أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - صحراء مثل الجنة















المزيد.....

صحراء مثل الجنة


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


يضع كأس الماء على طاولته البنية. لقد حملها كل المسافة المقطوعة. لا يعرف كيف وصل إلى هذا المكان. على كل حال وكأنه في واحة. والشمس حين يرفع كأس الماء تتوهج. تسقط قطرات تلمس حافة الزجاج، ومن فمه فيمسحها بطرف ردنه. ثم ينظر نحو الأفق فيبدو له السراب. يضع فكرة في رأسه ويدّور حلمه حولها. مثل أصابعه التي دورها قبل قليل. ثم يمسك زجاج الماء كي يشرب. مع العلم والشمس أو السماء في الظهيرة لا تظهر نصف النجوم. انشراح مفتوح لأنه وحده قاعد على الكرسي لا يعرف متى تنتهي القعدة. لو كان لديه سجائر يدخنها؟! وإبريق شاي وبزر وخلطة من الزاد! ثم ينزل نظراته إلى خيال الطاولة الذي جعل الأخيلة تتداخل في رأسه فلم يعد يعرف حدود العناصر.
يأتي الليل. ليل الطابق الرابع*.
ثم يتسرب إلى الأرض كي يمتزج مع خيال الطاولة.
وكانت تستحم مثل سمكة*. خيالها يستحم في نصف الصحراء. في كأس الماء الذي لا يريد أن يشربه كله.
ذلك لأنه يريد أن يقبض على شيء.
ينظر إلى نحو خطوات منه فيرى أرنبا بريا. يقفز. مع الأرنب. تكون المسافة بينهما تطول وتقصر بنسب تعتمد على خطواته غير المنتظمة. فهو يركض بساق ونصف. أي أنه أعرج في الركض. حين يركض وراء الأرنب تصير ساقاه الكاملتان ساقاً ونصفا فيعرج خلف الأرنب. لهذا لا يمسكه لكن يبتعد معه في حقل بري في طريق نحو المدينة.
هناك تلة أنحفر فيها طرقة مدكوكة فيصعد عليها. حتى يرى من المرتفع بناية الكرتون*. يشير بيده إلى شقة الطابق الرابع: هذاك البلكون وفيه الفتاة التي كان يلوح لها حبيبها كي تنزل يوم البارحة*.
يستريح على المرتفع من التعب. لقد لهث وراء الأرنب حتى أصابه إعياء. مد لسانه تحت وهج الشمس. لو أنه يعود إلى قعدته عند الطاولة لكان تناول كأس ماء ومسح شاربيه بعد الشرب لن يشرب الكأس كلها. يبقى فضلة فيها. يضعها على الطاولة فيسمع رنين الفراغ فوق الخشب وكانت هناك رطوبة أسفل قاع الكأس جعلته يشعر بطمأنينة. يرى الفتاة تظهر في البلكون. ليس كل الفتاة بل خيال صغير منها. يرى ردن ساعدها ثم خصلة من شعرها. تمر ريح قوية فتميل خصلة شعرها نحو الخارج. ثم تمد يدها كي تعيد خصلة الشعر إلى مكانها. وهو ينظر ويزم عينيه. هي نفسها. لقد أخذها من يدها منذ زمان بعيد. تنزل عليه في الظلمة.
يمسح براحة يده ندى الماء الذي يخلفه الكأس لم يشربه كله يظل في القاع قطرات. يشرب خشب الطاولة قليلا أيضا. كل عنصر يتفاعل مع الآخر- يتحد قليلا. فيلوح بيده لعلها تراه من هذه المسافة على بعد غير معروف في الدنيا- ليس هناك بعد على ما يظن. فكل شيء مربوط من دون بعد. وهي فكرة غير ضرورية.
لذلك يحب أن يتفسح ويمد جانب الصحراء على قعدته في الظهيرة ويفتح صنبوره للمياه حتى يسكبها في قاع الكأس الفارغ ثم يمسح شاربيه باطمئنان.
كيف يمكن تفسير الصحراء؟!
لم يفكر مثل ذلك قط كما يفكر اليوم.
يرى الأرنب البري يقف عند مدخل بناية الكرتون. ويرفع رأسه نحو شرفة الطابق الرابع. لكن الفتاة لا تأبه به لأنها لا تنظر نحو الساحة فهي مشغولة بأمر آخر.
***
انتهت

بداية الخلق:
المرأة التي كان ينظر إليها في المرآة. كان قاعدا عند الطاولة. وحيدا وأفكاره لا تدع وحدته ساكنة. هناك يسمع ضجيجا. في أذنيه على الأقل. صوت الضجيج الداخلي. المرأة تنظر إليه صامتة. يظن بأنها صامتة. فهي لا تحسن إرسال الكلام إليه. حتى إن حركت شفتيها أو صرخت فلن يسمعها.
ينظر في المرآة كي يرى عينيه. فيرى عينين تراقبانه فيجفل ولايأتي بحراك. لعل رجل آخر يسكن بجانبه إذن! لا يريد أن يلتفت نحوه سيقول بأنه مشغول بأفكاره وبعالمه الذي لا ينتهي. لا يوجد في الحقيقة وقت لكل شيء. فيجعل ساعده تستريح على سطح الطاولة بكسل وضجر. تخبو أفكاره. لقد راحت تبحث عن الرجل الآخر.
تململ من هذا الخلق المفاجئ. لو أنه يعلم بالمضامين لما نظر في المرآة. لعنة لعنة. يجعل يده تكسل فوق سطح الطاولة على هيئة مرض.
الكسل والمرض كانا لفترة قصيرة تعود بعدها قوة روحه وتبدأ تعمل فيه. فيرفع الهمة نحو كأس فيها بضع قطرات من الماء. فهو لن يعطي منها لمسة ندى إلى الرجل الساكن معه. لن يشف رائحة الماء.
تصيبه خشية أن ينظر مرة أخرى إلى المرآة فهل هو مجنونا! يرفع رأسه نحو الأفق. لا يوجد سوى امتداد لسراب يتحرك ويعوم مثل نهر. وفجأة يرى رجلا آخر، يظهر في السراب، يسبح فيه. لقد ظهر فيه هيئة لا يعرف من أين أتت.
فينخلق الخوف فيه. هذا الآن صار معه اثنان. امرأة واحد إلى جانبه في المرآة، ورجل يقترب على ظهر السراب. أما المرأة في المرايا فهي تقعد في الساحة الخلفية، خلف إطار خشب عليه كأس ماء أسفل قاعه قليل من الندى سوف يمسحه بردن قميصه وكل شيء يبعث على الاطمئنان.
يلزم للرجل القادم على ظهر السراب جملا كي يركبه يطوي مسافة في الظهيرة يتحمل عبء السفر والعطش وقوة الشمس تميل حتى يصبح النهار على سفر يوم آخر. الآن هناك جمل يقترب وعليه رجل يحمل بضع حبات تمر يخب بموسيقى وصوت صحراء يستطيع أن يشعر بها ويراهن عليها في رجفان سطح مياه الكأس دوائر دوائر على وقع الخطى حتى يتكون ما هو أعظم.
كأنه بحر.
يتخوف من مياه البحر التي ستأتي وتغمر الصحراء وتغمره مع الطاولة والكرسي. في قاع المحيط. بحر. وهو لا يعود يشرب من الكأس. سيكون العالم ساكنا في الأسفل وسيكون السطح مرتفعا وعاليا ولا ينفع التلويح ولا فكرة الظلام. سكون. يقول بأن المرايا قد حجبت عنه فكرة السطح فلا ينفع التلويح لها. فهي لن تسمعه وهو بالتالي لا يستطيع من هذه المسافة المقطوعة أن يسمعها.
الفاصل العالمي هو الماء. فهي لن تظهر له مرة أخرى وهو لن يقودها من يدها.
آه أيتها المرايا يا حبيبتي
يا أمي العذراء المفقودة.
يا أيها السراب يا أنا الضائع.
---- ------- ------ ------
*: إشارة إلى نصوص (الماضي المستقبل ومعنى الظلام وزاوية الزمان) نشرت في صحف أخرى
8 كانون الثاني 2005



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - صحراء مثل الجنة