|
بعد اتفاق قرنق - طه.. هل إنتهت الحرب الاهلية فى السودان؟؟
أمينة النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 10:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
بعد مفاوضات شاقة استمرت أكثر من عامين في عدد من ضواحي المدن الكينية، امتدت من ماشاكوس إلي نيفاشا، مرورًا بناكورو وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإيجاد، أصبح من شبه المؤكد، أن تجري اليوم الاحد في العاصمة الكينية نيروبي، مراسم التوقيع الرسمي علي اتفاق السلام النهائي، بين الحكومة السودانية وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان، بعدما تم الجمعة الماضي في منتجع نيفاشا، التوقيع علي آخر اتفاقين، كانا يعرقلان التوصل إليه، ويرميان إلي وقف دائم لإطلاق النار، والاتفاق علي الأسس التي سيجري بموجبها تنفيذه. وجاء اتفاق الجمعة الماضي في الساعات الأخيرة من العام الذي انقضي امتثالا للتعهد الذي قطعه الطرفان - الحكومة والحركة الشعبية - أمام الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن في نيروبي في نوفمبر الماضي، بأن تشهد نهاية عام 2004 التوقيع علي اتفاق سلام نهائي بينهما.
التوقيت الذي أنجز فيه التوقيع علي الاتفاق لا يخلو من دلالة، فهو يشهد اختلالا صارخًا من موازين القوي بين طرفي التفاوض، فالإدانات الدولية ضد حكومة الإنقاذ في الخرطوم تتصاعد بشأن عجزها عن وقف النزاع في دارفور، والأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية في الإقليم، والكونجرس الأمريكي يصدر قانون سلام السودان الذي يلوح بفرض عقوبات عليها إذا لم تسرع خطوات التوصل إلي سلام نهائي بينها وبين الجنوبيين وإذا لم توقف النزاع المسلح في دارفور، وشكل فوز بوش بولاية ثانية، دعمًا للحركة الشعبية، التي يتعاطف مع قائدها ومطالبها ومواقفها التفاوضية، جناح كبير من إدارته من بين المحافظين الجدد، ومن أعضاء الكونجرس من ذوي الأصول الأفريقية. كما أن الحركة الشعبية واصلت جولات التفاوض بعد أن حسنت أوضاعها الداخلية بعودة الأجنحة التي انشقت عنها للوحدة معها، وعودة القيادات التاريخية - رياك مثار ولام أكول - إلي صفوفها.
ويكمل الاتفاق الأخير حول الوقف الدائم لإطلاق النار، الاتفاقات المتعاقبة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، استنادًا إلي اتفاق ماشاكوس، الذي وقع بينهما في يوليو عام 2002. وطبقًا لهذا الاتفاق، فإن الجنوبيين يمنحون الحق في تقرير المصير عبر فترة حكم ذاتي لمدة ست سنوات يجري في نهايتها استفتاء بإشراف دولي حول رغبتهم في الاستقلال أو البقاء ضمن السودان الموحد. كما يقضي الاتفاق بأن يصبح جون جارانج زعيم الحركة الشعبية نائبًا أول لرئيس الجمهورية، وعلي عثمان محمد طه نائبًا ثانيا، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة في السنة الثالثة من المرحلة الانتقالية، مع إقرار حكم غير مركزي لأقاليم السودان، واستثناء الجنوب من تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، واعتماد العربية والإنجليزية لغتين رسميتين للبلاد، وتقاسم عائدات النفط مناصفة بين الطرفين، وتكوين قيادة عسكرية مشتركة من الجيش الحكومي والجيش الشعبي، للإشراف علي القوات العسكرية المشتركة التي يبلغ قوامها 24 ألف جندي والتي يتم نشرها في ولايات الجنوب وفي الشمال بنسب متفق عليها.
ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن الاتفاق يحفل بتفاصيل معقدة فيما يخص الحكم الذاتي وحق تقرير المصير وتقاسم السلطة والموارد وحفظ الأمن، لكنه برغم ذلك يعد إنجازًا هامًا علي صعيد إنهاء أطول الحروب الأهلية في القارة الإفريقية التي امتدت بشكل متواصل نحو 21 عامًا، وراح ضحيتها أكثر من مليوني قتيل، ونحو أربعة ملايين مهاجر، وكبدت ميزانية الحكومة السودانية، نحو مليوني دولار يوميا، وأعاقت كل الجهود المتواضعة للدخول في طريق التنمية في السودان.
الرئيس السوداني عمر البشير قال: إنه بتوقيع الاتفاق الأخير أصبح استقلال السودان كاملا، بعد أن كان منقوصًا بسبب استمرار الحرب في الجنوب. أما جون قرنق زعيم الحركة الشعبية فقال: إن التوقيع علي الاتفاق سيكون تاريخيا لتحول حقيقي في حياة الشعب السوداني، أما قادة الحركة، فوصفوا الاتفاق بأنه بمثابة الاستقلال الثاني للسودان، بعد الاستقلال الأول عام 1956. واعتبر وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الاتفاق انتصارًا تاريخيا، وقال: إن إنجازه يوجه رسالة إلي شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا والعالم، بأن الصراعات الأكثر تعقيدًا يمكن أن تحل. وأعرب الاتحاد الأوربي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والخارجية المصرية ومعظم القوي السياسية السودانية، عن ترحيبهم بالاتفاق، فضلا عن الفرحة الشعبية الغامرة التي سادت أوساط الشعب السوداني فور الإعلان عن توقيعه.
ومع انتهاء مراسم التوقيع علي الاتفاق النهائي يوم الأحد القادم، يدخل السودان مرحلة جديدة من مراحل السلم الأهلي برعاية دولية، لكنها مرحلة تبدو قلقة، تحوطها المخاطر من كل جانب.
فالاتفاق الذي فشل في إقناع الحركة الشعبية بحل جيشها، ودمجه مع الجيش الحكومي يفتح شهية جميع الأقاليم والمناطق المهمشة في السودان للمطالبة بالمثل. ولعل فشل المفاوضات بين الحكومة السودانية وبين حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان المسلحتين في دارفور، ومطالبة قادتيهما باتفاق مماثل لما جري مع الحركة الشعبية، ودعوة القوي المسلحة في كردفان شرق السودان إلي التفاوض مع الحكومة تحت مظلة دولية، لدليل علي نوع المخاطر التي تعترض اتفاق السلام قبل تنفيذه، هذا فضلا عن التعقيدات التي يمكن أن يسفر عنها، التنفيذ العملي لبنوده، التي تحفل بتفاصيل كثيرة لا تخلو بدورها من التعقيد.
يشكل الاتفاق مرحلة مهمة في التاريخ السوداني، يوقف الحرب بين الحكومة المركزية في الخرطوم وبين الجنوب، لكنه لا يوقف الحرب الأهلية التي تتجلي في النزاعات المسلحة في غرب وشرق ووسط السودان.
ولا سبيل لوقف الحرب الأهلية الدائرة في معظم أقاليم السودان، وحكومة الخرطوم تغمض عينها عن الحقائق، وفي مقدمة تلك الحقائق أن السودان بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات والقوميات، وأن السياسة الرشيدة التي تقود برامج للتنمية المستدامة في كل أرجائه والتي تترك الدين لله وتجعل الوطن للجميع، هي وحدها الكفيلة بالحفاظ علي وحدة هذا الوطن، والقادرة علي استثمار هذا التنوع الفريد لحفظ أمنه واستقراره.
وأولي الخطوات نحو ذلك، هي أن تتخلي حكومة الإنقاذ عن برنامجها الديني الذي خرب السودان وأوشك علي تفتيته، وكان السبب الرئيسي وراء اندلاع النزاعات المسلحة، وامتدادها من الجنوب إلي الغرب والشرق والوسط، وأن تقبل أن يكون محور حوار المصالحة مع المعارضة الشمالية، الذي ترعاه القاهرة هو بنود اتفاق مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية الذي أنجز عام 1995، والذي قبلت الحكومة السودانية بكثير من بنوده في اتفاقها الأخير مع الحركة الشعبية.
وبدون وفاق وطني يشمل كل القوي السياسية ولا يستثني أحدًا، واستنادًا إلي مقررات أسمرا، فإن التفاؤل الشديد بأن يعم السلام مجمل أرجاء السودان، يبقي مشكوكًا فيه، خاصة مع السجل الحافل لحكومة الإنقاذ بالنكوص عن العهود والتخلي عن المواثيق
#أمينة_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جناة ومتهمون
-
ليته ما تكلم .
-
مواجهة المسكوت عنه
-
رسالة الى الرئيس مبارك
-
الإرهابيون يصوتون لبوش
-
السودان يحترق
-
الماهر
-
ومتي يحين الوقت المناسب؟
-
برنامج الوفد للإصلاح
-
دعاة الاستبداد
-
فهرنهايت
-
أسئلة بلا أجوبة
-
سياسة التهويش
-
تحالف السلطة والمال
-
حصن الحرية
-
من هنا نبدأ
-
عن التدخل الاجنبى
-
قمة لمخاطبة الخارج
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|