|
حول نفوذ منصور حكمت على الشيوعية والشيوعيين في العراق
عصام شكري
الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 09:29
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس الحزب الشيوعي العمالي الايراني - مقابلة صحيفة انترناسيونال مع عصام شكـري ------------------------------------------------------------------------
شكرا لإتاحة الفرصة لي للحديث عن تأثير منصور حكمت على الشيوعيين والحركة الشيوعية في العراق ككل.
أولا، أود أن أبدأ بإعطاء خلفية عن الحركة الشيوعية في العراق في الفترة السابقة لنفوذ منصور حكمت. كان العراق في الثمانينات في حرب مع ايران. وكان نظام صدام حسين القومي في ذروته، عقائديا وعسكريا. في بغداد والعراق عموما، عانت الحركة الشيوعية من ضربات كبيرة من قبل القوميين العرب، وكان الانتماء للشيوعية، أو للأحزاب الشيوعية يؤدي الى الملاحقة والمحاكمة وربما التعذيب والإعدام. فر مئات الآلاف من الشيوعيين من البلاد قبل حرب 1980. لهذا السبب كان الشيوعيون المتحزبون في الثمانينات، إما في الخارج، أو لاجئين الى كردستان العراق والجبال. عرف الرفاق الذين ارتبطت بهم في وقت لاحق بمنصور حكمت من خلال برامج الراديو والنشرات التي حررت باليد وهربت لهم الى كردستان، إلى جانب كراسات وادبيات لينين وماركس وانجلز. ولكن منصور حكمت كان الأكثر تأثيرا، فقد كان فعالا على قيد الحياة، ناشطا بنى بالفعل قاعدة فكرية ونظرية قوية للشيوعية العمالية داخل الحزب الشيوعي الايراني الذي كان قد أسسه بنفسه قبل ذلك بفترة. كان العديد من هؤلاء الرفاق يعرفون جيدا بكتاباته، وبنقده، وأجوبته على الأسئلة المعاصرة، إلى درجة أن العديد منهم من تحدث بالعربية أو الكردية قد انكب على دراسة الفارسية لمجرد ان يتمكن من قراءة منصور حكمت. كانت كلماته محررة لهم.
ومع ذلك، لم تكن تلك المجموعات الناشطة في كردستان العراق آنئذ متجانسة. كان هناك عنصر مشترك يجمعها وخاصة تلك التي شكلت في وقت لاحق الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وهو التأثير العميق والإعجاب الذي كان يجمعهم لمنصور حكمت. بالنسبة لهم كان منصور هو الحجة والمرجع الذي لا يرقى إليه الشك في الشيوعية. وكانت أفكارهم التي كانت لغاية ذلك الحين قد تأثرت، بدرجات متفاوتة، بالنسخ السائدة حينها من الشيوعية، يتم نقدها بشكل قاطع وتزاح تدريجيا، ولكن بثبات. حتى على المستوى الشخصي، كان منصور حكمت مختلفا. لم يكتب وينُُظر فحسب، بل كان في يعيش بينهم، يتجاذب اطراف الحديث ويضحك معهم، ويقوم باداء الأعمال المنزلية. توجت جهود منصور حكمت في دعوة جميع أعضاء الفصائل الماركسية لتشكيل الحزب الشيوعي العمالي. اذن، الحزب الشيوعي العمالي العراقي قد تأسس عام 1993 برعاية واشراف منصور حكمت وبذلك فتح فصل جديد في تأريخ الحركة الشيوعية في العراق.
انضممت شخصيا إلى الحزب الشيوعي العمالي العراقي في وقت لاحق، بعد ما يقرب من 5 سنوات من تأسيسه. أصبحت حينها مهتما جدا بكتابات منصور حكمت ووجهات نظره. حتى ذلك الحين، لم يسبق لي أن كنت عضوا في اي حزب او منظمة شيوعية، لم اذهب لحضور اية اجتماعات، ولم اقم باي مهام حزبية. ولكني عندما قرأت منصور حكمت شعرت بإنسانية أخاذة، بذهن متقد حاد، بسخرية كارل ماركس وفريدريك انجلز اللاذعة تنفث مشرقة من كتاباته. كانت افكار منصور حكمت متماسكة، واقعية، ومقنعة. قال بعض الرفاق لي حينها أنه لم يكن سهلا عليهم تقبل وجهات نظره في البداية بسبب انهم كانوا هم انفسهم تحت تأثير نفس تلك الاتجاهات التي انبرى منصور حكمت لنقدها وطرحها جانبا. قبل منصور حكمت كان لدي معلومات وافية عن ادبيات الماركسية الكلاسيكية، اغتراب العامل، نقد فلسفة الحق عند هيغل، الإيديولوجيا الألمانية، العائلة المقدسة ، وبقية الكتابات، ولكن عندما قرأت منصور حكمت، رأيت جوهر تلك الكتابات وقلبها النابض يضئ مرة اخرى في مسائل شديدة المعاصرة وذات صلة حية؛ الإسلام السياسي، تحقير النساء، والقدرة الاجتماعية للماركسية، وجميع أفكار منصور حكمت الاخرى. فكرت في نفسي: هذا هو بالظبط ما تحتاج لسماعه النساء في العراق، وهذا هو بالظبط ما أريد أن أفعله.
الماركسية قبل منصور كانت اشبه بعقيدة جامدة، طائفة مقدسة، أو فرقة باطنية افرادها المحظوظين المختارين بيد قدرية هم الوحيدون القادرين على فك طلاسمها واحجيتها. لم يكن لي ان واجهت قبل ذلك، نقدا بهذه الاصالة، اوبمثل ذلك الاخلاص، والصدق، والسخرية اللاذعة، والارتباط العميق والوفي بقضية الطبقة العاملة.
كان الشيء الأكثر إثارة لاهتمامي الذي عرضه بشغف بالغ، واثار انتباهي هو قضية المرأة. كنت أعرف أن الشيوعيين كانوا أكثر راديكالية في مطلبهم لتعزيز المساواة بين الجنسين، كنت اعرف أن المرأة العراقية في خمسينات القرن العشرين كانت شجاعة في الدفاع عن مساواتها، ولكني لم اعش تلك الحقبة. كنت فقط أعرف بما يفعله الاسلاميون بالنساء ولم اسمع قط كلمة نقد واحدة تخرج من الشيوعيين ازاء ذلك. اول دفاع معاصر عن النساء، اقوى هجوم متماسك على قوى الإسلام السياسي جاء من منصور حكمت.
كان الحزب الشيوعي العمالي العراقي قوة نشطة للغاية خارج العراق لسنوات. وضمن صفوف ذلك الحزب عملت ضد الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، ثم لاحقا، بعد غزو العراق وإسقاط النظام، كنت مع احد اول الأحزاب الشيوعية التي وصلت لبغداد، وفتح مكتب له بها. فوجئت جماهير العراق بجرأة وشفافية حزبنا. كانت لدينا مواجهات عديدة مع الاسلاميين في الأشهر القليلة الأولى. كنا من رفع راية الشيوعية والاشتراكية في بغداد في وقت كان الصوت الوحيد الذي يصم الاذان هو صوت الانفجارات المرعدة لقاذفات B52.
فيما يتعلق بمسألة كون الشخص عراقي أو إيراني، ارجو ان اقول شئ بهذا الصدد. لم أشعر مطلقا بأن منصور حكمت كان ايرانيا، ولا في اننا عراقيون. بامكاني فقط الحديث عن منصور كرفيقي، إنسان حديث متمدن لم يلتفت مطلقا الى اية انقسامات قومية بين الناس. على هذا النحو أنا لست عراقيا، كما انه ليس ايرانيا، أنا لست عربيا، كما انه لم يكن فارسيا. نحن لسنا عراقيين وهذه الصحيفة التي اتحدث لها (انترناسيونال) ليست فارسية، جميعنا بشر. هكذا تعلمنا من منصور حكمت.
احد الدراسات الأكثر نفوذا لمنصور حكمت، والتي قرأتها ومازلت اقرأها هو كتيب "اختلافاتنا". اعتمدنا في حزبنا هذه الرؤية ليس بمعناها الحرفي، فقد كتبت بالاساس نقدا لفصائل اليسار الإيراني ونسخه المتعددة من الشيوعية، ولكن بمفهوم الحياة اليومية، مفهوم الديالكتيك والمنهجية الماركسية الحاضرة. بمعنى أن كل تاريخ القرن الــ 20 كان تاريخ هزيمة الشيوعية العمالية وليس حكمها او انتصارها. كان ذلك الفهم قفزة كبيرة في اتجاه حل العديد من "الألغاز" التي شابت الفكر اليساري حول مالذي انهار بالضبط في الكتلة السوفياتية ؟، اي طبقة مثلها كورباتشوف وخروتشوف وستالين ؟، وهل كانت الشيوعية العمالية في الواقع ضحية العام 1989 ؟. وكما يقولون في الفلسفة كان ذلك "تساميا" ، وفي العلوم يسمونه "خرقا" معرفيا.
يمكنني أن أسترسل واسهب في الحديث عن نفوذ منصور حكمت في كل جانب من الجوانب المختلفة، ولكن يكفيني القول ان نفوذه كشخصية يمكن أن يستخلص من حضور قوة الشيوعية العمالية في العراق، وتنامي نفوذنا السياسي والنظري بين اليسار العراقي والعربي.
بامكاني ان أرى وأشعر، بأن هذا التأثير سوف ينمو بشكل أعمق وأوسع، خصوصا أن وقت الثورات قد أزف. ان أفكار منصور حكمت هي اليوم أكثر معنى وراهنية ومصداقية ومعاصرة وتحررية وتقدمية بحق، ومؤثرة بعمق، اكثر من اي وقت مضى.
أتقدم بخالص التهنئة إلى ذكراه والى تراثه، ولرفاقه في الحزب الشيوعي العمالي الايراني، تهنئة ودية في الذكرى 20 لتأسيس حزبه.
سيظل منصور حكمت حياً طالما ان حزبكم على قيد الحياة !
————— اجري اللقاء باللغة الانكليزية وترجمه عصام شكري الى العربية ونشر في صحيفة الحزب الشيوعي العمالي الايراني - انترناسيونال.
#عصام_شكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يغرقون المجتمع بالدم والحرمان والتخلف ثم يعقدون مؤتمرات ”وطن
...
-
التعددية الثقافية والمسوجني *
-
حكومة علمانية لا شراكة طائفية
-
رسالة الى مصر 8
-
رسالة الى مصر 7
-
رسالة الى مصر 6
-
حول الوضع الخطير في ديالى - الدولة العلمانية هي الجواب
-
رسالة الى مصر - 5
-
رسالة الى مصر - 4
-
رسالة الى مصر - 3
-
رسالة الى مصر – 2
-
رسالة الى مصر
-
حول مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجم
...
-
لن تسكب الجماهير الماء خلفكم ! *
-
كلمة في احياء الذكرى 94 لاكتوبر الاشتراكية
-
حول تصريح رئيس الوزراء لحل البطالة في العراق
-
حول انسحاب القوات الامريكية من العراق *
-
حوار قصير مع رفيق علماني
-
مقابلة مع حسام الحملاوي الصحفي والناشط الاشتراكي المصري *
-
ماذا علينا ان نتعلمه من تجربة ثورة مصر ؟
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|