رشيد شاكري
الحوار المتمدن-العدد: 3641 - 2012 / 2 / 17 - 19:44
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ما هو تاريخ تيفناغ، وما أصلها؟
سؤالانما زالا يستأثران بالبحث والمتابعة، لأن الجواب عنهما لم يحسم بعد، فإلى أين وصلت الأبحاث والدراسات للتخفيف من ثقل هذين السؤالين؟
- تاريخ ظهور تيفناغ
مازال البحث في تاريخ تيفناغ، في غياب حقائق ودراسات علمية متخصصة، رهين نظريات تجمع معظمها على أن أقدم كتابة لتيفناغ وجدت في النقوش التي عثر عليها في المقابر والمدافن والنصب التذكارية التي تعود إلى عهد الملكين مسينيسا Massinissa ومسيبسا Micipsa.
في هذا الموضوع هناك عدد من النظريات المتعايشة فيما بينها، في انتظار أبحاث أخرى، الحقيقة الوحيدة أتتنا من نقش يحتوي على تاريخ نجده في معبد الملك الأمازيغي مسينيسا Massinissa الذي قام ببناء هذا المعبد في السنة العاشرة من حكمه، يعني 139 سنة قبل الميلاد. بالنسبة للبعض النقوش الليبية الأمازيغية تبدأ حوالي 150سنة قبل الميلاد وتمتد في فترة ما بين 600 إلى 700 سنة ولكن هذا التاريخ يواجه عائقا مهما خاصة أننا أمام أبجدية متطورة من قبل إنها أبجدية معبد مسينيسا Massinissa
من العادي أن نعتقد أن هناك مرحلة تطور لا يمكن الوصول إليها في 11 سنة .
يرجع camps 1978 تاريخ ظهور تيفناغ على الأقل إلى القرن السادس قبل الميلاد .
1- تطور تيفناغ :
عرفت تيفناغ مراحل متباينة بين ازدهارها وبين اختفائها وذلك منذ أن اعتمد عليها كلغة رسمية في عهد الملكين مسينيسا Massinissa ومسيبسا Micipsa و إلى يومنا هذا.
ويمكن اختصار أهم مراحل تطورها في خمسة محطات أساسية :
- صارت تيفناغ لغة رسمية في عهد الملكين مسينيسا Massinissa ومسيبسا Micipsa
- استعمالها استمر إلى غاية المرحلة الرومانية كما هو وارد عند المؤرخين اللاتينيين القدماء لاحقا caripus) Fulgence le nythographe
- اختفت من إفريقيا الشمالية بمجرد مجيء العرب، لم يذكر أي نص عربي هذه الكتابة.
- استمرت عند الطوارق les Touarègues إلى يومنا هذا.
- انبعثت منذ السبعينات عند أمازيغ إفريقيا الشمالية خاصة في الجزائر والمغرب.
2- ماهو أصل هذه الأبجدية؟
هذا السؤال يطرح دائما كلما طرح سؤال حول أصل الأمازيغيين. اهتم الباحثون أولا بأصل الشعب، وهذا أعطى مجموعة من النظريات غير القابلة للتصديق والمستعملة من أجل أهداف إيديولوجية.
أبجدية تيفناغ لم تسلم من هذا السؤال المتواثر، وعرفت أيضا مجموعة من النظريات.
أجداد الأمازيغ هم الليبيون les Libyens، وهي كلمة مشتقة من « libou » "ليبو" التي أطلقها المصريون على الليبيين الذين كانت لهم أبجدية أكثر تطورا من الشعوب الأخرى التي كانت تستعمل فقط أنظمة هيروغليفية systèmes hiéroglyphiques أو مقطعية syllabique.
السؤال الذي يطرح هو: من أين جاءت هذه الأبجدية ؟
البعض يحاول من خلال هذا التساؤل وبطريقة خفية أن يدعي أن لاشيء هو أمازيغي في إفريقيا الشمالية، وإن كانت فعلا اختراعا أمازيغيا.
الأمازيغ- خاصة في المغرب - الذين أفرطوا في البحث عن الأصل الخارجي لكل ما يهم الأمازيغية، طوروا وجهة نظر متداولة بكثرة تؤكد الأصل المحلي لهذه الأبجدية. حسب هؤلاء، تيفناغ كلمة مركبة من تيفي tifi تعني عمل أو اكتشاف، وناغ nagh التي تعني – نا-. تيفناغ تعني إذن عملنا أو اكتشافنا. هذا التعبير التبسيطي والمغلوط فيه لا يأخذ بعين الاعتبار التغيرات المحلية وتطور اللغة الأمازيغية إذ أن الأمازيغية منذ 2500 سنة ليست هي نفس اللهجة الشلحية أو القبائلية المتداولة حاليا.
والآن نعرض أهم النظريات المطروحة:
2/1- أصل مجهول:
كما ورد في كتاب Prasse, (1972) ذكر : M. Cohen
La grande invention de l écriture et son évolution (1958)
إن أصل أبجدية تيفناغ مجهول حسب رأيه ، جميع المحاولات التي تقول أنها مشتقة من الهيروغليفية المصرية أو من أبجديات جنوب شبه الجزيرة العربية (حضارة حمير، سبأ، حضرموت...)، أو الإغريقية أو الإيبيرية أو الفينيقية- القرطاجية ، لم تستطع أن تقدم لنا دليلا قطعيا.
2/2- أصل فينيقي :
حسب HANOTEAU فإن اسم الأبجدية الأمازيغية أصله فينيقي، فتيفيناغ هو جمع مؤنث ومفرده تافنيقت tafnikt وتعني الفينيقية. هذه النظرية منتشرة بين الباحثين الأمازيغ وهكذا ، حسب سالم شاكر1984 :" أبجدية تيفناغ لابد أنها من أصل فينيقي، مثل جميع الأبجديات الموجودة".
أسباب متعددة دفعت سالم شاكر إلى القول أن أبجدية تيفناغ هي من أصل قرطاجي:
- كلمة تيفناغ أتت من الجدعfnq * ف.ن.ق * التي تعني الفينيقيين في اللغة السامية. هذا التناوب q/gh هو تناوب مورفولوجي ملاحَظ بقوة في الأمازيغية ، كبناء الشدة والتضعيف في المثال: " قتل " : negh --- neqqa.
- تطور استعمال تيفناغ خاصة في مناطق إفريقيا الشمالية التي خضعت للتأثير القرطاجي.
- أهمل التوجيه الأصلي لفائدة الكتابة القرطاجية حيث تم الاستغناء عن طريقة كتابة تيفناغ لحساب طريقة الكتابة القرطاجية (أصبحت أفقية من اليمين إلى اليسار بعد أن كانت عمودية).
- لا توجد أي تقاليد ما قبل الأبجدية تسمح لنا بالاعتقاد بنظرية الأصل المحلي.
2/3- أصل محلي متأثر بالأبجدية القرطاجية :
يرى الباحث Ch. Higounet (1986) أن الأمازيغ لم يأخذوا من القرطاجيين إلا مبدأ الكتابة الأبجدية، أما فيما يخص الحروف فإنها نتاج محلي اشتُقت من الرموز المحلية .
2/4- أصل محلي :
مجموعة من الباحثين يرفضون الأصل الفينيقي للأبجدية منهم :
St Gsell (1956), J. G. Février (1956), Friedrich (1966)
تصطدم نظرية الأصل القرطاجي بعدة عوائق، فمن جهة، حسب (1956) Gsell فإنه من المرجح أن الفينيقيين لم يطلقوا هذا الاسم على أنفسهم بل أطلقه عليهم الإغريق، فمثلا كان الرومان يطلقون على الأمازيغ Barbaru، ومنها اشتقت كلمة بربر"berbère"، فهذا المثال يدعم فرضية Gsell، من جهة أخرى فإن المقاربة بين الأبجديتين تظهر تشابها ضعيفا بين تيفناغ والأبجدية الفينيقية، إضافة إلى غياب كتابة الصوائت الابتدائية voyelles initiales في الأمازيغية، وحروف قليلة متشابهة (ستة حروف)، وطريقة الكتابة مختلفة (الأبجدية القرطاجية أفقية من اليمين إلى اليسار بينما تيفناغ عمودية من تحت إلى فوق) هذا يؤدي إلى التشكيك في الأصل الفينيقي القرطاجي.
حسب Gsell( كما أورده ختوش Khettouch 1996) "ظهرت من قبل رسومات أساسية مشابهة لحروف الأبجدية الليبية مختلطة برسومات الحيوانات في نقوش عثر عليها في مناطق مختلفة من إفريقيا الشمالية ، تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد "، وحسب نفس الباحث Gsel ، فإن هاته الكتابات هي نتيجة تطور نظام الكتابة التصويرية système pictographique حيث تحولت الصورة إلى رموزصوتية signes phonétiques. وهكذا فإن تاريخ ظهور هذه الصور ينفي وجود علاقة بين الأبجدية الليبية والأبجدية القرطاجية وهو ما ذهب إليه أيضاGabriel Camps (1978 - pp 47 : 60) : " وجدت الأبجدية الليبية قبل القرطاجيين ولا يوجد دليل يؤكد أن هذه الأبجدية قد تم استيرادها" .ويقول أيضا J. Friedrich (1966):" إن الأبجدية الأمازيغية هي أخت الأبجدية السامية بدل أن تكون مستمدة منها ".
- أي خلاصة ؟
في غياب أدلة واضحة لا يمكننا اعتماد نظرية على حساب أخرى. من المؤكد أن الإحساس بالهوية سيدفعنا إلى الاعتقاد والدفاع عن الأصل المحلي لكن الصرامة العلمية والمنطق تدفعنا إلى انتظار أبحاث أخرى تختص بالأبجدية الأمازيغية قبل الحسم في هذه المسألة. فالحضارة الليبية ميدان مازال غير مكتشف حيث نحن مازلنا بحاجة إلى الأبحاث المتخصصة فيها.
الخلاصة الوحيدة التي لا تقبل الجدال هي أن الأمازيغ توفروا على نظام كتابة في مرحلة كانت فيها حضارات متعددة مازالت في مرحلة ما قبل التاريخ .
www.mondeamazigh.com
www.bnf.fr/pedagos/dossiecr/index.htm
www .ifrance.com/ajrari
- KHETTOUCH (K.), 1996. - Origines des Tifinaghs ?.
- Lahcen Oulhaj : grammaire du tamazight , éléments pour une standardisation . édition centre tarik 2000.
- CAMPS (G.), 1978. - Recherches sur les plus anciennes inscriptions lybiques de l Afrique du Nord et du Sahara, Bulletin archéologique du C.T.H.S.
- PRASSE (K.G.), 1972. - Manuel de grammaire touarègue (tahaggart), Copenhague, II, Ecriture.
- CHAKER (S.), 1984. - Textes en linguistique berbère, CNRS : Paris.
- HIGOUNET (Ch.), 1986. - "L écriture", éd. Que sais-je ? PUF, Paris .
- GSELL (St.), 1956. - Histoire ancienne de l Afrique du Nord, tome VI.
- FEVRIER (J.G.), 1956. - Que savons-nous du libyque ? Revue Africaine.
#رشيد_شاكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟