|
أم الجميع مأساة الثريا
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3633 - 2012 / 2 / 9 - 22:45
المحور:
الادب والفن
الأعمال الكاملة الأعمال المسرحية النثرية (1)
د. أفنان القاسم أم الجميع
ثلاثية مسرحية
مأساة الثريا
المسرحية الأولى
الطبعة الأولى عالم الكتب، بيروت، 1989 الطبعة الثانية دار النسر، عمان، 1995 الطبعة الفرنسية دار لامارطان، باريس، 2004
إلى ثرى الشيخ عز الدين القسام
الشخصيات
- صنيعة بنت المقدادي المعروفة باسم أم الجميع - الشابة - الشاب - ابنها الأكبر درويش نَفَس المرتينة - الفلاح الأول - ابنها الأوسط حمد أبو ريش - الفلاح الثاني - ابنها الأصغر حسن الشاطر - الفلاح الثالث - ابنتها ميمونة - النازح الأول - الشاويش أبو الجماجم - النازح الثاني - الحاج عرقوب - النازح الثالث - أبو خامش - متطوعون - مستر جون - نساء - صموئيل - رجال - ابن العم أبي عماد - أولاد - الجندي - طفل رضيع - الخادمة
اللوحة الأولى (الستارة مفتوحة. أول الليل. صف طويل من المتطوعين أمام خيمة عسكرية مفتوحة من الطرفين. الشاويش أبو الجماجم وراء طاولة سهلة الطي يقوم بالإجراءات. جندي ميكانيكي الحركة حريص على انتصاب بندقيته ذات الحربة فوق كتفه بصورة دائمة)
الشاويش أبو الجماجم: (يخاطب المتطوع الذي جاء دوره في الصف مرهقًا وهو يمسح عن جبينه العرق) أنت أيضًا تريد أن تصبح جنديًّا؟ ولنفس الأسباب، الفداء، حب الوطن، وتحرير الأرض؟ لكنى أعرف أن هذه ليست الأسباب، أعرف ما يدور في رؤوسكم الخبيثة، أعرف لمَ كل هذا الإقبال على الجندية، وكأنها موضة العصر! ليس سبب ذلك قطعًا، وفى كل الأحوال، لا الفداء، ولا التحرير، لا ولا الوطنية، لأن لا إخلاص في وجوهكم! الوطنية تظهر على الجبين ساطعة كالنجمة السابحة في الليل (يرفع رأسه صوب نجمة ولا يبتسم) وأنتم كلكم دجالون! جئتم كي تحرروا الوطن، هاه! (ضاحكًا كالحشاش) لا تقولوا لي هذا. جئتم لاعتقادكم أن حربًا لن تكون هناك، هذا هو السبب، ولأنكم لا تجدون عملاً تقتاتون منه، ولاعتقادكم أن عملاً لن يكون هناك (ضاحكًا مرة أخرى كالحشاش) قلتم لأنفسكم عند الشاويش لن نموت جوعًا، إذ يجد المرء عندي ما يسد رمقه حتى في أتعس الأحوال، وأتعس الأحوال هي الحرب. وما دامت في ظنكم غير واقعة، فلن تكون هناك تعاسة، وستعيشون حياة رغد لم تحلموا بها من قبل. أنتم أيها الدجالون! لكن البطالة لا تعني البطولة. وها أنتم كلكم تحاولون خداعي، بينما أنا أعرفكم جميعًا، أنتم أكثر جبنًا من فئران بيوتكم! (ملتفتًا إلى الجندي) أليس ما أقوله صحيحًا؟ الجندي: كله صحيح، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: يبدو لي أنك ساذج جدًّا، وهم لهذا أخذوك (لم يدع للجندي الاعتراض، وهو غائب في بحثه عن النجمة) ومتى ارتديت الكاكي، في أي زمن؟ الجندي: قبل 48... (ثم يطلق تنهده) كان ذلك زمنًا! الشاويش أبو الجماجم: كانت النجوم كثيرة في ذلك الزمن أكثر مما هي عليه اليوم. الجندي: ماذا، يا سيدي؟ الشاويش أبو الجماجم: (محتدًّا) لا تقل إنك لم تذهب إلى الحرب سنة 48، ولم ترَ النجوم. الجندي: ذهبت، وكانت النجوم هي النجوم. الشاويش أبو الجماجم: (محتدًّا دومًا) أنت لا ترى النجوم أيها الجندي (ثم بتأمل) لأنك جندي (ثم برهبة وخشوع) الحرب تجري بين النجوم! الجندي: لقد جرى كل شيء متأخرًا. الشاويش أبو الجماجم: (مقهقهًا) قل إنك انهزمت، لماذا لا تقولها مرة واحدة في حياتك بشجاعة؟ الجندي: لم أنهزم، يا سيدي، كيف أنهزم، وقد طلبوا إلينا أن نذهب إلى الحرب بعد أن انتهت؟ الشاويش أبو الجماجم: (مقهقهًا دومًا) أما أنا، فقد شاركت، ولم أنهزم كالأسود التي أمروها أن تنهزم مع أوائل الطلقات، كنت في الصفوف الخلفية، برفقه الضباط، كان علينا أن نحمى الضباط (ثم بتوتر) وكان علينا أن نعد النجوم، وقد عددت منها مليون نجمة وثلاثمائة ألف وإحدى وخمسين! الجندي: سمعت أنهم يرقون من يعد النجوم بسرعة وإلى مراتب عليا لم يحلم بها أصحابها من قبل، فمثلاً يرقون الشاويش ملازمًا، والملازم عقيدًا، والعقيد... الشاويش أبو الجماجم: (مقاطعًا) بشرط ألا تخطئ في العد، وأن تعد كثيرًا، ملايين النجوم إذا استطعت. وإذا ما افتديت بروحك ضابطًا أهون بكثير كي تصبح شاويشًا أو ملازمًا أو حتى لواء. المهم في الأمر هو الفداء. أن تفتدي العبقرية العسكرية أيها الأبله يعني أن تحفظ للوطن العقل الجبار الذي سيقود المعارك إلى النصر (ادلهمَّ الليل، ويئس من الوقوع على النجمة). الجندي: سنة 48 لم يحصل هناك نصر. وقتذاك، تألمت كثيرًا من أسناني، آلمتني أسناني آلام مائة عام من الوجع! الشاويش أبو الجماجم: أتصدق أن حربًا كانت هناك سنة 48؟ طوال حياتي وأنا أبحث في السماء عن حرب في الأرض! الجندي: ولكن يا سيدي... الشاويش أبو الجماجم: (مشيرًا إلى المتطوعين) وهؤلاء الجهلة الذين لا يفهمون! انظر إليهم (وصف المتطوعين آخذ بالتزايد)... لا ينتهون أبدًا منذ صعود نجمة النهار وهم يتواردون تباعًا مثل قطيع من الغنم لا يمكن عدُّه! هل كانوا تائهين طوال الوقت، وفجأة وجدوا طريقهم؟ يضحكون على مَنْ؟ نعم، الطريق إلى الجندية هو الصحيح، ولكن البغايا أيضًا تعرف هذا، وهي لا تقربه إلا في حالتين، إذا كسد سوقها، أو إذا عافت المهنة. وانظر أي مهنة صعبة مهنتنا أيها الجندي! هل يفهمون هذا؟ (ينهض ويستعرضهم مخاطبًا) انظروا إلي حالي ولكم الحكم، منذ صعود نجمة النهار إلى... لا ليس، لي سقوطها، بل إلى كوكبة بعيدة في الليل، أيصدق أحد هذا؟ وأنا أقوم بإجراءات التطوع. أهذه مهنة سهلة؟ أتظنون أن الحرب نزهة، ضحكة، نجمة منطفئة؟ اذهبوا. عودوا أدراجكم (يدفعهم محتدًّا) عودوا أدراجكم، وابحثوا عن مهنة أخرى أسهل وأكثر ربحًا! تظنون ألا أعمال هناك؟ الأعمال كثيرة، وهى موجودة في كل مكان وزمان، فقط يجب البحث عنها، يجب البحث عنها دون أن يصيب قلوبكم اليأس أو ينهك أقدامكم الكلل... ولكنكم كسالى منذ أن ولدتكم أمهاتكم! كسالى. خبالى، يسكنكم التواكل والاعتماد على الغير. مرضكم اسمه حب البؤس! تحبون بؤسكم كعاشقة مزرية أنهكها الضيق حتى أصبحها لتجد في ذلك سعادتها! (يدفعهم طاردًا بوحشية) اذهبوا. تفرقوا. (يتفرقون ثم يغادرون المسرح) لست أقصر الطرق إلى الحياة الأفضل بل أطولها وأشدها صعوبة! أنا طريق الأبطال! طريق المنتصرين! طريق النجوم! (يلتفت من حوله لاهثًا، وقد أخلى المتطوعون المكان، فيخاطب الجندي مستعيدًا هدوءه) لا يستجيبون لك إلا إذا قسرتهم، فإذا بقيت نعجة طوال الوقت أكلوك كالذئاب! (يصفق يده بحماس) انتهى يومنا أيها الجندي. أخيرًا، هزمنا جحافل النمل. كان يومي متعبًا مليئًا بالعمل! الجندي: لم أكتشف في الناس حبك إلا هذه الأيام، كنت أعتقد طوال الوقت أنهم يكرهونك، وإذا بهم يهجمون عليك كما تهجم النيازك على أرخبيل يطفو في الخيال. هل هو حب البطولة ينهض في النفوس؟ الشاويش أبو الجماجم: (طاويًا دفتر القيد فالطاولة) حب الخبز، تريد أن تقول حب الخبز! بعد كل هذا تأتي لتقول لي ((اكتشفت))، ((حب الناس))، و((حب البطولة)). يا لك من غبي! عرفت الآن تمامًا لماذا وافقوا على تحقيق حلمك الثاني...(يلقي نظرة أخيرة يائسة إلى النجمة الفقيدة) لنذهب، يأكلني جوع رهيب! لو قدر لي لأكلت دجاجة برمتها، دجاجة محشوة بالرز الهندي واللحم، مقلية بالسمن الحلبي، متوهجة كلهب النفط! يا سلام، بل لنقل دجاجتين! أستطيع أن ألتهم دجاجتين سمينتين بعد كل هذا التعب بدقيقة واحدة. كم أنا جائع! أحس بالجوع لا يتوقف عن أكلي. دجاجتان سمينتان مسمنتان. سنرى إذا كانت هذه هي مفاجأة الطباخ الليلة. يكفى أن تضع في يده قطعة من النقد صغيرة، فيخصك مثل الضابط وأنت؟ أيهلكك الجوع؟ أتصطفق أمعاؤك؟ أرى كيف تبرز عظامك في وجهك، وكأنك لم تأكل منذ قرن. أكيد أنك جائع إلى حد الموت! الجندي: (في حالة استعداد دومًا) ليست لي رغبة في الأكل، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: (متفاجئًا) ماذا؟ ليست لك رغبة في الأكل؟ كل هذا الهيكل العظمي الذي هو أنت وليست لك... آه، لا تقل لي إنك مضرب عن الأكل لأنه يرجوك أن تأكل. لا تكن مسيحًا يحمل صليبه... كل! الجندي: أنا بالأحرى جندي صائم، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: ولماذا تعذب نفسك كل هذا العذاب المكتوب لغيرك؟ الجندي: نصحني الطبيب بالصوم لأريح معدتي، يا سيدي. إذا أتعبتك معدتك عليك أن تريحها وإلا أتعبتك أكثر، ولكي تريحها، ليس هناك أفضل من الامتناع عن الأكل. إن الصيام صحي، وهو منشط! (يقوم ببعض الحركات الرياضية بطريقة ميكانيكية) ومن ناحية أخرى، فأنا أرضي الله! الشاويش أبو الجماجم: (مستعجلاً حاثًّا) والنجوم؟ الجندي: أنا أرضي الله... فقد جرى أنني لم أصم عدة أيام من شهر رمضان الكريم لأسباب... خاصة، أعوضها الآن، يا سيدي، فأرضي الله، وأرضي معدتي، هكذا أرمي عصفورين بحجر واحد. الشاويش أبو الجماجم: (خائفًا، كأنه لم يسمعه، متعثرًا) الليل شديد من هنا، مدلهم، تعال، هناك من يمشي في الليل. الجندي: (مسرورًا) لا بد لي من مهمة إذن. الشاويش أبو الجماجم: (يردعه ويطفئ حبوره مطمئنًا الذات) ربما هي أصداء خطواتنا (ثم بحذر) ولكن على اليمين هناك مقبرة، وعلى اليسار بعض بيوت التنك، والنجوم تهبط من الليل على درج لتتمشى في الطين كلما أحسست بالجوع في مثل هذه الشدة. الجندي: (خافقًا الأرض بنعله) لنذهب، يا سيدي، إلى المطعم إذن قبل فوات الأوان.
(الشاويش أبو الجماجم مترددًا متوجسًا شرًّا ثم دافعًا بين ذراعي الجندي دفتر القيد والطاولة المطوية والكرسي. يهمان بالانصراف. في تلك اللحظة، يصلهم غناء أم الجميع من الطرف الآخر)
أم الجميع: لما أعلنوا عن التحرير. يوم التطوع جينا له من زمان واحنا منتظرين متل ها الخبر افرحنا له
(تظهر أم الجميع بصحبة أبنائها الثلاثة وابنتها بين ذراعيها طفلها الرضيع وسلة)
شاويش كلنا مستعدين بنات الوطن ورجاله خدنا نكون لك شاكرين الخد انجرحت أزراره اسأل عنا فدائيين أمس جدودنا ثواره السلام ماله طعم كتير السلام ماله تغير حاله؟ شاويش انت البصير حامي الشعب وآماله شاويش قلبك كبير الشعب يصرخ اسمع له اللي يشوف الشعب صغير لما يثور الشعب يا ويله الشاويش أبو الجماجم: (منفجرًا بالغضب) من أنتم؟ ماذا تريدون؟ أم الجميع: حلمك علينا، يا شاويش. أنا أم الجميع، صنيعة بنت المقدادي، وهؤلاء كلهم أبنائي. هذا ابني الأكبر درويش نَفَس المرتينة، وهذا ابني الأوسط حمد أبو ريش، وهذا ابني الأصغر حسن الشاطر، وهذه ابنتي ميمونة، وهذا ابن ابنتي... نسيت اسمه. تركنا أختها صفاء (تشير إلى الابنة ميمونة) في فلسطين، نحن هاجرنا، وهى بقيت. والآن أتعرف من أين جئنا؟ إذا طلعت على رأس الجبل، ونظرت إلى الغرب امتدت أمامك سهول، ووديان وسهول، حتى نقطة زرقاء مشتعلة بالعجب، تراها العين ولا تعرف أين، من هناك جئنا لك. أليس هنا مكتب التطوع! الشاويش أبو الجماجم: (دون أن يزول غضبه) نعم، هنا، لكن الوقت متأخر (يتوجه إلى الجندي) قل لهم أغلقنا الدكان، وليأتوا غدًا بعد الغداء. الجندي: (بينما يغذ الشاويش أبو الجماجم خطاه مغادرًا) أغلقنا الدكان، ولتأتوا غدًا بعد الغداء. أم الجميع: (تلتفت إلى أبنائها متصنعة الأسف والجندي يغذ الخطى من وراء الشاويش أبو الجماجم) يقولون ما سمعتم، يقولون الوقت متأخر، وهم قد أغلقوا الدكان. شيطانهم يقول لي لا غدًا ستفتح، ولا بعد غد ستفتح، آه منهم، هذا ما جنيناه قبل آخر محطة على طريق الجحيم. كان وراءنا سفر، وصار أمامنا سفر. أرى في السماء عقابًا... لنتبعه. درويش نفس المرتينة: (طالبًا من الشاويش أبي الجماجم الانتظار) شغل البطن ما يقيم رايات! (يقترب من الشاويش أبو الجماجم بعجلة، ويقبض على ذراعه) لا بد أنك ستفهم مغزى القدوم إليك بعد أن جئناك من بعيد، وتركنا أعمالنا لتأخذنا، فلم يبق لنا سوى هذا الرهان، بل هو الرهان، حياتنا هو، نريد أن نكسبه، وإن دفعنا حياتنا له ثمنًا! الشاويش أبو الجماجم: (محتدًّا) سآخذكم، ولكن ليس الآن، سآخذكم غدًا، فأنا على عجلة الآن من أمري... أمر الضابط وليس أمري. هو مولع بالكيمياء، يقول عنها ساحة وغى، وأنا أعرف قليلاً في السحر. أم الجميع: (تجذب الشاويش أبا الجماجم) على مهلك، يا شاويش، هم يصرون على أن تأخذهم الآن، فتعال نتفاهم معًا، وأنا لا بد فاعلة، لأني، أنا أيضًا أعرف قليلاً في السحر مثلك، علمني إياه جدي! الشاويش أبو الجماجم: (بعصبية) لا تتفاهمي معي ولا أتـفاهم معك، من أنت حتى يكون بيننا تفاهم وكلام؟ أم الجميع: (بغضب) تقول لي هذا بعد أن عرّفتك بنفسي، أنا أم الجميع، صنيعة بنت المقدادي، وهؤلاء كلهم أبنائي! جدي فلاح، أمي فلاحة، وأبنائي فلاحون مثلي! حتى ابني الأصغر، حسن الشاطر، رغم أنه عامل في أحد المعامل التي لا تعمل يومين في السنة إلا أنه حوت عنيد له طبائع الفلاحين! فينا حيوان كاسر وآخر أليف... هكذا نحن. وابنتي هذه، هل تراها؟ تحمل بين يديها طفلاً فلاحًا من أب فلاح. كان أبوه يريد أن يشترى قطعة أرض، ثم لا بأس أن يواجه الموت، يفلحها، ويزرعها كما كان يفعل قبل كان الثانية، ويشعر أنه يمتلك فيها النمل والتراب، أتدري ماذا يعني التراب لنا، الوحل الظامئ، الحجر الحارق، الجذر اليابس، الطمي الزالق بين الأصابع، الندى البارد، الأثلام؟ اسأل العاصفة... ذهب إلى مدن الرمل بحثًا عن المال، ذهب وانقطعت أخباره. كيف انقطعت؟ كيف غاب؟ ماذا جرى للطائر الغريب؟ اسأل السراب... أتظن أنه اغتنى هناك بعد أن أنسته رائحة النفط زوجته وولده؟ لا تسأل أحدًا... أما هي (تشير إلى ابنتها ميمونة) فليس هذا رأيها، تحلم بعودته إليها أو بذهابها إليه بعد أن انطبقت الطريق على الطريق، وصار الحلم أزرق. عوليس هو، أو علي بابا أو أبو زيد الهلالي يأتينا سلامًا! (خلال ذلك تتحول ميمونة إلى تمثال ذهبي) لكن انتظارنا الطويل قد أخمد فينا روح الذئاب (تتحول ميمونة إلى تمثال خشبي) ها أنا أقول لك، يا ابنتي، عليك أن تخرجي من وهم الخروج إلى السعادة! حسن الشاطر: أن نخرج كلنا من الوهم. وأن نخرج كلنا من الوهم يعنى أن ندخل عالم الواقع، أن نعرف وقت الشروق أنه الشروق، ووقت الغروب أنه الدماء! الشاويش أبو الجماجم: وما شأني أنا في كل هذا؟ وهم وواقع ووطن. لا دخل لي في أموركم الشخصية، اعذروني، لا بد لي من الذهاب، موعدي مع ضابطي يحثني علي ذلك (حاثًّا الجندي على الذهاب بعنف) تحرك، يا عسكري! (ضاغطًا أسنانه مخفيًا فمه بيده) سيقفل المطعم، أيها الغبي! (ثم إليهم وهو في طريقة إلى الخروج) لن يكون لطيفًا أن تخلف موعدًا مع ضابطك والليل يخلو من النجوم، الدقة في الحضور أمر فلكي. إلى الغد، إلى الغد. وإذا ظهرت في الصباح نجمة، فستكون نجمتكم حتمًا... إلى الغد (يتبعه الابن الأكبر، وتتعلق ميمونة بذراعه). ميمونة: لا يمكنك أن تتركنا نبيت هنا، المنطقة مظلمة، الضباع منتشرة، وزوجي ليس معنا! ما عليك سوى أن تأخذ دفترك (تأخذ من بين ذراعي الجندي دفتر القيد) وتفتحه (تفتح الدفتر) وتسجل أسماءنا (تقدمه للشاويش أبى الجماجم) ثم تبعث بنا إلى حيث تشاء، حيث البنادق للرجال عاشقات وللنساء صورة وآية! الشاويش أبو الجماجم: (مصفقًا دفتي الدفتر) أتظنين أن الأمور على مثل هذه البساطة، يا امرأة؟ (يقذف دفتر القيد بين ذراعي الجندي من جديد) أن أسجل أسماءكم ثم أبعث بكم إلى حيث أشاء، حيث البنادق للرجال عا... (يتوقف عن الكلام ثم يجهر بغيظه) أنا عالم معقد له قوانينه، كما أنى أفرض على كل طالب القرب منى شروطًا صعبة، وهذا ما لا ينطبق عليكم على الإطلاق، إذ يبدو لي أنكم قطاع طرق، أتيتم للتطوع وهمكم الوحيد هو التخريب، تخافكم الضباع، فكيف أنا؟ (يضرب الابن الأكبر ضبعًا فيكسر فكيها) هذه القوة الحيوانية فيكم بعيدة عن حضارة الدبابات! ليس هذا زمنكم! أراكم قبله أو بعده، كيف تجرؤون؟ أنتم مرفوضون (تحاول الأم أن تخفي ارتياحها) لقد وقع قراري، فانصرفوا في الحال، وإلا لجأت إلى وسائل أخرى، ليست بالطبع جميلة، لطردكم إلى زمنكم. هلا انصرفتم وتركتموني وشأني؟ أرى ضبابًا أحمر، وأراكم في الضباب أنيابًا تعلق دم الأحياء بلهفه! حسن الشاطر: (مخاطبًا أمه) ألم أقل لك لن يكونوا ظرفاء؟ كم هم يكرهون البحر، كم هم يكرهوننا! أم الجميع: قل لأخيك الأكبر الذي يصر على ذلك. نفسه طويل بسبب نارجيلة التمباك التركي اليومية التي تنفخ في صدره مئات السنين من الذل! لهذا يريد الانتقام لأبيك من قاتله ومن الأزمنة! درويش نفس المرتينة: لا أطلب أكثر من بندقية، فليعطوني إياها، ونذهب (يبتسم، ويدخل عالم الحلم) أذكر كيف كنا نجندلهم واحدًا واحدًا من فوق الربوة سنة 48، ثم كيف كانوا يهربون مثل صراصير عملاقة! أريد بندقية، هذا كل ما أريد، لكنهم هنا يعقدون الأمور (ثم مخاطبًا أخاه الأوسط) أعطني بندقية أهديك مائة رأس! حمد أبو ريش: بل على العكس، يبدو لي أن للشاويش سحنة ظريفة أظرف مما كنت أتوقع، وإذا عدنا للحقيقة، فنحن هم الذين يعقدون الأمور. أعطني بندقية أهديك رأسك!
(يهب الأخ الأكبر درويش نَفَس المرتينة ليمسك الأخ الأوسط حمد أبو ريش بخناقه فيحول بينهما الأخ الأصغر حسن الشاطر) أم الجميع: (بغضب) كفى، أهذه لحظة مناسبة تظهرون فيها خلافكم أمام الشاويش؟ ماذا سيقول عنا؟ (تقترب من الشاويش أبي الجماجم وهى تتصنع ابتسامة كبيرة) سيظن أنكم غير مؤدبين، وسيغضب منكم، وربما تصرف ضدكم بحماقة. ولكن ثق، يا سيدي، أن قلوبهم من عسل، كلمة حلوة تؤثر فيهم إلى حد تقديم أعناقهم من أجل صاحبها برضاء! صنعت أبنائي هكذا، صنعتهم طيبين لا يؤذون أحدًا، ومثلما يقول المثل لا يؤذون ذبابة! الشاويش أبو الجماجم: لن يجدوا عندي كلمة حلوة واحدة، كل كلماتي مرة كالعلقم، أتعرفين ما هو العلقم؟ أم الجميع: كيف لا أعرفه وحياتي أكثر منه مرارة؟ الشاويش أبو الجماجم: ليذهب عني أبناؤك إذن وليؤذوا كل الذباب! أم الجميع: (غاضبة) طعنتني في كرامتي، يا شاويش! كن مؤدبًا وإلا ما جرت الأمور في صالحك! أتراني امرأة مقطوعة من شجرة دون رجال تحميني؟ (تشير إلى الابن الأكبر) انظر إلى الأكبر ذاك، حامل دمه على كفه! إشارة واحدة مني إليه تكفي ليحولك إلى جعل أو جرذ أو قرد ذكيّ! الشاويش أبو الجماجم: (يهبط علي قدميها ويتصنع الابتهال) عفوك أيتها الأم! اطلب منك السماح والأمر بألا تجرى الأمور إلا في صالحي! (يعود إلى نبرته الرادعة) أيتها العجوز الفاقدة الرشد! أنا من يعد النجوم في ليل مدلهم، ويصعد على الغيوم إلى نجمة بعيدة! أنا من يتغذى حقده بالضوء، ويجعل من الانتقام فرصة ضائعة! أم الجميع: أتجرؤ علي ردعي أمام أبنائي؟ (يهب ابنها الأكبر لمساندتها، ثم الأصغر، ويبقى الأوسط ينظر في عيني الشاويش، فيرى نفسه فيهما يتألق كنجمة، بينما تلحق الابنة بالابنين) أترى أية قوة تحيط بي؟ لا حقدك ولا نجمتك ولا الفرصة الضائعة سوف تحميك مني! درويش نفس المرتينة: دعيني أسحق أنفه! أم الجميع: لا تكن غبيًّا، ألا تراه كالوحش منتظرًا الفريسة؟ سيسحق أنفك قبل أن تلمس عصاه! حسن الشاطر: دعيني أنزع شاربيه! أم الجميع: وماذا سيبقى له؟ كل كيانه يكمن فيهما! ميمونة: دعيني أغرس أسناني في عنقه، وأقتلع لك قطعة من لحمه السمين! أم الجميع: سيقتل جنوده طفلك، وسيرمونك في السجن! الشاويش أبو الجماجم: (يقف مهتزًّا صائحًا) جندي! الجندي: (متفاجئًا وهو الذي بقي محايدًا طوال الوقت) نعم، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: (دون أن يزول غضبه) ماذا تفعل هناك؟ الجندي: لا شيء، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: ماذا تنتظر؟ الجندي: أوامرك، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: أطلق عليهم النار!
(يُسقط الجندي حمله من بين يديه متفاجئًا. تصرخ الابنة مذعورة، وتغادر بطفلها المسرح. يفر الابن الأوسط. يهز الشاويش أبو الجماجم الجندي من كتفيه) الشاويش أبو الجماجم: (بغضب دومًا) أطلق عليهم النار. كل الذي سمعت ولا تطلق النار. سيقتلون سيدك الشاويش! أم الجميع: (مهدئة) هيا، هيا، يا شاويش، أنت ترى أننا لن نمسك بأذى. نحن أناس مسالمون طوال عمرنا، وإذا فتشتنا، فلن تجد معنا آلة قاطعة واحدة تساعدنا على ارتكاب جريمة قتل فيك. انظر (تقلب السلة مبعثرة كل ما فيها) لا يوجد معنا ما هو خطر. هل زال شكك واطمأننت؟ نحن أناس بسطاء لا نضمر الأذى للناس (يعود حمد أبو ريش، الابن الأوسط، على رؤوس أصابعه بعد أن اطمأن إلى زوال الخطر) لنعد إلى موضوعنا، ولنتم الصفقة. حمد أبو ريش: (متدخلاً) لا تزعجوا السيد الشاويش أكثر، يا عالم، ألا تفهمون؟ لنعد غدًا كما أمر، وبعد الغداء. الشاويش أبو الجماجم: (مقتربًا من الأم وهو يحاول أن يخفي اهتمامه) صفقة؟ قلت صفقة؟ أية صفقة؟ قولي بسرعة، فأنا على عجلة من أمري. أم الجميع: (هامسة في أذنه) ألا تأخذ أبنائى مقابل ما تشاء. الشاويش أبو الجماجم: (متفاجئًا وفى الوقت نفسه مهتمًّا) ألا آخذ أبناءك مقابل... أم الجميع: (مقاطعة) اخفض صوتك، أيها الغبي! الشاويش أبو الجماجم: (هامسًا) ألا آخذ أبناءك مقابل ما أشاء؟ أم الجميع: ألا تستطيع أن تفهم بسرعة؟ في الحقل موج من السنابل! الجندي: (يريد الذهاب بأية وسيلة) إذا بقيت دقيقة واحدة أكثر راحت عليك الدجاجة المقلية بالسمن الحلبي، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: (مقلبًا النظر في الأم والأبناء واحدًا واحدًا) وأنا الذي كان يظن أنكم... (تدخل ميمونة بطفلها باهتة وهو يفحصها بدقة) في الموج حقل من السنابل! أم الجميع: حقًّا نحن فقراء، ولكننا أغنياء بالفضيلة! الشاويش أبو الجماجم: (خائبًا) الفضيلة! عندي الفضيلة لا تساوي شيئًا، المهم هو الموج! أم الجميع: ألا تعرف أنهم يقولون فضيلة الفقير من ذهب كثير؟ الشاويش أبو الجماجم: ذهب كثير! (يرفع عن ساعدي الأم والابنة فلا يجد من الذهب شيئًا) أين هو الذهب؟ عندي لا شيء أهم من الموج... على أن يكون جبارًا! الجندي: (صائحًا دون أن يقدر لحظة واحدة على الانتظار أكثر) هل نذهب، يا سيدي؟ (ثم صائحًا برعب) في الموج الجبار حقل من الأصابع المقطوعة والألسنة الكستنائية والوجوه المضروبة بالأمواس، تقهقه مع كل ضربة قاتلة، ولا تلبث أن تتحول إلى أقنعة من الذهب الخالص! الشاويش أبو الجماجم: وجوهكم لا توحي بالذهب (ثم للجندي) لنذهب (ثم لهم) وعودوا إلى الانخراط غدًا. أم الجميع: (بلهفة) لماذا لم تطلب شيئًا، اطلب شيئًا، ولننهِ الصفقة، وإلا أكلت أصابعك ندمًا، أصابع يديك وقدميك، وسقطت في حفرة مفتوحة على الناحية الأخرى للعالم، حيث لا توجد سوى أجنحة تماسيح عملاقة تحلق بالناس إلى أسفل سافلين! حمد أبو ريش: (مشجعًا) اطلب نقودًا (مخاطبًا أمه) كنت أعرف أنك تخبئينها في جذع شجرة السرو العجوز. أم الجميع: إذن أنت من كان يسرقها؟ يا تمساحًا ممسوخًا! حمد أبو ريش: عندما كنت أشتهي تدخين سيجارة كنت آخذ قطعة نقد صغيرة. أم الجميع: (للشاويش) أسمعت؟ يسرق أمه ليفسد صدره، وفى كلتا الحالتين هو عاق! (لابنها الأوسط) أيها اللص الأحمق، وأنا من ظننت أنني أخطئ في الحساب! أنت هو إذن يا قطًّا يأكل عشاه! سأدعو الله ألا يسامحك لأنك خدعت امرأة شقية مثلي! (تبكي) هذا هو جزائي بعد كل هذه الحياة، حياة كلاب قضيتها من أجلك كي تكبر، وتصبح رجلاً لا سارقًا يسرق أمه في وضح النهار! ولماذا؟ ليتلف رئتيه! لو كان ذلك من أجل حبة حلوى تتلف أسنانه لهان الأمر، ولكن ليشتري السجاير! السجاير تضر الصحة، يا ولد، أفهمت؟ خصوصًا إذا كانت من النوع الرديء، أما إذا كانت من النوع الجيد فلا بأس في ذلك! حمد أبو ريش: ولكني لست أحسن من تماسيحك الأخرى يا أماه، تلك التي تشرب النبيذ الرديء وتغني بصوت سيء (فجأة تمتلئ السماء بالنجوم، فيصرخ) أرى الشاويش في كل نجمة، ملايين من النجوم على صورته! أم الجميع: (زاجرة) اذهب الآن جانبًا، ودعني أتفاهم مع الشاويش أبي... الشاويش أبو الجماجم: (متفاخرًا)... الجماجم! أم الجميع: (قافزة) أعوذ بالله من الجماجم وأبي الجماجم والذي خلف الجماجم (ثم مداهنة) عاشت الأسامي، يا أبا الأموات! الشاويش أبو الجماجم: (غاضبًا) أبو الجماجم! أبو الجماجم! (ثم محبورًا فخورًا) أبو الجماجم! أم الجميع: عاشت الأسامي، يا أبا الجماجم! (مرتعبة مرة أخرى).
(يرفع الجندي الكرسي عن الأرض، ويجلس عليه يائسًا)
الشاويش أبو الجماجم: (للأم) هل عندك نقود؟ (لا ينتظر جوابًا) قصتك عن التماسيح مثيرة. هل أترك نفسي للندم إذن؟ لكنني بالنقود يمكنني أن أقص لها الأجنحة. هل عندك نقود حقًّا؟ أم الجميع: كل الذي سمعت ولست واثقًا. قل إني كاذبة وولدي كاذب أيضًا. سمعت بأذنك كيف اعترف بأنه يسرقني، وهو يسرقني لأن عندي نقودًا، ألديك أكثر برهانًا من هذا؟ ها أنت تخيب أملي بك وبذكائك! الشاويش أبو الجماجم: على مهلك قليلاً، على مهلك. الكل ينتظر عندما أبحر في التساؤل. أم الجميع: قل بسرعة، فأنا على عجلة من أمري! أنت ترى أنني على عجلة من أمري منذ البداية، وأنت الذي يدور ويدور ويدور معقدًا الأمور، وكأن كل الحاضر لك. كل الحاضر ليس لك، نصفه للماضي! الشاويش أبو الجماجم: (فاحصًا ساعته) بل نصفه لي ونصفه للتماسيح أو، لك... إن شئت (ثم للجندي) أليس كذلك، يا جندي؟ الجندي: (زالقًا في جلسته مغمضًا عينيه) الحاضر للمستقبل بعد أن أقفل المطعم. أم الجميع: (زاجرة) أنا علي عجلة من أمري، كما قلت لك، يا شاويش! عندي نقود، ألم يكن هذا سؤالك؟ ولكن ليس كثيرًا. أنا امرأة بسيطة، كما ترى، على قدر الحال، فلا تطمع بي. الأرض ليست أرضي، والشجرات ليست شجراتي. كانت لي أرض، وكانت لي شجرات، كان ذلك قبل 48، يوم كنا، أما اليوم، فأنا أعمل عند الغير، إنسان قذر محشو بالنقود لكنه بخيل إلى حد القتل اسمه الحاج عرقوب. من يعمل عنده أكثر يأخذ أقل، ومن يعمل أقل لا يأخذ شيئّا! أما إذا فكرت في أن تعمل قدر استطاعتك، فليس لك عنده مكان. عليك أن تعمل في الأرض والزريبة والقصر، في القصر والأرض والزريبة. عليك أن تعمل طوال الوقت، وفي أي وقت يشاء. وفي النهاية، يهبك قطعة فضية. الفضة لا تساوي شيئًا هذه الأيام، هذا صحيح، ولكن اعمل حسابك على ألا تجد عندنا إلا منها، والشيء القليل. اليوم لم نعد نكون، بالأمس كنا ذهبًا، واليوم نحن فضة مستهلكة، ومن النوع الرديء! الشاويش أبو الجماجم: (خائبًا) ماذا؟ أم الجميع: نعم الشيء القليل، ومن النوع الرديء! اسمع، سأقول لك كلمتين بيني وبينك، كلمتين بين شخصين جدهما كان ساحرًا (تتوجه إلى الحضور) من فضلكم بلا مطرود (يخرج أفراد العائلة جميعًا) وهذا التيس؟ (مشيرة إلى الجندي النائم) أتحتفظ به؟ الشاويش أبو الجماجم: لا تهتمي به، إنه غافٍ، وما دام هو غافٍ، فهو لا يؤذي! أم الجميع: إذن إياك أن توقظه! الشاويش أبو الجماجم: ماذا تريدين أن تقولي لي غير ألا آخذ أبناءك؟ لا بد أن لديك بعضًا من الأسرار.
(تخرج الأم من صدرها كيسًا من النقود وتلقيه للشاويش) أم الجميع: خذ هذا أولاً.
(يتلقف الشاويش الكيس، ويأخذ في عد القطع النقدية إلى أن ينتهي) الشاويش أبو الجماجم: ليس أقل مما كنت أتصور، ثم... الفضة فضة، وإن كانت رديئة، بواسطة ضابطي أذيبها، وأعيد صكها. لا أدري لماذا تذكرني الفضة باجتراح الضوء؟ أم الجميع: أنت راضٍ إذن؟ الشاويش أبو الجماجم: (دافعًا كيس النقود في جيبه) ليس قليلاً ولا كثيرًا. أم الجميع: ماذا يعنى ذلك، ليس قليلاً ولا كثيرًا؟ الشاويش أبو الجماجم: لنستمع إلى إسرارك أيتها الساحرة، وإني منذرك، الجبل من أمامك والصحراء من ورائك، فحذار من خداعي! أم الجميع: جنديك هذا يزعجني، يخيل إليّ أنه يتصنع النوم ليتجسس عليّ. الشاويش أبو الجماجم: ليتجسس عليك! لمن؟ أم الجميع: وما يدريني، ربما... الشاويش أبو الجماجم: اطمئني، إذا تجسس عليك فلي، لا لأحد آخر سواي. أم الجميع: (مترددة) يقول لي قلبي... الشاويش أبو الجماجم: (قاذفًا الجندي بقدمه) انهض، يا جندي! الجندي: (قافزًا ليقف مستعدًا) نعم، يا سيدي! الشاويش أبو الجماجم: اذهب بعيدًا لأن السيدة تشك في إخلاصك!
(يغادر الجندي المسرح ركضًا والشاويش أبو الجماجم يقهقه) أم الجميع: (شبه غائبة) ما أحوجني إلى الشعور بالطمأنينة... آه، كم أحقد على سمك البحر! الشاويش أبو الجماجم: تكلمي الآن، وكأنك في البحر، تكلمي الآن كسمكة في البحر.
(صمت)
الشاويش أبو الجماجم: تكلمي الآن، وكأنك في البحر، تكلمي الآن كسمكة في شبكة صياد. أم الجميع: (مضطربة) أخشى أن يزعجك الأمر. الشاويش أبو الجماجم: لا تخشي شيئًا. أم الجميع: (أكثر اضطرابًا) لكن... (ثم بسرعة) أخشى أن يزعجك الأمر. الشاويش أبو الجماجم: معي ليس هناك ((لكن))، أنا لست الحاج عرقوب. الحاج هو الحاج، وأنا هو أنا، أنا أصغي للناس، وأبحث عن أسرارهم، أقصد، أستمع إلى ما يريدون الكشف عنه من أسرار. انظري إلى السماء (في السماء نجمات) العالم كله أسرار يجب الكشف عنها (تغيب النجمات ما عدا واحدة، فينجذب إليها مذهولا) هذه النجمة هي قتلي! أم الجميع: (بحماس) سأقول والذي يحصل يحصل. الشاويش أبو الجماجم: (يمد يدًّا مرتعشة تقطر من أظافرها الدم) هذا دمى! (يلتف بذراعيه صائحًا مهووسًا) وهذا جسدي. أم الجميع: الدم سنشربه مثل نبيذ، والجسد سنأكله مثل رغيف! الشاويش أبو الجماجم: النبيذ لدى تماسيحك الأخرى، والرغيف لديك. أم الجميع: إذن خذ هذا، سأمزق الرغيف، وألقيه للكواسر من الطيور. الشاويش أبو الجماجم: (قافزًا برعب) ماذا تعنين؟ أم الجميع: الحرب واقعة، يا شاويش الشاويش أبو الجماجم: (دون أن يزول رعبه) من قال هذا، أيتها الساحرة؟ أم الجميع: ضابطك؟ الشاويش أبو الجماجم: ضابطي؟ أم الجميع: نعم، ضابطك. الشاويش أبو الجماجم: أنت تكذبين، أتريدينني أن أصدقك كذبة كبيرة كهذه؟ أم الجميع: إذن لماذا تطلبوننا للتطوع؟ الشاويش أبو الجماجم: (مقهقهًا) أيتها البلهاء! ليس لأن هناك حربًا، ولكن لنكذب عليكم. أم الجميع: كاذب! الشاويش أبو الجماجم: لكي تتركونا في حالنا، ونترككم... أقصد ألا نترككم في حالكم. أم الجميع: كاذب! الشاويش أبو الجماجم: لم أكن مرة واحدة في حياتي أكثر منى صدقًا كالآن. أم الجميع: وما يقوله الضابط؟ الشاويش أبو الجماجم: الضابط يكذب عليكم، وأنتم تكذبون على الضابط. أم الجميع: ماذا تقصد؟ الشاويش أبو الجماجم: لا أحد منكم يصدق أن هناك حربًا، لهذا تأتون بالعشرات. أيها الدجالون! كي تسمنوا على حسابنا. قوليها. أم الجميع: (محتجة) ولكن أقسم بشيب رأسي... ماذا تريد أكثر؟ صحيح الذي قال ((من يجهلك لا يعرفك))... أنا أم الجميع، صنيعة بنت المقدادي، أقسم بالأرض التي راحت في ليلة مقمرة أنني ما جئت وأولادي هنا إلا لأننا نصدقكم! لا تقنعني بأننا كاذبون! ما أتينا إلا لاعتقادنا بأنكم ستحررون الوطن! الشاويش أبو الجماجم: (مقهقهًا من جديد) الوطن؟ أم الجميع: (ذاهلة) نعم، الوطن! الشاويش أبو الجماجم: الوطن هو حيث أقف الآن أما الباقي فخيال! أم الجميع: إذا كان الأمر كذلك فسأغضب، وسيغضب معي الطير والشجر والنمل! الشاويش أبو الجماجم: هو يوم الحشر إذن، يا امرأة! أم الجميع: نعم، يوم الحشر... نهايتك! الشاويش أبو الجماجم: (راجيًا) لا، أيتها الأم، كل شيء إلا غضبك وغضب النمل. كنت أمزح منذ قليل، لا تأخذي كلامي جديًّا. إذا كان جدك وجدي جِنِّيَّيْن، فأنا وأنت طفلان للملائكة. أم الجميع: لا يبدو عليك أنك كنت تمزح، كنت تقول الصدق، لا حرب هناك ولا وطن، مما يثير الغضب. سأصرخ في كل قرية، في كل حي، قائلة للجميع إن الشاويش أبو الجماجم لم يكن يمزح منذ قليل، وسأثير السخط حتى يصل نجمتك، فيدمرها. الشاويش أبو الجماجم: (متوسلاً) لا، أيتها الأم، كل شيء إلا نجمتي. سنحارب، تمامًا كما قال الضابط، وسننتصر. هل أنت راضية الآن؟ سنعيد لك الوطن، ونرميه في حضنك. هذا الوطن المدمر! أم الجميع: أيها الغبي! الوطن لا يرمى في الأحضان وإنما نحن هم الذين في حضنه يرتمون. إنه المكان الدافئ الذي يسعنا جميعًا. هو جناحا فرخ صقر يكبران! الشاويش أبو الجماجم: كما تشائين. هل أنت راضية الآن؟ إذن انزعى من رأسك أية فكرة عن الغضب. ثم، إذا كان هناك غضب، فلن يكون ضدي أنا، حارسك ومحررك، ولكن ضد العدو سارق الوطن. يجب أن تصبى جام غضبك عليه وحده، عدوي وعدوك، عدونا أنا وأنت، والأقوى منا أنا وأنت. هو من يستأهل الغضب عليه، أما أنا، فلا أطلب مكافأة منك غير الود! (الدم يتدفق من أظافره، هكذا فجأة، فيصرخ باكيًا مرددًا) اللعنة على غيري! اللعنة على غيري! أم الجميع: الود خذه بشرط أن تحارب (ثم ترأف به) لا تبك... تذكرني بطفلي الذي مات! الشاويش أبو الجماجم: سأحارب، هل أحلف لك بالقرآن؟ بالتوراة؟ بالإنجيل؟ سأحارب كما كان يحارب فينيقي مغامر، وسيكون بإمكاني أن أواجه أقوى العتاة والجبارين إذا وقفت أنت معي. هل أنت معي الآن؟ كوني معي، فقد مات لي طفل أنا الآخر! أم الجميع: أنا معك الآن. الشاويش أبو الجماجم: (مطلقًا نفسًا مرتاحًا قائلاً لنفسه) كم هي متعبة، لكنها لا تخلو من غباء! (ثم متذكرًا) لماذا تريدينني إذن أن أرفض انخراط أبنائك؟ أيتها اللعين! أم الجميع: (تتعلق بذراعه) أبنائي هم مهجة قلبي! أحب الوطن، ولكنني أحبهم أكثر! أفهمت الآن قلب روما؟ الشاويش أبو الجماجم: (محادثًا نفسه) بل لا أفهم إلا قلب طروادة! (ثم للأم) عرفت، لا تريدين لهم الموت. هذا شعور نبيل لامرأة نبيلة، ولكن ليس فيه شيء من الوطنية. أم الجميع: (محتجة) أنا أعبد الوطن، أحلم به في الليل وفي النهار كأنه رجلي... الوطن هو العناق الأخير! الشاويش أبو الجماجم: (مطبطبًا على ظهرها يريد أن يصرفها بأية طريقة) طيب، طيب، والجندية، على أي حال، مهنة ليست سهلة. عودي إلى مهنتك، أيتها المرأة، حيث الشمس قرنفلة والهواء إكسير والزيتون ياقوت أخضر... أم الجميع: (مضيفة)... وجحافل النمل سود والحاج عرقوب قذر بوجهه وطلباته التي لا تنتهي! الشاويش أبو الجماجم: الحاج ذاك له الدنيا ولكم الآخرة، له الأرض ولكم الجنة. اسمعي، لم أرَ في حياتي امرأة عاقلة مثلك، امرأة لا تبعث بأولادها إلى الموت لقاء لا شيء، ففي الهزيمة أو النصر لا نستطيع أمام الموت شيئًا. نعم، أنا الحرب، والحرب هي جحيم الآخرين! أم الجميع: (مترددة) علمونا أن الدم يرخص في سبيل وردة! الشاويش أبو الجماجم: ها أنت تعودين إلى غبائك من جديد! ذاك هو دم الآخرين! استعملي عقلك، أيوجد شيء ما بعد الموت؟ لا شيء. هو حرية النهاية، هذا صحيح، لكنه العدم، وخاصة إذا لم يكن لأبنائك أبناء. أم الجميع: من قال لك ليس لأبنائي أبناء؟ إنَّ لي... لا أذكر العدد، الأحفاد الذين تركتهم من ورائي ربما كان عددهم عشرين، ثلاثين، واحدًا وأربعين... الشاويش أبو الجماجم: لنفترض ألا أبناء لأبنائك. أم الجميع: كيف نفترض الصحيح خطأ وهو صحيح؟ الشاويش أبو الجماجم: ومع هذا لنفترض. أم الجميع: (مخاطبة نفسها) سأصبر عليه حتى أرى إلى أين ستصل بي طريقه (ثم للشاويش) ما هو قصدك إذن؟ أيموت الشجر؟ الشاويش أبو الجماجم: قصدي إذن أنك أحسنت فعلاً بإنقاذ أبنائك من موت محقق، وكما قلت لك، أنا الحرب، أنا المجزرة، عدا عن ذلك الطريق إليّ ليس سهلاً، الطريق إليّ طويل وشديد، إنه طريق الأبطال! طريق المنتصرين! الطريق إلى النجوم! والآن دعيني أذهب، تعبت كثيرًا اليوم (يتثاءب، ينظر إلى الليل طويلاً غائبًا مهمهمًا) آه منك، يا جندية! (ثم هامسًا مرددًا) الجندية... الجندية... الجندية تعنى الشجاعة!
(يبرز الابن الأكبر، درويش نفس المرتينة، كفارس خارج من بطن الزمن) درويش نفس المرتينة: (بحماس) ها أنت تقع عليها إذن. أنا شجاعة بلبل حطوه في قفص من ذهب، فتوقف عن الغناء! أم الجميع: (بغضب) اذهب من هنا، أيها الولد الطائش، واترك الشاويش يذهب لينام! درويش نفس المرتينة: (مبتهلاً) اجعلني في خدمتك أخلص لك حتى آخر أغنية! الشاويش أبو الجماجم: الجندية تعنى القوة! درويش نفس المرتينة: (فاتلاً عضلات زنده) أنا قوة سفينة رست بعد طول سفر، وتركت لحضن غيرها الأمواج! الشاويش أبو الجماجم: إذن مرفوض!
(الأم لا تخفي ارتياحها)
درويش نفس المرتينة: ولكن... ألا تري معي غابة السيوف؟ الشاويش أبو الجماجم: الجندية تعنى الإخلاص! درويش نفس المرتينة: أنا إخلاص قبرة لحبة قمح لم تطربها الرياح! الشاويش أبو الجماجم: مرة أخرى مرفوض! درويش نفس المرتينة: هذا دمى لأجل أختي صفاء! الشاويش أبو الجماجم: مائة مرة مرفوض! (ثم يركز على كلماته متوجهًا إلى الأم التي لا تخفي دومًا ارتياحها) هل هو غجري؟ غجري عربي أم غجري يهودي، المهم أن يكون غجريًّا؟ أم الجميع: قلت لك، منذ كنعان إلى اليوم، ونحن فلاحون، جدي فلاح، أبى فلاح، أمي فلاحة، وأولادي كلهم فلاحون مثلى. هذا ابني الأكبر، درويش نَفَس المرتينة، هل نسيته بمثل هذه السرعة؟ وهو فلاح كأبيه، وجده، وجد أبيه، وجد جد أبيه! الشاويش أبو الجماجم: فلاح فلسطيني أم فلاح عربي؟ أم الجميع: فلسطيني يا هذا! ولماذا تكثر الكلام؟ قلت مرفوض وكفى! الشاويش أبو الجماجم: ليس غجريًّا ولا عربيًّا! ألف مرة مرفوض!
(الأم لا تخفي دومًا ارتياحها)
درويش نفس المرتينة: (يرافق الشاويش إلى الكرسي ويجلسه عليه) اجلس، استرح! (ينصب الطاولة من أمامه) مد يدك، أرحها! (يفتح دفتر القيد) سجلني، وابعثني حالاً إلى القتال! سأقاتل من شئت، ما شئت! سأقاتل تنين اليهود، سألبس جسد جالوت، إن شئت، وألحق بداوود هزيمته المضيعة! أم الجميع: (لابنها الأكبر دون أن تخفي مكرًا) سأخبره بأمر عنك، وسيقبلك في الحال. الشاويش أبو الجماجم: (هازئًا) سر آخر؟ سحر آخر؟ درويش نفس المرتينة: (كمن يحاكي شخصًا خفيًّا) أتخون القمح اليدان اللتان حولته إلى خبز؟ أم الجميع: (لنفسها) قلبه من نارين، نار قلبه، ونار قلبي! (ثم للشاويش) يبدو أن الجميع يعرف ما عداك، وهذا أمر غريب! (يغمض الشاويش عينه هالكًا من النعاس) هل أقوله لك؟ درويش نفس المرتينة: (كمن يحاكي شخصًا خفيًّا) أتخون البحر المراكب التي يرفعها في الريح؟ الشاويش أبو الجماجم: قوليه، وليكن آخر أسرارك. أم الجميع: بل أول الأسرار (يأخذها التردد، فتتردد)... وآخرها.
(الشاويش ينام نومًا عميقًا) أم الجميع: (يفصح لسانها عن القول، فتقول) ولدي هذا، الكل لا يعرف ما أعرف عنه، ويعرف الزيتون... (يصيب صوتها التهدج، فتتهدج) نعم، كان ولدي منهم، من الثوار، كان ثائرًا ثوريًّا! الشاويش أبو الجماجم: (قافزًا) آهٍ منه! كيف يمكن لكلمة أن تبقى، كل الوقت، ضائعة في بحر الكلام؟ أم الجميع: (بتعاسة) يبدو عليك السرور. الشاويش أبو الجماجم: وأنت لا تعرفين أن سروري هو غضبي. (يأخذ الشاويش ابنها الأكبر من ذراعه، ويسير به سائلاً باهتمام) الشاويش أبو الجماجم: أنت، إذن، منهم؟
(الأم متفاجئة باهتمام الشاويش المفاجئ)
درويش نفس المرتينة: كما قالت أمي (ثم للشخص الخفي) أتخون القلب الرصاصات التي يحمها من صدأ النحاس؟ الشاويش أبو الجماجم: أيهم؟ درويش نفس المرتينة: وهل هناك غيرهم؟ الشاويش أبو الجماجم: (مهتاجًا) أيهم؟ أيهم؟ درويش نفس المرتينة: هم الذين لا أحد قبلهم ولا أحد بعدهم! الشاويش أبو الجماجم: (يطلق نفسًا مرتاحًا) قبلهم كان ثوار طولكرم وجنين (ثم مدعيًا) ثوارنا الأمجاد! درويش نفس المرتينة: قاتلت كأسد، كنت أقطع البراري مقاتلاً في كل مكان، وكنت أنتصر أينما ذهبت، لكن أحدهم خانني ذات مرة، فأوقعني في الشباك، وبأعجوبة استطعت الإفلات! سأعجبك! الشاويش أبو الجماجم: ستعجبني! سأسجلك في الحال، في الليل، وقد ذهب عني النوم. درويش نفس المرتينة: (فرحًا) ظننت أنك لن تأخذني، فأخذني الشك، ودمرني السؤال. آه... أخيرًا يا لحظي! يا لحظ الخروج إلى الجواب الوحيد! فإلى متى نبقى كما نبقى، نقاوم الضجر بالضجر، والنعاس بالنعاس، وكبت الجسد بأصابع جوبيتر؟ أم الجميع: (مغتمة) اعتقدت أنه لن يأخذه، لا أولاً ولا آخرًا، آه... يا لتعاستي! يقولون كمن يرمي مهجة له في الشوك، وأنا أرميها في الدمار! هل يحب الوطن أكثر منى؟ لماذا هو وليس أحد آخر غيره؟ وأنا، لماذا هي هذه الأم؟ اللعنة عليها وعلى النجمة القاتلة! الشاويش أبو الجماجم: (مسجلاً الابن الأكبر) ولماذا لا تأتون كلكم؟
(تجرى الأم لتمنع أبناءها) الشاويش أبو الجماجم: (صائحًا بها) ليس أبناؤك، يا امرأة! أم الجميع: (تعود مذكرة الشاويش) وهذا أيضًا واحد من أبنائي، يا شاويش، هل نسيت ما اتفقنا عليه وما دفعنا من عرقنا فضة ولعنة؟ الشاويش أبو الجماجم: (للابن الأكبر متجاهلها) أنت وكل جماعتك لماذا لا تأتون؟ أين أنتم؟ ألا تصل مسامعكم آهات الناس الآتية من عمق الليل الطويل؟ درويش نفس المرتينة: هناك الذي مات وهو يقاتل، وهناك الذي ذهب بعد أن انتهى القتال. كنت أقاتل إلى جانب أبي في الجليل... أم الجميع: (تستعيد الذكرى) أذكر كيف أخذ أبوه فأسًا، وذهب، سنة الإضراب الكبير، وكيف باع القمح، محصولاً كاملاً، واشترى بندقية سنة الحرب الكبيرة. كانت بندقيته جديدة تلمع، حملها، وذهب، ولم يعد هذه المرة... كل ليلة، أراه في المنام، يسير على جسر (تعصر دمعة بطرف ثوبها). الشاويش أبو الجماجم: هناك الذي مات، إذن، وهناك الذي ذهب، فأين... (وبعد لحظة مفكرة) ذهب الذي ذهب؟ في الليل آهات بعيدة، هل تسمع؟ درويش نفس المرتينة: في الليل آهات بعيدة، آهات الناس، أو آهات الريح، وربما آهات قطة تلد على رصيف... (وبعد قليل) لقد تفرق الجميع! الشاويش أبو الجماجم: (بقلق) ألا تدري أين؟ درويش نفس المرتينة: أدري أنهم تفرقوا، وهذه الدنيا كبيرة! الشاويش أبو الجماجم: (دون أن يزول قلقه) هذه الدنيا ليست أكبر من أصغر نجمة... (ثم فجأة) والسلاح؟ أين دفنه ثوارك؟ (يتصنع ضحكة) إذا وقع عليه بعض الأولاد تقاتلوا، وصارت هناك حكايات. درويش نفس المرتينة: لا أعرف، بل... أعرف، ونسيت. أنسى بسرعة، لكني أذكر أني لم آكل خبزًا أبيض منذ أن احترق القمر في الطور الأول. أم الجميع: (وقد توجه إليها الشاويش) وأنا أيضًا أعرف، ونسيت (ثم لنفسها) إذا كانت ذاكرة ولدي ضعيفة. الشاويش أبو الجماجم: (صائحًا بالجندي في اللحظة التي أنهى فيها التسجيل) يا جندي! (لا يأتي الجندي فينهض مستعجلاً إياه بعصبية) أين ذهب دودة الأرض ذاك؟... يا جندي... (إلى أن يأتي الجندي راكضًا). الجندي: هل انتهت الصفقة، يا سيدي؟ درويش نفس المرتينة: أثبت الشاويش أنه متفهم ذو قلب طيب! الجندي: طيب جدًّا! الشاويش أبو الجماجم: (للجندي) هل كنت نائمًا؟ الجندي: كنت نائمًا. الشاويش أبو الجماجم: وأنت جالس؟ الجندي: وأنا واقف. الشاويش أبو الجماجم: أحسنت... هذا إذا ما كنت صادقًا! الجندي: (ناصبًا سلاحه في صدر أم الجميع فجأة) هل أطلق النار؟ الشاويش أبو الجماجم: توقف، أيها الأبله! سجلنا ابنها الأكبر، لهذا دعوتك، فخذه.
(يقترب منه ويوشوشه في أذنه محاولاً ألا يسمعه أحد)
الجندي: (صائحًا بعد أن فاجأه الخبر) إلى السجن حالاً!
(يسارع الشاويش أبو الجماجم إلى إقفال فمه ويبدي ابتسامة متصنعة للأم وابنها)
الشاويش أبو الجماجم: (للجندي معنفًا) أيها الغبي! أنت لا تتعلم ما في مصلحتك أبدًا! نفذ الأوامر ولا تقل كيف ولماذا! الجندي: حاضر، يا سيدي!
(يأمر الجندي الابن الأكبر بالتقدم معه إلى الخارج، فتقبض الأم على ذراع ولدها تريد أن تمنعه من الذهاب، ولكن الشاويش يوجه إلى ظهرها ضربة بقدمه، فتسقط على الأرض مرددة في الوقت الذي يغادر فيه الجندي والابن الأكبر والشاويش الخشبة)
أم الجميع: أخذوا لي ابني الأكبر! أخذوا ولدي! أخذوا ملك النمل!
اللوحة الثانية (تسير أم الجميع صوب قصر الحاج عرقوب، ومن الجانبين جبلا جرزيم وعيبال العظيمان. تظهر ابنتها ميمونة جالسة على عتبة القصر، وفي حضنها طفلها)
أم الجميع: ابنتي هذه لا حظ لها! أنا في حياتي عشت يومًا أبيض، أما هي، فأيامها كلها سوداء! لهذا تجدها تعشق اللون الأحمر أو الأزرق أو الليلك أو الأصفر أو الأخضر أو البني أو الكستنائي أو القهوى أو العلقم وأبدًا الأبيض، لأنه اللون الآخر للسواد! تسقط في الليل، أو، يتساقط الليل عنها، ولا تقول لي كلمة واحدة. تتخيلني أحيانًا عقربًا أو عقابًا، ولا تخشاني. أطاردها وهى ذاهبة، أطردها وهى آيبة. أخاف من الليل، فتسخر منى، وتخاف من الشمس التي تنكرني. بيني وبين الشمس عداوة قديمة بعد أن ذهبت بالأيام التي ذهبت بالعمر قبل موعده. إنها تواطؤ الأقوياء عليّ، ابتساماتهم العريضة، قباتهم المنشاة، أحذيتهم الإيطالية، بدلاتهم الإنجليزية، عطور نسائهن الفرنسية العالقة في الهواء الذي يقطعونه، ويقطعونني معه من صميمي، تأوهاتهم في الفراش، أحلامهم، أطماعهم، خططهم، أفكارهم عن خيانتهم لي، أو إخلاصي لغيرهم. غير أولادي ليس لي، لم يعد لي غير أولادي، لكنهم كلهم لا يريدونني، يبحثون عن شيء آخر، يأس آخر، موت آخر... متى سيتوقفون عن البحث في أرض الغير؟ في الليل، في الشمس، وفي الدمار، يعبرون إلى غيري. لن أمنعهم، بالطبع، لن أستطيع منعهم، هل استطعت منع ابني الأكبر عن الذهاب مع الشاويش؟ لن أستطيع منعهم إلا إذا قتلتهم. أستطيع رؤية دمهم نهرًا يتفجر بين أصابع القتلة، فأبحر على مركب الحزن، وأكتفي بالنظر صوب الأشرعة؟ والريح... هل يمكنها أخذي، وقتذاك، إلى جزيرة نائية أدفن فيها جسدي وروحي؟ ها هو قاتل أبنائك يسدد الطعنة إلى قلبك إذن، فتنفقين دون أن تهرقي قطرة دم واحدة. لكني لن أنتظر قدري يأتيني مترجلاً متمهلاً مضاعفًا عندي العذاب، سأذهب إليه، وأجيء به، لعلي أنقذ بدمي دم أبنائي! ميمونة: (لأمها) لن تنقذي بدمك أحد غير دمك! أم الجميع: (لابنتها) في وجودي القادم أنا الحمل الذي سيأتي! (ثم تضرب بقدمها باب أبي عرقوب) أعرف أن الحاج يوصد بابه بالسلاسل والحديد لأنه يخشى عجزنا القوي، هذا أمر لا يجهله الفقراء، ومع ذلك يقضون الليل في البرد، وأنت قضيته في البرد على العتبة، أنت وولدك. ليل أواخر الخريف بارد لا يخدعك نهاره! لماذا لم تنامي في زريبة الدواب؟ الزريبة باردة أيضًا، ولكنها أقل بردًا من ليلة خريفية سماؤها مغلقة على العالم.. ميمونة: لم يعد لي حق حتى في الزريبة. أم الجميع: لا تقولي لي إن الحاج عرقوب قد عملها. ميمونة: لقد عملها. أم الجميع: عملها وأخذ عملنا؟ ميمونة: أخذ عملنا وأعطاه لغيرنا. أم الجميع: كنت أعرف أنه سيعملها هذا الحاج. لو لم يذهب للحج لكان أفضل. حاجنا هذا حاج... راح قدوم عاد منشار! وهل قال لك لماذا لا يريدنا؟ ميمونة: قال عنا مشاغبين. أم الجميع لأننا نريد التطوع يقول عنا مشاغبين؟ ميمونة: قال عنا كسالى. أم الجميع: لأننا نعمل كالبغال في النهار والليل، يقول عنا كسالى؟ لأننا نعمل 24 ساعة متواصلة في بعض الأحيان. ميمونة: هذا ما قاله الحاج عرقوب. أم الجميع: كله مقبحة وحامل مسبحة! وكما هي عادتك لم تجيبيه كما يجب، انتظرت حتى أجيء كي أحصل لك على حقك. أنت أم الآن، وإذا كنت تخشين المطالبة بحقك لك، فلتطلبيه لابنك، وإلا مات من الجوع. موت الصغار أمر مروع! الكبار إذا ماتوا فلأنهم أخطأوا، أما الصغار فموتهم هو ذنبنا! ميمونة: ليمت إذن، سيرتاح في قبره، وأنا لن يرتاح ضميري. أم الجميع: أنت أول أم تطلب الموت لولدها. ميمونة: الحياة لا أستطيع بعد احتمالها. أمام الحياة أصبح صغيرة، أصغر من نملة، فأحس بوهني أمام صغيري. أم الجميع: أفهم العجز أمام الحياة، ولا أفهم العجز أمام الشباب. شبابك لا ينتصر على الحاج عرقوب. من هنا يأتي عجزك. يطردك من العمل، ويدعك تنامين مع رضيعك علي العتبة طوال الليل المسمر برده في الأرض. ميمونة: كيف تريدين لشبابي أن ينتصر على عجوز جبار؟ (تترك ولدها ينام على حجر، وتنهض) أنت بشيخوختك لم تقدري عليه، لأقدر عليه أنا! أم تريدينني أن أصنع لقطاء منه ومن غيره؟ يكفيني هذا اللقيط (تشير إلى صغيرها) أتصدقين أن زوجي أبوه (تقهقه بقهر) أيتها العجوز الخرفة! أين الحكمة في نظرتك إلى الأشياء؟ أين نظرتك الثاقبة إليها؟ تدعي شيخوختك الحكمة والمعرفة وأنت لا تعرفين عن عمر غيرك شيئًا. نعم لقيط، من أب لقيط! أم الجميع: (بصوت مستنكر) لقيط! ميمونة: لينهشك العار، ليذلك، وليسمح شيبك بالسواد، ليمحق ظلك، ولتصعد من خطواتك شجرات جبارة طافحة بالثمر تأكله كل امرأة فلسطينية، فتصير عاقرًا (تقهقه بجنون). أم الجميع: أغفر لك، يا ابنتي؟ أغفر خطاياك!
(تنفجر باكية، ثم تهجم في اتجاه أمها، وهذه تتراجع بخشية)
ميمونة: لا أريد مغفرتك، لا أريد مغفرة من أحد، يكفيني حدب الليل عليّ، وقرص البرد للحمي، تكفيني ذكرى وداع، وقبلة أخيرة، يكفيني حلمي الهارب، والشعور بارتكاب الجرم، تكفيني عزلة التماثيل في بطن العصور، وأنا بينها تمثال ذهبي... هل تعتقدين بسذاجتي إلى هذه الدرجة، يا امرأة أضاعت كل شيء حتى الحجر الذي سنقيمه عليها قبرًا؟ ذاك زوجي قد أذهبتُهُ إلى الشيطان، أغويتُهً كشيطان، لأنال حريتي، وقد نجحت... انظري إلى ولدي، ثمرة حريتي، أجمل ولد في العالم! آه! (تند عنها تأوهة حزن، فترفعه بين يديها بحنان فائق، وتقف متسمرة في مكانها على صوت آت من خلف باب قصر الحاج). الخادمة: من هناك؟ لمن هذا النواح والنباح؟ أم الجميع: لا لأحد، هذه فقط ابنتي. الخادمة: ابنتك؟ من أنت؟ ومن هي؟ (تطل من إحدى النوافذ). أم الجميع: (بذل) هي ابنتي، وأنا لا أدري من أنا، لأول مرة يحصل ذلك في حياتي. أنا امرأة أخرى اسمها أم الجميع (تتحول إلي سعلاء على رأسها تاج ضخم، وفي يدها صولجان يشتعل منه الضوء، وكل شيء من حولها يبرق، وكأنها كوكبة من النجوم تمخر في العتمة الدامسة. تصرخ الخادمة دهشة، وتلقي ميمونة بنفسها علي قدميها، وتقبلهما... ثم تعود إلى حالها، إلى ما كانت عليه، فتقذفها أمها بقدمها، وتعنف الخادمة) قولي للحاج أم الجميع تريده. الخادمة: الحاج نائم. أم الجميع: قولي له فقط أم الجميع تريده، وهو سينزل من الحلم. الخادمة: سيدق عنقي، أنا أعرف، فليست هذه ساعة نهوضه من الفراش. أم الجميع: لا تهزي لي بدني أيتها الجبانة، اذهبي فقط، وقولي له أم الجميع على الباب! (تختفي الخادمة بعد تردد. ثم لميمونة التي تعود إلي جلستها الأولى على العتبة) لم كل هذا الرعب والباشا هو الحاج؟ قالوا عن الباشا باشا أتاري الباشا زلمة! رِجلان له ويدان وأنف، ويذهب إلى بيت الماء ككل الناس، وإذا انصعق في يوم كان لنا فيه حظ رميناه في التراب!
(يطل الحاج عرقوب من النافذة بوجهه الممتلئ المدهون اللامع كقمر وسيماؤه تتوتر من شدة الغضب، على رأسه طربوش أحمر فاقع، يرتدي عباءة)
أم الجميع: (للحاج) هذه أنا. أم الجميع. عدت الآن من الشرق، من نقطة التكوين، نقطة بعيدة قريبة من نهر المسيح، لكني لم أرَ النهر، كان ظل الشاويش أبي الجماجم الدامس صاحبك يمنعه عني، وبقدميه العملاقتين الهدلاوين يخنق له الأنفاس، فأنا لم أسمع تنفسه، ولا همسه! (تصغي) من هنا أسمعه، وقرب الشاويش لا أسمعه! هذا اللعين! أخذ مني ابني الأكبر. الحاج عرقوب: يستأهل وضعه في الحبس! أم الجميع: الحبس للرجال! ولم يأخذ ابني الأوسط. الحاج عرقوب: خسارة، عنده مواهب! أم الجميع: هذا من لطفك! ورفض ابني الأصغر. الحاج عرقوب: مشاغب ابن مشاغب! أم الجميع: (محتجة) امسك لسانك!
ينزل الحاج عرقوب عن عتبة بابه بعد أن يقذف ميمونة بقدمه وطفلها بمسبحته)
أم الجميع: اترك ابني الأصغر في حاله، لم يؤذك مرة واحدة في حياته. الحاج عرقوب: لا يستطيع، وإذا حاول سحقته! أم الجميع: يا ساتر، يا الله، مال روحك بقدر السمسمة اليوم! طوال عمرنا ونحن مثل بغال الطاحون في خدمتك! الأرض خضراء من أيدينا، والمستودع ملآن من أيدينا، وذهبك منتزع من أيدينا، لماذا إذن تكرهنا وما فعلنا لك غير الخير؟ الحاج عرقوب: (مهتزًّا) توقظونني من مطلع الفجر قبل أن أشبع نومًا (يعد لنفسه) لم أنم سوى أربع، ست، عشر ساعات فقط لا غير لأسمع مثل هذا الكلام. الأرض خضراء من يدي، والمستودع ملآن من يدي، والذهب منتزع من يدي، أكرهكم لأنكم تنكرون عليّ حقي، أنا عملاق الحقول، وملك الطير، وابن القمح المحصود في فصل الشتاء! هل سمعت بأحد يحصد قمحه في الزمهرير؟ أم الجميع: لا، لم أسمع... بدلت قوانين الزرع، وغيرت الفصول، ولكن الأرض بقيت الأرض، وهذا ليس من جبروتك، إنه جبروتها، وجبروت عجزنا القوي، لولانا لما وصلت إلى شيء! الحاج عرقوب: (يقهقه) هذا كلام الجهل المطبق! القوة في عجزكم هي أنا، عقلي المدبر ومالي القوي والإرادة التي تنطق من عروق النبات (يقتلع كمشة من الزرع في قبضته) هذا هو ذهب الخريف الأخضر، وفي الصيف القادم لن يزهر الورق لأني بنيت سورًا عملاقًا يوجه هبوب الريح... هكذا أستطيع أن أزرع القمح في أي فصل أشاء. أم الجميع: (مرتاعة)! ستدمرنا! ستدمر الحياة! يا أيها الهلاك! أين أولادي؟ أين النمل؟ (والحاج عرقوب يقهقه بعظمة وسخرية) إذا كنت قويًّا إلى هذه الدرجة، فستصعقك السماء لأنها أقوى منك (ترفع رأسها إلى أعلى، فستسارع نجوم الصباح بالانسحاب على أحصنة الغيم، ويبدو الشفق داميًا، فتندم) هو أقوى الناس على الأرض، ولكن ما الفائدة؟ سيأتي يوم يأكله الدود! الحاج عرقوب: السر كله في دود الأرض (يأخذ في قبضته كمية من الدود الملون) دونه لا تخصب الأرض، ومع اتجاه رؤوسه نعرف مجرى الرياح. دونه لا تتلون الفصول، وبه نقلب ألوانها. أسرار الأرض في تقلبات ألوانه، اللون الذهبي يعني قدوم الصيف، واللون البنى يعني قدوم الخريف، واللون البني المحترق يعني قدوم الشتاء، واللون البني الأحمر الحشيشي الموشج بالأسود يعني قدوم الربيع، وتحكم كل هذا قوانين الريح، فإذا ما قبضت على الريح بيدي، قبضت على الفصول، وتحكمت بها وبالزرع وبالعباد (يقهقه مغتبطًا) العالم ملكي، والبشر خدامي، لهذا لا أريدكم، فعلتم لى كل الخير، وأنا لا أريدكم، هل فهمت؟ قطعت كل صلة بيني وبينكم، وأنهيت كل شيء. أم الجميع: ولكنك لم تستهلكنا بعد حتى الرمق الأخير، ويمكننا أن نفعل شيئًا ضدك، أن نرفع من أجسادنا سورًا آخر مواجهًا لسورك. الحاج عرقوب: سيسحقكم الشاويش. أم الجميع: أبنائي سيمنعونه. الحاج عرقوب: سينقلب عليك أبناؤك في لحظة غير متوقعة، فهم كالفصول، كل واحد مرتبط بدودة لها لون. أم الجميع (بغضب) سأسحقهم، إذن، ولن أحقق مرادك. الحاج عرقوب: هذه هي مسألتك. أم الجميع: وأنا سأبقى مسألتك. الحاج عرقوب: أنت في خطر أيتها المرأة. ساذجة كدودة عمياء بلا لون. ابنك الأكبر قد ذهب بشربة ماء، وابنك الأوسط سيخونك، أما ابنك الأصغر، فستقتلينه بيدك لخوفك من أن يصبح قدره قدرًا لك. هذه نبوءة الريح المحاصرة، وأنا سأشهد على الجريمة، ثم سيحملك الفقراء إلى محرقة بحراسة الجنود، ويلقى بك في جهنم الأرض قبل أن تصعد روحك إلى جهنم السماء، ولن يحفظك حبك لأبنائك ولا حقدك عليّ. أم الجميع: (تقهقه مغتاظة) آه، أيها الثرثار! تقول لى هذا وأنا من علمها السحر جدي! (تلقي نظرها على الغيوم الحمراء الدامية المتداخلة في طبقات السماء) في جولاتي القادمة بين الغيوم سأكشف عن سر لا تعرفه، لن تعرفه، سأكشف عن دورة الفصول... أنت تحكمت فيها لا في دورتها. سأبدل الدورة، لتصطدم بعضها ببعض، وتكون كارثتك. الحاج عرقوب: ستكون حينئذ كارثتك أيضًا، فهل يمكنك السعي إلى حتفك؟ لا أحد يسعى إلى حتفه إلا إذا أصبح مجنونًا، وأنت صاحبة الحكمة القديمة لا تقدرين على الجنون، ابنتك هذه يمكنها ذلك، ولكنها دون حكمتك. أم الجميع: (بغضب وعزم) الكارثة هي الحكمة في عالم يحكمه الدود، ولن يقف الأمر عند تغيير دورة الفصول، بل سأغير مكان المواقع، سأنفخ عيبال في بطن جرزيم، وأقيم جرزيم على أقدام الكرمل. سأفجر نبع المسيح من البحر الميت، وأتركه يحفر مصبًّا في جبل الشيخ، ومن ضفتيه سأربح لعبة البيدق. سأضع كلاً منهما في مكان الآخر، فآتيك بصحراء مؤاب، وأقيم على أعتابك بتراء أخرى للعناكب العملاقة والديناصورات. هكذا أقتحم عالمك المستحيل بعالم مستحيل، وأنتصر عليك. الحاج عرقوب: (بهزء) لن يكون لك الانتصار أبدًا، لسبب بسيط، وهو أن دودة الصحراء معروفة بجموحها، وللعارف بها، يعني أنا، قدرة على تحويلها إلى أحصنة تحرث الرمل، وأنتم بين أقدامها عبيد، ومن بين أقدامكم سينبثق أدونيسي المنتظر هارعًا إلى لقائي (يقهقه). أم الجميع: كم هي حمراء عينك، يا حاج! الحاج عرقوب: حمراء أم خضراء، لن تكون إلا نهايتك! والآن اذهبا عني أنت وابنتك، لأني كرهت وجوهكم، وجهك ووجه ابنتك هذه، على الخصوص، ووجه ابنها الذي لا يغادر ذراعيها. كأنه أول وآخر ولد في العالم... كأنه أجمل وأروع ولد في العالم! (ثم لنفسه) آه، يا لقباحة وجهه! (ولأم الجميع) لا أريدها، ولا أريدك... جئت بآخرين بدلها، وبدلك. أم الجميع: عرفت، هم أرخص منا. الحاج عرقوب: ليس هذا من شأنك. هم أرخص وأقوى، ويعملون ضعفكم. أم الجميع: لا أحد أقوى من ضعفنا. الحاج عرقوب: أنا صاحب القرار! أنا حر أعمل ما أشاء، وأختار من أشاء! أم الجميع: ونحن؟ ألم نكن نعمل كالبغال ليل نهار؟ ألم نبنِ لك سور اللعنة؟ الحاج عرقوب: لم أجد بغالاً أكسل منكم! أم الجميع: قصدك تقول من يعمل حاله بغل الكل يركبه؟ مسكينة كل البغال بعد أن فقد البشر معاني التعب وعواقب اليأس! الحاج عرقوب: لم أجد بغالاً أكسل منكم، لا تعرفون غير الأكل والشرب والنوم، تأكلون عندي، وتشربون عندي، وتنامون عندي، ثم أدفع لكم أجورًا، وكل هذه البركات لا تحصل إلا عند الحاج عرقوب! انتهت حياة الرغد والرخاء، ولم يعد الكسل يطعم العسل. أم الجميع: الكد لا يطعم إلا قاذوراتك، هكذا عليك أن تقول، الخبز العفن، وحساء النعول، وفضلات دوابك! هل هذا ما تسميه رغدًا ورخاءً؟ الحاج عرقوب: (محتجًّا) الله أكبر! الله أكبر على ناكرة الجميل! أم الجميع: نشرب عندك ماء الحياة أم الماء العكر؟ الحاج عرقوب: الله أكبر، هذا هو فضلي عليكم، لأني أطعمتكم وآويتكم! أم الجميع: آويتنا في زرائب الدواب، بلا نار في الشتاء وبلا غطاء. تركتنا للبرد والمرض والجوع دون أن يشبع نهمك عملنا المتواصل. تريدنا أن نعمل ونعمل ونعمل، وألا نتوقف لحظة واحدة عن العمل. يا لك من متجبر، فلو كنا آلات لتعطلت! الحاج عرقوب: (متفاجئًا) متجبر؟ تأكلون من خيراتي، وتنامون في كنفي، وتقولين عني متجبرًا، أنا الذي أعاملكم وأدفع لكم أحسن من غيري! أنا الذي تركتكم تعيشون في كنف الأرض كل فصول السنة! أم الجميع: تدفع لنا؟ من يسمعك يقول إنك تغمرنا ذهبًا، قروشك القليلة لا تخرج من يديك إلا بعد أن تحلبنا حلبًا، بعد أن تطحننا طحنًا، نعم، نِعْمَ قول القائلين: إنه الزمن اللعين! أنت لا تدفع لنا ما نستأهل أبدًا، وتحاول بشتى الطرق أن تسلبنا إياها قروشك القليلة القذرة تلك (تجمجم) هذه هي لعنة غيرك تطاردك، يا أم الجميع! الحاج عرقوب: قروشي القذرة! أنا قروشي قذرة! اضربيها ببرق صاعقتك إذن واغسليها! أم الجميع: اسمع، يا حاج عرقوب، لنسو الخلاف ما بينا الآن، أعد ابنتي، هي على الأقل، إلى عملها، وإلا مات ابنها جوعًا، قاذوراتك تؤجل الموت على أي حال (يهتز للكلمة، فتحاول تهدئته) ريثما نجد مخرجًا من خارج الخرافة! الحاج عرقوب: ماذا تعنين؟ أم الجميع: أعني أن نجد حلاً واقعيًّا لكل هذه المصائب التي هي مصائبنا (ثم بتأمل) أراني أعيد ما قاله ولدي الصغير حسن الشاطر ذات مرة (ترتعد) لماذا تراني خائفة؟ هل ستتحقق النبوءة؟ آه، يا للمصيبة! الحاج عرقوب: أينها مصائبكم؟ مصائب عندي؟ اذهبي إلى أرض البيك، وانظري أية مصائب تجري هناك! هناك توجد المصائب حيث الفصول كما هي عليه منذ أكثر من مليون سنة، أما هنا، فأنتم في رغد العيش الدائم! اذهبي والقي نظرة صغيرة واحدة فقط على جحيم الآخرين! أم الجميع: لا أريد أن ألقي نظرة صغيرة ولا كبيرة، أنا امرأة يائسة، الآن اقتلني لو شئت، ولكن خذ ابنتي... لأجل ولدها، وحين يكبر لن يفكر في الانتقام، أنت في خطر، وأنا في خطر، الموت يهددك، ويهددني! الحاج عرقوب: تقولي لي هذا وأنا الذي... أم الجميع: أعرف ما ستقول. هل اتفقنا؟ هل عادت ابنتي إلى علمها؟ الحاج عرقوب: (محتدًّا) لم تعد ابنتك إلى عملها حتى ولو وضعتِ يديك في السحاب! (الأم تلتقط بيدها سحابة وتمزقها) ولن تعودي أنت أيضًا. من صاحب الأمر والنهي هنا؟ من صاحب السلطة؟ أنا السلطة! أنا الأمر والنهي، وما عليك سوى الطاعة! (الأم تلتقط بيدها سحابة أخرى وتمزقها) ذهبتم لتصبحوا جنودًا، إذن، لماذا عدتم؟ تقولون عن أنفسكم ثوريين، وتنكرون علي فضلي، ثم تأتون لتقولوا لي قاذوراتك تؤجل الموت، اقبلنا ريثما نجد حلاً واقعيًّا! (يقهقه بسخرية) أنا الثورة! فحم الثورة! نار الثورة! وأنتم دماء الوعول! أم الجميع: هذا ما تقوله أنت، لكني أعرف شيئًا آخر تقوله امرأة لا تشيخ في اللد أو في الرملة. الحاج عرقوب: (محتدًّا) أية ترهات تعرفين، يا امرأة وأنا اللد، أنا الرملة، أنا عيبال، أنا جرزيم! أم الجميع: إذا كنت أنت اللد، فأنا أمي يهودية، وأبي إنجليزي لعين! الحاج عرقوب: نعم، أنت أمك يهودية، فليس غيرهم من يعرف السحر، لسحرهم بعت لهم أرضي هناك! أم الجميع: ولسحرهم يبيع الفلاحون لك أرضهم هنا (تواصل التهكم) تدور الحياة بين ساحر ومسحور، وأنت تارة الساحر، وتارة المسحور، تلعب كل اللعبات، بينما أنا ليست لي سوى لعبة واحدة. الحاج عرقوب: هذه هي حصتك من الحياة. أم الجميع: حصتي منها أم دورتي فيها؟ الحاج عرقوب: اسألي عن ذلك أولادك، هم عقابك، وهم عبيدي، وأنا سأبقى سيدًا للفصول! أم الجميع: إلى متى ستبقى تطاردني فكرة لك عني؟ إلى متى ستبقى أنت الصنم ونحن العبيد الأوائل؟ الحاج عرقوب: (قابضًا على الأم من خناقها) إلى أن أستنفد قواكم، أن أهلككم، أن أنثركم في العدم بذار شجر شرس، أن أذل جموحكم، ليس في هذا الكون سوى واحد من اثنين، إما أنا وإما أنتم!
(ترمي ميمونة طفلها جانبًا، وتسارع إلى إنقاذ أمها، ما أن تصلها يفلتها الحاج عرقوب، فتسقط بين ذراعيها) أم الجميع وابنتها ميمونة: (بغضب منكسر) في كل مرة نطالب بحق، يقول لنا الحاج...
(يرتفع الحاج عاليًا من خلف الأم والابنة، ويلوح بقبضته مكملاً بصوت تعسفي... مع استحداث الصور الملائمة المصاحبة لموسيقى ملائمة) الحاج عرقوب: ...أنتم على خطأ، وأنا على حق! كل الحق معي، وليس معكم أبدًا أي حق! كيف لا يعدل السيد ويطالب العبيد بالعدل؟ أم الجميع وابنتها ميمونة: (دون أن يزول غضبهما المنكسر) في كل مرة نطالب بحق، يقول لنا الحاج... الحاج عرقوب: (بتعسف دومًا) ...أي حق تريدون، وقد أعطيتكم كل الحقوق؟ الأكل مجانًا، والشرب مجانًا، والنوم أيضًا بالمجان، وفوق هذا كله أدفع لكم أجورًا! ماذا تريدون أكثر؟ أيتها الكلاب التي لا تشبع ولا تقدر فضاء نعيميًّا وضعتها الصدفة فيه!
(تنطرح الأم والابنة أرضًا) أم الجميع وابنتها ميمونة: في كل مرة نطالب بحق، يقول لنا الحاج... الحاج عرقوب: (هابطًا على ظهريهما) ...انظروا كم أنا متفضل عليكم. أدعس بنعلي ظهوركم، أسحق رؤوسكم، وآمر بحفر قبوركم، أفكر في كل شيء يعود عليكم بالنفع! أم الجميع وابنتها ميمونة: نحفر قبورنا نحن، وندفع لك لقاءها أجرًا!
(يذهب الحاج عرقوب إلى طرف المسرح معطيًا إياهما ظهره، تنهضان بوهن، وتسيران ببطء في اتجاهه) الحاج عرقوب: القبور لن يجدها غيركم بعد زمن، ستكون الغربة القصوى بعد حربين، وسيبكي الشعراء قبرًا لن يجدوه، وهاءنذا أعطي ظهري لزمنهم، سيكون زمنًا ملعونًا... يا لحظكم لأنه ليس زمنكم! أم الجميع وابنتها ميمونة: في كل مرة نطالب بحق (تسحب كل منهما عباءته من طرف فتمتد كثوب السلطان) لا يستجيب الحاج، يظن نفسه سلطان أنفسنا، ولا يدري أن قلوبنا يومًا عن يومٍ تمتلئ بحقد القاتل ودهشة القتيل!
(تقذفان الثوب بالغضب المنكسر، فيستدير الحاج عرقوب نحوهما مهتزًّا، تنطفئ الأضواء لتسلط على ثلاثة من الفلاحين الصغار، أثناء ذلك تكون الأم وابنتها ميمونة بصحبة طفلها قد غادروا المسرح) الفلاح الأول: تحملت كثيرًا، لكن هذه المرة، لا يمكنني. الفلاح الثاني: لا يمكنك ماذا؟ الفلاح الأول: أن أتحمل أكثر. الفلاح الثالث: لو كان بإمكاني لأدنتك، أو استدنت منك، لكننا كلنا في الهم واحد، وعلى الحديد! الفلاح الثاني: لو كان بإمكاني لساعدتك، لكني الآن، الآن فقط، رهنت آخر البقرات، بقرات سمينة هولندية، حواملٌ بطونُها، وحوافرُها فضية! الفلاح الأول: أولاد أصل، أبناء حلال! يا حزنًا علينا وعليها! الفلاح الثاني: (للأول) ماذا تنوي أن تفعل؟ الضريبة للضراب أكيدة، الحكومة لا يمكنها الانتظار، إذا لم تدفع صادرت أرضك وعرضك، وما أبقت لك ذرة من رماد! الفلاح الأول: دون أرضي لا أساوي شيئًا، حتى ولا بعرة جمل، حتى ولا فضلات كلب، أصبح قمرًا خانته الذئاب! الفلاح الثالث: لماذا لا تذهب إلى الحاج؟ الفلاح الأول: الحاج عرقوب؟ الفلاح الثالث: بخيل لكن الضيق أبخل! عنده مال قادر على ضرائب أرضك وغير أرضك. يصنع العجب العجاب... تخر له الجبال، وتحترق تحت قدمه الشموس! الفلاح الأول: فكرك الحاج يقبل... الفلاح الثاني: بيع الأرض أو رهنها. الفلاح الأول: (محتدًّا) بيع الأرض أو رهنها! أي زمن هو هذا؟ الفلاح الثالث: (مهونًا) كل واحد فينا آتيه الدور. الفلاح الأول: يا ستار استرنا! أي زمن هو هذا؟ الفلاح الثاني: يا جاهل! إن ما خربت ما عمرت، ويبقى الحاج عرقوب واحدًا منا! الفلاح الأول: يا جبار ارحمنا! أي زمن هو هذا؟ الفلاح الثالث: وأقصر الطرق أن تعطيها للحاج، ويوم تجد النعجات الضائعة راعيها ستجد أرضك! الفلاح الأول: (تلوح عليه أمائر خيبة مشوبة بالتردد) هل أعطيها للحاج؟ لكنها نعجات ضُيعت لن تجد راعيها لا في الحقيقة ولا في الخيال... أي زمن هو هذا الذي يخبئ عنا لحظة نعرفها، فتصير أحجية! الفلاح الثاني: وساطتنا عنده ستنفع لك، فيها زيادة لا نقصان! الفلاح الثالث: توكل على الله، هل توكلت؟ (ودون أن ينتظر جوابًا) دعنا نذهب ونر ملك العجائب!
(تسلط الأضواء على الحاج عرقوب) الحاج عرقوب: أهلا بكرام الناس! خير إن شاء الله؟ الفلاح الثاني: (مشيرًا إلى الفلاح الأول) أخونا في ضيق! عطاء أرضه أقل من شهوات الحكومة! الحاج عرقوب: (متصنعًا الشكوى) هدموا حلينا بالضرائب! (ثم يغير نبرته) لا تنتظروا مني سلفة أو دين! الفلاح الثالث: (مؤكدًا) لا، لا، يا سيدي الحاج! عارفين أن الدعوة على قدر الحال! الحاج عرقوب: لا تنتظروا مني وساطة، الوساطة سياسة، ولا شأن لي بالسياسة، تركت السياسة للحكومة، والحكومة لأصحاب السياسة! الفلاح الثاني: (مؤكدًا) لا، لا، يا سيدي الحاج! لا وساطة ولا من يعلمون، جئنا نحن الوساطة، وهاجسنا أن نحول دون ذبيحة بريئة! الحاج عرقوب: (مستعجلاً الأمر) قولوا بسرعة! الفلاح الثاني: صبرك علينا، يا سيدي الحاج! الحاج عرقوب: قولوا بسرعة، بسرعة، أخشى أن تفلت من يده سكين البراءة! الفلاح الثالث: وإذا قلنا ما يعجبك... (ثم في أذن الحاج) لبيت لنا بعض المطالب؟ الحاج عرقوب: (في أذن محدثه منبهًا) فقط بعض المطالب (ثم بصوت مرتفع) قلتم أخانا العبد الكريم (مشيرًا إلى الفلاح الأول) في ضيق؟ الفلاح الثالث: لما الأرض تكلف كثيرًا... الفلاح الثاني: (مكملاً) ...يبيعها العبد بالقليل؟ الفلاح الأول: (محتجًّا) بالقليل؟ الفلاح الثاني: (مراضيًا) بل بالكثير! بالكثير! الحاج عرقوب: فهمت، وساطتكم وساطة جبرائيل! الفلاح الثالث: (ساقطًا على أذن الحاج اليمنى) فقط اعمل على تأجيل ضرائبي موسمًا آخر. الفلاح الثاني: (ساقطًا على أذن الحاج اليسرى) فقط أعمل على تأجيل الحجز على أرضي موسمًا آخر. الحاج عرقوب: (متراجعًا خطوة إلى الوراء) افهموا يا عالم، ما تطلبوه سياسة، وأنا، قلت لكم، لا شأن لي بالسياسة! تركت السياسة للحكومة، والحكومة لأصحاب السياسة! الفلاح الثالث: ولكن... الفلاح الثاني: (مكملاً) ...يا سيد الرياح ومعجزة العجز القوي!
(يأخذ الحاج عرقوب الفلاح الأول من كتفه إلى طرف)
الحاج عرقوب: كم تريد؟ الفلاح الأول: (بوجل) ما أراد سيد الفضول. الحاج عرقوب: مائة دينار. الفلاح الأول: قليل، يا سيد الحقد. الحاج عرقوب: مائة دينار (يلتفت حوله لئلا يسمعه أحد) وعشرة، ماذا قلت؟ (يتردد الفلاح الأول، يكون الحاج قد أخرج محفظة محشوة بالنقود يعد للفلاح الأول مائة وعشرة دنانير، وهو يتطلع من حوله متفقدًا كاللص، ثم يضيف) ودينار واحد فقط لا غير (يعطي للفلاح الأول دينارًا بيد ويسحب منه عشرة دنانير بيد، ثم يفغر فمه عن ابتسامة متصنعة مصافحًا بشدة) مبروك (ويتذكر) آه، أنت من عليه أن يقول لي مبروكًا! الفلاح الأول: (بحسرة) مبروك، يا سيد التوعد!
(ينصرف الفلاح الأول من طرف، ويسير الحاج منصرفًا من طرف آخر، فيمسك به الفلاحان الثاني والثالث)
الحاج عرقوب: (منتهرًا) ماذا تريدان؟ أنا لا أعرفكما! ابعدا عني! الفلاح الثاني: نسيتنا بسرعة، يا سيد الذاكرة القادمة! الحاج عرقوب: (محتدًّا) أنا لا أعرفكما! الفلاح الثالث: أهذا أملنا بك، يا سيد العقاب المنتقم؟ الحاج عرقوب: (فاقدًا زمام أمره) أي أمل وأي يأس! أتعس من وجهيكما لم أر! الفلاح الثاني: (يشد الحاج إلى جانب) سأنفعك إذا ساعدتني، سأقف إلى جانبك في ظلال الجبلين. الفلاح الثالث: (يشد الحاج إلى جانب آخر) سأكون محسوبك إذا ما دعمتني، سأقف إلى جانبك في ظلال المرأة والرجل. الفلاح الثاني: (يسير بالحاج ليقول له على حدة) إذا رفعت عن أرضي الحجز موسمًا واحدًا فقط لا أكثر ولا أقل تدبرت لك طريقة لتشتري أرضه (مشيرًا إلى الفلاح الثالث). الفلاح الثالث: (يسير بالحاج ليقول له على حدة) إذا أجلت موعد استحقاق الضرائب علي موسمًا واحدًا فقط لا أكثر ولا أقل تدبرت لك طريقة لتشتري أرضه (مشيرًا إلى الفلاح الثانى). الحاج عرقوب: (رافضًا) صفقة واحدة اليوم تكفينى (ثم محتدًّا) أتظنونني محشوًّا بالنقود، أتظنونى خنزيرًا لا يرحم؟ (لكليهما) حذار من الطرق الملتوية معي! أنا إنسان مستقيم لا أوقع بين الناس لأستفيد على ظهورهم أو لأستفيد من الناس الذين يوقعون بين أنفسهم. استعملوا وسائلكم هذه مع كل الناس إلا مع الحاج عرقوب. حذار! (للفلاح الثاني على حدة) اتفقنا... (ثم للفلاح الثالث على حدة) ستكون محسوبي وأكون محسوبك! (ثم لنفسه) هكذا أدفع بالسور إلى الناحية الأخرى للعالم، وأصبح ملكًا للفصول على أرض حدودها شفق بني إسرائيل الظليم فلا يكون أحد غيري وغيرهم!
(تنطفئ الأضواء لتسلط من جديد على أم الجميع وابنتها ميمونة دون طفلها، وهما واقفتان، أو جالستان في قبرين)
أم الجميع: (تدير عقرب ساعة ضخم دون توقف) كيف لا تشعرين بالندم؟ ندم أم صار طفلها لقيطًا مرتين؟ ميمونة: (ترفع من القبر رملاً، وتتركه يتساقط من كفها، وتكرر دون توقف) الجوع لا يعرف الندم! أنا أحتمل العذاب، أما هو، فرضيع لا يحتمل شوكة في عرق ورد! أم الجميع: (تدير عقرب ساعة دومًا) أتظنين أن قلوب الناس في المدينة أكثر شفقة؟ بل هي أكثر قسوة لأن الحاقدين عليهم أكبر، هم يحقدون أيضًا، ولكنهم يحقدون علينا، أما نحن فنحقد عليهم وعلى أنفسنا، رميت ابنك لأنك تحقدين على نفسك، وهم لن يحتفلوا به على التأكيد... سيقذفونه، بضربة قدم، في القمامة! ميمونة: (ترفع الرمل، وتسقطه دومًا) ابني مليكي... ما عجز عجزي عن تحقيقه! أم الجميع: (تخرج من القبر إلى شجرة تفاح) وما يجعلك تعتقدين أنهم لن يقذفوه في القمامة؟ ميمونة: (تخرج من القبر إلى جبل من الدمى) لأنه بيت غني ليس فيه كثير من الأطفال، قضيت نهارًا كاملاً، وأنا أراقب ما يجري فيه من بعيد، صاحبته امرأة طيبة رأيتها تطعم ولدها الأصغر قطعًا من الخبز الأبيض مغموسة في الحليب! أما ابنها الأكبر، وعمره خمس سنين، فكانت تدفع به الأرجوحة، وهو يضحك، والضحكات ترن في الفضاء، إنه بيت غني وكبير، ربما يسع لمائة طفل، لن يضيق في وجه ولدي... (تطلق ابتسامة مسحورة، تأخذ بين ذراعيها دمية، وتطلق من أصابعها قوس قزح ثم تلتقطه، وتكرر ذلك دون توقف) هناك سيجد ركنًا دافئًا، وسيرتدي ثوبًا نظيفًا، وسيأكل قطعًا من الخبز الأبيض المغموسة في الحليب! وعندما يكبر، سيلعب في الحديقة مع السيدة الجميلة، وستدفع به الأرجوحة، وهو يضحك، وهي تضحك، والدنيا كلها تضحك (تأخذ بالضحك، ثم تأخذ أمها بالضحك، إلى أن تنفجر ميمونة باكية). أم الجميع: (تقطف التفاح وتلقيه) اخرسى! يا لك من لعين! اقتطعت كبدك، ورميت للكلاب! ميمونة: (تدفن الدمى في القبور) سيجد ابني هناك سعادته... (تتابع دفن الدمى بعصبية) كل ذلك بسببه، تركنا أبوه، وذهب. اغتنى هناك، فنسيني، ونسي الولد، أو ربما مات قهرًا بعد أن عاش حياة الكلاب! أم الجميع: (تقطف التفاح، وتلقيه دومًا) لكنه لقيط، ابن حرام، هذا ما قتله لي في السخام. ميمونة (تنبش قبور الدمى، وتخرجها) كم أنت ساذجة، يا أمي! إذا كان ولدي لقيطًا، فأنا ابنة عقارب! لا تخشي شيئًا، ستبقى بكارتي مفتاح أخلاقي! (وبعد أن تخنق دمية) سأستعيده بعد أن تتغير الأحوال... أم الجميع: (تذهب إلى بعض القوارب الراسية، وتحاول زحزحتها) يكون قد كبر، هذا إذا لم يقذفوه في القاذورات، وتربى على أخلاقهم. صحيح الذي قال: ليست الأم التي تلد بل التي تربي! ليست الأم التي تأتي بالنسل بل التي تصنع النسل! وأنا لم أصنعك كما كان علي أن أصنعك... (تكون ميمونة قد نثرت شعرها، وراحت تحسب ما فيه من سنابل سود) كان أبوك، رحمه الله، يقول لي، أنجبي لنا أولادًا لنقوى بهم متى عجزنا! كان أبوك يريدهم أولادًا أقوياء ليعلموا في الأرض، ويحموها! كان يقول إذا هم حموا الأرض يعني أنهم حمونا نحن وأنتم وكلنا، لأن في الأرض كل الأسرار، كل شيء يكمن في الأرض، منها تأتي القوة ومنها يأتي العجز، الكرامة، والخزي! (ترفع ميمونة شعرها ثم تنثره، وتعود تحسب السنابل السود التي فيه)... أما الأمومة، فهي أن نعطي للأرض، وأنت أعطيت للطريق! (تحاول، مرة أخرى، زحزحة القوارب الراسية، فتفشل). ميمونة: (ترفع شعر الليل، وتقطف وردة) أرضنا لن تكون أو لن تكون! أرضنا خدعة! أرضنا سراب في سراب! أم الجميع: (تنتزع منها الوردة، وتمزق وريقات تيجها) أرضنا الحقيقة الوحيدة في السراب! أرضنا جوهرة خضراء! أرضنا وردة زرقاء! ميمونة: (تحاول إعادة تشكيل الوردة) كاد ابني يموت! أم الجميع: (تقول للقوارب الراسية) أرضنا الوجود على بعد قدم منا بعد أرض ملك الفصول، عند الشفق المسود، قرب بحيرة الضوء، بعيدة وقريبة في آنٍ واحد، هي أمك أو ابنتك أو أي شيء آخر غير مستنقع الدم! ميمونة: (تقذف الوردة، وتأخذ بنسل خيوط ثوبها) لو لم يقتلوا أبي! أم الجميع: (تقول للقوارب الراسية) لو لم يقتلوا أباك لما حصل ما حصل، وصار كل شيء غير ما هو عليه الآن! نعم، ذهب أبوك لئلا يأتي يوم تجعل فيه ابنته من ابنها لقيطًا! ميمونة: (تستمر بنسل خيوط ثوبها) لو لم يقتلوا أبي! أم الجميع: (تحمل فأسًا وتأخذ بتدمير القوارب الراسية) لو لم يقتلوا أباك لما قلت لك أرضنا موجودة وأنت تموتين كقطة مجلودة! لو لم يقتلوه لما تجبر الحاج عرقوب بنا، وفعل ما فعل! لو لم يقتلوه لكنا نشرب قهوة الآن مع صفاء أختك تحت الشجر في ربوع البلاد! صفاء هناك تصرخ، وتأمل، وتهمس، وتنادي، وتضرب في الأرض، وتضرب الأرض، وتعتب، وتعاتب، وتخون، وتخان، وتقول كلمات غير مفهومة، وأحيانًا خطيرة... حلمها كابوس جميل مستمر إلى الأبد! ميمونة: (تستمر بنسل خيوط ثوبها) لو لم يقتلوا أبي!
(تتوقف أم الجميع عن تدمير القوارب الراسية بعد أن تكتشف غيرها أقوى وأعظم... لحظات صمت كثيفة، ثم فجأة...) أم الجميع: كان أبوك يقول على الثورة أن تستمر!
(يدخل الفلاح الأول، وهو يرفع على كتفه عصا انتهت بصرة فيها حوائجه. يقف لحظة، وهو يرمى النظر إلى القوارب الراسية) أم الجميع: (للفلاح الأول) إذن أخذوا منك الأرض! الفلاح الأول: أرضي وعرضي وأرض وعرض جاري والحبل على الجرار! طلبوا مني أن أبقى، لكنى لا أحتمل أوامر الحاج عرقوب في أرضي! أم الجميع: (لابنتها وهى تستمر بنسل خيوط ثوبها) هنا يأخذون الأرض، وهناك يأخذون الأرض، البارحة كان اليهود يأخذون الأرض من أسياد الأرض ببلاش، الدونم الواحد بثمانين قرشًا، واليوم يأخدها الحاج من عباد الله بأقل من بلاش، لقاء بعض الدين. لا تقولي لي هذا ابن بلدك وذلك ابن القرد، كلهم لحم كلاب من صنف واحد! (ثم للفلاح الأول) وماذا ستفعل الآن؟ ستقاتل تنين العرب؟ الفلاح الأول: سأبحث عن عمل... عمل حيوان أو بشر لا يقدر عليه! أم الجميع: (تضحك بسخرية) لن تجد عملاً... لأننا مشاغبون أبناء مشاغبين، لا حق لنا في شيء غير العواصف المكبلة! ميمونة: (دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) لماذا لا تذهب إلى المدينة حيث الأرصفة كثيرة، والأزقة دون نهايات؟ أم الجميع: (تعتلي أحد القوارب الراسية) أزقة المدينة رهيبة! مظلمة، كلها ألغاز! لكني أعرف ما يجول في خاطرك، أيتها اللعين! (للفلاح الثاني بعد أن تسلقت الصاري) هذه تركت ابنها على باب أحد الأغنياء في المدينة (تطلق ميمونة ابتسامة المسحور دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) لا تندهش! ليس هناك ما يدهش هذه الأيام، كل شيء جائز، ونحن هم الذين يدفعون الثمن... (تضرب الصاري بالفأس عدة ضربات، والصاري ثابت، صامد، شديد العنفوان، شديد العصيان) ما رأيك في الذهاب إلى المدينة، أيها الفلاح؟ مالك الصنعة حاكم قلعة كما يقولون... ولكنك أنت لا صنعة لك! الفلاح الأول: أقبل بأي عمل كان... لي قوة جني محاصر، وعزم أمير منهزم. ميمونة (دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) سيعيننا حسن الشاطر، حسن المغامر، أخي الأصغر الذي سيكبر! أم الجميع: (تأخذ بتدمير الفأس) اتركي أخاك الأصغر جانبًا، لديه ما يغنيه عن إعانتنا، هو حوت تعب! ميمونة: (دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) أقصد سيساعدنا على البحث عن عمل غير ممكن في زمن غير ممكن ومكان غير ممكن. هذه هي صفة المغامرة للمغامر الذي لن يقيم العدل بعد أن صار قانون الآخرين. سيساعدنا على البحث عن غير الممكن، فيحقق أول خطوة في طريقه الدموي! الفلاح الأول: (لأم الجميع) ابنك الأصغر صاحبي، وإذا عرف بحالي ساعدني. له قلب المسيح، وفى كفه عين محمد! أم الجميع: (تنشق الفأس نصفين، فتحزن) وماذا أقول أنا، وأنا أمه؟ لا تعتمد كثيرًا على قلب ابني الأصغر، ولا على صحبتك معه، أو على العين التي في كفه، بل على ذراعك! على ذراعك أن تتحول إلى فأس أو برق أو مسمار!
(يدخل الفلاح الثاني والفلاح الثالث وكل منهما يحمل صرة)
أم الجميع: (تحاول إعادة تشكيل الفأس) وأنتما أيضًا؟ (ثم للقوارب الراسية) كيف لا يتحقق غير الممكن وصدور هؤلاء له حقل عشب وزريبة تبن؟ الفلاح الثاني: صادروا أرضي مني، ورموني سمكة في البحر! الفلاح الثالث: ضاعفوا ضرائبي، فاضطررت لبيع أرضي لل... أم الجميع: (مكملة وهي تلقي الفأس أرضًا) ...حاج عرقوب. ذمته واسعة هذا الحاج إلى حد أنها تسع لكل قبائل العرب! ورموك أنت أيضًا سمكة في البحر.
(يقفون كلهم في ظلال القوارب العملاقة الراسية) الفلاح الثالث: صغار نحن! أم الجميع: بل صغار وظلال! الفلاح الثالث: ظلال نحن! أم الجميع: بل ظلال وصغار! الفلاح الثاني: قل إن مع العسر يسرًا، والصبر مفتاح الفرج، ودجاجة الحظ ستفرخ بيضة من ذهب! أم الجميع: بل من رصاص وأوهام! (ثم للقوارب الراسية) ولكن ماذا سيفعلان في ظلك الثابت؟ (وللفلاحين) ماذا ستفعلان، أيها الفلاحان الطيبان؟ الفلاحان الثاني والثالث: سنبحث عن عمل في ظلمة الوادي. ميمونة: (دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) سنذهب، نحن إلى المدينة، حيث الأزقة ألغاز، والأرصفة مرايا محطمة! الفلاح الأول: وسيساعدنا ابنها الشاطر، حسن الشاطر (مشيرًا إلى الأم التي راحت تدفع أحد القوارب الراسية دون أن تنجح في زحزحته) ابنها الأصغر صاحبي. الفلاح الثاني: وصاحبي! الفلاح الثالث: وصاحبي! الفلاح الأول: صاحب الجميع ابن أم الجميع، لكن عددنا صار كبيرًا، وهو لم يزل صغيرًا!
(الفلاحان الثاني والثالث يدفعان مع الأم أحد القوارب الراسية دون أن ينجحا في زحزحته) ميمونة: (دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) وماذا لو عدنا إلى الشاويش؟ الفلاح الأول: (وقد انضم إلى الثاني والثالث يدفع القارب الراسخ) لنموت؟ (يقتل عطيل ديدمونة). الفلاح الثاني: لننتحر؟ (تندق الخناجر في جسد يوليوس قيصر وتحيله إلى قتيل). الفلاح الثالث: لنذهب بشربة ماء، فيندم أهلنا على شبابنا؟ (يقتل "المتشائل" نصفه). ميمونة: (دون أن تتوقف عن نسل الخيوط) لن يقبلنا على أي حال، سبق أن اختار، ولكن... لنراهن على غير المحتمل. أم الجميع: (للقوارب الراسية) هذه المرة سيقبلنا، وأنت تعرفين كيف. الله أعطانا العقل، وبالعقل نستعمل الدهاء. هذا ما تقوله غرباني.
(في اللحظة نفسها تطير ثلاثة غربان لونها أسود من الفحم من شجرة التفاح، وهى تنعق. يضيعون جميعهم بين القوارب الراسية في الظلال والضباب... صمت عملاق، وبعد لحظات، يأتي صوت)
الليل كبير كله أسرار في حكاية أم الجميع حلينا بعض الأسرار ورأينا في الحلم بعض امتدادات العلم، وفى العلم بعض امتدادت الحلم وفى الحلم نهايات الأفكار الليل كبير كله أسرار لكن الليل في الزمن صغير وأصغر كلما اقترب النهار
(ظلام)
اللوحة الثالثة (الشاويش أبو الجماجم يقيس ارتفاع النجوم بالأَسْطُرلاب إلى جانب بئر ماء ومجهر ضخم)
الشاويش أبو الجماجم: المريخ أبعد من القمر، والزهرة أبعد من المريخ، وعطارد أبعد من الزهرة، والدب الأكبر أبعد من عطارد، والدب الأصغر أبعد من الدب الأكبر، وكلما ابتعدنا أكثر، وتوغلنا في السموات بين الأفلاك، تعقدت مواقع النجوم، وصار تأثيرها في حياتنا أعظم! كل حركة على الأرض، كل خطوة، كل فكرة، مرتبطة بانكسار ضوء، هذا الشلال المنطلق من نقطة لا مرئية. هذه اللانقطة، أو اللابؤرة، هي أصل الأشياء (يغادر الأسطرلاب ويأخذ برصد النجوم من المجهر) كل شيء غامض فيها، لا لأن المجهر لا يصلها، ولكن لأنها تقوم ما بعد الفضاء. كيف يمكن الوصول إليها، وهى قائمة ما وراء الفضاء؟ كيف يمكن حصرها، وهى ذائبة في ما وراء قوتها هي ذاتها التي تحكم العالم؟ إذا ما توصلت إلى ذلك صرت خوارزمي عصرنا، هو حكى عن العالم في الجهة الأخرى من بحر الظلمات قبل كل الناس، ولم يمخر عبابه، وأنا سأمخر عباب بحر النجوم، وعالم الأبدية، فلا يبقى ابن سينا ولا نيوتن ولا اينشتاين من بعدي! إذا توصلت إلى ذلك، واستطعت تحديد بؤرة اللابؤرة. ونقطة اللانقطة، سأحقق اكتشافات مذهلة ليس في السماء بل في الأرض (يغادر المجهر ويأخذ برصد النجوم على وجه ماء البئر) عند ذلك سأكسر الضوء في الماء، وأمزج النجيمات بالنجيمات، تلك النجيمات الضوئية السيارة الصغيرة أمزجها بزهر النجيمات الأسطورية المركبة، وماذا سينجم عن التفاعل فيما بينها؟ أن يتحول الماء إلى نفط، فأصبح، إضافة إلى كوني ملك النجوم، ملك الذهب الأسود والعقول! (مندهشًا مأخوذًا) أن يتحول الماء إلى نفط... آه (مصفقًا مقهقهًا) أي اكتشاف! أي اختراع! أية عبقرية! سيأكل قلب ضابطي الحسد، وسأغير وجه المعمورة! (مصفقًا مقهقهًا من جديد، ثم لا يلبث أن يتسمر على صور للنجوم متلألئة، متحدية، تنعكس على وجه ماء البئر، فيستل خنجرًا من حزامه، ويأخذ في طعنها، وهو يلهث، والماء يضربه، ويلطمه، ويركله، ويصبغه بلون الزفت، والنجوم في السماء تنظر ساكنة، كامنة، مترقبة... يسكن نفسه، ويلقي على النجوم نظرة، بعين نصف مغلقة، ثم يأخذه التفكير، وفجأة يعود إلى الضحك السعيد) نعم، سيتغير وجه العالم! ستتحول مياه الأنهار إلى نفط لا يحتاج إلى تكرير، فبسحر ضوء النجوم سيكون النفط لا أصفى، ولا أنقى، وسوف يكفي السيارات أن تذهب إلى الضفاف، فيملأ أصحابها ما احتاجوا منه، وفى كل مكان ستنهض المصانع، ولن نحتاج بعد لشن الحروب، ستحل الجيوش، أو، ستبقى لحراسة أنهار النفط ممن لا يدفع، إذ أن لكل شيء ثمنًا، وهذه ستكون معجزة القرن العشرين! الجيوش لا بد من بقائها لحماية أنهار النفط من الناس ومن الطير ومن الحيوان، فستلجأ إلى ضفافها صقور جبارة أترك منها خمسين طعامًا للجنود، وستنشأ في أعماقها حيتان خرافية أصطاد منها خمسة شهية أُطعم بها باقي العالم (يقهقه بطرب) هذه هي قوة القرن العشرين، وعظمة العصور المنهزمة، هذه هي النبوءة الجديدة المستوحاة من بحر النجوم، فكلنا عميان قبل أن نرى الظلام! (يذهب إلى البئر من جديد، ويحاول القبض على نجمة تقفز فيها، فيفشل) هذا ما يدعى بعدم الاحتساس، فالشرارات النجمية تتميز بالعين، ولا تتميز باللمس (يضرب الماء بعنف، بفظاظة، بشراسة، بوحشية، ثم ينسحب هالكًا) يكفي اليوم ما أمضيته في الليل من عناء القوة والعبقرية... غدًا سآتي ببعض أصابع العروس وببعض الكوكبيات إلى جانب بعض رصاصات خضراء بنية (يلتفت يمنة ويسرة) بشرط ألا يعرف ضابطي عن الأمر شيئًا، فهو عالم بالكيمياء، وحربه معها ضروس... ألا يعرف أحد عن الأمر شيئًا (يهمس بصوت غليظ) سأغير وجه المعمورة... سأغير وجه المعمورة!
(ينصب خيمته المفتوحة من الطرفين، يلقي بضع نظرات متعشقة على النجوم، وقد بدأ يذيبها بياض الفجر، ثم يطلق تنهدات حارة متواصلة قبل أن يلقي بنفسه في الخيمة، ونصفه يتساقط خارجها، وبعد عدة ثوان يأخذ بالغطيط، يتسلل الحاج عرقوب على رؤوس أصابعه، وينظر في المجهر، ثم في الأسطرلاب، ثم في البئر، وعلى وجهه أمارات الدهشة والتوعد، ولا يلبث أن ينسحب متسللاً مثلما أتى ذائبًا في اللون الأسود للفجر، تخف الأضواء على الشاويش، وتشتعل في يسار المسرح على الحاج عرقوب بصحبة أبي خامش، وهو يرتدي بذلة سموكن، ويضع سيجارًا في الفم، وجهه بشع لكنه أنيق) الحاج عرقوب: (مشيرًا إلى الشاويش الغارق في بحر نجوم النوم) الشاويش أبو الجماجم هذا سوف يذيب جماجم البشر في الماء ليصنع منه نفطًا! أبو خامش: (دون انزعاج ومع بعض الحماس) إذا لم تكن جماجمنا، فما المزعج في الأمر؟ أن يتحول الماء إلى نفط هذه معجزة المعجزات، وأعظم اكتشاف توصل إليه الإنسان منذ وجوده إلى اليوم! الحاج عرقوب: (منزعجًا) هذا يعني نهايتي ونهايتك، هذا يعني السلام على سوري، والسلام على معملك، فما الفائدة من التحكم بالفصول، بعد أن يجرف النفط كل شيء، الولد والزرع والملك، وما الفائدة من ابتكار أدق خيوط القطن في معملك، وفي النفط كل شيء، ومن النفط يمكن صناعة كل شيء من القنبلة الذرية حتى الحرير؟ نحن ما زلنا على أبواب القطن، وهو سيقذف بنا في أحضان الحرير، في عالم عجزت عن دخوله أمم أخرى لا تعرف صورة لنا غير الجمال والحمير، وكل هذا بسببه (يقذف الشاويش بقدمه، فيزداد غطيطه) ولا تنس أني أستعد لزرع حقولي بالقطن منذ الآن، لأجنيه في الشتاء القادم. وجهت سوري المتحرك ضد الريح الآتية بالمطر، وجعلت الشمس تبقى في الأغصان والأثلام لآتي نبتة القطن الغضة العطشى بماء النهر، فماذا سأفعل لو تحول إلى النفط؟ كل ذلك بأمر قدرنا الزراعي الخصب، قدر الخصوصية والكيان... كل ذلك، نعم، كل ذلك لأتمم صفقة بيني وبينك، وبيننا وبينهما، يتوقف عليها نجاحي ونجاحك أو انتحاري وانتحارك! أبو خامش: (وقد راحت الريبة تملأ عينيه) إذن، لنسرق منه ((الصيغة))، ولنعمل حسبنا وحسب خصوصيتنا والمرحلة. لأن الماء الذي يتحول إلى نفط (يعود إلى حماسه) هو معجزة القرن العشرين! على أن يكون معجزتنا نحن أنا وأنت! أخال نفسي في سيارتي التي معدنها من الذهب الخاص، وأنا أُشربها النفط من ضفاف البحر الميت! الحاج عرقوب: (رادعًا) البحر الميت أولاً هو ميت لا فائدة منه، أما إذا ما تحول ماؤه إلى نفط، فسيميتنا مرتين زرعًا وولدًا وطيرًا، وهو حتمًا سيفيض... عمل كهذا سيأتي بالغضب، وأنا لا أنتظر أن أصبح نوحًا جديدًا. أبو خامش: (وقد عادت الريبة تملأ عينيه) وما العمل؟ إنها نهاية العالم حسبما أرى، فما الحل؟ (ينفخ سيجاره ثم فجأة) الحل في سرقة الصيغة، أقولها ثانية، هكذا لن... الحاج عرقوب: (مقاطعًا) بل الحل في سرقة الشاويش، أن نسرقه هو، بطوله وعرضه، وتميته أنت في البحر الميت. أبو خامش: أميته أنا؟ ولماذا أنا لا أنت؟ الحاج عرقوب: لأن لديك أظافر متينة، أليس أبو خامش اسمك؟ تستطيع أن تخمشه من حنجرته، وتفرقعها بإصبعين قبل أن تلقيه في الماء المالح. أبو خامش: (لنفسه) وإذا كانت الصيغة قد اكتملت في رأسه في تلك اللحظة سيتحول الماء إلى نفط (ينظر مبتسمًا إلى الشاويش الذي يبتسم هو أيضًا للنجوم في السماء السابعة لنومه ثم يقول بحماس) اتفقنا!
(يفتح الشاويش عينيه لحظةً، يطلقهما من وراء نجوم الصباح، وهو يبتسم دومًا، ثم يغمضهما، ويذهب في الغطيط من جديد، تنطفئ الأضواء في يسار المسرح، وتشتعل في يمينه على مستر جون بصحبة صموئيل، كلاهما في بنطلون أسود وقميص أبيض على رأس المستر قبعة كاوبوي، وعلى رأس صموئيل قلنسوة اليهود)
مستر جون: (مشيرًا إلى الشاويش، الغارق في بحر نجوم السبات العميق) لن نقول له إنهما يبحثان عن صيغة أخرى مقابل صيغة، فهما لن ينجحا بتذويب الشاويش في الملح، انظر إلى هذا الجسد الضخم الشحمي ذي الدهن البدائي الذي له، كل ملح بحار العالم لن يمكنه التأثير فيه، معه ستنشأ مقاومة عنيفة، وحرب ضروس سيخرج منها منتصرًا، فلا تخشَ شيئًا! صموئيل: تهمني صيغة الشاويش كثيرًا، يا مستر جون. أن يتحول الماء إلى نفط... هذه هي المعجزة! تنبأ بها أجدادنا الأوائل عندما عبروا ضفاف الأردن لأول مرة، فهم قد طعموا، بعد أن شربوا، هم ونعاجهم، بشيء أشبه بنفط اليوم أسموه بترولاً. مستر جون: هذا ما تقوله أيضًا حاسباتنا الآلية. صموئيل: إذن كيف نصل إلى الصيغة؟ مستر جون: لحظة اكتمالها الشاويش سينساها، هذه شعوب تنسى لتقيم الذكرى، وتقطع العمر على مجد ضائع! هم لهم الذكرى، وأنت لك الحجارة! صموئيل: الحجارة لي، والصيغة لي، ودمار السور المتحرك في الريح أيضًا لي! مستر جون: سيدمر السور في اللحظة الضائعة، سيدمره الشاويش، لتنطلق الرياح المقيدة، فلا تتغير ألوان الحجارة. صموئيل: على كل حجر مر أجدادي، فتركوا أثرًا لإصبع أو مزمورًا، وطبعوا أقدامهم التي لا تمحى، لأن الريح حفظتها منذ آلاف السنين! في الريح أقرأ العهد القديم، وخبايا البصمات، ومن الريح أقيم قدس الأقداس، وأهيكل الهيكل! مستر جون: هذا ما تقوله أيضًا حاسباتنا الآلية التي ستغزو العالم، والتي من هنا ستنطلق، من على مقربة من خيمة هذا الشاويش السعيد النجم، حاسبات آلية، ورجال آليون، ومركبات فضائية، وأقمار صناعية، ونيازك صناعية، وكواكب صناعية، وحروب بيننا وبين النجوم (يتحسس وجهه وقد أخذته الفكرة ويجس وجه الشاويش الذي يقطر بالعرق ثم يهتف) النفط ينبثق من مسامه وعقله وشقاء حلمه! صموئيل: (مأخوذًا مندهشًا) واعجباه! مستر جون: هو الطاقة الباردة، المستقبل المتجبر، القبضة المخملية، القوة العاجزة، أداة الحالة، وحالة الأداة! صموئيل: هذه هي نبوءة أجدادي! مستر جون: وهذا هو المهدي المنتظر! صموئيل: (يبحث في ثياب الشاويش مُخرجًا بعض الحجارة) عرفت أنه منا، من قدم هذه الآثار الأركيولوجية ينبثق، دعنا ندخله في دائرة الأزمنة الحديثة. مستر جون: انتظر حتى يصبح لنا الفضاء، الآن علينا أن ندعه للاستحالة. صموئيل: وغدًا أول مهمة له ستكون. عند قدم سور الحاج وآلات النسيج نصف الشيخة لدى الرجل الثاني. غدًا ستكون له أول مهمة أو آخر مهمة، كل شيء يتوقف على الغد، وعلى اكتشاف حجر آخر تمرد فأعجزني! مستر جون: هذا ما تقوله أيضًا حاسباتنا الآلية.
(تنطفئ الأضواء في يمين المسرح، ثم تعم الخشبة، أم الجميع وابناها الأوسط والأصغر وابنتها ميمونة والفلاحون الصغار الثلاثة يظهرون. الشاويش أبو الجماجم يقفز متفاجئًا كأنه يدخل في كابوس) أم الجميع: هذه أنا، يا شاويش أبو الجماجم، صنيعة بنت المقدادي، شجرة غير مقطوعة، وهؤلاء كلهم أولادي، هذا ابني الأوسط حسن أبو ريش، وهذا ابني الأصغر حسن الشاطر، وهذه ابنتي ميمونة، أتذكرها؟ مهرة تساوي خزنة مال! الشاويش أبو الجماجم: (معيدًا) خزنة مال! (ثم غاضبًا) لا حول ولا قوة إلا بالمال! أم الجميع: (مكملة) فلاحون كلهم منذ أن كانت كنعان. وهؤلاء (مشيرة إلى الفلاحين الثلاثة) هم أيضًا فلاحون من أهلنا، من أقاصي البلاد جئنا لك. جبل من وراء جبل من وراء جبل، أليس هنا مكتب التطوع؟ الشاويش أبو الجماجم: (متفجرًا بالغضب) هنا، نعم، هنا، ولكن مكتب التطوع، هذا الملعون أبيه، لم يفتح بعد، وهو لن يفتح قبل الساعة العاشرة، وأنتم شياطين أبناء شياطين تأتونني من مؤخرة الليل، في أحلى ساعات النوم، لتسألوني إذا ما كان هنا مكتب التطوع؟ نعم، هنا مكتب التطوع، تعرفون جيدًا أنه هنا، ولكنكم لا تعرفون أبدًا أنها ليست الساعة المناسبة، فاذهبوا بسرعة على ألا تعودوا قبل الساعة العاشرة، وإلا رميتكم في زنزانة!
(ترتمي نجمة الصباح البيضاء في دم الفجر وتخضب العالم) أم الجميع: حلمك علينا، يا شاويش! والله لم نقصد إزعاجك! إذا كنا قد أخرجناك من أحلامك، فاعذرنا لأننا لم نستطع الانتظار، قلت جئنا لك من أقاصي البلاد، أمضينا نهارًا كاملاً، وها هو الليل على وشك الانتهاء، لتأخذنا هذه المرة. الشاويش أبو الجماجم: (دون أن يزول غضبه) لكي لا آخذكم كالمرة الماضية، أعرف أيتها الماكرة أن هذا هو ما تقصدين! نقودك الفضية الحقيرة هذه المرة مرفوضة، استبدلتها بالذهب... (يتردد، يلتفت يمنة ويسرة، ثم يهمس لنفسه سعيدًا) الأسود ( يبدو عليه فخر المتوهم/ المصدق) فاذهبي أنت وأبناؤك الآن، ودعوني أعود إلى النوم، وإلا أذبتكم في البئر، وصنعت منكم كبريتًا! أم الجميع: لا تفرعن علينا، يا شاويش (ثم لنفسها) شاويشنا فرعن من قلة ناس تؤدبه! هذا هو جزاؤك، يا أم الجميع، هذا هو جزاؤك. (يكون الشاويش أبو الجماجم قد تهيأ للنوم من جديد، فتأخذ الأم بِحَثِّ صحبها عن طريق الإشارة والهمس ليرجوه، ويحولوا دون عودته إلى النوم). الفلاح الأول: ولكن، يا سيدي الشاويش، أنت في قلبك رحمة، فلا تتركنا منتظرين بعد كل هذا التعب وكل هذه المسافة على بابك (ينظر في المجهر) العالم انهار، ونحن عصافير دموية! الشاويش أبو الجماجم: لا رحمة في قلبي الطافح بعصافير الموت، أما إذا كانت في قلبي رحمة، فهي على التأكيد ليس يا وجه القبح لك، فمن غيري سينقذ العالم؟ الفلاح الثاني: ولكن، يا سيدي الشاويش، أنت كلك نظر وحكمة، فلا تخيب أمل من يأتيك عن طيب خاطر متطوعًا! غدًا سيكون لك شأن، يا سيدي الشاويش! الشاويش أبو الجماجم: (ناهضًا بنصفه العلوي، وهو يجأر من شدة الهزء والغضب) هل تقول لي هذا أنا؟ أعرف أنك لا تأتي متطوعًا إلا عن سوء خاطر، فنيتكم جميعًا استغلال ساعات راحتي وإزعاجي، أما عن شأني (يبحث في السماء ثم يقول سعيدًا) شأني تعرفه النجوم! ميمونة: ولكن، يا سيد النجوم، اعتبرنا نيازك ضائعة... ولكن، يا سيد الكواكب، اعتبرنا أفلاكًا مخطئة... ولكن، يا... الشاويش أبو الجماجم: (مقاطعًا) لا لكن، ولا ما لاكنش (صائحًا متفجرًا) اذهبوا عني الآن، وإلا أمرت بطردكم في الحال، أو بعثت بكم طعامًا للفراشات المفترسة! حمد أبو ريش: (لهم) اتركوا الشاويش وشأنه قبل أن ينفد صبره (يحاول تغطيته باهتمام مخاطبًا إياه) لا تهز بدنك العظيم، يا شاويش! (وهو يطبطب على كرشه) فالأمر لا يستأهل نرفزتك (ثم لهم) لنذهب الآن، ولنترك الشاويش يعود إلى النوم من جديد، إلى أحلامه (يحاول إخراجهم). أم الجميع: (زاجرة الابن الأوسط) اذهب أنت من هنا، يا خطأ الصواب! (ثم لهم) اذهبوا جميعًا من هنا، ودعوني أتفاهم مع الشاويش! كلانا يفهم في السحر قليلاً، وقد ولدنا نحن الاثنين أسفل نجم تعس! حسن الشاطر: (والآخرون ينسحبون بتردد) أنت محيرة، يا أمي، كل الذي سمعت ورأيت ولا يزال إصرارك على تحطيم جدار الأمنية! لا، يا أمي... الشاويش فأس صدئة! أم الجميع: أنت هو المحير، يا ولد! لماذا تنسى أن الحقيرين في معملك الحقير يهددونك بالطرد ليلاً نهارًا؟ (زاجرة ابنها الأصغر) اذهب أنت أيضًا من هنا أحسن لك، واتركني أتفاهم مع الشيطان! هذا زمان الساحر والمسحور يا ولد، دعني ألعب فيه دور غيري.
(الابن الأصغر يغادر الخشبة دون رضاء، الشاويش يغرق في بحر نجوم النوم من جديد، ويعود إلى الغطيط، الأم تتقدم على رؤوس أصابعها منه، وتقف لحظة متأملة وضعه قبل أن تهزه موقظة ليندفع واقفًا على قدميه، وهو يبسمل مستعيذًا من الشياطين وأبناء الشياطين) أم الجميع: (مهدئة) هذه أنا، يا شاويش، أم الجميع، لا أفزع نملة. الشاويش أبو الجماجم: (دون أن يزول فزعه) يا أم الشياطين؟ (ثم يحاول كبح غضبه) والآن، ماذا تريدين؟ هم أعقل منك، ذهبوا وتركوني لنومي، أما أنت... أم الجميع: (مكملة) ...آخذ النوم من عينيك. الشاويش أبو الجماجم: (محاولا دومًا كبح غضبه) لا تأخذين النوم من عيني، وإنما تنتزعيه انتزاعًا، ومعه بصري، وعصبي، ووعيك الآتي! أم الجميع: اهدأ، يا شاويش، اهدأ! ( وهي تلوح بكيس صغير من النقود أمام عينيه إلى أن يهدأ). الشاويش أبو الجماجم: (منتزعًا كيس النقود، يعد النقود، ثم يدفعها في جيبه، ويؤكد) اتفقنا، لن أسجل أبناءك كالمرة الماضية، فاذهبي مطمئنة الآن. أم الجميع: ولكني أريدك أن تسجلهم هذه المرة، كيف لا، وأنا أدفع ثمن إخلاصي؟ الشاويش أبو الجماجم: أن أسجلهم هذه المرة؟ أم الجميع: وأن تأخذهم في الحال. الشاويش أبو الجماجم: في الحال؟ أم الجميع: نعم، في الحال. الشاويش أبو الجماجم: محال! أم الجميع: ليس هناك من محال، أيها الشاويش! من نقودي الفضية تنبعث رائحة الذل، ولكنك قبلتها، إذن خذهم، وسنعطيك في المستقبل مكافأة لك بدل الفضة قطعًا من الذهب الثمين. الشاويش أبو الجماجم: (وقد ذهب عنه النوم تمامًا) قطعًا من الذهب الثمين، ليس هناك أغلى من الذهب الأسود الذي رائحته القطران والزفتان! أم الجميع: هذا هو وعدي لك. الشاويش أبو الجماجم: ومن أين ستأتين بالذهب، أنت، يا أم اللقطاء؟ ألديك بئر نفط؟ اعترفي! أم الجميع: لسنا طيرًا يأكل رملاً، ولكن الذهب سيكون غنيمتنا، أيها الغبي، فأنت ستربح الحرب، وستعيد لنا الوطن المزين بالمناجم! الشاويش أبو الجماجم: (يغضب) الوطن! الوطن! أم الجميع: وطنك مرآة، يا شاويش، إن شح عليك وإن أعطى! الشاويش أبو الجماجم: ها أنت تعودين إلى نقطة قديمة سبق لنا الاتفاق عليها. أم الجميع: ستحارب. الشاويش أبو الجماجم: (مترددًا أمام نظراتها المتحدية) سأحارب، نعم، ولكننا لم نتفق إذا كنت سأنتصر. أم الجميع: ستنتصر مع أولادي (تنادي أولادها، فيأتي ابنها الأوسط، تشد ابنها، وتتقدم معه) هذا هو ابني الأوسط حمد أبو ريش. الشاويش أبو الجماجم: (جالسًا من وراء الطاولة فاتحًا دفتر القيد) أمن الثوار هو الآخر؟ حمد أبو ريش: (قافزًا) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! من قال ثوارًا؟ أنا أفزع من ذكرى مضت وأخرى مغادرة... ليس هذا زمن الثورة، يا شاويش. أم الجميع: (تدفع ابنها في كتفه موبخة) ابني، ويقول هذا الكلام أمامي. الشاويش أبو الجماجم: أنت جبان إذن؟ (يهز الابن الأوسط رأسه موافقًا بشجاعة) هذا عظيم! أم الجميع: (تدفع ابنها في كتفه ثانية، وتنفي مؤكدة) هو قوي العضلات كأخيه الأكبر درويش نَفَس المرتينة (تنتهره) انصب قامتك، كن قويًّا كبغل، ذكيًّا كسهم. الشاويش أبو الجماجم: إذن ليس هو المطلوب. حمد أبو ريش: (بلهفة) لا تصدقها، أنا ضعيف العضلات، خائر القوى، خفيف كالريش، اسمي على شكلي. الشاويش أبو الجماجم: (بينما الأم مرتبكة) تحب التضحية ككل بطل؟ الجندية تعني التضحية. حمد أبو ريش: التضحية في الأعياد فقط، لا بأس في الأعياد من تضحية بعض الأرانب المقدسة وحملان الرب. الشاويش أبو الجماجم: هذا عظيم! أم الجميع: (للابن الأوسط مغتاظة) ستخيب أملي. ستسود عيشي. أيهوذا هذا من ذاك الليث أم هذه روما تسقط في الهاوية؟ الشاويش أبو الجماجم: وماذا عن الإخلاص. أم الجميع: (دون أن تدع لابنها الإجابة) مخلص إلى أبعد حد، فهو ابني، وأنا قد صنعته... الشاويش أبو الجماجم: (مقاطعًا) دعيه يرد وحده، إنه بالغ عاقل دون حاجة إلى وصاية أحد (يكرر سؤاله) وماذا عن الإخلاص؟ حمد أبو ريش: (مترددًا) الإخلاص... الشاويش أبو الجماجم: يعني إذا كنت جنديًّا طموحًا يسعى ليصبح شاويشًا طموحًا، أو إذا كنت شاويشًا طموحًا يسعى ليصبح ملازمًا طموحًا، نسأله ماذا عن الإخلاص؟ حمد أبو ريش: (بحماس) مخلص جدًّا، يا سيدي، ومتقن للمجهر والأسطرلاب! أم الجميع: (مكتئبة وحزينة تكلم نفسها) إذا كان يسرق أمه... إذا كان يضرب أخاه... إذا كان ينظر في عيني الشاويش فيرى نفسه نجمًا... الشاويش أبو الجماجم: (للأم) ابنك مقبول (يسجله بسرعة) وسيكون الأخير. أم الجميع: (راجية) لم يبق لي إلا واحد، وهناك أيضًا... ابنتي ميمونة، خذهما، يكون ذلك كل ما أطلب (تذهب بعجلة إلى طرف المسرح، وهي تنادي، وتختفي قليلاً في الكواليس). الشاويش أبو الجماجم: (صائحًا) يا جندي! (يريد النهوض، فتصطدم كرشه بالطاولة. يسارع الابن الأوسط إلى سحب الكرسي من تحت الشاويش في اللحظة التي يهم فيها بالنهوض) وقوي الملاحظة! حمد أبو ريش: أنا في خدمتك، يا سيدي الضابط! الشاويش أبو الجماجم: (مسحورًا باللقب) سيدك الضابط لم يصبح بعد ضابطًا، ولكنه سيصبح ضابطًا عندما يصبح من هو مثلك شاويشًا. حمد أبو ريش: اطمئن، يا سيدي الضابط. الشاويش أبو الجماجم: (صائحًا بغيظ) يا جندي! (ثم لنفسه) أين هو ذاك الجندي اللعين؟ الجندي: (داخلاً بعجلة) هنا، يا سيدي. الشاويش أبو الجماجم: خذه. الجندي: إلى السجن، يا سيدي؟ الشاويش أبو الجماجم: إلى المعسكر. الجندي: (خائبًا) أمرك، يا سيدي! الشاويش أبو الجماجم: ولا تكن قاسيًا عليه، عامله بلطف، وكن طيب القلب معه. الجندي: (مبتسمًا بخبث) حاضر، يا سيدي!
(يرفع الابن الأوسط قبعة الجندي، ويضعها على رأسه، ثم يسيران كالتوأمين إلى الخارج، يطوي الشاويش أبو الجماجم دفتر القيد والطاولة، ويحمل الكرسي والمجهر والأسطرلاب، ويهم بالذهاب) أم الجميع: (تأتي بصحبة ابنها الأصغر جريًا) أتيت به أخيرًا، لم يبق إلاه. حسن الشاطر: (لأمه محتجًّا) لماذا تريدين إرغامي، أيتها الأم الطيبة؟ الشاويش أبو الجماجم: لا فائدة، أغلقنا الدكان، أقصد أغلقناها بعد أن فتحناها في غير موعدها. أم الجميع: وماذا اتفقنا؟ الشاويش أبو الجماجم: لم نتفق. أم الجميع: أتعملها في؟ الشاويش أبو الجماجم: انقعيها واشربي ماءها! (يستل خنجره، ويأخذ بطعن صفحة ماء البئر). أم الجميع: (مبتهلة) قليل من الرحمة! خذه فقط، فهو الأخير. أما عن ابنتي، فبصلتها محروقة، عادت من حيث جاءت، عادت إلى الحاج عرقوب الناكث! تقول إنه أفضل منك (ينزعج الشاويش) لكنها مخطئة طبعًا، هذا ولدي الأصغر حسن الشاطر الذي أحبه أكثر من كل الآخرين، وهو شجاع ومخلص وقوي ليس له مثيل! إذا أخذته ارتاح قلبي، هكذا معه تنتصرون! الشاويش أبو الجماجم: (مرددًا دون مبالاة وهو يسير إلى الخارج) تنتصرون... تنتصرون... تنهزمون... أم الجميع: (ضاربة بقدمها الأرض) القذر! ذهب دون أن ينتظر! حسن الشاطر: حتى ولو قرر أخذي، فلن أذهب إلى قتلي! أم الجميع: (حزينة) لو ذهب ثلاثتكم معًا لكان بإمكانكم أن تفعلوا شيئًا، أما الآن... أرى الشمس أفواجًا من الغربان وأفواجًا أخرى من سحالي تأكل دودًا. كيف لا يطرق باب المجهول قلبي، فيخشى العزلة والموت ويقتله سيف التفرقة؟ حسن الشاطر: افهمي قليلاً، يا أمي، ليس هكذا تجري الأمور. أم الجميع: (غاضبة) إذن تريدها أن تجري كيف؟ إلى متى أصبر، وأقول غدا تعود عودة العائد إلى الفردوس؟ إلى متى أبقى صنمًا في الوحل يحفرني الجوع، ويفجر قلبي الحزن، وأقول غدا تعود إلينا أندلس المغادرة؟ لا يمكن أن يتحقق لي شيء، وأنتم لا تفعلون شيئًا، أنتم يا أولادي، لهذا أتيت بكم إلى هنا هذه المرة وأملي أن تعيدوا إليّ أملي... ذاك الأمل اللعين، وهذه ((الهنا)) الألعن! حسن الشاطر: هنا؟ أتيت بنا إلى هنا لنعيد إليك أملك؟ هنا أين؟ أم الجميع: (وقد نفد صبرها) هنا الحرب القادمة، هنا الانتصار الفائت، لتصبحوا أبطالاً مثلما هم عليه الأبطال، لتصبحوا ما عليكم أن تصبحوه. حسن الشاطر: اسمعي، يا أمي، أيام الأتراك كان السماسرة يجولون في الأرياف ليجندوا الشبان للسلطان مستعملين كل الحيل، أنهم سيصبحون أبطالاً، وأن مستقبلاً سعيدًا ينتظرهم، وكانت الحقيقة هي الحقيقة المعاكسة، كانت الحقيقة كذبة! أم الجميع: أيام الأتراك ليست أيام اليوم. حسن الشاطر: لن يحارب أحد. الحرب حلم لن يتحقق، الحرب حلم أختي صفاء. أم الجميع: (تتفجر بالغضب) أنت وحدك من يفكر هكذا، ستقع الحرب. اسأل صفاء، الحلم حرب صفاء، وفي كل صفائها تعيش حربًا. لماذا نتركها وحيدة؟ حسن الشاطر: لن يحارب أحد ليحقق حلم صفاء، افهمي قبل أن تأكلي أصابعك ندمًا، إنها الحقيقة مرتين، لا الحقيقة الكذبة. أم الجميع: (تنظر في عينيه بحثًا عن الحقيقة) الحقيقة؟ أية حقيقة غير صفاء؟ حسن الشاطر: (مؤكدًا) صفاء كذبة من لحم ودم تركناها هناك، لكنها كذبة حقيقية، لهذا سأقاتل من أجلها، وعلى هواي. أم الجميع: (تتشبث بذراعه) يكفي أني فقدت ولدين، تكفيني كارثتان جديدتان بعد كارثتي الأولى. أبوك ذهب، وأخوك الأكبر ذهب هو الآخر، وأخوك الأوسط قد تبعهما. كل كوارثي هذه تكفيني! أنت كل من تبقى لي (تعصر ذراعه حتى توجعه) لا أريد كارثة رابعة! أبوك غناه الشعراء، هذا صحيح، ولكنهم كانوا مأخوذين بالبطولة لديه، ولم يقفوا على الفاجع فيه (تند عنها تأوهة) هذا الفاجع أعيشه الآن في عينيك، في إطلالتك، في امتدادك، في صورة عشقك لصفاء الصافية، فاجعك أصفى من ضوء الماء، لهذا لا تشربني من الضوء عقابهم لي بعد عقابي لك (تبتهل) نفذ فيّ حكمك قبل فوات الأوان، وإلا صار الفاجع فواجع، ودقتنا الصواعق! حسن الشاطر: (متفاجئًا راجيًا) هوني عليك... لن أذهب إلى صفاء في الحال، لن أذهب إليها غدًا، الوقت باكر، وهي تحب النوم في الصباح. أم الجميع: لا تذهب، لا الآن، ولا غدًا، إذا ذهبت رميت بجسدي من عن صخرة بعد ذهابك. حسن الشاطر: سآخذك معي. أم الجميع: إذا ذهبت لا تخبرني عن موعد ذهابك. حسن الشاطر: لا تخافي من الموت. أم الجميع: أخاف من الحرية. حسن الشاطر: الموت أو الحرية؟ أم الجميع: الحرية.
(تخف الأضواء بالتدريج إلى أن يطبق ظلام مطلق. تشتعل الأضواء على الحاج عرقوب ومستر جون وصموئيل وأبي خامش والشاويش وهم يشكلون سورًا جبارًا. صقر جامح ينطلق في الأجواء، يضرب بجناحيه السور، فتطرده ألف يد منبثقة منه، يصرخ الصقر، ويحاول اختراق السور، فلا يقدر، ويغادر المكان، تنطفئ الأضواء. أصوات من البشر تأتي خافتة من جهة ما من المسرح المظلم. ترتفع بالتدريج، في الوقت الذي نسمع فيه خطوات عملاقة تتقدم. تشتعل الأضواء بالتدريج مع تنامي أصوات البشر، وتقدم الخطوات العملاقة المصاحبة لموسيقى تمثل يوم النشور، وفي اللحظة التي تتسلط الأضواء فيها على المسرح بأقصى قوة، مئات من النساء والرجال والأولاد - من يبنهم ميمونة والفلاحون الثلاثة - يصرخون من الدهشة والرهبة والتقديس على مشهد تمثال ضخم، الرأس لصقر والجسد لحوت واليدان والقدمان لإنسان، يسحبه أبو خامش بحبل من مسد، والبشر يحيطون به من كل جانب، وعندما يتوسطهم، يخر له الجميع كالنمل المنصعق، صمت شامل) أبو خامش: (في البدلة السموكن دومًا والسيجار في فمه) هذا الطوطم هو صلتي الخاصة بهم، وإلا ما حصلت على لحظة اختياري الحر! أين الأشقر فيهم والقوي؟ (يبحث بينهم) أين الجميل؟ (يغضب) هذه حثالة البشر. كيف يمكن للقوة والجمال أن يلتقيا في البشاعة؟ (يرفع يدين مرتعشتين إلى التمثال) هذا الوثن هو مرموزة البحث عن الاستحالة! ثلثه صقر، وثلثه حوت وثلثه إنسان. ثلاث استعارات للوجود. قوة ورقة وعقل له وظيفة التحول. إوالية الفلسفة. سر الحركة. القوة الآلية التي تنشأ عنها حركات الكون. ليس العقل جمال النفس حتمًا، فهؤلاء هم في معظمهم جميلو النفوس (يرفع أحدهم بدهشة ولهفة) هذا واحد أشقر (يقيس عضلاته) وقوي، لكن... (يتوجه إلى الطوطم) هو مثلك لا يقوى على التفكير. سأجعل منه حقل حريتي ريثما يطلع فجر حريتنا، في اللحظة التي أنطقك فيها، فتصبح أنا، وليس صلتي بهم (يتوجه إلى الذي اختاره) اذهب إلى المعمل، وابدأ العمل، هناك رسيمة أمضيت عليها الليالي، اجعل منها نسيجك، وانتظرني بعد أن أفرغ من مهمتي (يكون قد اختار بنتًا حمراء في الثالثة عشرة) وأنت أيضًا، اتبعيه إلى حيث أريد، لأنجز إرادة أخرى (ثم يأخذ بطرد الباقين غاضبًا، فيصرخون خوفًا، ويخرجون)... نعم، لقد كنتم هنا، نعم لقد كان صراخكم، وبقي هذا التمثال العظيم الذي هو أنتم في عقولكم (يسحبه) ليست يدي التي تسحبه في الفضاء، أنا أمر في الصمت كي يخرج من الصمت، عندئذ، سأسمع الضوضاء في المعمل، فأطمئن، وأستمر في سحبه (يسحبه خارجًا) إلى نهايات الوجود (يمر بأم الجميع وولدها الأصغر حسن الشاطر دون أن يراهما، وقد بدت على وجه الأم ألوان الدهشة والرهبة والخشوع، بينما ظل ابنها حجرًا). أم الجميع: (دون أن تزول دهشتها ورهبتها وخشوعها) ها أنت تمضي! حسن الشاطر: (حجرًا دومًا) إلى أين؟ أم الجميع: إلى حيث أراك سيدًا. حسن الشاطر: ألا يكفي ذلك غيري؟ أم الجميع: لا يكفي بعد أن تصير غيرك. حسن الشاطر: لا ترميني في جحيمك. أم الجميع: سأرميك في حلم الحياة، وفي العشق المستهيم، سأرميك في ديني، وفي الموت الذي أريد! حسن الشاطر: (يسير عدة خطوات إلى الوراء) هل هذه هي الطريق؟ أم الجميع: (مأخوذة بالفرح الغامر) ها أنت تأتي (ينظر فلا يرى أحدًا) ها أنت تأتي من قلب سنة الله! (الطوطم العملاق الثلاثي الصفات يتقدم بتوأدة، الأرض تتزلزل تحت أقدامه) ها أنت تشق الجبل جبلين، وتظفر بأميرتك الضائعة! (تركع عند قدمي التمثال بمهابة) من ظلك تنهض الأموات، وتمتلئ الأرض بالبشر المؤتمر بأمرك! آه! (تقبل قدمي التمثال) اصنعني من جديد، اقبل بكوني جارية لك أو أمك! حسن الشاطر: (يرفع أمه بين ذراعيه) تعالي نقف هناك، لنبتعد عن الظلال القاتلة! (يحاول إبعادها فلا يمكنه ذلك) إذا كان الأمر كذلك، فمن الأفضل أن أركب مغامرتي، افهمي، طردوني من حيث أعمل، وأنا لا أريد أن أقوم بعمل آخر غير المغامرة. أم الجميع: أنا هي المغامرة، أراك تنتهي من حيث تبدأ، وتبدأ من حيث تنتهي. حسن الشاطر: (محتدًّا) افهمي، لا أريدك أن تكوني طريقي الشقي. أم الجميع: أنا هي الطريق، أراك من ورائي تأتي مع أنك تمضي من أمامي. حسن الشاطر: (محتدًّا دومًا) افهمي، لن أتبعك. أم الجميع: أنا هي الرؤيا، أراك تلبس جسد هذا التمثال، لتصبح أعلى من شجرة التين، فتتبعني إلى هناك، وأنت لم تزل هنا معي. حسن الشاطر: (محتدًّا دومًا) سأعصيك لأول مرة. أم الجميع: (دون أن تصغي إليه) وهذه الآتية ستجعل منها امرأتك.
(في اللحظة نفسها تدخل شابة تلصق منشورات على عمود، ثم تتقدم نحو أم الجميع وحسن الشاطر بعريضة وقلم) الشابة: (لهما) وقعا هنا. أم الجميع: (لها) ماذا تريدين من ولدي غير ما قلت؟ الشابة: أن توقعي هناك أنت وولدك. أم الجميع: (لابنها) أن أوقع يعني ماذا؟ حسن الشاطر: يعني أن تمضي اسمك. أم الجميع: ولمَ أمضي اسمي والكل يعرف اسمي؟ الشابة: هذه عريضة احتجاج من أجلكم، ونحن نجمع الأسماء الغاضبة. أم الجميع: (غاضبة) اسمي أم الجميع، صنيعة بنت المقدادي، هنا الكل يعرفني، وهناك الكل يعرفني. الشابة: إذا كنت أمية تستطيعين أن تبصمي. أم الجميع: أن أبصم على ماذا؟ الشابة: على ما هو مكتوب هنا. كل ما هو مكتوب هنا من أجل مصلحتكم. ألا تعرفون مصلحتكم؟ حسن الشاطر: نحن لا نعرف القراءة ولا الكتابة. الشابة: ابصموا فقط (حسن الشاطر وأمه يقلبان النظر في أصابعهما المهترئة) لا فائدة! سيبقون جهلة لا يعرفون مصلحتهم إلى يوم الدين! (تنفخ غير مبالية، وتخرج). حسن الشاطر: (لأمه) هل تعرفين من هي هذه الشابة؟ أم الجميع: أعرف، ابنة أبي خامش، وستجعل منها امرأتك كما قلت لك.
(تتزلزل الأرض مع خطوات الطوطم مغادرًا المسرح، تتعلق به الأم دون فائدة، ثم تعود خائبة، تنحني على ابنها كشجرة تين، وتقول...)
أم الجميع: ذهبت وحدك، فاذهب، وعد بك إليّ، لنصعد الجبلين (تنطفئ الأضواء).
(تشتعل الأضواء على أبي خامش مطاردًا الصقر الجامح، يسقط بين أظافره، ثم لا يلبث أن يفلت، ظلام، ضوء على حسن الشاطر وأمه، تدخل ميمونة بصحبة الفلاح الأول، وكل منهما يقطع بأسنانه رغيفًا من الخبز، يسلمان، وأم الجميع تتابع، غير مصدقة، حركة يد ابنتها القابضة على الرغيف) أم الجميع: خبز! وفوق هذا أبيض! ميمونة: (مشيرة إلى الفلاح الأول) أشهد أنه هو الذي سرق! (تعطي كسرة لأمها، فتأكلها بنهم، ولأخيها، فيقضمها بأناة). الفلاح الأول: (متفاخرًا) طلبت من الفران أن يحضر لي رغيفين ساخنين من بيت النار، وعندما غاب في المكان، سرقت رغيفين ساخنين، ورحت أركض في الزمان بأقصى قواي، فلم أرَ أحدًا غيري.
(يظهر الشاويش أبو الجماجم على رأسه كاسكيت وبيده عصا ينظر في كل الأنحاء بحثًا عن السارق) أم الجميع: (للفلاح الأول بخشية) إذا لم تهرب الآن ألقى القبض عليك بعد فوات الأوان.
(الفلاح الأول يهرب، ميمونة تحشو كل ما تبقى من الرغيف - قطعة كبيرة- في فمها قبل أن يصلهم الشاويش، فينتفخ خداها) الشاويش أبو الجماجم: هل رأيتم سارقًا مر من هنا؟ أم الجميع: سارق خبز؟ الشاويش أبو الجماجم: سارق رغيفين. أم الجميع: أسرع والحق به، لقد مر من هناك (مشيرة إلى الطرف المعاكس).
(يذهب الشاويش مهرولاً، فتقذف ميمونة ما دفعته من خبز في فمها داخل كفها بعد أن كادت تختنق) أم الجميع: هيا بنا نذهب من هنا قبل أن يعود. حسن الشاطر: إلى أين؟ أم الجميع: (بينما ميمونة لاهية بأكل خبزها بهدوء) إلى بيتك. أليس لك بيت؟ حسن الشاطر: لي بيت الله، حكيت لك الحكاية. أم الجميع: تنام على الرصيف إذن؟
(الأم تنبه ابنتها بدفعة من كوعها في خصرها إلى الشاويش أبي الجماجم الذي يظهر من جديد، فتضع الخبز الباقي - قطعة صغيرة- في فمها بسرعة، ماضغة بسرعة، لتجمد فجأة ما أن يصل) أم الجميع: ألم تجده، يا شاويشي؟ قلت لك إنه مر من هنا، من هنا، وذهب من هناك. الشاويش أبو الجماجم: (ضاربًا العصا في يده على التوالي) لماذا تكذبين يا امرأة؟ أتكذبين على البوليس؟ أتنصبين على الحكومة؟ قولي إنك تنصبين على الحكومة! أم الجميع: (محتدة) أنا أنصب على الحكومة! عندما قلت لك إن السارق مر من هنا، وذهب من هناك، لم أكن أكذب عليك، ولا على الحكومة، كنت أقول الصدق، اسأل الآخرين (لولديها) ألم أكن أقول الصدق؟ الشاويش أبو الجماجم: من أنت؟ وماذا تفعلين هنا والظلام يهبط (يلقي بنظرة سريعة إلى النجوم) والنجوم لم تزل تتكون في بطن الغيم إذا ما لم تكوني السارقة؟ أم الجميع: (غاضبة) إياك أن تظن بي الظنون، يا شاويش! لست السارقة، والسارق كما قلت لك، مر من هنا، وذهب من هناك. الشاويش أبو الجماجم: (مهتاجًا) من أنت؟ قلت من أنت؟ وماذا تفعلين هنا والظلام يهبط (يلقي نظرة سريعة إلى النجوم) والنجوم لم تزل تتكون في بطن الغيم؟ أم الجميع: (بزهو) أنا أم الجميع، هذا ولدي الأصغر حسن الشاطر، شاطر ولا كل الشطار، عامل ولا كل العمال، نافع ولا يعرف غير النوافع، طردوه لأنه مشاغب ابن... (يسارع الابن إلى إقفال فمها، فتبدل القول) لأنه خامل ابن خامل، يعمل طوال الليل فقط وطوال النهار! وهذه ابنتي الصغرى ميمونة، ميمونة ولا كل الميمونات، فلاحة ولا كل الفلاحات، صالحة لا تعرف غير الصوالح، طردوها لأنها ذهبت للتطوع مع إخوتها... (تسارع الابنة إلى أقفال فمها، فتبدل القول) لأنها رفضت التطوع مثل أخوتها... (تسارع الابنة مرة أخرى إلى إقفال فمها فتحتار) لأنها ذهبت وما ذهبت، لأنها رفضت وما رفضت... الشاويش أبو الجماجم: (زاجرًا) كفى. أم الجميع: ألم تسأل من أنا؟ أنا أقول لك من أنا. الشاويش أبو الجماجم: قلت كفى! (يهدد بالعصا) كفى وإلا دغدغتك جيدًا... أنا!
(ترتمي أم الجميع بين ذراعي ابنها، وتحيط بهما ابنتها) الشاويش أبو الجماجم: (دافعًا إياهم بقبضته) اذهبوا إلى بيوتكم! تتسكعون في الشوارع بدلاً من أن تكونوا في فراشكم؟ هيا اذهبوا إلى بيوتكم! كلٌّ إلى بيته! إلى بيته!
(يطردهم الشاويش. يبحث في أنحاء المسرح عن السارق إلى أن يمر بالفرن. واجهة متحركة تمثل الفرن. لا قطة هناك، لا أحد. الأرغفة البيضاء الشقراء معروضة على بسطة من الخشب الكافوري الأسود. ينظر يمينًا ثم ينظر يسارًا، وعندما يتأكد من عدم وجود أحد، يتناول رغيفين، ويدفعهما في صدره، ثم رغيفين آخرين. يريد الذهاب، فيتردد. يلتفت مرة أخرى يمنة ويسرة ويسارع بنقل بسطة الأرغفة كلها، ثم يغادر المسرح مهرولاً وهو يصيح...) الشاويش أبو الجماجم: مَنِ السارق؟ مَنِ السارق؟
(تنطفئ الأضواء ثم تشتعل على ثلاثة براميل نفط شفافة قرب خيمة بالية) أم الجميع: (عارية من داخل البرميل الأوسط) كالسمك يريدون خزننا في البراميل! كالسمك! ميمونة: (عارية من داخل البرميل الأيمن) كلما صعدت من السمك رائحة العفونة صعد نوعه، وازداد بيعه، صعد ثمنه، الفسيخ أغلى من السردين، والسردين أغلى من السمك، والسمَّاك هو المستفيد! حسن الشاطر: (عاريًا من داخل البرميل الأيسر) كلما صعدت من السمك رائحة العفونة اطمأن السمَّاك إلى أن السمك مات! إذا مات السمك لا يمكن له أن يقفز، وتبقى حافة البرميل بعيدة! أم الجميع: (من داخل البرميل) وإذا لم يكن السمك ميتًا ماذا يفعل السمك؟ ميمونة: (تقفز إلى أعلى فتظهر من الفوهة) يقفز السمك ليتنفس الهواء (ثم تهبط مختفية في البرميل). حسن الشاطر: (يقفز بدوره) يقفز السمك ليرى السماء (ثم يهبط مختفيًا) ليرى إذا كان المطر آتيًا مع السحاب. أم الجميع: (واقفة في فوهة البرميل) ينظر السمك بعيدًا، وينظر قريبًا، ويبحث عن البحر، لأن البحر للسمك والسمك للبحر. حسن الشاطر: (واقفًا) في البحر لا يموت السمك، لأن البحر للسمك، والسمك للبحر. ميمونة (واقفة) في البحر يسبح السمك بحرية، لأن البحر للسمك، والسمك للبحر. الثلاثة معًا: أما إذا أخرجوا السمك من البحر، ووضعوه في البراميل، مات السمك. أم الجميع: (بسرعة) ليعيش السمك يحتاج إلى الماء. ميمونة (بسرعة أيضًا) وإلى الهواء. حسن الشاطر: (بنفس النبرة) وإلى الغذاء. أو... (بنبرة عادية) أن يصير هو الغذاء. عند ذلك، يخرجه الصياد من البحر، ويبيعه للسمَّاك. ميمونة: ليبيعه السمَّاك. حسن الشاطر: وليربح السمَّاك. أم الجميع: كل شيء يكمن في هذا، أن يربح السمَّاك. حسن الشاطر: كلما صعدت من السمك رائحة العفونة اطمأن السمَّاك إلى أن السمك مات، إلى أن السمك لن يعود إلى الماء. أم الجميع: (للابن الأصغر) بدأت تصعد منك رائحة العفونة! حسن الشاطر: (لأخته) وأنتِ! ميمونة: (لأمها) وأنتِ!
(يسمعون بعض خطوات آتية، فيختفون بسرعة في البراميل الشفافة. يظهر سيجار أبى خامش، ثم أبو خامش. يتفقد البراميل، وعلى وجهه أمارات الغضب. يقترب بحذر من الخيمة البالية، فينطلق منها بعض السعال. يرفع طرفها، ويأخذ بجس عضلات النيام، ثم يدور دورة دب ذكي من حولها. أثناء ذلك، تخرج ميمونة من البرميل، ترمي عليها ثوبًا، وتتبعه، إلى أن تفاجئه بوجودها من خلفه) أبو خامش: من أنت؟ حلم أم علم؟ ميمونة: حلم. أبو خامش: (مبتهجًا) أجمل الأحلام! ميمونة: يبدو عليك الابتهاج. أبو خامش: أبتهج للجمال. هناك ما أخبئه لك (يأخذ بجسها، ولمسها، فتثير شهوته، فيسألها عن نفسها) ما رأيك لو... (ثم لنفسه) سأقضي معها بعض لحظة جنس، ثم أعيد الطوطم إلى قلعته (ثم لها) ما رأيك لو...؟ ميمونة: جائعة حتى الموت. أبو خامش: (بحماس) سأطعمك حتى الموت. ميمونة: تعبة حتى السكر. أبو خامش: (بحماس) سأريحك حتى السكر (يلمسها من كل مكان ثم يرفعها عاليًا) طلب فقط، واطلبيني ما أستطيع عليه. ميمونة: (متصنعة عدم الفهم) ما هو طلبك؟ أبو خامش: (دافعًا يدها على قلبه منفعلا) دعي دقات قلبي تخبرك. الوقت لقلبي الآن، هو من يحكي. ميمونة: (تقفز بين يديه) الحق بي إذن، ليحكي لي قلبك، وأحكي له، لأحكي قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر. أبو خامش: سألحق بك (يركض من ورائها وهي تقهقه) حتى الجحيم (يمسك بها، ويجذبها إلي صدره) رغم الجحيم! (يحاول تقبيلها، فتمانع). ميمونة: أولاً الأكل. أبو خامش: (يأكلها) أول الأكل. ميمونة: جائعة حتى الموت. أبو خامش: جائع حتى الموت. ميمونة: وإذا ما رآنا الناس؟ أبو خامش: إلى الجحيم! ميمونة: (متخلصة منه) كفى! أنا تعبة! أبو خامش: (بوحشية جريحة) آه منك، يا سالومي الغادرة! رأسك سيكون قضاءك!
(تهرع إلى الخارج هلعة وأبو خامش من ورائها)
أم الجميع: (من داخل البرميل) كلما صعدت من السمك رائحة العفونة، اطمأن السمَّاك إلى أن السمك مات... حسن الشاطر: (من داخل البرميل)... إلى أن السمك لن يعود إلى الماء. أم الجميع: وإذا كان السمك إنسانًا؟ حسن الشاطر: يرفض أن يكون سمكًا. أم الجميع: وإذا كان البرميل وطنًا؟ حسن الشاطر: يرفض أن يكون برميلاً. أم الجميع: وإذا ذوبوا السمك في الماء؟ حسن الشاطر: السمك لا يذوب في الماء. أم الجميع: وإذا كانت للسمك أيادٍ؟ حسن الشاطر: يمسك السمك بطرف البرميل (يمسكان بطرف البرميل) ويقفز خارجه (الآن كلاهما على الأرض. يرميان عليهما ثوبًا). أم الجميع: وإذا كانت للسمك أقدام؟ حسن الشاطر: يسير السمك إلى الماء، ويخلص من العفونة.
(كلاهما يضحك. حسن الشاطر يحيط كتفي أمه بذراعه، ويسيران معا نحو البحر، فيمران بمعمل أبي خامش. يضاء جانب من جوانب المسرح - ديكور من خشب أو كرتون يمثل المعمل - معد لهذا الغرض)
أم الجميع: في المعمل ضوء. حسن الشاطر: هناك من يعمل. أم الجميع: حتى هذه الساعة البعيدة من الليل؟ حسن الشاطر: وأحيانًا حتى الصباح. أم الجميع: سنمد لهم يد العون، أنت هذه مهنتك، وأنا أتعلم بسرعة. حسن الشاطر: ظننتك جائعة لا تقدرين على فعل شيء. أم الجميع: بل أقدر على جوعي.
(تشد حزامها حول معدتها، يطرق حسن الشاطر باب المعمل، وفي الوقت نفسه، تنطلق صرخات حادة لميمونة، فيحطم حسن الشاطر الباب ليجدها مرفوعة في فراغ الأشياء بين أصابع الطوطم الجبارة، والدم يقطر منها، تند عن الأم تأوهات الجزع والهول، بينما يأخذ حسن الشاطر بتسلق الوثن الخيالي لينقذ أخته. وهو في الأعلى، يخرج عليه أبو خامش من ساق التمثال، ويرفع رأسه إليه، يتماهى حسن الشاطر بقوة الصقر وضوء العقل وجمال الحوت، فيخر له ساجدًا) أبو خامش: (بابتهال وخشوع وخشية) هاءنذا أجدك بعد يأس دام عصورًا، بلسانك سوف ينطق الوثن الخرافي، وتتكون عنك المرموزة، فأنت الضوء، أنت القوة، أنت الجمال! وجدتك، فاطلبني أطعك، ومن ابنتي اجعل لنفسك أجمل زوجاتك.
(ظلام... إلا دائرة ضوء على أم الجميع، وهي تهز رأسها بتوأدة عدة مرات على التوالي، وتبتسم ابتسامة حزن غامضة مديدة) اللوحة الرابعة (حسن الشاطر يحمل رأس الطوطم الصقري، وأمه تحمل ساقه اليسرى. يسيران في وادي الأردن، باتجاه الجليل. الشخصيات كلها التي ترسم معهما هذه اللوحة تظهر على الخشبة طوال الزمان الخاص بها ثم تغادر المكان)
حسن الشاطر: أنا كل شيء يصيد من البزاة والشواهين، قارة باليمامة، اللبن الحامض، الدبس، وعسل الزبيب! أنا شدة وقع الشمس، والماء الآجن، والقيادة على الحرم، واللعن لمن لا يستحق! أنا ما انحط من ورق العضاه، واسم جهنم، والسماء الثالثة، والفأس العظيمة! أنا البصر الثاقب الداهية النازلة، الضارب العصا، الكاسر الحجر! أم الجميع: أنت حكاية صوت طائر، وصفاء هي الكذب الصريح! حسن الشاطر: هي ما لم أكنه في الوصف، ما سأكون! أم الجميع: مسكين كل الوصف، مسكين أنت. تذهب إلي حيث السؤال عن النسيان. لا ننساك، يا صفاء، ننسى العمر، ولن ننساك. وأنت، هل تذكرين العمر أم نسيته؟ لكنهم صنعوا لنا عمر النسيان، وعمر الذاكرة، والعمر يمضي. حسن الشاطر: العمر يمضي بالعمر، وصفاء أطيب شيء أخرجته الناصرة. أم الجميع: لن يصدق أحد إلا إذا ذهب ورأى. حسن الشاطر: نحن ذاهبان في الوادي، باتجاه الجليل. أم الجميع: هي طريقي، وأنا أتبعك. حسن الشاطر: نحن ذاهبان إلى أول أغنية حب. أم الجميع: وإلى آخر حرب. حسن الشاطر: نحن ذاهبان إلى أول قبلة. أم الجميع: وإلى آخر خيمة. حسن الشاطر: نحن ذاهبان إلى أول عناق. أم الجميع: وإلى آخر عاصمة. حسن الشاطر: هل نعيد تركيب السفر؟ أم الجميع: في شريعة موسى كتب اسمك، وفى قصيدة ستكتب عنك بعد سبع عشرة سنة. قصيدة لن تكون بعدها قصائد... سيهجر الشعراء القول، أو، أن القول سيهجرهم، وسيتكاتبون عن الماضي. حسن الشاطر: بل عن المستقبل الذي صار ماضيًا، أو عن الحاضر الذي لا يمضي. أم الجميع: سيتكاتبون عن الماضي، وسيكرسون المنفى من حيث لا يدرون. حسن الشاطر: بل العودة من حيث ندري. أم الجميع: سيكرسون العذاب من حيث لا يدرون. حسن الشاطر: بل السعادة من حيث ندري. أم الجميع: سيكرسون ما يريدون نفيه لكثرة ما يعيدونه في الرسائل، وسيعذب أحدهم نفسه مجانًا في بلاد الجليد، فأين هو من صحراء الرمل وصحراء الصقيع؟ هو هناك، ولا يرى إلا هنا، دون أن يراني! حسن الشاطر: لن يرى إلا هنا، وإن لم يرك، فأنت هنا، هذا مكانك، وهذا زمانك. أم الجميع: وماذا سيفعل بالحيتان هناك، وهو الذي لا يرى السمك؟ حسن الشاطر: لا يهمه السمك. يهمه البحر. أم الجميع: إذن ليكن قصيده منفاه، وليكن منفاه، إن شاء، أزليًّا، لأني من خارج القصيدة أراني أعبر طريقي. حسن الشاطر: طريقك لا نهاية له في القصيدة، فإلى أين ستقودك الطريق دون أغنية؟ أم الجميع: إلى قبر أبيك، تعرف أني أجد ما يستعصي على حالاتي. سيكون قبر أبيك أمنية القصيد، سأحقق الأمنية بعد الموت، فتموت الأمنية! حسن الشاطر: دومًا ما تموت الأماني، لكن أماني الشاعر حيات باقيات، وإن ماتت الأماني. أم الجميع: كم يفرقنا القصيد! حسن الشاطر: سنتفق في قصيد آخر أو في آخر قصيد. أم الجميع: وأنا؟ ما ذنب حياتي؟ حسن الشاطر: أن تكون ما تكون. أم الجميع: لن تكون غير ما تكون. حسن الشاطر: القمر أيضًا، وملاك الموت، وشيطان الحب، وبيت الشعر النافي للعقاب، والراسم للجريمة. أم الجميع: لأننا التحقق، ولأننا التخيل. حسن الشاطر: دعي الشاعر إذن يبكي البكاء. أم الجميع: سيبكي بكاء النهر وبكاء الليل قبل آخر فجر. حسن الشاطر: هكذا يصل النبع بمصبه، ليبدأ شوطًا آخر من منفى الشعر في منفاه. أم الجميع: ليبدأ شوطًا آخر من المنفى الأزل (غاضبة) انظر إليّ! أنا هنا، ولا أرى إلا هناك، دون أراه. حسن الشاطر: لأنه الظل. أم الجميع: لتسقط الظلال إذن على قدميّ. حسن الشاطر: قدماك بحر، والبحر منفى، والمنفى أزل، إنه قدر الشاعر، وكلنا غدا إياه. هذا القدر هو قدرنا في الإخلاص، وفي الخيانة، هذا القدر نحن إن بقينا أو ذهبنا! أم الجميع: فليدقني قدركم إذن، وليختصر بي المسافة! حسن الشاطر: لا اختصار للمسافات في هذا الوهم. أم الجميع: هو وهمكم، وأنا ذاهبة إلى وهمي. حسن الشاطر: سلمي لي عليك، وكوني لك الخطأ، أنت الخطأ، والشاعر لا البقية، ولا الصواب. إنه الحساب! أم الجميع: هو حسابكم، وهذه بقاياي، لن أجمع أشلائي. هذا الحيوان الذبيح هو أنا، والعالم سكين مهول. هذا الدم المتفجر هو أنا، والعالم وحش رؤوم. هذا القمر الساخر هو أنا، والعالم محاق وجنون. فى نهاية العالم أجدني، في لؤلؤي وأشلائي، ليبدأ العالم معي جريمته الجديدة، فيجد منفاه. أنا منفى العالم! هل يعرف الشاعر؟ هل يخرج من منفاه إليّ ليعرف؟ أنا منفى العالم، أنا معجزة القهر، وخرافة الهزائم! حسن الشاطر: لن يخرج من الحقيبة! زمنه سيكون زمن الحقيبة، ووطنه سيكون وطن الحقيبة، وقبره سيكون قبر الحقيبة! أم الجميع: سأرأف به عند ذلك، أنا حقيبة العالم! سأجعله زئبقًا، أنا وطن العالم! سأكون له شيئًا آخر غير القبر، أنا قبر العالم! وسأعطيه للقصيد من جديد، فيكتب عن طريق قصير في ظل الموت. أما أنت، فلن تخرج من الكتاب، ولن يخرج هذا الكتاب معك إلى الدنيا بعد أن يطارده الرقيب العسكري على الثقافة في مجلة تقول عنها مجلة الثورة، وفى دائرة تقول عنها دائرة الثورة، بينما هي، هذه أو تلك، مؤسسة للنظام كانت وستكون كأية مؤسسة، فما المكان إلا صورة، وما الكلام إلا فضاء، وما الظل إلا استعارة، فاكتب لهم عن ظل أبيك الجديد. حسن الشاطر: بل عن ظل أبي القديم.
(يمران برجل نصفه صقر ونصفه حوت يحفر قبورًا يدفن فيها أجساد بنادق لا أروع منها إلا أجساد الحور ثم يحمل صفاء حية ويدفنها)
حسن الشاطر: في الحلم رأيت أبي يدفن أختي حية. أم الجميع: هذا لأنه كان يبغضها أكثر منك. حسن الشاطر: في الحلم رأيت صفاء تلد صفاء من على حجر. أم الجميع: هذا لأن الحقيقة صارت حلمًا. حسن الشاطر: في الحلم رأيت صفاء تقتل صفاء من أجل حجر. أم الجميع: هذا لأن الحلم سيصير الحقيقة مرتين. حسن الشاطر: سيكتب الشعراء عن صفاء الحقيقة وصفاء الحلم والنعيم، وسيعيدون أبي من الكلمات التي دفنت الماضي. أم الجميع: سيدفنون أباك في الكلمات، وسيأتي معهم من يدفنه في المعايير، ليملأوا السطور. سيرفعون اسمًا، ويضعون اسمًا، فليس هناك أغنى من حقل المترادفات. وسيغمّضون الكلام، ليطرقوا باب العبقرية. حسن الشاطر: هؤلاء لن يقولوا شيئًا فريدًا، سيقرأون من خلال قراءة غيرهم لغيرهم، فتقرأهم الأنانية، لأن الشعراء، أصحاب الشعر والمعرفة، يقفون في دائرة الحسد. أم الجميع: بل في دائرة العدوى. حسن الشاطر: في الحلم رأيت أبي يدفن أختي حية مرة أخرى. أم الجميع: هذا لأنه كان يعشقها أكثر منك. حسن الشاطر: في الحلم رأيت أختي صفاء تلد سارة، وسارة تلد صفاء، من على حجر. أم الجميع: هذا لأن الحقيقة لم تزل بعد حلمًا. حسن الشاطر: في الحلم رأيت سارة تقتل صفاء، وصفاء تقتل سارة، من أجل حجر. أم الجميع: هذا لأن الحلم كان الحقيقة مرتين. حسن الشاطر: ما ذنب الحجر إذن. أم الجميع: وما ذنب صفاء؟ ما ذنب سارة؟ حسن الشاطر: ها هما تفسدان في الحجر مرتين. أم الجميع: لأجل أن تقيما عليه وعدًا كان مفعولاً. حسن الشاطر: الوعد أم المفهوم؟ أم الجميع: وعدك هو مفهوم الرحلة. حسن الشاطر: المفهوم هو وعد المرحلة. أم الجميع: ها نحن ذاهبان في الإشارة. حسن الشاطر: بل في السياق... في الطريق الجديدة. هذا هو نظام الأشياء السابقة واللاحقة... انظري! (يلتقط ثلاثة فلاحين ممن فقدوا أرضهم) ما رأيكم؟ ماذا ستفعلون؟ الفلاح الأول: أنا اختيار غيري لي. الفلاح الثاني: وأنا اختيار غيري لغيري! الفلاح الثالث: وأنا الرضوخ لمن اختار. نعمته عليّ في اختياره لي، على أن أكون جديرًا باختياره! حسن الشاطر: ما رأيكم ماذا ستفعلون؟ الفلاح الأول: لا أحد حر. حسن الشاطر: كل واحد حر. العبودية محطة قبل حرية. الفلاح الثاني: لا حق لأحد. حسن الشاطر: لكل واحد حق واحد على الأقل. الحق سيف تنتزعه اليد من غمده. الفلاح الثالث: لا أحد لأحد. حسن الشاطر: كل واحد لواحد عندما يختار الواحد نفسه التي يريد. انظروا، إصبع جديدة تخرج من حجر جديد يشير إلى ناحية جديدة. الفلاحون الثلاثة: (برعب) هذه بدعة قديمة! حسن الشاطر: (غاضبًا) بل الطريق الجديدة! الفلاحون الثلاثة: (برعب دومًا) هذا سحر نخشاه ولا يخشاه الموت! أم الجميع: (متدخلة) وهذه لحظة ذهابك إلى طريق أخرى يحملكم فيها حكامكم على أكتافهم بعد أن صاروا عبيدًا لكم، فتختارونهم شعبًا، وتسيئون معاملتهم! الفلاحون الثلاثة: (وقد غادرهم الرعب) هذا سحر لا نخشاه ويخشاه الموت! أم الجميع: (غاضبة) ليدق أعناقكم السيف الجلاد، وليكن دمكم ودم صغاركم حلالاً للقوة والمخمل، يا مغضبين! (تطردهم). حسن الشاطر: (مقهقًا) لم تكن سوى محطة قبل محطة، فطريق العودة محطات، دعينا نقف في أخرى. أم الجميع: (دون أن يزول بعد غضبها) أرى ملاكًا أسود يهبط من السماء، في يده مفتاح الهوية وسلسلة عظيمة (تواصل بإصرار ودون تردد) يلقي القبض على التنينين، ويرمي بهما في الهاوية، ثم يغلقها بالسلسلة.
(خلال ذلك يهبط هيكل متحرك من سماء المسرح يمثل مختبرًا لسحب الدم، بعضهم يبيع دمه للحاج عرقوب ليبيعه الحاج عرقوب بدوره لمستر جون. وفى الوقت نفسه، يحاول أبو خامش وصموئيل انتزاع رأس الصقر من حسن الشاطر، وكل ذلك بإشراف الشاويش أبي الجماجم) حسن الشاطر: وأنا أرى ما أرى... أرى الحكمة المحدودة. أم الجميع: بل حكمة ما فوق البشر. حسن الشاطر: العدم والحرب. أم الجميع: بل عدم شيطان الحرب. حسن الشاطر: طفل العالم الوارث لضعفه. أم الجميع: بل طفل الله العاكس لصفاته. حسن الشاطر: (غاضبًا) لننقذ أرضنا القديمة. أم الجميع: (غاضبة هي أيضًا) لنقم أرضًا جديدة. حسن الشاطر: هذا هو نظام الأشياء الحاضرة... انظري! (يلتقط ثلاثة نازحين ممن باعوا دمهم) ما رأيكم؟ ماذا ستفعلون؟ النازح الأول: أنا المرض! أنا المسغبة! النازح الثاني: وأنا الغربة! النازح الثالث: وأنا موت الطفولة... دفنت طفلي يوم أمس، ويوم أول أمس دفن طفله جاري! حسن الشاطر: ما رأيكم! ماذا ستفعلون؟ النازح الأول: كل شيء يموت. حسن الشاطر: لا شيء يموت. الموت محطة قبل عودة. النازح الثاني: كل شيء ينتهي. حسن الشاطر: لا شيء ينتهي. النهاية قطار يقف لحظة. النازح الثالث: كل شيء لا معقول. حسن الشاطر: لا شيء لا معقول إلا في عبث اللا انتظار! انظروا، إصبع قديمة تخرج من حجر قديم يشير إلى ناحية قديمة! النازحون الثلاثة: (برعب) هذه بدعة جديدة! حسن الشاطر: (غاضبًا) بل الأرض القديمة! النازحون الثلاثة: (برعب دومًا) هذا سحر نخشاه ولا يخشاه الموت! أم الجميع: (متدخلة) وهذه لحظة ذهابكم إلى أرض أخرى تندق فيها السيوف سكة محراث، والرماح مقصًّا لتقليم الشجر، فلا ترفع أمة على أمة سيفها، ولا تتعلمون الحرب أبدًا! النازحون الثلاثة: (وقد غادرهم الرعب) هذا سحر لا نخشاه ويخشاه الموت! أم الجميع: (غاضبة) ليأكلكم الثعبان الأصلي، وليفاقم من بلواكم أضعاف ما هي عليه يا مغضبين (تطردهم). حسن الشاطر: (مقهقهًا) لم تكن هذه سوى محطة قبل محطة، فطريق العودة محطات، دعينا نقف مرة أخرى في أخرى. أم الجميع: (دون أن يزول بعد غضبها) كل شيء يولد في النفوس، الحب والموت والحروب. حسن الشاطر: ومن خارجها نبني هذا أو نهدم ذاك. انظري إلى ذاك الشاب الذي يأتيني بعد أن دمروا القدس لأول مرة (يظهر شاب على الخشبة، جميل، كأنه فينوس فلسطين، في يده عنب، يقول له) انتظرتك... انتظرتك... انتظرتك... الشاب: كنت أبحث عن امتلاك خاص لشعب آخر غير شعب الظلمات، وما زلت أبحث، في الفضيلة والضوء، وهاءنذا التقيتك لننهي الأزمنة الثابتة، هاءنذا آتيك بك يا دالية الروح (يمد إليه الدالية فيأخذها). أم الجميع: هو دالية الروح ودالية الحقيقة وأبوه الحراث، كلُّ فننِ كرمةٍ فيه لا يحمل ثمرًا يقطعه، وكلُّ فننِ كرمةٍ يحمل ثمرًا يطهره ليحمل ثمرًا أكثر. الشاب: (لحسن الشاطر) نحن الآن طهورون أنقياء لكلام قالته أمك! لتبق في وحدتك معي، ولأبق في وحدتي معك، كالفنن الذي لا يمكنه أن يحمل بالثمر وحده، إلا إذا بقى متحدًا مع الدالية، وكالدالية التي لا يمكنها أن تحمل بالثمر وحدها، إلا إذا بقيت متحدة مع الفنن... من يبقى في وحدة معي، وأنا في وحدة معه، سيحمل بالثمر الكثير، لأننا من خارج ذاتنا لن يمكننا أن نفعل شيئًا على الإطلاق.
(حسن الشاطر يسقى الدالية هو والشاب)
أم الجميع: (شاكية) من سيحميها في الليل ويهوه لا ينام؟ حسن الشاطر: سيحميها منه الغضب. أم الجميع: لا غضب ليهوه على شعبه. الشاب: سيحميها منه نبيذنا المزبد. أم الجميع: لا نبيذ قبل قطاف. حسن الشاطر: هذه دالية الروح لا دالية الأرض التي بمنجلها الماضي قطف عنبها رئيس قوى التنفيذ، ومن معصرة الغضب تدفق نبيذه دمًا في المدينة الخطام. هذه دالية الروح التي كان حراثها أبي، وأتاني بها، بعد أن حفظها لي، منذ أن دمروا القدس لأول مرة، هذا الشاب الأجمل من القمر، الذي هو أنتم جميعًا مني، فأنا الدالية، وأنتم الأفنان.
(حسن الشاطر ينسى رأس الطوطم الصقري على حجر، فينهض رأسه، ويطير دون جناحين، يضرب بسور مرتفع من أجساد الحاج عرقوب على رأسه قلنسوة اليهود، وصموئيل على رأسه الطربوش الفاقع، ومستر جون على رأسه كاسكيت الشاويش، والشاويش على رأسه قبعة الكاوبوى، إلى أن تقبض عليه آلاف الأيدي المنبثقة من السور)
أم الجميع: هنا لا تنتهي الرحلة. راحت محطة بعد محطة، وستأتي محطة، هنا لا تنتهي الكلمة. الكلمة رحلة، والرحلة صورة، والصورة لا آفاق لها ولا أشكال. هل نجتاز أرصفة المحطة القادمة أم نعبر فضاءها؟ هل نقطعها بقدم تعبة أم نشرب هواءها؟ وهل نطير إلى نهاية الرحلة قبل فوات أوانها؟ ( بصوت متهدج) ذنبي أنني أعرف النهاية، آه... وأية نهاية! (تعصر دمعتين) وتعرفها معي ((الإسرائيلان))، ((إسرائيل اللحم))، و((إسرائيل الروح المدمر)). ذنبي أنه ذنب يعقوب، وسيكون القربان لأجل ذنبه، وسيكون الثمر عندما أنزع عني خطيئته، عندما أحوّل حجارة الهيكل إلى رماد، لأن المدينة المحصنة ستكون منعزلة، وسيكون المرعى مهجورًا. هناك سيرعى العجل، وهناك سينام. لن أخبط الثمار من النيل إلى الفرات، سأعود وحدي إلى الجبل المقدس بعد حين، بعد أن يكون العقاب، وأن يكون العقاب لازمًا. حسن الشاطر: لزوم العقاب أم لزوم الخطأ أم لزوم الاثنين معًا؟ (يظهر الأخ الأكبر درويش نَفَس المرتينة وهو يسوطه أخوه الأوسط حمد أبو ريش من وراء القضبان، ثم لا يلبث أن يتحول إلى حمامة، فيستل الأخ سكينًا، ويذبحه) لزوم العقاب حين يجوز العقاب نعم بعد أن يجوز الخطأ/ الخطيئة/ الجوهر الدميم. أنضربه مثل ضربه لغيره؟ أنقتله مثل قتله لغيره؟ وهل هو القاتل أم يد القاتل؟ أواه، انظري هناك! إذا كان لا يمكنك النظر لطول المسافة، فانظري بعينيّ. أترينها أختي صفاء هناك؟ صورة الانتظار المغربى في الظل! أم الجميع: أنا لا أرى سواك، صورة وجه في ظل الموت! حسن الشاطر: أنا الوجه لا وجه لي، أنا كل الوجوه! أم الجميع: أنت الجهة! حسن الشاطر: أنا الجهة لا جهة لي، أنا كل الجهات. أم الجميع: أنت الظل! حسن الشاطر: أنا الظل لا ظل لي، أنا كل الظلال! أم الجميع: أنت الحوت! حسن الشاطر: أنا الحوت يبغي العشق ويبغي في الانتحار الجلال! أم الجميع: (بخشية ولهفة) من سيبقى لي من بعدك؟ من سيبقى للبحر؟ حسن الشاطر: ستبقى من بعدي أمتي... أم الجميع: (بخشية ولهفة) أنت الأمة! حسن الشاطر: أنا الأمة من غير أمة، أنا كل الأمم! أم الجميع: أنت النصر! حسن الشاطر: أنا النصر من غير نصر، أنا كل الهزائم! أم الجميع: أنت الأرض؟ حسن الشاطر: أنا الأرض من غير أرض، أنا كل البحار! أم الجميع: (بخشية ولهفة دومًا) أراك صورة نظامين تقوم في ظلهما الأنظمة! حسن الشاطر: وأنا أراك صورة نظام أعطى أكله!
(أم الجميع تتحول إلى ثعبان يتلوى دون توقف، فيقبض حسن الشاطر من الضوء على سيف، ويحاول قطع رأس الوحش مرات، فلا ينجح، ثم لا تلبث أن تصير حمامة أبيض من الندف تطير في الفضاء لتحط بين أغصان شجرة زيتون عجوز، ينادي أمه، فتهبط من الشجرة، وتأتي إليه) أم الجميع: منعتك من أن تحمل على عاتقك دين دم يدفعه غيرك. حسن الشاطر: لم أعد حياديًّا تبصرني الطوائف. أم الجميع: أعرف، وأعرف أيضًا أنك ستكابد ما لا تستأهل. حسن الشاطر: أحتمل النتائج. أم الجميع: لن تحتمل الغضب، إنه الغضب الأكبر. حسن الشاطر: أكون قد قبضت على قلعتي.
(تهب الرياح المحاصرة بسور الحاج عرقوب، مطوحة به، تتحول الأنهار إلى نفط، ويكون الطوفان، ولا يقع على فلك. تتفجر دالية الروح دمًا، فتسكر منه كل أبناء الطوائف، وتتقاتل معه... وهو لا يكف عن ترداد...) حسن الشاطر: ليقبضوا على قلعتي! ليعلموا السلام معي! (ودمه يتفجر). أم الجميع: (مضمدة له الجراح) جرحوك، ولم تبدأ بعد. كنت على باب البداية. قال لي توفيق قبل أن يموت على طريق أريحا: ((عوض)) باع أساور زوجته، واشترى سلاحه. قاتل بشجاعة في تلك السنة الفلسطينية. اجتاز البداية. عرف كل الطرق الوعرة، وعندما كان يتعب، كان يرتاح تحت صخرة. لكنه لم يعرف النهاية، وقع في يد الإنجليز، وحكمت عليه بالإعدام محكمة عسكرية. في ليلته الأخيرة، وحبل المشنقة يتحرك في خياله من أثر الريح، فكر في اللون الرمادي، لون الوطن والدمع وخبز الأولاد، وكتب بقطعة فحم على جدار السجن السميك (تأخذ بالغناء بصوت منخفض...)
يا ليل خل الأسير تا يكمل نواحه راح يفيق الفجر ويرفرف جناحه تايمرجح المشنوق في هبه رياحه لا تظن دمعي خوف، دمعي على أوطاني وعكمشة زغاليل في البيت جوعاني مين راح يطمعها بعدى وإخواني شباب اتنين قبلي ع المشنقة راحوا وبكرة مراتى كيف راح تقضي نهارها ويلها عليّ وويلها ع صغارها يا ريتني خليت في إيدها سوارها يوم أن دعتني الحرب تا أشتري سلاحه
(تنشق الأم، وتنظر إلي ابنها الجريح نظرات طويلة، ثم تقول له...) من جرحك سيملأون بالثمار وجه الأرض السبخة، وفى ظلك سيصبح الألف واحدًا، والكثير أمة صغرى، والشهود عليك سيقيمون علاقات سلم مع يهوه الجيوش، لكنى سأسبق النعجات الأخرى، نعجات الراعي، في الطريق، وأصنع موقفي من ملكي، منك، يا سلامًا موعودًا! حسن الشاطر: سأعود لأخبر الناس أن عدوي فيهم وصاحبي فيهم، وسأمتطي السرج الذي في العقول، وأنطلق بإرادة حصان حر في جسد جامح. أم الجميع: سيطاردك التأمل. حسن الشاطر: سأَخْلَصُ من جرح العدل، وضيم قدر كان قدرك. أم الجميع: ستطاردك الخرافة. حسن الشاطر: سأظفر بوعد آخر، وبموت آخر كان موتك. أم الجميع: ستطاردك الغاية. حسن الشاطر: سأختار زماني بإرادتي وباستسلامك. أم الجميع: سيطاردك المكان. حسن الشاطر: سأذهب إليه بقوتي، وبضعفك أم الجميع: سيطاردك موت بعد موت بعد موت. حسن الشاطر: سأصرعه هذا الموت الذي من شكله ظلك. أم الجميع: وبعد ذلك ماذا ستفعل؟ حسن الشاطر: سأموت بعد ذلك، ثم سأحلق أربعين ليلة. أم الجميع: لن يسترضيك غيري بالحداد (ثم مرتعبة) لتكون الشاهد على حاجتنا. حسن الشاطر: في الممر الفاصل بين الموت والحياة سأكون الواسطة، بعد أن أفهم الخطأ، وأخلص من سلطة العقاب في الجحيم وفى الجحيم (ثم مشجعًا) لا تيأسي. أم الجميع: أخشى من تضحية ستسبقني. حسن الشاطر: على الدم أن يسيل. سيكون الهدف الأول قبل الهدف الأخير. أم الجميع: وأنا بعد ذلك سأرضخ لعدلك...سأرضخ لوعيك. حسن الشاطر: ستكون الفكرة الأولى قبل الفكرة الأخيرة. أم الجميع: لا تذكرني بموتي (ثم مرتعبة) لا تذكرني بموتك! حسن الشاطر: ستكون الشجرة الأولى قبل الشجرة الأخيرة! أم الجميع: لا تذكرني بدمى (ثم مرتعبة) لا تذكرني بدمك! حسن الشاطر: ستكون السفينة الأولى قبل السفينة الأخيرة. أم الجميع: لا تذكرني بقمري (ثم مرتعبة) لا تذكرني بقمرك! حسن الشاطر: ستكون الجزيرة الأولى قبل الجزيرة الأخيرة. أم الجميع: وسيُسقى الجسد بالدم والرمز.
(تستل الأم من الضوء سكينًا، فيقف حسن الشاطر على قمة جبل عيبال، وينادي على ابن عمه، يقف ابن عمه "أبو عماد" على قمة جرزيم المقابلة، يقول له، فلا يسمعه، ولا يراه، من فورة الضباب) أم الجميع: (تناديه معه) يا ابن عم ابني كن شاهدي... يا من يقول عنك الناس ابني الرابع! أيها السامريّ!
(ابن العم أبو عماد لا يسمع، ولا يشهد، يمنعه عنها جدار الضباب، ويمنعها عنه، ثم لا يلبث أن يبحر على نجمة صوب الجليل. الأم تطعن ابنها طعنات متتالية في قلبه، وتطلق السكين كبرق في الوادي، فينزاح عيبال، وينطبق على جرزيم، وتطفو على سطح الكون مدينة الزلازل. دم. ظلام. ضوء) الحاج عرقوب: النهاية المعلنة في النبوءة ليست هنا بعد، سأشهد على الجريمة من مكاني البعيد، فأكون مصر الرمز، والثعبان الرمز، والبحر الرمز، وسأجد الفرح أسفل أسواري... انظروا إليها مكبلة بالسلسلة العظمى (تدخل أم الجميع يكبلها الشاويش وابنها الأوسط حمد أبو ريش بينما يضربها غفر من الناس بقبضاتهم أو يرجمونها بالحجارة مرددين: ساحرة! ساحرة! بينها يمضى أبو خامش بطوطمه بعد أن استبدل رأسه الصقري برأس حمامة وساقه الإنسانية بساق تمساح) سيشعلون الحطب من حولها بعد قليل، ويصنعون منها للزمان البارد محرقة (تشتعل النيران) هذه هي نار جهنم الدنيا! (بخشية ورهبة) محطة قبل محطة (تزعق ألسنة اللهب) هذه هي نار للصقور بيت! (تنطلق منها أفواج من الصقور المرعدة) ترعد الآن، وتبرق، ثم تبعث من جوفها الغيث وابلاً... آه من فاجعة الغيث بعد نار المحرقة!
(ظلام. ضوء على أحد براميل النفط الشفافة. في بطنه أم الجميع وابنها الأصغر حسن الشاطر وأخته الصغرى ميمونة... عرايا)
ترمى الستارة
أعمال أفنان القاسم
المجموعات القصصية
1) الأعشاش المهدومة 1969 2) الذئاب والزيتون 1974 3) الاغتراب 1976 4) حلمحقيقي 1981 5) كتب وأسفار 1988 6) الخيول حزينة دومًا 1995
الأعمال الروائية
7) الكناري 1967 8) القمر الهاتك 1969 9) اسكندر الجفناوي 1970 10) العجوز 1971 11) النقيض 1972 12) الباشا 1973 13) الشوارع 1974 14) المسار 1975 15) العصافير لا تموت من الجليد 1978 16) مدام حرب 1979 17) تراجيديات 1987 18) موسى وجولييت 1990 19) أربعون يوما بانتظار الرئيس 1991 20) لؤلؤة الاسكندرية 1993 21) شارع الغاردنز 1994 22) باريس 1994 23) مدام ميرابيل 1995 24) الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون 1995 25) أبو بكر الآشي 1996 26) ماري تذهب إلى حي بيلفيل 1999 27) بيروت تل أبيب 2000 28) بستان الشلالات 2001 29) فندق شارون 2003 30) عساكر 2003 31) وصول غودو 2010 32) الشيخ والحاسوب 2011
الأعمال المسرحية النثرية
33) مأساة الثريا 1976 34) سقوط جوبتر 1977 35) ابنة روما 1978
الأعمال الشعرية
36) أنفاس (مجموعة قصائد أولى – ثلاثة أجزاء) 1966 37) العاصيات (مسرحية شعرية) 1967 38) المواطئ المحرمة (مسرحية شعرية) 1968 39) فلسطين الشر (مسرحية شعرية) 2001 40) الأخرق (مسرحية شعرية) 2002 41) غرافيتي (مجموعة قصائد فرنسية) 2009 42) غرب (ملحمة فرنسية) 2010 43) البرابرة (مجموعة قصائد أخيرة) 2008 – 2010
الدراسات
44) البنية الروائية لمصير الشعب الفلسطيني عند غسان كنفاني 1975 45) البطل السلبي في القصة العربية المعاصرة عبد الرحمن مجيد الربيعي نموذجًا (جزءان) 1983 46) موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح 1984 47) البنية الشعرية والبنية الملحمية عند محمود درويش 1984 48) نصوص خاضعة للبنيوية 1985 – 1995 49) دفاعًا عن الشعب الفلسطيني 2004 50) خطتي للسلام 2004
[email protected]
مأساة الثريا هي المصراع الأول من ثلاثية "أم الجميع" التي يعرض أفنان القاسم فيها لوجود عائلة فلسطينية مقتلعة، ممزقة، متقاذفة من حرب إلى حرب، ومن أمل إلى يأس، وهي تغطي المنفى الفلسطيني التالي للنكبة عام 1948. الأم، أم الجميع، هي نقطة إرساء هذه العائلة، هذه "الثريا" المتشظاة، والتي فقدت في المأساة اثنين من أفرادها: الأب خلال القتال، والابنة، صفاء، التي بقيت في فلسطين. شخصية رمزية للثلاثية، نوع من أم شجاعة فلسطينية، غالبًا متحكمة، متسلطة، وأحيانًا رقيقة، حنونة، تسهر على أبنائها الأربعة الذين تبعوها في المنفى. وعندما يغدو هؤلاء بالغين، وكل منهم يجسد على طريقته – من السلبية إلى المقاومة، من الخيانة إلى التضحية – التنوع في السلوك لمواجهة المأساة، تحاول حفظ الرباط العائلي. لكن من يقول مأساة يفكر قدرية. والحال هذه الاستحضار المجازي للنجومِ الكليةِ الوجود في المسرحية منذ العنوان يغذي فكرة أن هذه المأساة الفلسطينية ليست فقط مأساة البشر والتاريخ، إنها تساهم في قدر أبعد من مغامرات الإنسانية والعالم – "ما وراء الفضاء" كما سيقول الشاويش أبو الجماجم المنقب المتحمس للسموات المعتمة – وبالتالي لن يبقى الصراع في الفلك الواقعي وحده، والقوى الممثلة لهذا الصراع: كل شخصية تحاول التحكم، عبر السحر والكيمياء، بهذه القوى على طريقتها بحثًا عن مسيح، مرشد، إنسان قادر على التجرد من نفوذها. وستأخذ العودة إلى فلسطين، على هذه الأرض الاستيهامية، عند ذلك، شكلاً صوفيًا لطريق صلبان جديدة حيث الأرض ليست أبدًا أبعد من كونها الجحيم.
* أفنان القاسم من مواليد يافا 1944 عائلته من برقة قضاء نابلس له خمسون عملاً بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ومجموعة شعرية ودراسة أدبية أو سياسية تم نشر معظمها في عواصم العالم العربي وتُرجم منها اثنان وثلاثون كتابًا إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والروسية والعبرية، دكتور دولة ودكتور حلقة ثالثة من جامعة السوربون ودكتور فخري من جامعة برلين، أستاذ متقاعد عمل سابقًا في جامعة السوربون ومعهد العلوم السياسية في باريس والمدرسة المركزية الفرنسية وجامعة مراكش وجامعة الزيتونة في عمان والجامعة الأردنية، تُدرّس بعض أعماله في إفريقيا السوداء وفي الكيبيك وفي إسبانيا وفي فرنسا...
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاغتراب
-
الكناري
-
الشوارع
-
إسكندر الجفناوي
-
مدام حرب
-
النقيض
-
شارع الغاردنز
-
لؤلؤة الاسكندرية
-
باريس
-
بيكاسو
-
قل لنا ماذا ترى في حالنا؟
-
القدس
-
الشعراء
-
البرابرة
-
الأخرق
-
الباشا رواية النكبة الأولى
-
تراجيديات
-
تحليل قصيدة صفد لسالم جبران نحويًا ومنطقيًا ودلاليًا
-
فلسطين الشر
-
المواطئ المحرمة
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|