|
بقايا خوفٍ... بقايا أمل...
إيمار محمد سلوم
(Imar Salloum)
الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 13:28
المحور:
الادب والفن
1 (لن يفيد مطلقاً رسم خط ونبذ بعض الناس بوصفهم أعداء، بمن فيهم أولئك الذين يتصرّفون على نحو عنفي. علينا الاقتراب منهم وقلوبنا مليئة بالمحبة والقيام بأفضل ما بوسعنا لمساعدتهم على الانتقال باتجاه اللاعنف. فإن عملنا من أجل السلام بدافع من الغضب لن ننجح مطلقاً. لأن السلام ليس نهاية مطاف، ولأنه لا يمكن أبداً أن يتحقق عبر وسائل غير سلمية)* ....
لا يمكنُ أن ينتجَ عن مقاومة العنفِ بالعنفِ إلا عنفٌ أعتى وأسوأ...
ويكونُ السؤالُ الذي لا يغيبُ أبداً: ما الذي سنفعلُه أمام القتل والاعتقال والتعذيب والإهانة؟!... كيفَ نحمي أنفسنا؟! نحنُ وحيدون!! أسكتُ وأحاولُ أن أسامحَ. أعترفُ بجهلي وتقصيري وخوفي وأظلُّ صامتاً. المشكلةُ التي لا تغيب عني وأنا أكتبُ "عنَّا" هي هذا الميراثُ الثقيلُ من القتلِ والدماءِ والاستعبادِ والذلِّ والقهر!.. وهل حكمة الأسلافِ صحيحة، وهي أننا أناسٌ لا نستقيمُ إلا بالسوطِ والسيف؟! أم أنَّه ذاكَ الصوتَ الذي رفضَ وقالَ: بل يستقيمونَ بالحقِّ والعدل!! ** إلا أنَّهُ صوتٌ اختفى أو ربما ضاعَ بينَ القبورِ الكثيرة...
2 كالكلبِ ألعقُ كرامتي، وأعضُّ عظم حريتي الهشَّ. أقرأُ جنونَ الطاغيةِ بلسانٍ من سياطٍ ونتفِ لحمٍ وجلودٍ محترقة! الطاغيةُ شتاتٌ بشريٌّ فقدَ إنسانيتَهُ. هو ثلةٌ من الأشخاصِ الذين يُختَصَرونَ باسمٍ واحدٍ وقائدٍ واحدٍ. هذه الوحشيةُ مقابل الاستئثارِ بالسلطة والحكم لا يسوغها سوى الموت؛ وهؤلاءِ ميتونَ فعلاً!!
عندما أنشعرَ الخوفُ في بداية الانتفاضة، كانَ كلُّ واحدٍ منا يحملُ حجارتَهُ بيديه ويستعدُّ لكي يكسرَهُ ويهشمَهُ... وانقسمنا، جزءٌ أكملَ طريقَهُ غيرَ عابئٍ بما سيحصل له، وحطَّمَ أصنامَ الخوفِ وجزءٌ آخرٌ رفعَ بحجارته شاهدَ القبرِ ونامَ!
هل سأستيقظُ يوماً وأكسرُكَ يا من تحطمني مع كلِّ نفس؟!!...
3 في السياسة لا تصدِّقْ أحداً، خصوصاً أولئكَ الذينَ تثقُ بهم أكثر!.
4 القتلُ ليس شيئاً طارئاً يمرُّ عادياً في حياتنا، وكذلكَ ليسَ شيئاً غريباً ومستبعد. المشكلة ليست في القتل لأنه سيستمر وربما إلى أمدٍ غير قريب، المشكلة تكمنُ في الاعتياد عليه، السماحِ له بأن يخيمَ فينا دونَ أن نستهجنَ حضورَه!...
5 إنَّ الاختلافَ الوحيد بينَ قطيعٍ من البشر وقطيعٍ من الأنعام، هو أنَّ البشريَّ يتقطعنُ بإرادة (العقل)!!...
آهٍ... ما هذه الأرضُ التي لا تلدُ إلا الخوفَ، وما هذه السماءُ التي لا تبيضُ إلا القتلَ، وما هذا الإنسانُ الذي لا يعرفُ الإنسانَ داخلهُ؟!!
6 ريحٌ عاتية... مطرٌ ناعمٌ... صريدٌ *** وظلامٌ دامسٌ... لمَ مثلُ هذه الليلةِ تذكرني دوماً بثورتنا؟!! ربما أهلوسُ، ربما أجنُّ... إلا أنني أراها... ها هي أراها!!!
كلما ازدادَ القتلُ ازددتَ لا مبالاةً وصمتاً. يا لها من لغةٍ – لغةُ القتلِ والرعبِ. كم هي أليفةٌ، وكم هي مفهومة!..
7 - ما هذه الحريةُ التي ستقتلنا لتأتي: من سيستقبلها؟!
صلوا عليهم... دفنوهم... بكت أمهاتهم، ذووهم؛ سقطَ مطرٌ ولبست أشجارنا الريحَ حداداً، والوطنُ غيرُ عابئٍ يقلِّمُ أظافرَ اللهِ الشرس!
8 أنظرُ إليكَ أيُّها المكانُ الهزيلْ فلا أرى إلا المشانقَ كمشاجِبَ لمعاطفِ كرامتنا ولا أرى إلا الثكالى كبيوضِ نملٍ تفقسُ وتتكاثرُ أنظرُ إليكَ أيُّها المكانُ فلا أراني تراكَ افترستني؟! أُسامحُكَ أنتظرُ اليومَ الذي ستأكلُ بهِ نفسكْ!!
9 صحوتُ اليومَ على صوتِ انفجارٍ رهيب. نهضتُ من فراشي مذعوراً، عينايَ لم تعتادا بعدُ على الضوءِ القادمِ من أملٍ بعيدٍ ناصع، قدمايَ تشبثتا بأرضِ الغرفةِ ويدايَ استطالتا إلى لحيةِ اللهِ البعيد، وبدأ الليلُ ينزُّ من مسامِ جلديَ، وتلكَ النارُ حولي تأكلُ كلَّ شيء! صحوتُ على صوتِ انفجارٍ رهيب، وعلمتُ أنهم اغتالوا حريَّتي بوطنيَّةٍ مُفخخة!!..
10 هجمَ النُعاسُ بشدةٍ هذا المساء، ربما لأنني مُستيقظٌ منذ عشرةِ أشهر!...
11 عقاربُ الساعةِ سبطاناتٌ محشوّةٌ بالمللِ، بالشهداءِ، محشوّةٌ بالقدر!...
12 عشراتُ القرونِ منثورةٌ خلفي، لم ينجُ منها شيء! هل أنا صفيقٌ لأنني أحلمُ وآملُ بغدٍ أجمل؟!! أعتقدُ لو أنَّ للغةِ يداً لصفعتني!!!.
13 يهربُ من طاغوتِ السلطةِ يتلقفُهُ طاغوتُ الموتِ!! اللهُ، ما هذا الـ"بينُ" الذي لا يبينُ؟!!
14 إحساسُ السقوطِ مؤلم، إحساسُ الارتطامِ أشدُّ إيلاماً، والأكثرُ تعذيباً هو اللاموت! حينَ يُداهمُكَ الموت ُولا يأخذكَ، يبقى يدورُ حولكَ، يقفزُ فوقكَ، يمرُّ سريعاً وبطيئاً، يطفئُ ويشعلُ عينيكَ، هذا الإحساس هو الذي يقتلُ بـ "اللاقتل"!! أتمنى لو يدومُ زمن السقوط إلى ما لا نهاية. لا ارتطامٌ ولا لاموت!!
15 كنتُ فرحاً جداً، ركعتُ فوقَ ترابِ قريتي الجبليةِ النائمة، ونظرتُ إلى السماءِ مُتحدياً "عدمَها" العظيم؛ أيُّها النبيُّ الذي بشرتني منذ الولادة بأنني أموتُ كما سيموتُ أبي، لاشيئاً. أيُّها النبيُّ الأعمى لن أموتَ هكذا، لن أموت!... كنتُ فرحاً أنني أشهدُ قيامةً، أشهدُ حياةً ومعنى لها سيكون. الآنَ حزينٌ جداً، وميتٌ جداً!.
16 أقشرُ أرصفة الشامِ عن عيوني... فلم يبقَ لي فيها شيء... وكردٍّ على تخويني، أزرعُ في جبيني مأتماً لا ينضبُ...
17 غاضب والبئر في صدري يفيض... الأوراق مليئة ببياضها، وليس لي سوى دمي، كل شيء آخر ملك للطاغية... ربما أذرفه من أجل كلمة...
18 أربعون عاماً ودمي للآخرين، والآخرون مبذرون... كم من السهل على لصٍ حكومي أن يقتحم حرمةَ ظلي ويقطعه عني... أربعون عاماً والمكان شمعةٌ تُوقد للموت؛ لقد استنفد حزنه، آن رحيله الآن...
19 أكثر ما يغيظ أن تسمع من قاتلك كلمة احترام وتعظيم لأجلك، محاولا أن يموّه حذاءه الذي يملأ فمك، بعسلٍ كان النحلُ الصانع يجمعه من بارودِ الطلع، في ربيع ثورتنا!!...
20 أبتلعُ بؤسي، أرسمُ فراشةً على النافذةِ بعدَ أن زفرَ عليها موتي البضُّ، وأنظرُ إلى الشامِ الضريرةِ تتعثّرُ بالجثثِ وتصرخُ: النجدة، هذه الطرقُ مليئةٌ بالحريةِ!!!
*تيك نات هانه (المحبة في العمل). **الخليفة عمر بن عبد العزيز. ***الصريد: البرد الشديد.
#إيمار_محمد_سلوم (هاشتاغ)
Imar_Salloum#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نثرات
-
محبتي ليست للبيع
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|