

أنها جغرافية وطقس وبيئة العراق من شكلت الإنسان العراقي بهذه الصورة .... أنها قسوة الطبيعة والظروف الجوية وتقلباتها , والعراقي هو صورة كاملة التفاصيل لدجلة والفرات , وجبال الشمال والسهول الرسوبية للمنطقة الوسطى والجنوبية , وهو كذلك الصحراء الممتدة من عمق الجزيرة العربية مرورا ببادية الشام ... الطبيعة وقسوتها هي العراقي وقسوته ودمويته .

يقول قاسم حسين صالح في مقالته (( العنف في الشخصية العراقية )) المنشور على موقع الحوار المتمدن " رحت اجتهد في إيجاد تفسير لهذا السؤال: -

لماذا يكون العنف في الشخصية العراقية بهذه القسوة والبشاعة ؟

ولقد وجدت أن إحدى الصفات الغالبة في الشخصية العراقية هي أن (( الموقف )) الذي تكون فيه يتحكم بها أكثر من العقل . وأنها تتصرف بأسلوبين متطرفين ومتناقضين ، وكأن في داخلها ( ملاك رومانسي ) يغني بطرب وينثر الفرح والحب على الناس ، عندما تكون في أوقات الراحة والطمأنينة ، و(وحش هائج ) عندما تكون في أوقات الأزمات .

لكن ..... هناك من يقول إن هناك نمطية في وصف الشخصية العراقية , والنمطية تعني هنا مثلما قال فارس كمال نظمي في مقاله (( الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية(دراسة ميدانية) والمنشورة في الحوار المتمدن ....

و(الصورة النمطية)(( Stereotype )) , هي مجموعة من التعميمات المتحيزة والمبالغ بها، يكوّنها الفرد عن خصائص جماعة معينة من الناس، تتخذ شكل فكرة ثابتة يصعب تعديلها، حتى إذا توافرت الأدلة على خطئها)) ...

ويقول "إن الحضارة الغربية أسهمت جزئياً في تشكيل بعض هذه الاعتقادات الجامدة لدى أبناء الشعوب النامية عن أنفسهم، إذ اتجه بعض العلماء الغربيين لإبراز الصفات الدموية العدوانية في بعض المجتمعات المتخلفة التي احتكوا بها ولاحظوها. وقد مالوا انطلاقاً من تحيزات وأحكام مسبقة إلى تعميم هذه الصفة على سكان تلك المجتمعات، حتى وصلوا حد الزعم بأنها خاصية أنثروبولوجية عند الأقل تحيزاً منهم، وبأنها خاصية إحيائية عند الأشد تحيزاً منهم، غافلين بذلك عن ربط العدوانية ببنية المجتمع والشرط الوجودي للإنسان فيه ".

ويقول " إن المجتمع العراقي لا يخرج عن هذا الإطار ، إذ تشير الملاحظات اليومية إلى أن هناك اعتقاداً متداولاً بين الأفراد، مضمونه: ((إن القسوة والانتقام والعدوانية والتطرف والأنانية والتعصب، هي خصائص سائدة في سلوكنا نحن العراقيين)) .

وعلى الرغم من أن الصور النمطية يمكن أن تساعد الفرد في التعامل مع تعقيدات البيئة الاجتماعية، إلا أن معظم المنظـّرين في العلوم الاجتماعية يرون أن لها تأثيراً ضاراً على الشخص الذي يحملها وعلى المجتمع عامة، ذلك أن منظورها المتحيّـز يجعلها تحرّف الواقع الاجتماعي، فضلاً عن أنها لا تولـّد أخطاء إدراكية فحسب،بل يمكن، وبسبب تصلبها، أن تمنع التغيرات الاجتماعية البنـّـاءة. ولذلك فإنها توصف في حالات كثيرة، بالمكوّن المعرفي للتعصب prejudice

الحقيقة هناك نظريتان تتنازعان في شرح العنف في الشخصية العراقية , نظرية عنف السلطة والصرع على السلطة والتي يروج لها د . قاسم حسين صالح ونظرية (( البداوة والحضارة )) والتي يروج لها الدكتور الوردي ....

يقول الدكتور قاسم حسين صالح ....

إن البذرة الولاّدة للعنف في الشخصية العراقية – التي نتجرع ثمارها القاتلة الآن – زرعت في أرض المشهد الكربلائي عام 61 هجرية ، الذي يؤشر بداية الصراع على السلطة في العراق بعد ظهور الإسلام . فمنذ ذلك العام صارت في العراق جبهتان : جبهة السلطة وجبهة العامة من الناس ، كل واحدة منهما ترى نفسها أنها على حق والأخرى على باطل . فجبهة السلطة ترى أن الخليفة أو الملك أو السلطان إنما هو " حمى الله في بلاده وظلّه الممدود على عباده " . وأن " إمام غشوم خير من فتنة تدوم " . و أن " طاعة الأئمة = الخلفاء أو السلطة ، من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله " . وأنه " إذا كان الإمام = الخليفة أو الملك أو رئيس الجمهورية ، عادلا فله الأجر وعليك الشكر ، وإذا كان جائرا فله الوزر وعليك الصبر ".

وهكذا لوت السلطة الدين وجعلته في خدمة السياسة ، ورأت نفسها "لاسيما في زمن الدولتين الأموية والعباسية " أن حكمها إنما هو حق مفوض من الله ، وأنه حق مطلق لها مهما فعلت " = الدكتاتورية المطلقة بالمفهوم الحديث " . وانه ما على الناس إلا الطاعة والخضوع والصبر .

أما جبهة العامة من الناس فقد رأت في السلطة أنها مغتصبة للحكم ، وأن الإطاحة بها واجبة ، وأن القصاص من الذين ارتكبوا الظلم وخرجوا على تعاليم الدين واجب أيضا من أجل إقامة العدل .

ومن يومها نشأت قطيعة نفسية بين الجبهتين " السلطة والناس " دفعت كل واحدة منهما إلى استخدام ما لديها من وسائل العنف والعدوان . فمارست جبهة السلطة القتل وإشاعة الخوف والرعب على أيدي قادة بينهم من كان طامعا في الحكم والثروة ، أو مصابا بعقدة الشعور بالنقص ، مثل الحجاج ، الذي يستمتع بسادية قطف الرؤوس ، وزياد ابن أبيه " = ابن زنا " الذي تكفل بالقضاء على كل العناصر المناهضة للحكم الأموي في العراق ، ولاقى العراقيون على يديه ألوان القتل والصلب والتقطيع والتمثيل ، التي تشفي لديه بعضا من عقدة مجهولية الأب !.....

ويشرح قاسم حسين صلح نظريته (( الصراع على السلطة )) قائلا ....

أولا .... انه يختلف مع فرويد والذي يقول إن الإنسان عدواني بطبعه ولكن يكون أشد ضراوة من الوحش حين يتعرض إلى" الإحباط اليائس "...أعني عندما يعاق أو يحرم من تحقيق أهداف وإشباع حاجات يراها مشروعة ، مصحوبة بمشاعر الحرمان النفسي والاعتباري ، وبالذات عندما يدرك أنه أو جماعته يحصل على أقل من استحقاقه ، أو أن جماعته تحصل على أقل مما تحصل عليه الجماعات الأخرى . وكان هذا الإحباط ، وسببه السلطة ، هو الحالة التي عاشها معظم العراقيين من بدء الدولة الأموية إلى عام 2003 . وهذه أول الأسباب التي تدعو الإنسان إلى الإمعان في الظلم ....

ثانيا .... أن اللاشعور الجمعي للعراقيين معبأ بالعنف ومبرمج من ألف عام على تشغيله في حل الصراعات ، ومشحون بالثأر والحقد . وأن العراقيين يستحضرون هذا الانفعال لا شعوريا في حل أزماتهم المعاصرة .

ثالثا .... أن السلطة في العراق كانت بيد السنّة العرب من ألف وثلاث مائة عام ، فيما كان الشيعة في المعارضة . وأن ما حصل الآن هو تبادل للأدوار ، شبيه من حيث فعله النفسي بتبادل دور السيد والعبد . وهذا يعني أن العنف لابد أن يحصل في المجتمع المتعدد الطوائف والأعراق إذا انفردت بالسلطة طائفة أو قومية بعينها .
رابعا .... إن وجود الأجنبي في أي وطن كان وبأي مسمى كان " محرر، محتل ..." يثير في ابن الوطن الإحساس بالذلّ اوالإهانة والتحقير والاستلاب ، وتستنهض فيه – بحتمية نفسية – مشاعر الكرامة وردّ الاعتبار ، تدفعه إلى العنف ، ليس فقط ضد المحتل بل وضد من يستميلهم المحتل من الناس ، خشية أن يستفرد المتعاونون معه بالسلطة والمصالح . ويذكّرنا التاريخ بأنه حيثما حكمت بغداد أو احتلتها سلطة أجنبية ، ساد العنف كل أرجاء العراق .

ويقول ويحاول الكتّاب الذين يجترون آراء الوردي تصوير المجتمع العراقي كما لو أنه شخصية واحدة . وتبسيطا نقول إن مجتمعنا الحالي فيه شخصيتان لا شخصية عراقية واحدة .

الأولى : جيل تمثله شخصية آبائنا ، ونحن الكبار الذين عبرنا النصف قرن ، يجاهد بالتمسك بقيم أصيلة ( الشرف ، النخوة ، التكافل الاجتماعي ، الخوف من العار وفعل الحرام... ).
والثانية : جيل ، ولّد في حرب ونشأ في حرب ويعيش الآن أكثر من حرب . وأن هذا الجيل المتشبع بثقافة العنف المعجونة بالإحباط ، والذي يشكل أكثر من 60 % من المجتمع العراقي ، ليس له علاقة تذكر بصراع البداوة والحضارة التي تجترها الصحافة عن الوردي في تحليل العنف في الشخصية العراقية .

صراع البداوة والحضارة .....

يقول الوردي .... إن العراق من الناحية الأخرى واقعا على حافة منبع فياض من منابع البداوة هو منبع الجزيرة العربية , فكان العراق ولا يزال منذ بداية تاريخه حتى يومنا هذا يتلقى الموجات البدوية واحدة بعد الأخرى .... وكانت بعض هذه الموجات تأتيه عن طريق الفتح العسكري والبعض الأخر منها يأتيه عن طريق التسلل التدريجي .... وهذا المد البدوي لابد إن يؤثر في المجتمع العراقي .... فتنتشر القيم البدوية وتنشر في مختلف فئاته وطبقاته , وهنا يكون المجتمع العراقي واقعا بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية – قيم البداوة الآتية من الصحراء المجاورة , وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم .

وبهذه الحالة سوف يعاني المجتمع صراعا اجتماعيا ونفسيا , فهو من ناحية لا يستطيع إن يحافظ على قيمه الحضارية , لان الصحراء تمده بين كل اونه وأخرى بالموجات والتي تزعزع قيمه الحضارية , وهو لا يستطيع ن يكون بدويا مثل ابن الصحراء لان الحضارة المنبعثة من وفرة مياهه وخصوبة أرضه تضطره إلى تغير القيم البدوية الوافدة ويجعلها ملائمة لظروفه الخاصة , لذلك يكون المجتمع العراقي , مجتمع حائر مضطر للسير في طريقان متعاكسان وهو مضطر للسير فيهما في إن واحد , لذلك نجدع يسير في هذا الطريق حينا ويسير بعد بره في الطريق المعاكس .... والعراق كان في العهد العثماني مطمح أنظار القبائل البدوية التي تحوم في الصحاري المتاخمة للعراق , ويشجعها في ذلك ضعف سيطرة الحكومة في العراق وشيوع الفوضى والنزاع القبلي فيه والثاني توالي الأوبئة الكاسحة عليه ....

نجد إن البدو أكثر أمم العالم اندفاعا في سبيل التنازع والتباغض والقتال , أنهم اشد في ذلك من جميع الأقوام البدائية والمتحضرة , إن الوضع مشحون بالتوتر والتأزم والتوتر , ولا بد إن يؤدي هذا الأمر إلى التناحر والتقاتل وبذلك يكون الغزو من المركبات الأساسية في الثقافة البدوية ... وان أهم معالم الثقافة البدوية هو (( الحرب الدائمة )) ...

ويقول علي الوردي إن حالة الحرب الدائمة كان موجودة بين معظم القبائل إثناء العهد العثماني وهو في كتابه (( دراسة في طبيعة المجتمع العراقي )) يذكر لكثير من الأمثل والتي وقعت بين مختلف القبائل العربية وكان سببها النزاع على الأرضي وترع الري والنزاع بدافع الأحقاد الموروثة والثارات والنزاع حول قيم الحلف والجوار والدخلة والتسيار والنجدة وربما حدث شجار تافه بين شخصين تولد عنها قتال شر س بين قبيلتين أو أكثر ...

والقبائل العربية تعتز بحمل السلاح فكل رجل بالغ فيها يهمه قبل كل شي إن يمتلك بندقية خاصة به , وهو يفضل شراء بندقية على شراء إي حاجة ضرورية لعائلته أو لنفسه وهو يعتبرها رمزا لشجاعته ورجولته ....
وطالما رأينا شيوخ العشائر يتفاخرون بعدد (( التفاكه )) من رجاله وهم حملة البنادق أو الرجال المهيئون للقتال الجاهزون في إي لحظة للموت , وإذا عزم شيخ على القتال نصب الراية وأطلق الهوسات يستنجد بها حملة البنادق من إتباعه ....

وكان من النادران يأتي والي عثماني للعراق دون ن يشتبك في فترة حكمه في معركة مع إحدى القبائل أو مجموعة للقبائل فلا يكاد ينتهي من قتال لا ويدخل في قتال مع قبيلة أخرى ....

بالإضافة إلى ذلك كانت هناك عصبيات بين المدن وبين المحلات في نفس المدينة ,فقد كان كل سكان من كل محلة يشعرون بان لهم عصبية خاصة بهم وكان دائم ما ينشب بينها القتال ويقولون إن النجف نفسها كانت منقسمة إلى عصبيتين متعاديتين هما (( الزقرت )) و (( الشمرت )) ودارت معارك دامية بين هاتين العصبيتين .

يقول الدكتور علي الوردي أن المسلم العراقي من أشدّ الناس غضبا على من يفطر علنا وهو من أكثرهم افطارا "، " وأن العراقي ، سامحه الله ، أكثر من غيره هياما بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته ، ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته " ، " وأنه أقل الناس تمسكا بالدين ، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية ، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى " ، وهو " يلتهب حماسة إذا انتقد غيره في ما يخص المبادئ السامية أو رعاية العدل والعفو والرحمة ، ولكننا نراه من أسرع الناس إلى الاعتداء على غيره ضربا ولكما حالما يرى الظروف المناسبة ".

مشكلة الكبت مشكلة عويصة يعاني منها الفرد العراقي، ومنها كبته لدافع القوة بسبب سيادة الاستعباد في العراق لمئات السنين. فينشأ الطفل العراقي وقد نمت فيه شخصيتان: شخصية مؤدبة خاضعة، وشخصية ثائرة معتدية. كما أن انتشار القيم البدوية في المجتمع العراقي، أدى بالفرد العراقي إلى أن يصبح شديد التمجيد للقوة كثير التباهي بها: (علي الوردي) شخصية لفرد العراقي ).

الحقيقة إن الشخصية العراقية شخصية متعبة مستعصية على الفهم , وبها تفاصيل كثيرة تحتاج التوضيح والدراسة , وعلم الاجتماع في العراق علم حديث نسبيا يحتاج إلى رواد ودارسين وخبراء في هذا المجال ... والنظريات لتي تناقش الموضوع فيها كثير من الثغرات ... والتي تحتاج إلى إيضاح , قاسم حسين يقول ن نظرية علي الوردي لم تعد صالحة , لان المجتمع لم يبقى هو المجتمع , وان التطورات الاجتماعية والسياسية خلال 50 عاما غيرت المجتمع العراقي بشكل جذري , كذلك نظرية قاسم حسين تجعل بداية الصراع على السلطة تبدأ في سنة 61 هجرية منذ مقتل الإمام الحسين ... مع إن العنف والصراع على السلطة يبدأ منذ اللحظة التي وجد بها الإنسان في وادي الرافدين , كذلك نحن نحتاج إلى تعريف واضح لشخصية العراقي , هل نعني بذلك العرب الوافدين على ودي الرافدين من ارض الجزيرة العربية ... أم نعني كذلك سكان العراق الأصليون (( الصابئة والمسيحيون واليهود والايزيدية ... وغيرهم )) , هل هؤلاء تتسم شخصيتهم بالعنف والقسوة كذلك مثل شخصية العربي العراقي , إلا تعتقدون إن الأقليات تتسم شخصيتهم بالمودعة والمسالمة وتبتعد عن القسوة والدموية ....
كذلك هناك إن الصفات والتي تعتبر مثالية لعراقيون وهي الكرم والسخاء والإيثار والتضحية .... ووجود هذه الصفات وبشكل به تطرف مثل ما هي القسوة والدموية موجودة بحالة أفرط في الشخصية العراقية ... ونحن مهما قلنا وشرحنا لا نستطيع بدا إن نخرج الشخصية العراقية من التأثيرات البيئة والجغرافية والتي تشكل الشخصية العراقية بشكل يختلف اختلاف جذري عن كل الشخصيات على الأرض ....



#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيعة ... بين الأقصاء والمواطنة
- هل تنهار العراقية .....
- العراق .... بلد كل الأزمات المجنونة !!!!
- تقرير بسيوني ... ورد الأعتبار للمواطن البحريني
- العراق .... والحل في الفيدرالية
- عملية اغتيال السفير
- ثقافة المال العام .....
- 11 سبتمبر .... وخيبة العربي المسلم
- أزمات الحكومة العراقية
- عبد الكريم قاسم
- سورية ... وضرورة التغير .
- حافظ الميرازي والاعلام السعودي
- الفيدرالية وأقاليم الشمال والجنوب والوسط
- رعب الحكومات العربية من ثورات الشباب
- ميناء مبارك الكبير ..وبوادر أزمة جديدة
- وهم التعايش الأسلامي القبطي
- المصالحة الفلسطينية ومشكلة اين يجلس خالد مشعل ؟
- الأزمة البحرينية
- لماذا لاتكون البحرين دستورية ملكية ؟
- مهزلة الأيفاد في العراق


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان محمد شناوة - الشخصية العراقية وقسوتها المرعبة ....