|
قراءة في نص -شهرزاد- للشاعرة الناشئة -هاجر سعيد-، أزمة الولادة الشعرية بين بنيوية التشاؤم وعقدة القهر.
عبدالحق فيكري الكوش
الحوار المتمدن-العدد: 3636 - 2012 / 2 / 12 - 16:26
المحور:
الادب والفن
قراءة نصوص شعرية لشعراء مبتدئين، تلزم صاحبها –القارئ- تحمل وعثاء التفكيك الميكانيكي والأدبي والنفس للنص وصاحبه، والسفر في النص والسفر في نفسية صاحبه، هي منعرجات لا بد من سلكها، فتداخل ما هو أدبي بما هو نفسي وتشابكهما خصوصا في عصرنا الحاضر بضغوطه، الذي يختلف نهائيا عن أي عصر سابق، يجعل النص اقرب إلى وثيقة تاريخية، من نص أدبي، ولعلي أدعو إلى مقاربة نقدية جديدة، لقراءة نصوص ما قبل الربيع العربي، والغوص في سيكولوجيا الشاعر العربي، وهذا سيمنح القارئ والناقد الكثير من المفاتيح الضائعة، وهذا يتطلب جهدا كبيرا في تفكيك بينية النصوص السيميائية وظروف ولادتها النفسية، بل وفتح مصحة نفسية على عجل لقراءة المنتج أو الشاعر ... ثم بعد ذلك إدخال النص إلى هته المصحة، مع الاقتراب أكثر وأكثر من هذا الشاعر وأنماط تفكيره وتصرفه وعلاقاته بمحيطه والآخر.. في محاولة لفهم حقيقي للشاعر الحديث ما قبل الربيع العربي، حيث سادت القدرية والشعور بالعجز واليأس..، ولعلنا أمام جيل من الشعراء المكتئبين، يموتون بعد الولادة مباشرة. لم يكن قصدنا دراسة النص "شهرزاد" للشاعر الناشئة هاجر سعيد ، بقدر ما كانت لدينا رغبة قوية في فهم لحظة ولادة الشاعر، والسياق العام لولادته، وربطه بالمجتمع، مجتمعنا المقهور والمقموع.. وتأثير هذا المجتمع في النص والشاعر معا، بل نحن أمام ظاهر تشاؤمية مستمرة ومتجددة، وكأن النص الشعري العربي، أصبحت أزمة التشاؤم فيه بنيوية، مثلما أن الشاعر بالكاد يتحرر من عقدة القهر التي تغل أصابعه وتربطه بمجتمعه المقهور.
التمهيد:
عنوان النص: "شهرزاد"، للشاعر هاجر سعيد منشور بجريدة الورشة الإلكترونية، ليومه السبت، 01/20/2007 ، وشهرزاد تحيلنا الى كل شيء، التاريخ والأدب والفكر، شهرزاد الكلمة التي أصبحت تشبه المطرقة التي تلازم يد القاضي في المحكمة، في اللحظات المهمة للمحاكمة، والتي تهوي بها مجموعة شاعرات على مجتمعهن، مجتمع القهر والكبت والعنف والتسلط والخنوع.. مطرقة المحاكمة التي ليس بطبيعة الحال ستتبعها مداولة وإصدار حكم، مطرقة التمرد التي تهوي بها على جمجمة الواقع غير السوي، شهرزاد هو عنوان في حد ذاته يجسد الشعور بالعيش وسط جزيرة معزولة حيث سيف القهر وحيث شهريار يتناسل ويتعدد مثلما تتعدد أياديه وسيوفه..، شهرزاد الأنثى الجميلة والمثقفة والذكية، ورمز الخصوبة الفكرية والأدبية والحكواتية والجنسية والبيولوجية والمواقف البطولية والوفاء.. وابنة الوزير، شهرزاد أو الرمز الأبدي والرمز الوهمي للانتصارات الوهمية للمرأة على الذكر، على شهريار، رمز للنساء المقهورات، اللواتي يمارس عليهن وعلى مجتمعهن كل اشكال االعنف والاضطهاد والقهر الجسدي والاستلاب الاقتصادي والعقائدي والجنسي..، شهرزاد أو السلطة المضادة للتسلط والهيمنة والقمع الذكوري، وكأن الشاعرة تلجأ إلى شهرزاد من جديد للنجاة من الطوق الذكوري، ومن الخنوع له.. من القهر وأشقائه في السوء، وكأن شهرزاد تتناسل في مقابل شهريار واحد متعدد أخطبوطي، تتعدد اصابعه وجماجمه، لكنه ذاته ونفسه. إن شهرزاد هنا هي الشاعرة نفسها، إسقاط حقيقي للرمز على ذاتها، ودراستي لشخصية الشاعر الناشئة، أكد أنها في حالة شعور مزمنة بالتهديد، من طرف قوى متعددة، في مقدمتها، الذكر وما يرمز إليه من عنف واضطهاد وقسوة وتسلط... فتلجأ الشاعرة إلى من حين إلى آخر إلى مساحة للتنفيس أو الهروب من هذا الذكر "شهريار"، وكأنها تعيش خالة خوف مزمنة منه، فتقتله بطريقتها، إيقاعه في الحب والتخلص منه، ومن خلال اختراع أحداث درامية وسوداوية تضيفها إلى حياتها، وتصدقها، ويظهر حجم الأزمة التشاؤمية لدى الأنثى الشاعرة موضوع دراستنا، بل وترغم الآخر على تصديقها (الحبيب المنتقم منه، بفتح القاف)، فتعيش أحداثا أخرى عنيفة ومؤثرة ( في شهر ونصف، ألفت في حضرتي، ثلاثة أحداث مهولة، غير واقعية نهائيا وغير مقبولة وتنسبها إلى القدر، موت ابنة الأخت، وهنا حتى اسم الفقيدة الوهمية، لا يخلو من صبغة دينية، ورمزية دينية "دعاء"، وهنا يأتي دور القهر الديني الذي هو أشد قهرا من القوى الطبيعية القاهرة، ثم جادت بفكرة حادثة سير وغيبوبة، ثم دخولها المستشفى وبترها لرجلها.. وكل هته الأشياء، لا أساس لها من الصحة) . وفي رصده لظاهرة الكذب في المجتمع المقهور، يقول مصطفى حجازي، في كتابه، " التخلف الاجتماعي، ومدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور: وهكذا يصبح الكذب جزءا أساسيا من الوجود المتخلف، على مختلف الصعد وفي كل الظروف، الكذب بين المتسلط والإنسان المقهور، كذب في الحب والزواج ، كذب في الصداقة، كذب في ادعاء القيم السامية، كذب في الرجولة، كذب في المعرفة، كذب في الإيمان،.. " وان أعذب الشعر لأكذبه، فكيف بشاعر يعيش حياة "أرجوحة " مدها وجزرها بين كذب وكذب ، ينتج نصوصا أدبية من هذا الواقع المقهور، وكأنه يؤرخ لفترته التاريخية، اللحظة الزمنية المعينة من حياة وزمن مجتمع معين، أن نتعامل مع نصوصه، وأي قراءة ممكنة لها؟ هنا ينتقل القهر من المجتمع الى النص، وهذا ظهر جليا، في النص المقروء، شهرزاد لشاعرتنا. وإن الشاعرة تتحول من إنسانة مقهورة، إلى جلاد يمارس القهر على ضحاياه، ويستعديهم، وفي رحلة أبدية للبحث، لممارسة انتقام أبدي، فيمنحها هذا لذة وهمية بتحقيق الانتصار وتحقيق اكتفاء ذاتي منه، ومحاولة إشباع وهمية للعقل بتحقيق هذا الانتصار، وهته عقدة المجتمع الأنثوي العربي، الذي يلجأ إلى النقيض العنيف في الممارسة للشعور بعدم الخضوع والسيطرة، (بينما هناك أساليب أخرى أبسط يمكن اللجوء إليها، لكن قوة القهر الممارس، تدفع من مورس عليه، نحو إنتاج قهر مضاد عنيف) ولنا أن نقوم بجرد لما ورد من مفردات من المعجم التشاؤمي، التي استعملته الشاعرة في نصين قصيرين جدا، لتظهر لنا حضور عقدة الشعور بالقهر، التي تتلازم والنوع في حالات كثيرة وليت حالة شاعرتنا:
بكى/ حزنا، الضائع/ السيف/ دماء العذارى/ الظلمة السرمدية/ التائه /دوامة/ أهواء /مستنقع /شهوة /الصياح/ موت/ الدمع الدامي /النواح /الشعر الحزين /الحداد يغطي السرير/ الاستلقاء على سرير الموت والحيا/ الدمع المرير /دموع الحيارى/ محرقة الموت / رماد /قلب العاشق المهجور... نحن أمام محج تشاؤمي، فلا تلبث أن ترتدي ثياب إحرام تشاؤمية وأنت تطوف حول كل مفردة من مفرادته؟ شهرزاد بكى سلطانك حزنا على سيفه الضائع في دماء العذارى بعد أن غسلته دموع الحيارى من قومه شهرزاد متى تنجلي الظلمة السرمدية عن صبح الرجل التائه في دوامة من أهوائه في مستنقع من شهوة نامت
إن الشاعرة تعيد شهرزاد إلى الحياة، وتبعثها بصيغة أخرى، باكية، في لحظة قهر مشهودة، فتوقعها في مصيدة استفهامية، وجواب نمطي جاهز، ومتوفر في مجتمع مقهور، وهنا لم تميز الشاعرة بين الذكر والرجل، فساوتهم في نفس العقيدة، ممارسة القهر، وقد يكون هذا صحيحا أحيانا، في مجتمع مقهور، يتجدد قهره ومنابع القهر فيه ومصباته كالنهر، ويتبنى عقيدة القهر في تبرير أصل وجوده. بل تحوم الشاعر ة حول قضايا أخرى وهي الاستلاب العقائدي والجنسي التي تلازم رمزها "شهرزاد"، وكأنها تجتر أسطورة حواء في المجتمع المقهور وما يرمز إليه من مصائر متشابهة.. لكن السؤال يبق مفتوحا، سؤالا فلسفيا وكأنه كذلك، سؤال قلق، سؤال نبيل مادام يرتدي ثياب القلق تلك، وكما قال الفيلسوف كيرجارد» القلق شعر لا يخلو من نبل « . شهرزاد ها أنت اليوم ترفلين في ثوب من حرير والشعر الحزين بلون الحداد يغطي السرير مستلقية على حافتي الموت والحيا تذرفين الدمع المرير عروسة تزف الليلة للأمير وغدا للسيف الضائع في دماء العذارى.. نحن أمام ملحمة تشاؤمية بامتياز، فرغم التحولات المادية البراقة والناعمة التي تحيط بشهرزاد وتحدث في حياة شهرزاد رغم انتصارها على شهريار، وهنا لنا أن نتسع في مفهوم شهريار، هل يعني المجتمع أم الذكر أم المكان أم الزمان، أم كل عوامل القهر مجتمعة، ، فما السرير يتغير ولا المصير يتغير، رغم تغير ظروف شهرزاد وحدوث حقيقة بقائها على قيد الحياة، وكأننا أمام صراط أبدي يلازم الأنثى العربي، ويسيطر عليها ويحتويها، وهنا تقوم الشاعرة بعملية إسقاط ل "شهرزاد" على كل أنثى حتى في عصرنا الحاضر، فليس هناك من مصير ينتظر شهرزاد غير السيف المغروس في دماء العذارى... !إنه حكم تبخيسي أبدي متوارث، وكأنه يتجدد في النصوص ولا يتجدد في المحتوى!! أبصرتك تموتين وأنت تحكين حكايا السمارى ثم ابصرتك تبنين محرقة الموت تولدين من رمادك كالحنين في قلب العاشق المهجور الحزين أبصرتك تحلمين باجراس تقرع في المدينة والحان عذبة الوقع حزينة وتماثيل تنحت كفينوس كحمامة كغصن زيتون وهنا تنتقل الشاعرة من نقيض إلى آخر، إبصار شهرزاد تموت وهي تحكي، ونلاحظ حضور القهر في نفسية الحاكية وهي بين يدي قاهرها، ثم إبصارها وهي تبني، ليس البناء المقصود، بل وليمة الموت في مطبخ شهريار، وولادتها من الرماد، طائر الفينيق الرمز التي تخفيه خلف الرماد، ولادتها الناعمة في قلب عاشق أيضا ، قلب هو أيضا مقهور وترابط فيه عوامل القهر السالفة، رغم أنه يتأجج عشقا، ثم الانتقال إلى إبصارها تحلم، وما للحلم من رمزية في مفهوم الحياة، وهنا يتسع النص لتفاؤل حذر وغامض، ولكنه تفاؤل أكثر تشاؤما مما سبقه من معجم تشاؤمي استعملته الشاعرة في نصها، وهو حلم قرع الأجراس في المدينة والحان لا تخلو من تسرب القهر إليها، وتماثيل تنحث كحمامة وكغصن سلام أو السلام المفقود بين طرفي الصراع والحكاية، شهرزاد وشهريار.
خاتمة: نحن أمام سؤال وجود شعري، سؤال يلازم كل نص جديد، وهنا لا نلغي النوع: هل التشاؤم تحول إلى أزمة بنيوية في الشعر العربي المعاصر، ولدى جيل جديد من الشعراء يولد من براثن القهر، ومعها عقدة شهرزاد وشهريار؟ الم نتخلص بعد من مشرقية المجتمع التي رسخها الغرب في مخياليتنا؟ مشرق القهر والكبت والتسلط والخنوع.. وتحضرنا هنا نصوص نازك الملائكة مؤسسة الشعر الحديث، وعميدة الأدب النسائي العربي..
#عبدالحق_فيكري_الكوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصورة النمطية للإنسان المسلم في الصحافة والمؤلفات الأجنبية:
...
-
وثائق الاعتذار في محراب قلب الحبيبة-الى الحبيبة هجر-(02)
-
وثائق الاعتذار – في محراب قلب الحبيبة – هاجر.
-
بلبل الأمداح النبوية في بيروت والمشرق العربي، عبد الغني الكو
...
-
العذراءالزهراء الكوش متصوفة استثنائية في المغرب والعالم الإس
...
-
آل الكوش: قصة عائلة تأرجحت بين جرائم دولة الاحتلال والانتداب
...
-
الإعجاز الثوري في الثورة التونسية: اقتصاد في الزمن، وواقعية
...
-
1912-2012 م – المغرب: من صدمة الحماية الفرنسية إلى تعايش الش
...
-
صناعة -المحنة- في المغرب: «امتحان الزوايا» إلى «امتحان المثق
...
-
الصحافي رشيد نيني والعنزة وجاليليو
-
طقوسية بويا عمر وطقوسية النظام: الذهنية المشتركة وأزمة عقل ا
...
-
الإسلام والحرية والإنسان ، ثالوث الحلول في العالم العربي
-
المخزن و ميكيافليلية الحلقة وحكمة الأميين
-
ثورة النيل الهادرة وجيل استعادة الكرامة العربية
-
وعاد هبل عاد إلى شبه الجزيرة العربية !!!
-
نقد العقل الجزائري
-
أسباب فشل المسيرة الخضراء في شقها الوطني
-
فجائعية أحداث العيون/وسؤال شؤوننا الاستراتيجية بيد من؟
-
اغتيال الشيخ والولي سيدي عبد الله الكوش: الحلقات المفقودة من
...
-
خطاب أعمى الى صديق ذو بصيرة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|