|
الزمان والمكان في القصة القصيرة
محمد أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 09:40
المحور:
الادب والفن
لا يمكننا أن نفصل بين عناصر القصة القصيرة فصلاً تعسفياً ، وإنما يأتي الفصل لأغراض البحث والدراسة وذلك للتسهيل على القارئ والدارس ، وليس من المقبول أن نرجح عنصراً على آخر من عناصر البناء الفني للقصة ، وقد اختلف النقاد والأدباء في تعريف القصة القصيرة ، فمنهم من عرفها استناداً إلى زمن قراءتها ، فهو يرى أن القصة القصيرة هي تلك القصة التي تقرأ في جلسة واحدة ، ومنهم من عرفها حسب عدد صفحاتها وبأنها لا تزيد عن ثلاث إلى أربع صفحات ، ومنهم من تجاوز هذا التعريف معتبراً أن القصة القصيرة لا تهتم بالتفاصيل كالرواية ولكنها تهتم بحدث معين في زمن محدد ومكان أو مجموعة من الأمكنة المحدودة . عناصر القصة : تتكون القصة من مجموعة عناصر أو مجموعة أسئلة هي : 1 - من : الشخصية 2 - أين : المكان 3 - متى : الزمان 4 : كيف : الحدث 5 - لماذا : مبررات الحدث 6 : ماذا : النهاية ومن النقاد من يرى أن القصة القصيرة تتكون من بداية ووسط ونهاية ، أو من عقدة وصراع وحل ، وهناك عناصر أخرى للقصة مثل التشويق والمصادفة المعقولة والتدرج الفني للوصول إلى قمة الصراع فالحل . ولكن التقسيمات السابقة تتناسى اللغة باعتبارها عنصراً أساسياً من عناصر القصة ، فاللغة هي وسيلة القص والسرد ، وإن كانت السينما والرسم قد قدما لنا قصصاً من خلال الحركة أو اللون بحيث تترك لخيال المشاهد فرصة تخيل القصة كما يراها بخياله . وقبل أن نبدأ في دراسة الزمان والمكان في القصة علينا أن نطرح على أنفسنا مجموعة من الأسئلة التي يمكنها أن تساعدنا في فهم الموضوع وتحديد آليات الدراسة ، من هذه الأسئلة التي تحتاج إلى التفكير : 1 - ما علاقة الزمان بالمكان ؟ وهل هما متصلان أم منفصلان ؟ وإذا كانا متصلين ، فما الذي يربط بينهما ؟ أما إذا كانا منفصلين ، فهل يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر ؟ 2 - كيف حاول الإنسان التغلب على عقبتي الزمان والمكان ؟ المواصلات وتطورها - البريد والبرق - التليفون والفاكس - المذياع - التلفزيون - الإنترنت " البريد الإلكتروني والمحادثة والتجارة اإلكترونية والمواقع الخاصة والتجارية " 3 - ما هو الزمان ؟ وما هو المكان ؟ وهل يمكن أن نضع تعريفاً محدداً لكل منهما ( تعريف جامع مانع ) " المكان في اعتقادي هو الوعاء الذي تدور فيه الأحداث وتتحرك فيه الشخصيات لتكشف لنا حركة الزمان والتغير الذي يطرأ على الأشياء والناس . " 4 - ما الذي يخطر على البال عندما نسمع كلمة الزمن؟ ( ساعة - دقيقة - ثانية - يوم - أسبوع - شهر - سنة - فصل - ربيع - خريف - صيف - شتاء - نهار - ليل - شروق غروب - عيد صوم .. إلخ ) ( الزمن التاريخي - الزمن النفسي - الزمن السابق - الزمن اللاحق - الزمن الصاعد - الزمن المتكسر - الزمن الدائري - الزمن اللولبي ) 5 - ما الذي يخطر على البال عند سماع كلمة مكان ؟ بيت - غرفة - شقة منزل - مكتب - مدرسة - مسجد - كنيسة - مستشفى - عيادة - مستوصف - دكان - مقهى عادي - مقهى انترنت - سيارة - كراج - مطار - طائرة - ميناء باخرة - سفينة - شاطئ - مزرعة - كازينو .. إلخ ) 6 - بماذا تذكرنا الكلمات التي خطرت على بالنا ؟ هل تذكرنا بفعل أو حادثة ما ؟ وهل تذكرنا بشخص معين ؟ وما دور اللغة في كل ذلك ؟ وبم تذكرنا اللغة ؟ ( الحكي أو السرد - الوصف - الربط بين الأحداث - الربط بين الحدث والشخصية - التحليل - التعليق - الاستناج - اقتراح حلول للمشاكل التي تواجهنا ) 7 - ما علاقة الزمان والمكان بالوعي ؟ وهل يمكن أن يوجد الزمان خارج وعي الإنسان ؟ 8 - كيف يتكون الوعي ؟ وما علاقة حواس الإنسان بإنتاج الوعي ؟ 9 - ما أهم عناصر ومكونات القصة ؟ ( الحبكة " البداية والوسط أو العقدة ولحظة التوير والحل ) ( اللغة - الشخصيات - الأحداث - الزمان - المكان ) أولاً : الزمان : الزمن شيء يصعب الإمساك به ، تدركه عقولنا ولا نستطيع إدراكه بحواسنا ، ولكنا قد ندرك آثاره التي يعتقد البعض أنها الزمن ، فنحن نرى حركة عقرب الثواني بينما لا نستطيع أن ندرك حركة عقرب الساعات بالسرعة والدقة نفسها ، والزمن يرتبط بالمكان والحركة التي لولاها لما استطعنا إدراك الزمن ، فحركة الأرض حول نفسها تنتج الليل والنهار ، بينما تنتج حركتها حول الشمس الفصول الأربعة وما يترتب عليها ، والزمان تابع للحركة ناتج عنها ، والحركة لا يمكن أن تحدث إلا في المكان ، وقد فرق العرب بين الزمان والحركة ، وهم يرون أنه قد تكون حركة أسرع من حركة أو أبطأ منها ولا يكون زمان أسرع من زمان أو أبطأ منه ، بل يكون زمان أطول من زمان أو أقصر منه ، كما يمكن أن تجتمع حركتان معاً ولكن ليس من الممكن أن يجتمع زمانان معاً . يرى عبد الصمد زايد أن العرب تخلفوا في التعامل مع الزمن ، وهو يرى أن الزمن يقف محنطاً عند العرب ، كما يرى أن امتلاك الزمن أهم من امتلاك الأرض " المكان " وجعل من السرعة عاملاً مهما في بناء الحياة المعاصرة وصنع التاريخ ، ( 1 ) وفي ذلك مغالطة كبيرة لأن ما تفعله السرعة هو اختصار مدة الانتقال من مكان إلى آخر بحيث يكاد يتوقف الشعور بالزمن إذا تحرك الجسم بسرعة الضوء ، إن ما ينقص العرب ليس القدرة على امتلاك الزمن ، ولكن ما ينقصهم هو القدرة والرغبة في إنتاج وسائل السيطرة على الزمن . وقد عرف العرب الزمن والزمان بأنه اسم لقليل الوقت أو كثيره واعتبروا أن الزمن والدهر شيء واحد ، بينما رأى بعضهم أن الزمن من شهرين إلى ستة أشهر وقد يقع على الفصل من فصول السنة أو على مدة ولاية الرجل ، بينما الدهر لا ينقطع ، والزمن هو تلك اللحظة الهاربة نحو الماضي بينما ينبع الحاضر من معين لا ينضب هو المستقبل ليصب في وعاء لا يمتلئ ولا يفيض هو الماضي الذي يختزن في الذاكرة إلى حين استرجاعه من خلال التذكر أو المناجاة " تيار الوعي " الزمن في اللغة العربية : الزمن الصرفي : وتحدده طبيعة صياغة الكلمة في بنائها الخاص . الزمن الذي يحدده وجود الكلمة في سياق أو تركيب خاص : فقد يتحول معنى الفعل الحاضر إلى الماضي ، فالفعل وحده يظل قاصراً عن تحديد الزمان ما لم تساعده قرائن أخرى وما يقع في سياق معين ( 2 ) ، وقد تعجز اللغة عن تصوير الأزمنة الأدبية والفلسفية بالصيغ نفسها دون اللجوء إلى القرائن والأدوات والسياق ، وكثيراً ما نجد نماذج لا علاقة فيها للفاعل الاصطلاحي بالفعل الحقيقي ، وإنما يسند الفعل إلى الفاعل على سبيل الوصف والتلبس ( 3 ) كقولنا " مات الرجل " أما في الغرب فقد تغير مفهوم الزمن بعد اكتشاف السينما التي لا تعرف إلا زمنا واحداً هو الزمن الحاضر ، والحقيقة أن عالم السينما لا يختلف كثيراً عن عالم الواقع ، فالإنسان في عالم الواقع لا يرى ولا يدرك إلا ما هو موجود في مجال حواسه ( 4 ) ، بينما يقول دو لوز بوجود صورتين للزمن : الأولى أساسها الماضي والثانية أساسها الحاضر ، فالحاضر هو الصورة المتحققة أما ماضيه المزامن فهو الصورة الكامنة ، تماماً مثل كون صورتنا في المرآة هي الصورة الكامنة لنا التي تقابل وجودنا الحقيقي ، وفي العمل الأدبي يكون المؤلف هو الصورة الحقيقية بينما يكون الراوي هو الصورة الكامنة ، ولكن الراوي يتحول إلى صورة حقيقية لدى القارئ بينما يصبح المؤلف هو الصورة الكامنة ( 5 ) ، إن وعي الإنسان يتشكل ضمن مجموعة من الأزمنة ، فهناك ماض قريب وماض بعيد ، وحاضر يمضي وحاضر حاضر وحاضر يأتي . أنواع الزمن : 1 - زمن فيزيائي : وهو يعني اختلاف الليل والنهار وما ينشأ عنهما من أيام وأسابيع وشهور وأعوام وعقود ودهور . ( 6 ) 2 زمن حدثي موضوعي : وهو زمن الأحداث التي تغطي حياتنا 3 - زمن لساني : يرتبط بالكلام ومنبعه الحاضر ، وينقسم إلى زمن الخطاب الذي يتميز بمستوى الحضور وزمن الحكي ويتميز بمستوى الانقضاء . ( 7 ) 4 - الزمن النفسي : وهو الزمن الأكثر أهمية في الأدب . 5 - الزمن التاريخي : وهو زمن وقوع الأحداث و يتجه نحو المستقبل . الزمن في القصة : الزمن المتواصل : وهو زمن طولي متواصل حركته ذات ابتداء وانتهاء ، وهو قابل للتوقف والانقطاع . الزمن المتعاقب : " دياكروني " وهو زمن دائري مغلق تعاقبي في حركته مثل زمن الفصول الأربعة والليل والنهار، وهناك زمن تعاقبي داخل جسم الإنسان ، فالإنسان اليوم غيره قبل ثلاثة أشهر . زمن الكتابة : ونقصد به عدد الساعات التي يقضيها المؤلف في كتابة عمله . زمن القراءة : ويقصد به الزمن الذي يقضيه القارئ في قراءة القصة ، ويتأثر زمن القراءة بحجم الكتاب وحجم الصفحة ، وحجم حروف الطباعة ، ووضوح الطباعة ، وأسلوب المؤلف ، والهدف من القراءة ، واختلاف القدرة على القراءة السريعة ، والمؤثرات الخارجية التي تحيط بالقارئ ، والحالة الذهنية للقارئ . وهناك الزمن الغائب الذي يتصل بأطوار الناس في حالة النوم أو الغيبوبة ، وقبل تكون الوعي ( مثل : الجنين والرضيع ) والصبي الذي لا يدرك العلاقات الزمنية فيقول أمس وهو يقصد الغد .
ثانيا ً : المكان : تعريف : المكان هو الموقع الثابت المحسوس القابل للإدراك والحاوي للشيء ، وهو مستقر بقوة إحساس الكائن الحي " الإنسان " ، والعلاقة بين الإنسان والمكان تقوم على ركيزتين : 1 - التضاد من حيث ثبات المكان وحركة الإنسان . 2 - الالتقاء لأنهما يمثلان معاً المدرِك والمدرَك . والمكان في الواقع له ثلاثة أبعاد " الحجم " ، وقد يكون له بعدان " المساحة " ، وهو أخص من الحيز " الفراغ " الذي يشغله جسم ما ، لأن الحيز مطلب الجسم المتحرك للحلول فيه ، والجهة مطلب الجسم المتحرك للوصول إليها . خصائص المكان وصفاته : 1 - التواصل : بمعنى أنه يمكن تجزئة المكان إلى أقسام . 2 - التعدد البعدي : ( الطول والعرض والارتفاع ) 3 - الاتصال بمعنى أنه لا توجد منطقة أو مكان منعزل في العالم . 4 - الاتجاه : ويختلف باختلاف الفئة التي تتعامل مع المكان مثل : الفلاسفة والمهندسين والإنسان العادي والروائي . وتختلف خبرة الإنسان بالمكان عن خبرته بالزمان ، فهو يدرك المكان بشكل مباشر "بواسطة االحواس " بينما يدرك الزمان بشكل غير مباشر . ( 8 ) علم المكان : ويدرس المكان من حيث إدراك الأشخاص له ، وطريقة استعمالهم له ، وهناك أربع مسافات يراعيها اإنسان لدى وجوده مع الآخرين هي : 1 - المسافة الحميمية : ولا تتجاوز 45 سم ، وتمثل التماس الجسمي مع الآخرين . 2 - المسافة الشخصية ولا تتجاوز 120 سم . 3 - المسافة الاجتماعية : ولا تتجاوز 220 سم " كما في المعاملات التجارية وقضاء المصالح " . 4 - المسافة العامة : وترتبط بحدود المكان التابع لكل شخص أو بحدود مجال حديثه .( 9 ) المكان في القصة " النص السردي " : المكان عنصر من عناصر البناء القصصي الذي تدور فيه الأحداث وتتحرك الشخصيات ، ويقوم بدور المناظر الخلفية في المسرح ، كما يلعب دوراً أساسياً في إظهار المضمون الاجتماعي أو السياسي للقصة ، وقد يجعل الكاتب المكان مقدمة للقصة وتمهيداً لها . ( 10 ) علاقة المكان بالنص : 1 - قبل النص : حيث يشكل المكان دافعاً للإبداع . 2 - أثناء النص : حيث يدخل المكان في نسيج النص من خلال حركة السارد في المكان . 3 - بعد النص : يتعلق هذا الجانب بالمتلقي " القارئ " وطريقة تلقيه للإشارات المكانية التي يرسلها القاص ، ويرتبط ذلك بقدرة الكاتب على اختزان أمكنة مغايرة لما يعهده القارئ أو تقديم المكان المعهود بصورة فنية مختلفة .( 11 ) مفهوم المكان في القصة : لم يهتم النقد بالطريقة التي تقدم بها القصة وضع الإنسان أمام محيطه المادي " المكان " الذي لا يكاد يوجد منعزلاً عن بقية عناصر السرد ، وهو يدخل في علاقات متعددة مع المكونات الحكائية الأخرى للسرد مثل الشخصيات والأحداث والرؤى السردية " وجهات النظر" ، ولا يوجد الفضاء القصصي إلا من خلال اللغة ، وهو يختلف عن فضاء السينما والمسرح " الأماكن التي ندركها بالبصر ، وهو فضاء يوجد من خلال الكلمات المطبوعة ، وغالباً ما يلجأ القاص إلى طائفة من الإشارات وعلامات الوقف لتقوية سرده ، وينشأ عن التقاء فضاء الألفاظ بفضاء الرموز فضاء جديد هو الفضاء الموضوعي للكتاب أي فضاء الصفحة والكتاب حيث يلتقي وعي الكاتب بوعي القارئ .( 12 ) أماكن الإقامة : قسم حسين بحراوي أماكن الإقامة إلى أماكن إقامة اختيارية " البيوت " وأماكن إقامة إجبارية " السجن " وجعل منها قطبين متناقضين ، والحقيقة أن أماكن الإقامة الاختيارية لا تقتصر على البيوت فقط ، لأن البيوت أماكن للإقامة الدائمة ، بينما توجد أماكن للإقامة المؤقتة مثل الفنادق والمستشفيات وأماكن العمل كالمدارس والمكاتب والعيادات والدكاكين والورش وغيرها ، كما توجد أماكن إقامة إجبارية غير السجون مثل المستشفيات للمرضى والمصحات النفسية ومشافي المجانين والإصلاحيات وتحديد الإقامة " الإقامة الجبرية " وغيرها . وهناك أماكن الانتقال وتنقسم إلى : 1 - أماكن الانتقال العمومية : مثل الشوارع والأحياء الراقية أو الشعبية . 2 - أماكن الانتقال الخصوصية : مثل المقهى والمطعم والنادي . مفهوم المكان في القصة : 1 المكان القصصي : وهو المكان الذي تصنعه اللغة للتخييل القصصي . 2 - الفضاء : وهو مجموعة الأمكنة في القصة وإطارها المتحرك . 3 - الفضاء الجغرافي : وهو مكان ينتجه الحكي وهو محدود جغرافيا ، قابل للإدراك ، يتحرك فيه الأبطال . 4 - الفضاء الدلالي : وهو الصورة التي تخلقها لغة الحكي . 5 - الفضاء النصي : وهو الفضاء المكاني الذي تشغله الكتابة على الورق وطريقة تصميم الغلاف الذي يشمل العنوان ولوحة الغلاف والإهداء وكلمة الغلاف . أبعاد المكان : 1 - البعد الجغرافي : لا تكاد توجد قصة لا تتضمن بعض العناصر الجغرافية التي تساعد على تحديد المكان المتخيل . 2 - البعد النفسي : وهو البعد العاكس لما يثيره المكان من انفعال سلبي أو إيجابي . 3 - البعد الهندسي أو المعماري . 4 - البعد الفيزيائي : ويشمل حركة الشمس ، وانكسار الضوء . 5 - البعد التاريخي " الزمني " : وهو الزمن الكائن في المكان ، لأن المكان يمثل خطاً أفقياً يتحرك عليه الزمن ، والزمن هو كمية الحركة في المكان . 6 - البعد الاجتماعي : في المكان تعيش الجماعات البشرية وتتطور وتضع قوانينها ولغتها وأعرافها وتقاليدها . ( 13 ) الدراسة التطبيقية سأتعرض هنا لدراسة الزمان والمكان في بعض النماذج القصصية : أولا : نماذج من القصة العالمية : 1 - قصة شقاء " أنطون تشيكوف " : تبدأ القصة بداية زمنية هكذا : " الشفق يؤذن باقتراب الليل ، وندف كبيرة من الثلج تتساقط حول مصابيح الطريق … " . فالشفق يدل على الغروب وبداية الليل ، أما الثلج فينبئنا أن الفصل هو فصل الشتاء ، وقد اكتفى تشيكوف بعلامة من علامات فصل الشتاء دون أن يذكر لنا أن الوقت وقت الشتاء صراحة ، ولكنه يشير في العبارة نفسها إلى المكان الذي هو الطريق المضاءة بالمصابيح ليلاً، ويمكن للقارئ العادي أن يدرك أنه لا يمكن أن يتواجد أحد في مثل هذا الجو إلا من تفرض عليه لقمة العيش أن يعمل ليلاً أو رواد الحانات أو رجال العسس . يضعنا تشيكوف أمام أيونا بوقاف الذي يجلس في عربته منتظراً بعض الركاب كي يكسب قوته وقوت حصانه ، فالطريق هي مكان انتقال ، والعربة مكان عمل ، ولكن الحوذي مشغول بهمٍّ أكبر ، وإن كان هذا الهم لم يمنعه من ممارسة عمله ، فقد مات ابنه هذا الأسبوع " نلاحظ هنا أن الأسبوع هنا لا يدل على أسبوع محدد " وهو يريد أن يتحدث إلى أي إنسان عن موت ابنه ، يقول لأول راكب ركب معه : " ابني .. ابني مات هذا الأسبوع يا سيدي ! " ومن خلال حديث الحوذي نعرف أن ابنه مات بعد إقامته في المستشفى ثلاثة أيام لينتقل من مكان إقامته المؤقت في المستشفى إلى مكان إقامة لا عودة منه . ولكن الراكب لا يريد الاستماع إلى الحوذي بل يطلب منه أن يسرع ، بعد ذلك يركب ثلاثة ركاب مع أيونا الذي يحاول أن يتحدث إليهم عن موت ابنه ولكنهم لا يكترثون به ، وحين يلتفت إليهم أيونا ليحدثهم يتنفس أحدهم الصعداء قائلاً : " أخيراً وصلنا والحمد لله . " أخيراً يقرر أيونا العودة إلى الاصطبل ، ويحاول أن يتحدث إلى زميله عن موت ابنه ولكن هذا الزميل يذهب في نوم عميق ؛ لم يبق أمام أيونا إلا أن يحكي قصة موت ابنه إلى حصانه الذي هده التعب والبرد . لقد لخص لنا تشيكوف معاناة الفقراء الذي لا يجدون من يبوحون إليه بهمومهم ، وقد استعان تشيكوف بتلك اللوحة التي رسمهما بعد أن مزج بين الزمان والمكان والطبيعة ، ففصل الشتاء يدل على الانكماش وقلة الحركة ، بينما يوحي الليل بالوحدة والعزلة ، أما المكان فلا يكاد يعطي معنى الاستقرار ، فالعربة ليست مكان إقامة دائمة ، والطريق هي مجرد مكان انتقال لا مجال للاستقرار فيه . 2 - قصة " الحبل " _ جي دي موباسان . يمتزج الزمان والمكان في هذه القصة كما في سابقتها ، فالفلاحون يقبلون يوم السوق مع زوجاتهم ، ويوم السوق يمكن أن يكون أي يوم من أيام الأسبوع ، كما أن كلمة السوق تحمل في طياتها مفهوماً مكانياً ، بعد ذلك يقول لنا راوي القصة إن السيد " هوشكورن " من أهالي بلدة " بورتييه " لمح قطعة حبل صغيرة ، ولشدة حرصه مثله مثل بقية أهالي نورماندي التقطها عن الأرض ، في هذه الأثناء رآه السيد مالاندان . وفي أثناء وجود هوشكورن في المطعم نادي المنادي أن السيد " هولبريك " من أهالي مانفيل قد فقد محفظة سوداء فيها خمسمائة فرنك وبعض الأوراق ، يأتي أحد الضباط إلى المطعم ويسأل عن السيد هوشكورن ، وعندما يجده يطلب منه أن يذهب معه إلى مكتب العمدة الذي يتهمه بأنه وجد المحفظة ، أنكر هوشكورن ذلك ولكن إنكاره لم ينفعه ولم يصدقه أحد لأن السيد مالاندان وشى به بعد أن رآه يلتقط الحبل ظناً منه أنه إنما كان يلتقط المحفظة . بعد انتهاء اليوم وحلول الليل عاد هوشكورن إلى برتييه مع ثلاثة من جيرانه ، أراهم المكان الذي التقط منه الحبل ، وفي اليوم التالي أعاد " ماريوس بوميل " أجير السيد " بريتون " المزارع ببلدة " إيموفبيل " المحفظة إلى السيد هولبريك زاعماً أنه وجدها في الطريق ، ومع ذلك لم يصدق الناس أن هوشكورن برئ، وظلوا يعتقدون أنه استغل مكره ودهاءه النورماندي، وعلى الرغم من تعرضه للسخرية ظل يروي الحادث بإسهاب، وكلما أفاض في الدفاع عن نفسه زاد تكذيب الناس له ، عصف به الحزن والغضب وبدأ يذوي إلى أن اختل عقله فمات في أوائل شهر يناير وهو يهذي ببراءته قائلاً : " قطعة حبل .. قطعة حبل .. انظر هذه هي يا سيدي . " في هذه القصة نجد أماكن إقامة مؤقتة مثل السوق ومكتب العمدة وأماكن انتقال مثل الطريق والأحياء والمدن التي لم توصف لأن القصة القصيرة لا تتسع لذلك ، أما وفاة هوشكورن فقد حدثت في فصل الشتاء ، والقصة تقول لنا بطريقة غير مباشرة أن المجتمع الفرنسي لا يعاني من مشاكل خطيرة بل تشغله بعض القضايا الهامشية التافهة ، وأن مجتمع الرفاه لا يجد ما يسليه غير التندر بمشاكل الناس وملاحقتهم بالسخرية اللاذعة ، وفي ذلك إشارة للبيئة الاجتماعية من حيث العادات والتقاليد . ثانياً : نماذج من القصة العربية : 1 - قصة عنبر لولو " نجيب محفوظ " ( 14 ) يختلط الزمان بالمكان عند نجيب محفوظ ، في بداية القصة نقرأ الفقرة التالية : " قام الكشك من طرف الحديقة الجنوبي . كشك مصنوع من جذور الأشجار على هيئة هرم تكتنفه أغصان الياسمين ، وقف وسطه كهل أبيض الشعر نحيل القامة ما زال يجري في وجهه بقية من حيوية ، جعل ينظر في ساعة يده ويمد بصره إلى الحديقة مستقبلاً شعاعاً ذهبياً من الشمس المائلة فوق النيل نفذ إلى باطن الكوخ من ثغرة انحسرت عنها أوراق الياسمين ، ولاحت الفتاة وهي تتجه نحو الكشك سائرة على فسيفساء الممشى الرئيسي . " تدلنا الفقرة السابقة على قدرة نجيب محفوظ على رسم المكان وجعله إحدى شخصيات السرد ، يختلط المكان هنا بالزمان ، فالشمس ترسل شعاعاً ذهبياً مما يشير إلى أن الوقت هو وقت الأصيل ، أما دخول شعاع الشمس من ثغرة بين أغصان الياسمين إنما يشير إلى المكان الفيزيائي ، وإلى الأمل الذي يراود الرجل على الرغم من دخوله مرحلة الكهولة ، كما يتضح لنا أن الرجل ينتظر شخصاً ما ، فهو ينظر في ساعته ويمد بصره إلى الحديقة ، وبعد هذا التمهيد يضعنا الراوي أما فتاة خضراء العينين تتجه نحو الكشك . وقد شغل الحوار مساحة واسعة من القصة مما يحيلنا إلى الزمن الحاضر " الآن " ويجعلنا نعيش اللحظة نفسها مع الرجل والفتاة ، ولكن الراوي كان يقطع الحوار ليعيدنا إلى الزمن الماضي من خلال تعليقات سريعة نثرها هنا وهناك في ثنايا الحوار . يخبر الرجل الفتاة أنه أمضى خمسة وعشرين عاماً في السجن " مكان إقامة إجباري " لأنه انضم إلى الجموع الثائرة ومارس العمل السري فيما بعد ، يدعو الرجل الفتاة إلى الذهاب معه إلى عنبر لولو بعد أن كذبت عليه واخبرته أن شاباً سيتقدم لخطبتها ، وفي أثناء حديثهما يقتحم الكشك شاب أغبر الوجه يتصبب عرقاً ، وحين تحاول الفتاة الخروج يطلب منها الكهل أن تنتظر فلا يجوز أن تخرج وحدها لأن الطرقات تكون خالية في ساعة الأصيل ، ولكن الشاب يخبرهما أن الطرقات ليست خالية فهي مطوقة برجال الشرطة بسبب وقوع إطلاق نار من فوق البرج لم يسبب ضرراً لأحد . أخيراً تصارح الفتاة الكهل بأن ما ذكرته عن خطبتها كلن حلماً فيصارحها بدوره بأن عنبر لولو لا وجود له وأنه حلم راوده هو وزملاءه في السجن فرسموا صورة لمكان تتحقق فيه أحلام البشر دون عوائق ، فالعنبر الذي هو رمز للسجن في واقع السجناء تحول إلى مكان أشبه بجمهورية أفلاطون في خيالاتهم ، تماما كما كان العرب يفعلون في الجاهلية ، يسمون الأشياء بغير أسمائها الحقيقية فيطلقون لفظة السليم على الملدوغ ، والمفازة على الصحراء المهلكة . 2 - الشهداء يعودون هذا الأسبوع " الطاهر وطار " تبدأ القصة بخروج العابد من مركز البريد بعد تسلمه رسالة من الخارج ، يتجه العابد إلى ظل شجرة ويجلس على صخرة ليبدأ النظر في الرسالة ، ويمضي في جلسته أربع ساعات يطوي بعدها الرسالة ويضعها في كيس معلق في عنقه ، هنا يختلط الزمان بالمكان كما في القصص السابقة ، إلا أن الزمن في القصه زمن تائه ضبابي غير محدد وكذلك الحال بالنسبة للمكان ، فاليوم غير محدد وكذلك الأسبوع ومكتب البريد والشجرة ، لا حقيقة هنا سوى ضوء الشمس ، أما بقية الأشياء فيمكن أن تكون في أي مكان في الجزائر ، مما يدل على شمولية الحالة التي يتحدث عنها راوي الطاهر وطار . يتحرك العابد ، وفي طريقه يقابل المسعي ، يسأله العابد عن رأيه فيما لو جاءته برقية تخبره بعودة ابنه الشهيد ، ويؤكد له أن الشهداء سيعودون خلال أسبوع ، يقول المسعي إنه سيفرح ولكن هذه العودة ستخلق مشاكل كثيرة ، لأن مثل هذه العودة تجيئ متأخرة ، والحقيقة أن المسعي كان يفكر فيما سيخسره من تسهيلات ومساعدات إذا عاد ابنه الشهيد ، يتركه العابد ليقابل سي قدور في محله " الخمارة " " يعرض قدور على العابد أن يشرب القازوزة فيقول العابد إنه دخل هذا المحل مرتين ، مرة في عام 1940 م عندما أخذ القائد حصانه ، وهذه المرة ، يطلب العابد من قدور أن يقص عليه كيف استشهد ابنه مصطفى فيحكي له قدور الحكاية التي اخترعها وهو يتصور أن العابد قد عرف شيئاً عن وشايته بابنه ، يخبر العابد قدور بأن ابنه مصطفى سيعود في ظرف أسبوع . بعد ذلك يقابل العابد عبد الحميد شيخ البلدية فيحدثه عن عودة ابنه ، فيفكر رئيس البلدية في الانتقام وبأنه سيأكل من لحم الشهيد لو عاد لأنه قام بقتل أبيه الخائن " رئيس البلدية السابق في زمن الاحتلال الفرنسي " ، يسأل العابد شيخ البلدية عن موقفه من عودة الشهداء فيخبره أنهم يحتاجون أول ما يحتاجون إلى إثبات حياتهم من جديد . يوجه العابد السؤال نفسه إلى المانع منسق القسمة الذي يوشك على الانهيار لاعتقاده بأن العابد يعرف بأنه وشى بابنه مصطفى وأبلغ عنه العدو الذي كمن له في منزله ولكنه تخلف عن الحضور ، يظل العابد يسأل ويسأل ، وحين يقابل منسق قسمة قدماء المجاهدين يتذكر هذا كيف استشهد مصطفى وكيف نجا قدور ! وكيف وجد الوقت الكافي لدفن مصطفى بعد انفجار اللغمين ، يقول المنسق للعابد أن ينصح ابنه بعدم العودة إلى القرية ، هنا يدرك العابد أن لا أحد يريد عودة الشهداء ، حتى رئيس الدرك يخشى عودة الشهداء الذين سيقولون كيف استشهد جميع أعضاء فرقته بعد أن ترك رشاشه الذي كان من واجبه أن يحمي به المجاهدين ، وكيف تسبب توقفه عن إطلاق النار وركضه نحو العدو في هلاك جميع أفراد الفرقة بينما وقع هو في الأسر ، يحاول رئيس الدرك أن يصرف العابد عن هذه الفكرة مذكراً إياه بما سيخسره فيما لو عاد ابنه وبأنه سيخسر المنحة ورخصة سيارة الأجرة ، والسكن منخفض الأجر ، والاحترام الذي يحظى به كونه والد شهيد . حتى الكوميونست لا يرحب بعودة الشهداء على الرغم من أنه ليس في السلطة وعلى الرغم من أنه ثوري مخلص يشهد العابد على صموده في المعتقل أمام العذاب الشديد ، هنا يعتقد أن شيخ المسجد قد يرحب بعودة الشهداء ، يخبر العابد الشيخ بأن الشهداء سيعودون في ظرف أسبوع ويقول له بأنه زوج امرأة ابنه الشهيد من أخيه الأصغر الذي أنجب منها أربعة أطفال فيقول له الشيخ أن ذلك هو الكفر بعينه لأنه زوج امرأة غير مطلقة لأن الشهيد حي وبالتاي يجب إتمام إجراءات الطلاق . يتساءل العابد عما سيفعله الشهداء إذا ما أدركوا هذه الحقيقة ، هل سيندمون على تضحيتهم ؟ وهل ستضحي الأجيال القادمة إذا ما أدركت هذه الحقيقة ؟ يتواطأ الجميع ضد العابد ويحاولون الادعاء بأن هناك حركة تشويش ضد الثورة فيحاولون اعتقال العابد الذي يقطع الطريق عليهم حين يلقي بنفسه تحت عجلات القطار ، لقد تحول القطار هنا من وسيلة انتقال إلى أداة قتل ، وهو كغيره من أماكن العبور قد تحول إلى مصدر للمعاناة بالنسبة لذوي الشهداء ، في حين استولى الخونة والانتهازيون على مقاليد الأمور في ثورة الجزائر ، أما أحداث القصة فقد وقعت بعد انتصار الثور بسنوات عديدة . 3 - قصة " ليلى والذئب " غادة السمان . تبدأ القصة بعبارة " إني خائفة .. كل ما حولي يرتعد خوفاً " ، هذه العبارة توحي بأن وقت التفلظ بها هو الليل ، فالخوف يكون أكثر ما يكون في الليل ، ينكشف لنا ذلك بعد سطرين من العبارة السابقة حيث تقول الراوية : " النور المسلط على مكتبي يصاب بإغماء أصفر ، وقد انتقل خوفها إلى صفحات مجلد الطب فتخالها ترتجف ، حتى الجمجمة صديقتها الوحيدة فقدت بريق السخرية الذي يطل من فجوتي عينيها ، كما إن توقف الريح عن العويل وتوقف المطر عن الهطول الريح هنا يدل على الزمن ويحدد لنا الفصل الذي وقعت فيه الأحداث وهو فصل الشتاء ، والراوية هنا تريد أن توحي لنا بأن الخوف قد أصاب الجميع . وفي فقرة أخرى يختلط الزمان بالمكان ، تقول الراوية : " كان الليل حزيناً وبارداً ، ونحن في طريقنا إلى " البستاني هول " ( سكن الطالبات ) ، مررنا بمبنى كلية الطب حيث أقضي أكثر ساعات النهار . كان من الصعب أن أصدق أن خلف تلك الجدران المعتمة مقاعد خشبية بريئة تلتصق بها بهدوء . ونوافذ تنسكب منها أشعة شمس مضيئة .. في الليل يتغير وجه العالم ، وربما يستعيد وجهه الحقيقي . أحسست بأشياء مرعبة تغلي داخل البناء ، الهياكل العظمية تتحرك وتتجه نحو النوافذ المغلقة .. عبثاً تحاول الهرب ، وربما يجلس بعضها في الزوايا لينتحب بصمت وبراءة من أجل أشياء لا يدري إن كان قد ارتكبها حقاً" . نلاحظ هنا أن الراوية تسقط ما في نفسها على الأشياء من حولها مثل الزمان والمكان والهياكل العظمية التي تتعامل معها وكأنها كائنات حية ، إنه الزمان النفسي والمكان النفسي . تقول الراوية : " ورأيت بيتنا الكبير في المدينة المجاورة يغلي .. أمي مشغولة ، مشغولة دائماً .. لا أدري كيف وجدت الوقت لولادتي ، وربما أبقتني في جوفها شهراً إضافياً ريثما وجدت في زحمة مشاريعها ومواعيدها وقتاً ، ولهذا فأنا أصاب بضيق خائف من الجدران .. ربما أكره المدارس الداخلية لهذا السبب … " تكشف الراوية هنا عما يختلج في نفسها من الخوف والقلق النفسيين ، فعلاقتها بأمها شبه مقطوعة تكاد تقتصر على تلك الحوالة المالية التي ترسلها أمها بواسطة السكرتيرة لتغطية مصاريفها الدراسية ، والراوية تتخيل أنها تسمع صوت فراس في الليل بعد أن تغلق الأبواب ، ذلك الإنسان الذي تحبه ، صوته وحده هو الذي يحميها ، وهو جرعتها المخدرة ، كما إنه يعيدها فتاة سوية تستطيع النوم ، والخوف يلازم الراوية التي تقول : " خائفة .. الحفارة تعمل في صدري . النحيب يتعالى . الجمجمة لم تعد صديقة .. الرعب يتدفق من عينيها .. في القبو وليمة وحشية للصراخ .. يجب أن أمسك يداً ما ( يا فراس .. أين يدك ؟ بحجر كبير أهشمها وأبكي لأغسل دمها . " الحفارة هنا ترمز إلى الذكر ، إلى فراس الذي تشتاق إليه الراوية وتنام على صوته الذي يحميها ولكنها تخاف منه في الوقت نفسه فترغب في تهشيم يده لتعود فتغسلها بدموعها ، صراع نفسي عنيف تضفيه الراوية على الزمان والمكان والأشياء من حولها ، ينعكس هذا الصراع على صديقتها الباكستانية التي تشاركها غرفتها في سكن الطالبات ، هذه الشريكة تعيش حالة من الفصام ، فهي تصلي من أجل الراوية باعتبارها طفلة ضالة ، ولكنها بعد الصلاة تأوي إلى فراشها تقرأ في أحد الكتب الجنسية البذيئة ، وعلى الرغم من هذا التناقض فإنها تتصالح مع نفسها . يشكل الهاتف جسراً تعبر عليه الكلمات لتصل بينها وبين فراس لتقول له : " كل ما أعرفه هو أنني لن أتكوم في صدرك يا ذئبي الحنون " ، هنا نجد تناصاً بين هذه القصة وقصة ليلى والذئب التي كتبت للأطفال ، فالذئب يشير إلى الذكر ، يؤكد ذلك قول الراوية : " إنني إذا رويت قصة ليلى والذئب لأولادي فسأخبرهم بأنه كان شاباً رقيقاً شفاف العينين ، في احتضانه الشرس لليلى تخدير يشبه الحنان ، يشبه اغتصاب موت عنيف كاليقظة والفرح .. وأنه لم يعذب ليلى ، وأنه أراد أن يقبلها ، لكن أسنانه ركبت بطريقة جعلت من قبلته عضة مميتة .. " نلاحظ هنا كيف تحول الزمن من الماضي إلى المستقبل باستخدام إذا الشرطية لما يستقبل من الزمان وكذلك السين التي أحالت الزمن الحاضر إلى المستقبل ، والذئب والغابة هنا عناصر تسقط الراوية من خلالها مشاعرها نحو المجتمع الذي تعيش فيه ، تقول الراوية : أحسستني عارية ممدودة على الصخر في الغابة ولسانك حفارة في صدري ، فولاذ لا حد لوحشية دورانه وتمزيقه .. الحفارة في صدري .. عاجزة عن الفهم .. عن المناقشة .. " كما تتخيل الراوية قطها مدجج في صورة بائع العصير الذي ضحك واهتز شارباه عندما قالت له : شكراً يا مدجج ، ومن خلال السرد نعرف أن الراوية افترقت عن فراس اليوم ( الحاضر بالنسبة لها والماضي بالنسبة لنا ) ، لتشعر بحريتها في الغابة ، تركض وتفتح ذراعيها لتضم الريح والليل والصمت المريب ، يغمرحا إحساس يشبه فرحاً عجوزاً بعد أن رأت في كلمة أحببته كلمة سخيفة تقولها البنات الطيبات لأمهاتهن ، وفي نهاية القصة يلتصق بها قطها " رمز الذكر أيضاً " ليلعق بلسانه الخشن خدها بحنان ، بينما يده الصغيرة على خدها دافئة وكبيرة كسقف الدار . 3 - نماذج من القصة القصيرة الفلسطينية : بعد حرب عام 1948 م ، تمزق الفلسطينيون في كل بقاع الأرض ، ومن هنا تنوع المكان بتنوع تلك البقاع التي لجأ إليها الفلسطينيون ، كما تميز الزمن الفلسطيني بطعم خاص يختلف عن كل تلك الأزمنة التي يعرفها البشر ، وعيله فإنني سأحاول في هذه العجالة تغطية عنصري الزمان والمكان ولو بشكل جزئي في بعض القصص القصيرة في أماكن اللجوء الفلسطيني وفي مراحل زمنية مختلفة قدر الإمكان . أولاً : القصة في الشتات : 1 - أحمد عمر شاهين : أ - قصة " ذبابة " : يبدأ الراوي قصته بقوله : " أجلس في الشرفة ، أنظر إلى الشارع ، جموع المتظاهرين وشرطي يحمل عصا غليظة ينهال بها عليهم .. " نلاحظ أن المكان هنا شرفة محايدة يطل منها رجل محايد بينما الشارع يعج بالمتظاهرين الذين يلاحقهم شرطي بهراوته ، والشارع موجود بالتأكيد في مدينة عربية غير محددة ، والزمن هو الزمن العربي الردئ ، وخلال جلوس الراوي في الشرفة تلاحقه ذبابة لحوح ـ كما يفعل الشرطي الذي يلاحق المتظاهرين ـ تخرج الراوي من حياديته فيحاول إبعادها بيد أنها تكرر العودة بسماجة ؛ ضربها الراوي بالكتاب ولكنها لم تمت ، وقد قام أحد المواطنين بضرب الشرطي على رأسه، بعد ذلك هاجم النمل الذبابة وهاجم الجمهور الشرطي، نلاحظ هنا وجود استقطاب بين الشرفة والشارع ، مكان الإقامة ومكان العبور ، واستقطاب بين الشرطي والذبابة وبين النمل والجمهور . ( 15 ) ب - قصة " زيارة " : شابان غريبان يقطنان بيتاً خرباً ومنعزلاً وسط الصحراء المترامية الأطراف ، ينامان في قاعة كبيرة هي المكان الوحيد المسقوف في هذا البيت الواسع ، أسوار البيت متهالكة تتسلل منها وحوش الليل ، مما أجبر الشابين على التسلح بعصا طويلة وقضيب من الحديد ومصباح قوي الإضاءة ، يستمد الراوي شجاعته من خوف زميله ، لكنه يشعر بالخوف حين يغادره هذا الزميل ويتركه وحيداً ، عندها لا يجرؤ الراوي على الذهاب إلى دورة المياه ، لأن كل الأشياء الموجودة في المكان تصبح مصدراً للخوف ، وذات ليلة يسمع الراوي طرقاً شديداً على باب القاعة الكبير ، يدرك الراوي أن شخصاً ما عبر السور دون استئذان ، يستغرب الراوي كيف وصل هذا الغريب للبيت على الرغم من أن الواحة وهي أقرب مكان للبيت تبعد أكثر من ألف متر " نلاحظ أن الراوي استخدم الرقم ألف متر بدلا من كيلو متر واحد ليظهر كم يجعل الخوف من المسافات بعيدة ، إنه البعد النفسي للخائف " . وبعد أن يقوم الراوي بواجب الضيافة ينصحه الضيف بمغادرة المكان فوراً ، وقد فعل الرواي بالنصيحة ليعرف بعد عشر سنوات أن زميله دخل المعتقل مدة عشر سنوات ، وأنه خرج قبل أسبوع واحد فقط ، وقد سأله المحققون عن الراوي فلم يخبرهم لأنه لا يعرف مكانه حقيقة ، وقد تم ترحيل زميل الراوي بعد الإفراج عنه . في هذه القصة نجد استقطاباً بين البيت المنعزل وبين الواحة ، وكأن الراوي يريد أن يقول لنا إن المناضلين يعيشون في عزلة عن الجماهير وأنهم محاصرون مطاردون ، أما الزمن فهو الزمن العربي الذي يمارس فيه الحكام عملية كبت الجماهير وقمعها . 2 - سميرة عزام : قصة " فلسطيني " * تحكي هذه القصة حكاية فلسطيني يعيش في لبنان يعاني من كونه فلسطينياً فيحاول أن يحصل على هوية لبنانية مقابل مبلغ ألفي ليرة بعد أن رفضها حين عرضت عليه بمبلغ خمسماية ليرة ، يريد الرجل أن يتخلص من التمييز الذي يتعرض له ، فلم يسمح لابنه بالعمل في لبنان ، ولم يسمح له بالسفر لحضور جنازة أبيه الذي مات في عمان ؛ مما اضطره أن يبرق لأخيه قائلا : " أخروه أسبوعاً أو فادفنوه " . لقد أفرغ الرجل نصف واجهة محله من أجل الحصول على الهوية ولكنه يكتشف أن من ساعدوه في الحصول على الهوية هم أفراد عصابة من المزورين بعد أن رأى صورهم منشورة في إحدى الصحف ، يحاول الرجل إقناع نفسه بتمزيق الهوية حتى لا يقع في ورطة، يقول في نفسه : " مزقها ، مزقها ، فقد بدأت تأكل لحمك ، لماذا عدت ووضعتها في جيبك الداخلي ؟ هي ليست بألفيها أثمن من هذه الصحيفة التي دفعت فيها ربعاً ، مزقها فواجهتك ستمتلئ يوما وستظل حقيقتك مفرغة حتى تملأها بغير الزور ، بغير خديعة المزورين " أخيراً يمزق الرجل الهوية المزورة ليعود إلى حقيقة كونه فلسطينياً على الرغم من كل التمييز الذي يمارسونه ضده ، فالفلسطيني يعيش في مكان إقامة مؤقت ، ويعيش حالة من الاستقطاب بين مكان الإقامة الإجباري في المنفى وبين الوطن الأم الذي طرد منه مجبراً ، أما زمن الأحداث فهو زمن ما بعد نكبة عام 1948 م . 3 - رشاد أبو شاور . قصة " بيتزا من أجل مريم " * يحدثنا الراوي في بداية القصة عن وجوده في صالة الانتظار في إحدى العيادات ، وهو يرسل نظرات إعجاب للمرضة آملا أن تدخله إلى الطبيب قبل غيره ، ولكنها تتشاغل عنه وتلتزم بالدور المسجل في دفترها ، وعندما جاء دوره يخبره الطبيب أن أعصاب القولون عنده تالفة بسبب الإرهاق ، يسأله الطبيب : " ماذا تريد أن تفعل بنفسك ؟ " فيرد عليه بأنه كان يحلم بتحرير فلسطين ، يتوقف الرجل بعد خروجه من العيادة عند باب البناية في انتظار أن يتوقف المطر ، راح يراقب طالبات الجامعة الأمريكية وهن ينفضن رءوسهن برشاقة ودلال ، ثم تختلط الأمور عند الراوي ، رذاذ خفيف ، ورائحة أشجار وبحر وأصوات انفجارات ورصاص بعيد، وريح باردة تلفح وجهه، بينما تضغط يده على الروشتة في حين راح يتساءل: لماذا لم يكتب له الطبيب في الروشتة : تصرف له مريم وبيت صغير وطفله الذي ثقبه الرصاص في أحشائها بدلاً من المهدئات ، من السرد ندرك أن مريم قتلت في عمان أثناء مجازر أيلول الأسود " كان أيلول قد جاء ، وأنت رحلت ولن تعودي " كما يتبين لنا أن " محمد " صديق الراوي قد أطلق نيران مسدسه وزغردت النساء مما جعل الراوي يعترض على ذلك لأن ابن الجيران الذي نظمه الراوي قد استشهد في هضبة الجولان . فالفلسطيني موزع بين مناطق الشتات المختلفة والمناطق الحدودية مع إسرائيل ليخوض المعارك نيابة عن الجيوش العربية في حين يعيره العرب بأنهم يخوضون المعارك نيابة عنه وينكرون أنهم إنما يدافعون عن وجودهم هم وعن أوطانهم ، فقد خسر الفلسطيني كل شيء ولم يعد لديه ما يخسره بينما يوجد لدى العرب ما يخسرونه ، وقد خسر العرب كرامتهم نتيجة تخاذلهم وتقاعسهم ، يتساءل الراوي : " يا الله الكلي القدرة ، يا رب الشعوب ، أيها المطل علينا ، لماذا بالضبط أخذت مريم والمخلوق الفلسطيني الذي لم يتكون بعد ؟ ! ولماذا حملتني كل هذا العذاب طيلة سبع سنوات ؟ وجعلتني أدفع كل مخصصاتي للأطباء وأدمن العرق والويسكي والفاليوم والسهر والتذكر ؟ " . الزمن الفلسطيني يكرر نفسه على شكل حالات من الانتظار الممل والقاتل ، فهو تارة يسحق إلى حد التلاشي لينبعث من جديد منتظراً أن يدور الزمن دورته ، يجلس الراوي في المطعم ويطلب من النادل وجبتين من البيتزا ولتر نبيذ وطني ، يسأل النادل عن الشخص الآخر الذي معه فيخبره بأنه ينتظره منذ سبع سنوات ، عشر سنوات ، منذ ولدته أمه ، ولكن مريم لا تأتي ، انتظار الراوي هنا ليس انتظاراً عبثياً كما هي الحال في انتظار جودو الذي لا يأتي أبداً ، فمريم التي هي رمز لفلسطين كما أعتقد قد تأتي يوماً ، بل إنها بالتأكيد سوف تأتي مهما تأخرت . أخيراً يصاب الراوي بحالة أشبه بالهلوسة ، فهو حين يصل يجد المصعد معطلا ، مما يوحي بأنه يقيم في فندق ، وهو مكان إقامة مؤقت بانتظار الانتقال إلى مكان الإقامة الدائم ، يحاول أحدهم أن يساعده ولكنه يرفض المساعدة ويقرر الصعود على الدرج ، يرتقي الدرجات مع جنون أنغام الأرغول ، وعندما يصل إلى غرفته في الدور السابع يفتح الباب والنوافذ فيرى أو يتهيأ له أنه يرى دبابات ورشاشات ومدافع كثيرة تتقدم ، يرى مريم والبنت الصغيرة ذات الضفائر " التي هي مريم في طفولتها ، فيندفع والرصاص يخترقه ويثقب جسده بينما تتطاير أنغام الأرغول خارجة من جسده إلى الفراغ الرمادي ، كابوس يلاحق الفلسطيني أينما كان فهو يعيش حياته في اليقظة وفي المنام في حلم مزعج من الرصاص والموت والدمار ، يمتلئ الزمن الفلسطيني بالرصاص والموت والدبابات والانتظار ، كما تملأ حياته حالة من الاستقطاب الدائم ، فهو موزع بين الوطن والمهجر ، بين حلم العودة والرغبة في أن يعيش حياة سوية كريمة في أماكن إقامته المؤقتة ، ولكنه لا ولن يستقر ما لم يتحقق حلمه بالعودة إلى الوطن الأم . نماذج قصصية من داخل فلسطين 1948 : 1 - إميل حبيبي . قصة " بوابة مندلبوم " * يضعنا الراوي من بداية القصة أمام حالة من الاستقطاب بين المصطلحات وبين أسماء الأماكن ، فالراوي يخبر الشرطي الذي يقف مكتوف اليدين أنه جاء مع الوالدة التي " تنوي الدخول إلى هناك بعد أن أذن لها بذلك " ، يرد الاشرطي : " بل قل يا سيدي إنها تنوي الخروج من هنا " ، هذا الخروج يشكل هدفاً تسعى إسرائيل لتحقيقه . ينقلنا الراوي من حالة استقطاب المكان إلى الزمن حيث يخبرنا أنه كان في آخر الشتاء وأن الشمس كانت تطل على الربيع ، أما المنطقة الحدودية فقد كانت مليئة بالحطام ، كما توجد مساحة رحبة من الأسفلت المعفر " منطقة المصرارة " لها بابان ، يتسع كل باب لمرور سيارة خارجة أو داخلة ، أما عسكري الجمارك فقد أخبرهم أن " من يخرج من هنا لا يعود أبداً " ، وكأن هذا الشعور كان يراود الأم التي التفتت وراءها عند خروجها من البيت ولوحت لأشجار الزيتون ولشجرة المشمش الجافة ولعتبة الدار وتساءلت : " عشرين سنة عشت هنا فكم من مرة طلعت هذا الزقاق " ، كما نادت على الموتى من أقاربها حين مرت على المقابر في ضاحية المدينة ، وعلى الرغم من أن الوالدة بلغت من العمر خمسة وسبعين عاماً فإنها لم تجرب من قبل شعور الحنين إلى الوطن الذي يصعب عليها تحديد معناه . يحكي لنا الراوي بعد ذلك كيف ادعى أخوه الأصغر أنه صاد طير الحجل الذي هبط في الحقل عندما كانوا في المقثاة ، ثم يعود من حالة التذكر إلى المنطقة الحدودية حيث سيارات رجال الهدنة وهيئة الأمم وسفراء الدول الغربية وهي تقطع الأرض الحرام من إسرائيل إلى الأردن وبالعكس ، وقد انطلقت الحفيدة عبر المساحة الممنوع دخولها متجهة نحو جدتها فيخفض الجندي الأردني رأسه إلى الأرض التي أخذ يتفحصها بقدمه ، أما الشرطي الإسرائلي فقد دخل مكتبه ، لقد دخلت الطفلة وادي الموت وعادت منه لتكسر واقع الحرب والحدود عند بوابة مندلباوم . ربما أراد الكاتب في هذه القصة أن يشير إلى أن الفلسطينيين في الداخل كانوا يعيشون حالة من الحصار والعزلة المزدوجة ، فهم معزولون عربيا وإسرائلياً ، كما كانوا يعيشون حالة من الاستقطاب بين عزلتين ونظامين سياسيين وزمنين في مكانين أصبحا مختلفين ، يتطلع عرب الداخل إلى التواصل مع إخوانهم عبر الحدود المفروضة بالتواطؤ بين إسرائيل والدول العربية بحيث يتم تشتيت العائلات بين الوطن والمنافي مما جعل التواصل والاتصال أمراً صعب التحقق . 2 - حنا إبراهيم . قصة " جمع الشمل " * يواجهنا الراوي في هذه القصة بالومان والمكان وقد امتزجا معاً ، فالزمن هو ليلة من ليالي الشتاء الثاني للانتفاضة ، والمطر والبرد يجبران الناس على التزام بيوتهم ، ومع ذلك فقد كان المواطن ممنوعاً من الخروج لسبب آخر هو نظام منع التجول الذي أصدره الحاكم العسكري للمنطقة الوسطى . يجوب النقيب إبراهام الشوارع مع جنوده في سيارة جيب عسكرية ، وهو يفكر في عبثية ما يفعلونه ، فقد مضى عام ونصف على الانتفاضة ، ومع ذلك لم تنخفض وتيرتها بل زادت الأمور تعقيداً ، يعود إبراهام إلى ثكنته للاستراحة فيجد " عميرام " سكرتير إحدى المستوطنات ، والذي قام بقتل أكثر من فلسطيني ويقود حملة لطرد الفلسطينيين وإنقاذ أرض إسرائيل منهم ، وقد جاء عميرام إلى الثكنة ومعه بعض المأكولات ، أخذ عميرام يدافع عن اثنين من مستوطنته قاما بقتل اثنين من الفلسطينيين في اليوم الماضي ، يدور حوار بين إبراهام وعميرام الذي يتهم إبراهام بأنه يتكلم كما يتكلم العرب . يخرج إبراهام لمواصلة عمله في الدورية ولكنه ظل يفكر في كلام عميرام ، فقد أخبرته ابنة الجيران أن أمها قالت لها بأن أباه عربي رفضه أهل أمه وأجبروه على تركها بالقوة ، ولكن أمه أنكرت ذلك . في اليوم التالي يخرج إبراهام مع جنوده لمواجهة أحداث متوقعة عند تشييع جنازة الشهيدين ، وقد تعالت الهتافات أثناء الجنازة ، وبعد الدفن تطايرت الحجارة فانفجرت قنابل الغاز ولعلع الرصاص ، تعمد إبراهام ألا يطلق الرصاص على أهداف حية ، ولكنه أصيب بحجر في عنقه أسال دمه فتم نقله إلى مركز الإسعاف في مقر الشرطة ، عج المكان بالجنود والمعتقلين ، قال له أحد الجنود مفتخراً : " قبضنا على الولد الذي ضربك ولقناه درساً لن ينساه مدى الحياة " وعلق جندي آخر " " ولكن أباه كاد يقتلك .. - أنظر ماذا فعلت به ابن الزانية .. " حاول إبراهام إلقاء نظرة على الرجل المحتضر ، وفجأة رأى صورة مألوفة ، على مقدمة العنق كانت علامة الولادة ، وحمة قرص العسل القاتمة ، تسمر في مكانه مذهولاً ، همس بصعوبة كأنما يخاطب نفسه : أيعقل أن يكون هذا هو أبي ؟ لقد قتل الجندي والد إبراهام وضرب أخاه ضرباً مبرحاً ، تعرف إبراهام على والده القتيل من الصورةالتي ظلت أمه تحتفظ بها، والتي طالما حدثته عن تلك العلامة في رقبة أبيه. يريد الراوي أن يقول لنا إن التعايش بين الشعبين ممكن ولكن المتسلطين من الطرفين لا يريدون ذلك ، إن لم الشمل هنا لم يحدث بناءً على رغبة الحاكم العسكري أو رغبة وزير الدفاع ، لقد تحولت المواجهة بين أماكن العبور وأماكن الإقامة إلى مأساة ، فقد تعرف إبراهام على أبيه بعد موته . نماذج قصصية من قطاع غزة والضفة الغربية : 1 - جمال بنورة : قصة " الشيء المفقود " * يحكي لنا الراوي قصة مناضل أفقده الاحتلال قدرته على ممارسة واجباته الزوجية ، مما جعله يعيش حالة من الصراع النفسي بسبب شعوره بالعجز ، ولكن زوجته تحاول أن تقنعه بأن العلاقة الإنسانية وقناعة الشريكين ببعضهما أهم من أي شيء آخر ،تحاول أن تقنعه بأنه ما زال يمارس دوره التضالي ، كما يحاول أن يعزي نفسه بذلك على الرغم من أنهم أماتوا جزءاً منه . تحاول القصة أن تضعنا أمام سؤال مهم : ما هي الرجولة ؟ وهل تنحصر الرجولة في أداء الواجبات الزوجية فقط ؟ ولماذا يحاول المحتلون تحطيم قدرة الفلسطينيين على الإنجاب ؟ أخيراً تنجح الزوجة في إقناع زوجها بأنهما قد أنجبا طفلاً وهذا يكفي ، لقد أعمته الغيرة وكاد الشك أن يقتله بسبب هدوء زوجته ورضاها بما قسمه الله لها ، كما تأخذ الزوجة بيده للخروج من أزمته النفسية . يسيطر زمن الاحتلال وما يمارسه على المناضلين على كل ما عداه في القصة ، لقد أوشك المكان على الاختفاء في ثنايا الزمن هنا . 2 - رجب أبو سرية : قصة " في المدينة الغريبة " تحدثنا القصة عن الصمت والهدوء القاتل والظلام وشخص يسرع الخطا نحو المجهول هربا من وشوشات يتخيلها تلاحقه على الرغم من وجوده في مدينة ، والمعروف أن المدن تتسم بالضجيج والحركة والأضواء الباهرة ، لكن المدينة هنا ليست مدينة عادية ؛ فهي مدينة غريبة ، يصطدم هذا الشخص بنتوء ظنه شاهد قبر ؛ فتخيل أنه سمع أنيناً ، جرى بأقصى سرعة ، وحين خرج من المدينة وجد كلبة دون رأس وهي تتلوى ، عندها التفت وراءه وكأنه يفكر في العودة إلى المدينة ، لكنه يتخيل أناساً يتشحون بالسواد ويتصايحون بلغة غير مفهومة ، لم تعد أعصابه تستطيع الاحتمال ، صحا من نومه مفضلاً أن يتعايش مع الصداع الذي ألم به على كوابيس المنام . إنه الزمن الفلسطيني المزدحم بالهموم ليل نهار ، فقد تحول الحلم إلى كابوس مزعج أقض نوم المحكي عنه ، إنه ليل الغربة واللجوء إلى المنافي والمدن الغريبة التي عاش فيها الفلسطيني بعد النكبة . 3 - زكي العيلة : قصة " سلال من لحم " * تبدأ القصة بطفل تركه أخوه في السوق بعد أن أوصاه بأن يأخذ باله من السلال ، ولكن عودة الأخ تتأخر فيقلق الطفل ، ومن خلال السرد يتضح أن الأخوين كانا يذهبان مرتين في الأسبوع لإحضار السلال ، وأنهما كانا يضطران إلى الانتظار لأن التأخير مضمون والليل طويل ، وبعد نقل السلال إلى البيت يتم نقلها إلى سوق المدينة . يحدثنا الراوي عن المعاناة التي يواجهها الطفل في حمل السلال ونقلها ، كما يعاني الطفل من أصحاب المحال التجارية والمطاعم الذين يمنعونه من عرض سلاله أمام محلاتهم ، وفجأة يحدث انفجار فتقف الكلمات في حنجرة صاحب المتجر الذي كان يحاول طرده ، يهرب أصحاب المحال التجارية وينسى التاجر أنه كان يحاول طرد الطفل فينصحه بالهرب ، ولكن الطفل يصاب برصاصة تكوي ظهره ، يركض فتأتيه ضربة ثانية ، تنفلت السلال وتدوخ نظراته ، تبتعد السلال عن عينيه ، تصيبه ضربة ثالثة فيتقصف لحمه كالبوص ، تصيبه ضربة رابعة فينقذف في الهواء ويقع على الأرض ، ينقلب فتنقلب السلال بعيداً فوق صفحة الشارع . نلاحظ أن السوق يشغل مساحة مهمة في القصة القصيرة عموما والقصة الفلسطينية على وجه الخصوص ، كما يشكل عمل الأطفال من أجل كسب لقمة العيش ظاهرة واضحة في المجتمع الفلسطيني ، ولعل تقصف لحم الطفل يوحي لنا بما يجمع بينه وبين السلال ، حيث يقتات من الربح القليل الذي يجنيه من وراء بيع السلال ، كما يشغل الانتظار مساحة مهمة في هذه القصة . ( 16 ) 4 - صبحي حمدان : قصة " المرأة التي ترفض الرحيل " * يرسل أحد المبعدين في بيروت رسالة إلى زوجته يطلب منها أن تتوجه إلى بيروت ، وعندما يصل حامل الرسالة إلى البيت يملأه صمت المكان بالرهبة ، تدخل الزوجة الرجل إلى غرفة الضيوف ، وفي أثناء جلوسه يحاول أن يتفحص جسد المرأة بعينيه . يتضح من السرد أن الزوج اعتقل ثم أبعد ، وقد أخبر الصليب الأحمر الزوجة أن زوجها موجود في عمان وأنه لا أمل في عودته ونصحها بتقديم طلب جمع شمل في مكتب الجوازات ، فشلت الزوجة في الحصول على موافقة على طلبها ومع ذلك ظلت تصر على البقاء في الوطن وترفض جمع شمل العائلة خارجه . في هذه كما في قصص أخرى تشكل قضية جمع الشمل قضية مركزية ، لكن تناولها يختلف من كاتب إلى آخر ، كما شكل مركز الجوازات مكاناً يرمز إلى الاحتلال ، وقد كان الفلسطينيون يتوجهون إليه كارهين وذلك من أجل جمع شمل أناس أعزاء عليهم ، لقد صمدت المرأة هنا واحتفظت بكرامتها مفضلة البقاءفي الوطن على الرغم مما تعانيه من تربية الأولاد. 5 - عبد الله تايه : قصة " الانتظار " يحكي لنا الراوي قصة زوجة تريد أن تتقدم بطلب جمع شمل لزوجها ؛ فتذهب إلى مكتب الجوازات ، تنتظر حتى يصلها الدور ، كانت تتوقع أن تنتظر ساعة على الأقل ، لكن الموظف الإسرائيلي المختص ينظر نحوها فتعجبه ؛ ينادي عليها مدعياً بأنها هي التي جاءت بالأمس فتصاب بالدهشة لأنها لم تكن قد أتت قبل ذلك اليوم ؛ ولكنها تستجيب لندائه ، وفي مكتبه يسألها عن الغرض من مجيئها فتخبره أنها تريد أن تتقدم بطلب جمع شمل لزوجها ، يطلب الموظف منها أن تعود إليه بعد غد بعد أن يحاول الإيحاء لها بأنه يشتهيها ، تدرك الزوجة أن عليها ان تختار بين أمرين : بقاء زوجها في الخارج مع محافظتها على شرفها أو جمع شمل زوجها مع التفريط بشرفها وعفتها . تسقط المرأة بينما كانت أمها تعاني سكرات الموت دون أن تجد من يمد لها يد المساعدة ، ماتت الأم وبقيت الزوجة مع سقوطها الشنيع ، وقد ترك الراوي النهاية مفتوحة أمام توقعات القارئ واستنتاجاته . ترى هل هو زمن السقوط ؟ وهل هذا السقوط مبرر ؟ إن هذا السقوط سيقود حتماً إلى سقوط آخر أشد مرارة وإيلاماً ، لقد وقعت أحداث القصة في زمن الاحتلال الذي يتسم بطابع الانتظار كما في معظم القصص ، أما مكتب الجوازات فهو المكان الذي كان الفلسطينيون تحت الاحتلال مضطرين لإنجاز معاملاتهم من خلاله مثل الحصول على تصاريح جمع الشمل والتنقل والعمل داخل إسرائيل بما ينتج عن ذلك من مساومات ومماحكات ، قد يكون التوجه إلى مكتب الجوازات مفهوماً ومبرراً ، أما التوجه إلى شقة ذلك الموظف في إسرائيل والسقوط عند أول امتحان فهذا أمر آخر . (17) 6 - عمر حمش : قصة " أزهار إلى مقبرة المخيم " المكان في هذه القصة هو المخيم بشوارعه القذرة وقنوات المياه الآسنة والأطفال يلعبون ويتصايحون متجين مع القنوات القذرة إلى البركة ، يتجمع الأطفال وراء الشيخ درويش وهم يهتفون : شيخ درويش يا شيخ درويش .. لا بتموت ولا بتعيش . يتوجس جنود الدورية من تجمعات الأطفال فيتوزعون في المكان ، عندها يتحول هتاف الأطفال نحو الجنود فيصيحون : بيعه . . بيعه . يطلق الجنود قنابل الغاز والرصاص فتنهال عليهم الحجارة ، يصيب الرصاص الشيخ درويش في مقتل وتعلن إذاعة الاحتلال أن جنود الجيش قتلوا شيخاً بعد أن هاجم إحدى الدوريات ، تجمع الأطفال وجمعوا بعضاً من الأزهار التي تنمو على حافة البركة الآسنة وتوجهوا إلى مقبرة المخيم ليضعوها على قبر الشيخ درويش . المكان هنا هو المخيم ، مكان ما بعد الخروج الفلسطيني الكبير عام 1948 م ببؤسه وقذارته وما يترتب على ذلك من انتشار الأمراض والأوبئة ، أما الزمن فهو زمن الاحتلال الذي أبى إلا أن يلاحق الفلسطينيين فيما تبقى لهم من فلسطين . (18)
7 - غريب عسقلاني : قصة " الجوع " * تناقش القصة قضية مناضل خرج من السجن ولم يجد عملا يوفر القوت لأسرته فلم يجد أمامه إلا العمل في إسرائيل ، ظل يحاول الخروج إلى العمل مدة أسبوع كامل ، ولكنه كان يعود كل يوم إلى البيت بسبب خجله من ذلك ، لأنه كان يمنع الآخرين من العمل هناك ، وأخيراً يغطي وجهه بالكوفية ويتوجه إلى دوار المجدل ، وهناك يختاره أحد المقاولين ليعمل معه في البناء ، يفاجأ الشاب بأنه سيعمل مع " أبو محمود " الذي سبق وأن قام بتمزيق بطاقة العمل الخاصة به ، تذكر موجة الرعب في عيني الرجل يومها ولعن ما حمله له هذا اليوم من مفاجئات ، يطلب منه أبو محمود أن يعمل مع عزرا الذي مد يده مصافحاً سعيد ، وأثناء العمل يقع عزرا بسبب الإرهاق ، ولما جاء المقاول شلومو وجد أبا محمود وسعيد وقد تركا العمل لإسعاف عزرا ، طلب منهما الذهاب إلى العمل بعد أن شتمهما ، حاول سعيد أن يثأر لكرامته لكن أبا محمود وعزرا نصحاه ألا يفعل ، وقد قام شلومو بطرد كل من سعيد وأبي محمود من العمل . تناقش هذه القصة قضية العمل في إسرائيل والتمييز الطبقي تحت الاحتلال ، وكيف أجبرت لقمة العيش المناضلين على العمل في الداخل بعد أن كانوا يعارضون ذلك ويعتبرون أن منع العمل هناك قضية أساسية . 8 - محمد أيوب : قصة " الخيمة " * يشكل الانتظار عنصراً مهماً في هذه القصة حيث الزمن النفسي الطويل والثقيل ، يخبرنا الراوي أن رجلاً ينتظر استلام خيمة لإيواء أسرته ، ولكنه يعود كل يوم خائباً لأن الخيام تنتهي قبل أن يصله الدور ، من خلال سيال الوعي يفكر الرجل في نوع الخيمة التي قد يتسلمها ، كما يتذكر رحلاته إلى منطقة روبين قبل النكبة ، وكيف كانت الخيمة وقتها مصدراً للمتعة والراحة والتخفف من روتين الحياة الممل . لقد خدعت الجامعة العربية الفلسطينيين حين جعلتهم يعتقدون أن مغادرتهم للوطن لن تطول أكثر من أسبوع أو بضعة أسابيع ، وقد أخذ الزمن يمر دون أن تظهر أية بادرة للعودة المرتقبة . يعيش حسن الحاج على حالة من الصراع النفسي ، فهو متردد بين استلام الخيمة أو رفضها ، ولكنه يقرر في النهاية أن يتسلم الخيمة كي يوفر المأوى لأسرته قبل أن يعود إلى أرض الوطن . تشكل الخيمة هنا رمزاً للمعاناة وللمكان غير المستقر ، أما الزمن فهو زمن النكبة حيث غادر الفلسطينيون منازلهم على أمل العودة إليها في أقرب وقت ، لكن الانتظار يطول دون أن تتحقق العودة بل يتحول الزمن إلى كابوس من الانتظار المر . د . محمد أيوب
الهوامش : 1 - عبد الصمد زايد . مفهوم الزمن ودلالته ( الدار العربية للكتاب ، تونس ، 1998. ) ص 290 - 291 2 - بكري عبد الكريم ، الزمن في القرآن الكريم ( دار الفجر للنشر والتوزيع ، القاهرة ، ط 1 ؛ 1997 ) 3 - السابق ، ص 52 . 4 - ألان روب جرييه ، نحو رواية جديدة ، ترجمة : مصطفى إبراهيم . دار المعارف بمصر ، القاهرة : د . ت . ) ص 135 . 5 - جيل دو لوز . الصورة - الزمن ، ترجمة حسن عودة ، ( وزارة الثقافة ، دمشق : 1999م . ) ص 131 . 6 - شجاع مسلم العاني . البناء الفني في الرواية العربية في العراق . دار الشئون الثقافية العامة ، بغداد ، 1994 م . ) ص 69 . 7 - محمد عزام ، فضاء النص الروائي . ( دار الحوار للنشر والتوزيع ، اللاذقية ، ط1 ؛ 1996 م . ) ص 122 - 123 . 8 - مصطفى الضبع ، استراتيجية المكان ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ، 1998 م ، ص 59 - 60 . 9 - محمد المصطفى ، لغة المكان ، مجلة الفيصل ، الرياض ، عدد 228 ، أكتوبر 1998 م ، ص 45 . 10 - إيفلين فريد جورج يارد ، نجيب محفوظ والقصة القصيرة ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ؛ 1988م ص 217 - 218 . 11 - مصطفى الضبع " السابق " ص 70 - 73 . 12 - حسن بحراوي ، بنية الشكل الروائي ، ط 1 ؛ المركز الثقافي العربي ، بيروت : 1990 م . 13 - أنظر مصطفى الضبع .السابق . ص 91 - 139 . 14 - أنظر : الطاهر أحمد مكي ، القصة القصيرة ، دراسة ومختارات ، ط 2 ؛ دار المعارف ، القاهرة : 1978 م . 15 - أحمد عمر شاهين ، إيماءات " 57 قصة قصيرة " دائرة الثقافة ، م . ت . ف . مؤسسة العروبة للطباعة والنشر ، ط 1 ؛ 1990 . 16 - رجب أبو سرية ، تهاويم الأرق ، اتحاد المراكز الثقافية ، ط1 ؛ غزة : 1998 م . 17 - عبد الله تايه ، من يدق الباب ، وكالة أبو عرفة للصحافة والنشر ، القدس : 1977 م . 18 - عمر حمش ، أزهار إلى مقبرة المخيم ، اتحاد الكتاب الفلسطينيين ، ط 1؛ القدس : 1990 . * أنظر : أنطولوجيا القصة القصيرة الفلسطينية ، دائرة الثقافة ، م.ت.ف. الكرمل ، ط 1 ؛ عمان : 1990 م .
#محمد_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة بين التشابه والاختلاف
-
من دفتر الاجتياح
-
جدار السلام هو الضمانة الأكيدة للسلام
-
قراءة نقدية في ديوان - تأملات الولد الصعلوك - للشاعر : باسم
...
-
العناصر الفنية في القصة القصيرة
-
ملاحظات حول القانون رقم 5 / 96الخاص بانتخابات المجالس المحلي
...
-
الذاكرة المثقوبة
-
انتخابات الرئاسة في فلسطين والحملة الانتخابية
-
الصعوبات التي تواجه المثقف الفلسطيني
-
ورقة عمل حول الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي
-
الأزمات الداخلية في التنظيمات الفلسطينية
-
ما وراء النص في ديوان - البدء ... ظل الخاتمة - للشاعر توفيق
...
-
الزمن في بعض الروايات المحلية
-
الانتخابات الفلسطينية
-
لديمقراطية الأمريكية والحرب النظيفة
-
حول قضية العملاء
-
ما هو المطلوب من القيادة الفلسطينية في المرحلة القادمة
-
البنية الروائية عند بعض الروائيين في غزة
-
جوم أريحا - دراسة نقدية
-
إلى الجحيم أيها الليلك - دراسة نقدية
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|