أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - الحنين 1983 لأندريه تاركوفسكي: تأملات في شعور بشري خالص















المزيد.....

الحنين 1983 لأندريه تاركوفسكي: تأملات في شعور بشري خالص


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


الحنين 1983 لأندريه تاركوفسكي: تأملات في شعور بشري خالص
فيلم الحنين هو الفيلم قبل الأخير لشاعرنا العظيم أندريه تاركوفسكي يتعلق بالمنفى الاختياري الذي اختاره تاركوفسكي لنفسه بعد مضايقات السلطات السوفييتية له،والحنين في الفيلم كلمة شخصية تتعلق بمخرجنا الذي بدأت عليه علامات السرطان،ولا تتعلق بالمكان بالقدر الذي تتعلق فيه بحنينه الخاص لولده وزوجته التي عملت السلطات على ابقائهم في روسيا كعقوبة لشاعر السينما الحديثة.
اشترك تاركوفسكي في كتابة السيناريو مع توني غوييرا السناريست الايطالي الشهير متفقيت في البداية على تسمية الفيلم ب(رحلة إلى إيطاليا) ...
كلمة الرحلة تعبر عن عامل زمني مؤقت،ولكن تاركوفسكي اختار أن يخوض في التأملات في التعبير عن الحنين من خارج قفص المنطقية،من خارج القفص الادراكي التحليلي والفلسفي للكلمة،لأن تاركوفسكي أراد أن يتحدث عن مشاعر انسانية بلغة فنية فيلمية،لذلك قام بتغيير اسم الفيلم إلى (الحنين) ككلمة أصبحت ذات تعبير أدق عن ظاهرة من المشاعر البشرية وفي نفس الوقت لا يمكن أن تنسب إلى أي وقت ولا لأي زمن.
ميلان كونديرا حلل في روايته (الجهل) معنى الحنين لغويا ومنطقيا ورأى أن الحنين يكون فقط إلى الماضي المهم في حياة الإنسان..إلى لحظة أثيرة قد تختصر عند البعض كل أحداث حقبة معينة من الحياة.
هذا التحليل المنطقي يبدو بعيدا جدا في هذا الفيلم،فتاركوفسكي اختار أن يدفعنا هنا إلى التأمل في شخصية تعاني من الحنين،ويطرح مشكلة التواصل ليصل إلى مفهوم أن الحنين إلى مكان ما يكون أحد أسبابه هو عدم القدرة على التواصل الفعلي (الداخلي بين الآخرين) ويثر اهتمامنا بمشكلة أخرى هي عدم القدرة على التوحد الفعلي الفكري بين البشر...
اللقطة الطويلة التي تبرز البعد الثالث ربما تكون هي الأسلوب الأبرز لتاركوفسكي في هذا الفيلم،والأهم من ذلك-هذا لأننا تحدثنا بتوسع عن العناصر الشكلية في أفلام تاركوفسكي-أن لغة الفيلم هي اللغة الايطالية.

الفيلم له علاقة بالمكان،والمكان هو روسيا،ولكن الحنين ليس ماديا فقط،فأندريه غورتشاكوف استاذ تاريخ شهير معروف باهتمامه بالآثار الإيطالية،تتاح له فرصة الذهاب إلى إيطاليا لتتبع حياة موسيقار روسي مغمور عاش في إيطاليا في القرن الثامن عشر،وهناك تعلق من قبل هذا المخرج والشاعر في نفس الوقت بالايقونات الدينية في ايطاليا مثل الكنائس لذلك نرى تاركوفسكي يعرج عليها كثيرا في الفيلم.
والشاعر يتحدث كثيرا عن السيدة العذراء.
هناك أوجينا المترجمة ذات الأصل السلافي التي تقود أندريه في رحلته عبر إيطاليا،تقرأ قصائد تاركوفسكي(الأب) وتظهر مشكلة الحنين من خلال معضلة الترجمة...
إذا هذا حنين لغوي إلى البلد الأم،وإلى اللغة الأم،فالشعر عندما يسمعه غورتشاكوف بعد أن أصبح مدركا لكثير من المفردات اليطالية يرى بأن الشعر لا يترجم.
هنا نحن نتحدث عن قضية استحالة تصدير الثقافة بمعناها الادراكي،فتاركوفسكي يرى أن للمكان دور كبير في إدراك الفن،وسيظل الفهم منقوصا لدانتي حتى لو ترجم إلى الروسية والعكس صحيح.
تاركوفسكي يتحدث عن نظرية متكاملة في الاستغراق الفكري والاسترجاع الذهني والتماثل الحسي والكلمة الأخيرة تعني الانسجام...الانسجام بين شاعر روسي وقارئ روسي لهذا الشعر.
إذا مشكلة الحنين هنا،نظريا، ليست منطقية بل هي تأمل في شعور بشري خالص،مع فهم اسبابه..هناك إمرأة قد أحرقت منزلها لأنها تحن إلى العودة إلى أصلها فأحرقت الشيء الذي يمنعها من العودة..لو أخضعنا هذه القصة إلى منطق ظاهري فهي تستطيع العودة دون إحراق أي شيء ولكن المنطق هو منطق بشري خفي أساسه المشاعر..
غورتشاكوف متعلق جدا بمشاهد من الماضي (بالأبيض والأسود) شذرات من الماضي تعود بين فترة وأخرى.
الموسيقار الروسي(سينسوكوفسكي) موضوع التأريخ عندما عاد إلى روسيا أدمن على الخمر ثم أنتحر،وإذا كانت هذه الفكرة مبهمة لا نستطيع أن نفهم أسبابها من خلال السرد المبهم للفيلم،فعلينا أن نسأل أنفسنا:
هل نستطيع أن نؤرخ لحياة أي إنسان...؟؟
المشكلة تكمن في أن الفهم الكامل لمجتمع آخر مغاير يولد مشكلة أخرى هي مشكلة عدم القدرة على توصيل مضمون هذا الفهم للمجتمع الأول،بمعنى آخر فهل يستطيع شخص ما روسي فهم إيطاليا فعليا-وفقا إلى أفكار تاركوفسكي في الفيلم-أن ينقل هذا الفهم إلى المجتمع الروسي ...نستطيع أن توصل وبكل سهولة أن تاركوفسكي تولدت لديه كل هذه الأفكار نتيجة لحياته في الغربة.
تظهر شخصية غريبة في الفيلم دومينكو(السويدي أورلند جوزيفسن) وهو شخص مجنون حبس نفسه هو وعائلته سبع سنوات في منزله منتظرا قدوم نهاية العالم..أحد أسباب جنونه هو عد ايمانه بالبشرية وهو يطالب بالتوحد بين البشر..هنا وعندما نعرف ونيقن أن غورتشاكوف شخصية ذات صمت طويل ملغزة من حيث استغراقها الشديد في الحزن ستهتم جدا يشخصية دومينكو المحنونة فعلا لأنها ستعتبره شريكا ذهنيا حرا في التعبير عن تصرفاته...وهو يمتلك نوازع داخلية لا يستطيع أن يعبر عنها مثل دومينكو على الأقل.
عندام يسأل هذا الشاعر الروسي عن معنى الإيمان وعن معنى الجنون يعتقد بأن دومينكو غير مجنون،لكنه بالتأكيد أقرب منا إلى اليقين..(اليقين بالنسبة للشاعر هو القدرة عن التعبير عما يجول في أنفسنا من خواطر حتى لوكان بطريقة مجنونة...عذابات غورتشاكوف تبدأ فقط حين يصبح لديه يقين تام باستحالة قيام علاقات حقيقة بين الناس لذلك نراه يقوم بالبحث عن شريكه الذهني دومينكو).
إذا كان بيرغمان مغرم بالمدى الضيق للوجوه فتاركوفسكي مغرم بالمدى الواسع لللقطة:
المكان عند أنتونيوني له علاقة للتأكيد على واقع معاش حاليا،واقع شخصي داخلي لشخصياته فإن كان أنتونيوني يعمل على تأطير المكان إلى درجة فردية فتاركوفسكي يعمل على توسيع اللقطة ليشعرنا بالجمال هذا من الناحية الشكلية وإن كان تاركوفسكي قد تناول مواضيع معقدة فهو غير تشاؤمي مثل بيرغمان أو أنطونيوني.
نلاحظ ان موسيقى بيتهوفن تظهر فجأة ثم تختفي في منزل دومينكو،والموسيقى هي لغة عالمية،وفي منزل دمينكو صورة لطفل،الوجه لطفل ذو عينين تشبه عيون الدمى البلاستيكية لا يوجد له أطراف ايدي أو أرجل وجسده بيضوي يشبه البيضة التي تكثر فيها الشقوق وهي على وشك الكسر.
نقف عند هذه الصورة متأملين غير مفسرين
دومينكو يتمنى أن يعبر بركة سانتا كاترينا (بحية ضبابية كبريتية) وهو يحمل شمعة مضيئة ولكنهم دائما ما يطردونه عندما يفعل هذا بوصفه مجنونا..
هذه التصرفات عبارة عن تأملات في تصرفات بشرية غير مفهومة،والتأمل هو المفتاح لفهم الفيلم حتى لو لم نفهم مقصد هذه التصرفات...ربما تكون هذه التجربة هي أمل على القدرة
أندريه يرفض أن يقيم علاقة مع أوجينا،لأنه من السهل إقامة علاقة مع أي شخص ولكن ليس من السهولة تفسر وهي الجدلية الكبرى لهذا الفيلم...مشكلة التواصل التي تخلق تلقائيا شعورا بالحنين،إذ ليس من الغريب أن يطلع أندريه أوجينا على رسالة كان قد كتبها (سينسوكوفسكي) نفسه فحواها أنه قضى عامين في إيطاليا ولكنه في النهاية لم يستطع سوى العودة إلى بلده الأم.
ثم يتحدث تاركوفسكي بلسان الشاعر عن قصص الحب العظيمة:
بلا قبلات..قمة النقاء والعظمة تكمن في المشاعر ويكرر كلمة المشاعر
سبق أن قلنا أن تاركوفسكي يقيم أساس فيلمه هذا على المشاعر..المشاعر النسبية هذ ذروة هذا الفيلم،فتاركوفسكي يقصد حالة نقاء أصيلة في الإنسان عندما يرفض فكرة نقل الثقافة.
دومينكو يحرق نفسه بعد خطبة طويلة ألقاها أمام مجانين وهو على قمة تمثال الامبراطور (ماركوس أوريلي) الفيلسوف الوحيد الذي جلس على عرش روما وهذا نابع أساسا من عدم ايمانه بالبشر،بينما أندريه يعبر بحيرة القديسة سانتا كاترينا وهو يحمل الشمعة المضيئة.
لنتأمل قليلا في هذه الشخصيات التي أحاطت بدومينكو وهو يلقي خطابه عندما حرق نفسه:
شخص مجنون يتحرك وهو ينظر إلى دومينكو يريد منه أن يهم بحرق نفسه،إمرأة تمسك مرآة صغيرة وتزين نفسها،شخص كبير في السن يلقي برأسه على أحد الأعمدة،كلب ينبح.
تاركوفسكي قال عن هذا الفيلم بأنه فيلم روسي خالص على الرغم من اللغة الإيطالية للفيلم،ولكن هذا المشهد ليس مشهدا أصيلا لتاركوفسكي لأن اللكنة الفنية الإيطالية-ونحن بعيدون في طرحنا هذا عن العائق اللغوي الذي جعل من تاركوفسكي يستخدم اللغة الإيطالية-واضحة في هذا المشهد بكامله قادمة من أنتونيوني حتى لو لامسته من بعيد وربما هذا قادم من توني غوييرا الذي كتب هو نفسه أقوى وأشهر أفلام أنتونيوني...تاركوفسكي لم يستطع أن يتخلص من عبأ المكان.
فيلم الحنين هو أحد الروائع السبع الذي أحرجها مخرجنا الذي يختلف عن أي مخرج آخر من حيث بأننا لا نستطيع أن نهمل لهذا المخرج أي فيلم أو نسقطه من حسابتنا وفيلم الحنين مبنى على حالة شعرية خاصة نسبية لأنها قائمة على المشاعر وهو يقف متوسطا مقارنة مع أفلام تاركوفسكي وحالته الخاصة كمبدع.



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لفدريكو فليني: مرة أخرى عن ذكريات فلينيAmarcord
- ستالكر أو الدليل لأندريه تاركوفسكي 1980 :المنطقة أو لحظة زوا ...
- زوربا اليوناني 1964:اليكسس زوربا:الرجل المحاصر بين متطلبات ا ...
- Passion of ann 1969 لأنغمار بيرغمان: سرد واضح لشخصيات ضعيفة ...
- ساعة الذئب 1968:بداية الحقبة النفسية لبيرغمان
- سولاريس لستيفن سوديربيرغ: رؤية جديدة لرواية ستا نسلو ليم:سول ...
- الإغواء الأخير للسيد المسيح 1988:أكبر ثورة فكرية في تاريخ ال ...
- دراسة حول فيلم Persona(قناع الشخصية):رموز أدبية وتحليلات نفس ...
- فيلم المرآة1975:محاولة لفك رموز تاركوفسكي المعقدة-تجلي العنص ...
- الثور الهائج 1980: عن حياة ملاكم نيويوركي أصيل
- سائق التاكسي 1976 لمارتن سكورسويزي: فيلم عن اللحظة بامتياز-س ...
- أندريه رابلوف 1969:الفن والجمال،والفكرة والمضمون،وكل شيء عن ...
- للمخرج الألماني Tin Drum 1979:Volker Schondorffالحالة الغريب ...
- أكاذيب وجنس وأشرطة فيديو لستيفن سوديربرغ:عندما تلعب تقنيات ا ...
- طفولة ايفان 1962 لأندريه تاركوفسكي:ولادة شاعر السينما الأكبر
- رجل ميت 1995 لجيم جارموش: رحلة قدرية مرسومة مسبقا لتقرير الم ...
- زهور محطمة لجيم جارموش2005: عندما يرتاح جارموش من عناء الأسئ ...
- ماندرلاي 2006 “لارسن فون تراير”قصة نجحت في أن تكون كناية ولم ...
- الحياة حلوة 1960 لفدريكو فليني: تأريخ للحظات معينة في حياة ص ...
- دوغفيل 2003:تجريد ومسرح بريختي في ثلاثية جديدة عن الولايات ا ...


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - الحنين 1983 لأندريه تاركوفسكي: تأملات في شعور بشري خالص