أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - حواري الداخلي















المزيد.....

حواري الداخلي


سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 13:14
المحور: سيرة ذاتية
    


حواري الداخلي
كنت امضي ساعات يوميا في حوار داخلي , اما وانا اتمشى في ساحة السجن ذهابا وايابا, الامر الذي اثار تساؤلات السجينات العاديات , واما عن طريق الكتابة عندما يكون ذلك متاحا.وكان علي اخفاء ما اكتب عن اعين الادارة ورقبائها.
كان كل ما يشغل تفكيري في البداية تطوير افكاري بتحليل ما يجري وفقا للنهج الماركسي مستحثة تطبيق قوانين الدايلكتيك التي تعلمتها وتطوير معلوماتي من خلال ما توفره والدتي لي من كتب. فقد قرأت في الفترة الاولى من السجن الكثير من الكتب العلمية والادبية.ومنها كتب طبية مثل كتابي البايولوجيا والفزيولوجيا اللذين يدرسان في كلية الطب. وكثير من القصص العالمية باللغة الانكليزية مثل رواية الحرب والسلم لتولستوي والجريمة والعقاب لدستويفسكي ومدينتان لجارلس دكنس ولم اعد بحاجة الى القاموس.
ان اقسى ما في السجن ليس جدرانه ولا قسوة السجانين وانما الاجراءاتالتنظيمية عندما تصبح بيد اناس رغم كل تضحياتهم , وصدقهم يستغلونها لقهر رفاقهم لمجرد تجرؤهم على النقد. عانيت من قسوة ذلك سبع سنوات من العزلة في السجن. كانت الاربعة الاولى منها ارحم لانني لم اكن لوحدي وانما مع خمسة اخريات. وثلاثة منها لوحدي بعد ان انتهت محكوميات الاخريات.وكان هذا يفرض علي ان اواجه الادارة ومحاولاتها لاستغلال عزلتي للتاثير علي, بكل حدة حتى تتوقف عن ذلك وفكنت عرضة لكل انواع المعاقبة واشدها وقعا حرماني من زيارة امي وتكبيدها المزيد من المتاعب. ومنها تسفيري الى سجن البصرة ومعاقبتي بثلاث ايام في الرياضة. وهي غرفة مظلمة وغير مبلطة وفي اخر ممر يضم ستة مراحيض. تعج بالحشرات والروائح الكريهة . واصعب ما فيها هو تشفي الرفيقات فقد استطاعت المسؤلة اقناعهم بان ذلك نتيجة خيانتي. ولم تجرأ احداهن ان تسأل , اذا كانت خائنة فلما بقائها في السجن وفي هذه الوضعية الصعبة جدا!!وكيف يمكن لخائنة ان تتحمل كل ذلك!! كما استطاعت ان تقطع كل صلة لي بالحزب عن طريق اتهام امي بمختلف التهم , وهي صلتي الوحيدة بالعالم الخارجي. كان الحوار الداخلي هو معيني على تحمل كل تلك الظروف ومناقشة كل الاحتمالات ونتائج اي بديل عن الصمود, ورفضه بشكل قاطع عن قناعة. كان هذا الصمود اصعب من الصمود ازاء اجراءات الحكومة. وبفضل حواري الداخلي لم احاول ان اقابلها باسلوبها غير المبدأي لتوصلي الى ان ذلك لن يؤدي الا الى ضياع نفسي. ولم اعاد الى التنظيم الا عام 1956 بعد ان حقق سلام عادل وحدة جميع الشيوعيين العراقيين الذين يواجهون بصمود كل وسائل الارهاب.
كان لكل انتفاضة تأثيرها العميق على افكاري ليس فقط في تعزيز ثقتي بشعبنا فقط بل وبما تجلبه الموقوفات من اخبار ومعلومات . وكان عددهن يصل احينا الى المائة. ونستمع الى بطولات رائعة. فضواهن صعدت على الدبابة لتحث الجنود على الانضمام للشعب وعدم اطلاق الرصاص عليهم. وساهمت في احراق مركزالاستعلامات البريطاني في انتفاضة تشرين 1952 , على الرغم من بساطة مستواها الفكري, وعدم تحملها السجن لمدة سنتين. واعتقال الدكتورة عدوية محمود وتحملها قرارالحكم لمدة عشر سنوات والتضحية بمركزها كطبيبة ولكنها لم تتحمل الاجراءات التنظيمية القاسية التي فرضتها المسؤلة عليها . فقدمت البراءة وخرجت من السجن.
كنت احفظ الاناشيد الثورية التي تحملها الرفيقات المارات بالسجن قبل الاخريات فقد كان لي قابلية على حفظ الاناشيد والاغاني بسرعة . واساهم في الاضرابات عن الطعام العامة التي كانوا يحاولون اخفاء مواعيدها عني ليتهموني بالتمرد على قرارات الحزب, حتى دون ان اعلم بمبرراتها .
ومن جملة الحوارات الداخلية والتي سطرتها كخواطر , لماذا يوجه مثل هؤلاء الشيوعيين كل هذه القسوة لرفاقهم وهم تحت نفس ظروف الكبت والارهاب!! فهي محكومة مثلي عشرين عاما وصامدة وشجاعة ولها من القابليات القيادية والكل يعترف بذلك فما حاجتها لممارسة هذه القسوة . وليس هنالك من منافس اطلاقا !! وفي نفس الوقت تغدق العطف والرعاية على الاخريات بغير حساب!! هل واجهت صراعا تميزيا ضدها في العائلة !! محتمل. ولكن كما اعرف انها كانت الابنة الوحيدة بين خمسة اخوة وكان والدها يفضلها على الجميع. ام لانها بالنسبة لليهود ليست على درجة عالية من الجمال وبقيت عانسا بعرفهم رغم عدم تجاوزها الثلاثين!!
وسجلت حوارا اخر وكان قد مضى علي في السجن خمس سنوات, هل انا نادمة!! وكتبت , لقد اخترت طريق حياتي حتى قبل ان اصبح شيوعية وهي ان اخدم شعبي والانسانية عن طريق العلم. ووجدت بعد ذلك ان الطريق الاكثر فاعلية الى تحقيق ذلك هو الشيوعية . فمن خلال العلم والنقل مثلا عندما اصبح طبيبة كما كنت اتمنى , كم من الناس استطيع ان اعالج واحررهم من الالم!! وكم من الناس يستطيعون زيارة الطبيب!! وحتى لو اخترعت اي شيء مفيد كم من الناس سيتوفر لهم الحصول عليه!! في حين النضال من اجل المجتمع الشيوعي يحرر جميع البشرية من الحاجة والظلم والاستغلال ويمكنهم من التمتع بجميع المنجزات العلمية وفي جميع الميادين. انها مهمة صعبة ولكنها تستحق تكريس الاجيال حياتهم من اجل تحقيقها!!
وكنت قد حفرت مكانا مخفيا اخفي فيه الدفتر. ومع ذلك عثرت الادارة عليه وصادرته في احدى حملات التفتيش,
واكثر ما شغل تفكيري هو ما تحدث به لنا وفد الشبيبة الى مهرجان الشبيبة العالمي عام 1957 والذي جرى اعتقاله بالتعاون بين مخابرات الحكومة السورية والعراقية . حدثونا عن موسكو , عن الساحة الحمراء عن ضريح لينين وكيف وجدوه نائم رغم مرور عشرات السنين على موته. حدثونا عن المسارح والساحات , عن الحب والاحتضان لوفدنا ولسائر الوفود كما حدثونا عن السلالم المتحركة. وبقيت افكر بهذه السلالم وكيف يمكن ان تتحرك.
اما الحدث الاخر الذي شغل تفكيري وخيالي لفترة طويلة فهو مركبة الفضاء السوفيتية التي حملت الكلبة لايكا الى الفضاء الخارجي عام 1957 وبدأت اتخيل مركبات الفضاء تجوب سماء العراق لتلتقط السجناء السياسيين . اولا باحزمة مربوطة بها يتحزم بها السجين وتسحبه المركبة. وتقعد المفاجأة كل الحرس وهم يرون اجسام السجناء تتصاعد الى الاعالي. ومع ذلك ستعمل ادارة السجن على وقف العملية او الى قطع الاحزمة بالرصاص. ولذلك فكرت باحزمة مغناطيسية يلبسها السجين وبقوة الجاذبية تستطيع الطائرات سحبنا وتتفاجأ الادارة واذا بالسجناء يتصاعدون دون ان تستطيع ايقافهم وتقعدها الدهشة والخوف.
كتبت الكثير في البداية بما في ذلك بعض القصص الواقعية عن السجينات العاديات ولكنها وقعت بيد ادارة السجن ومن ثم حرمنا تماما من الورق والاقلام وذهبت حواراتي الداخلية الكمكتوبة ادراج الرياح ولم يذهب تاثيرها سدا فهي كانت وما زالت تنور حياتي وتاخذني بعيدا رغم جدران السجن ومشاكله فضلا عن انها تمدني بالقوة وتنضج افكاري.



#سعاد_خيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من افضع جرائم النظام الملكي المجازر ضد السجناء السياسيين
- انهيت عقوبة الابعاد الى سجن البصرة بثلاث شهور
- تعاون الحكم الملكي مع امريكا لمد اسرائيل بيهود العراق وحرمان ...
- تنظيم حياتنا السجنية
- الفصل الثالث عشر سنوات السجن في سجن بغداد المركزي
- الفصل الثالث عشرسنوات في سجن النساء المركزي في بغداد
- 4- الاعتقال والحكم المؤبد
- مساهمتي في وثبة كانون / 1948
- الفصل الثاني الانعطاف الحاسم
- 2- بوادر الوعي الوطني
- الفصل الاول من رحلة حياة البدايات
- البشرية تغذ السير نحو تحررها رغم المصاعب والتضحيات
- رحلة حياة امرأة عراقية عبر اخطر مراحل تطور شعبها والبشرية
- تجتاز البشرية مرحلة المطالبة بالحرية الى مرحلة صنعها
- البشرية تغذ السير نحو تحررها رغم المصاعب والتصحيات
- يحق للفلسطينين التمتع باول منجوات عصر التحرر لانهم اغنوا تار ...
- الانتفاضات والاعتصامات المعاصرة ميادين اعداد الاجيال الصاعدة
- دماء الشهداء تؤجج الحراك الجماهيري وتطور اهدافه
- التحرك الجماهيري العراقي يوطد ديناميكيته بالتظافر مع تحرك عم ...
- البشرية تغذ السير نحو تحررها باسقاط الانظمة الموغلة بالتخلف ...


المزيد.....




- وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
- مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
- -تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3 ...
- ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
- السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
- واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
- انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
- العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل ...
- 300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - حواري الداخلي