محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 10:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
هل توقظ الكلمة الوعي أم أن الوعي هو الذي يحدد قيمة الكلمة, ويقرر إن كان سيلقي بها وراء ظهره أم سيستخدمها لتثبيت موقفه, وتدعيم تأثيره على القضايا والهموم التي يطرحها صاحب الوعي؟ بدأنا مقالنا الأول في محاولة لسبر أعماق الوعي المصري لشعبنا الطيب وكانت عام خمسة وثمانين تحت عنوان ( أنت متهم لأنك مصري). ومع مرور السنين ازدادت المقالات المتعلقة بأم الدنيا حدة وقسوة وصراحة, وفي كل مرة كنت أتوهم أن الوعي سيستيقظ من سباته, وسيصحب معه قدرا من الشجاعة مستندا على حقيقة واقعة وهي أن مسؤولية حماية مصر ومستقبلها وخيراتها يشترك فيها المصريون كلهم, ويقودهم نخبة من المثقفين والأحرار لتغيير واقع جثم على صدر أكبر بلد عربي, وأحال حياة أهله إلى جحيم مقيم.
في الحقيقة أن طريقي وقناعاتي ويقيني وايماني تختلف تماما عن مثيلاتها لدي صناع الكلمة والاعلاميين والمثقفين والكتاب وزملاء البحث عن المتاعب في بلاط السلطة الرابعة! إنني أرى أن مصر كلها, بشعبها وثرواتها وخيراتها ونيلها وسمائها وبحرها وأرضها بين اصبعين من أصابع الرئيس يحركهم كيفما يشاء, وهو الرب على الأرض ولو استخدم الطيبيون كلمات بديلة مثل الزعيم والقائد والرئيس والأب والد الجميع. أما الآخرون فيدخلون معركة الوطن ضد العبيد, أعني كل من حول السيد الرئيس, ويستجدون السيد أن يستبدل بهؤلاء العبيد عبيدا آخرين لعل تغييرا آخر قد يطرأ على مستقبل الوطن المسكين. رئيس الوزراء والوزراء وقادة الجيش وأجهزة الدولة كلها ومؤسساتها والاعلاميون والفنانون والمثقفون والحكماء ونقابات العمال واتحادات الطلاب والأزهر الشريف والكنيسة القبطية وكل المنظمات الحكومية والأهلية لا تساوي قيمة ورقة صغيرة تخرج من مكتب الرئيس في قصر عابدين فتلقي بهم جميعا في عالم النسيان أو الاهمال أو التقاعد المبكر, لكن زملاء السلطة الرابعة يصرون على دخول معارك طواحين الهواء. نشرنا مقالات كثيرة وكلها تدور حول الرجل الأوحد الذي يملك المفتاح الوحيد للتغيير في مصر والقوة والسلطة والسطوة والربوبية والسيادة الكاملة على أرواح المصريين كلهم من الثغر إلى النوبة حيث يعيش بكار الطاهر الطيب العاشق لمصر. لم تحرك مقالاتنا شعرة واحدة من موقعها, وعلى الرغم من أن كثيرين قد أبلغوني بأن هذه القنابل المقروءة تحمل بصمات وتوقيعات وقبلات كل المصريين, إلا أن الجميع ملتزمون عن قناعة يقينية مترسبة في اللاوعي المصري تقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون! نشرنا مقالات ( الرئيس لا يقرأ ) و( رحلة بحث مضنية عن الرئيس حسني مبارك) و( رسالة مفتوحة إلى الرئيس .. دعوة إلى اليأس ) و( لا تصدقهم يا سيادة الرئيس ) و( رسالة مطوية من مبارك الأول إلى مبارك الثاني ) و( رسالة شكر من مبارك الثاني إلى مبارك الأول) و( بلاغ إلى مباحث أمن الدولة .. هذا الصحفي ينتقد الرئيس حسني مبارك ) و( فخامة الرئيس جمال مبارك ) و( سيدي الرئيس .. استحلفك بالله أن تستقيل ) و ( سيدي الرئيس .. وهل هناك غيرك؟ ) و( نعم, وهل هناك غيري ؟) و( سيدي الرئيس .. استحلفك بالله أن تهرب ) .. وعشرات غيرها على مدى تسعة عشر عاما كأنها سياط لاذعة تسقط فوق ظهري فقط في مشهد يستلقي أمامه المثقفون والاعلاميون والزملاء على أقفيتهم من الضحك على هذا المجنون الذي يرفض الدخول في معارك وهمية مع أصفار متراصة صنعها الرئيس ويريد من سيادته أن يستقيل هو وابنه ويتركان مصر للمصريين. الصحافة المصرية كلها, قومية ووطنية ومعارضة ونزيهة وشريفة في خليطها ومزيجها العجيب من شجعان وجبناء, من شرفاء ووصوليين, من محترفين وهواة, من حقيقيين ومزيفين, رفضت الاشارة ولو مرة واحدة طوال عقدين من الزمان , صراحة أو ضمنا, لطائر الشمال خشية غضب الرئيس. صحفي كبير في مجلة المصور يعمل بها منذ سنوات طويلة صارحني بأنه يقرأ طائر الشمال التي يتسلم منها بعض الأعداد, ثم يتخلص منها ولا يجعل أحدا من زملائه يشاهده وهو يقرأها فطريق السلامة آمن بالصمت تجاه ما يحدث. المعركة التي يفتعلها المثقفون في مصر مع طواحين الهواء لن تجعل الرئيس يرفع قانون الطواريء, أو يختار أصحاب الكفاءات, أو يزيح الفاسدين, أو يجعل خيار الشعب في زعيمه القادم حقا مقدسا للمصريين. في لقاء جمعني مع مجموعة كبيرة من الصحفيين الزملاء من معظم أقطار وطننا العربي, شاهدت بأم عيني كيف ينفر الصحفيون المصريون من زميلهم الذي ينتقد السيد الرئيس, وكل واحد منهم ينظر بعين الريبة إلى زميله خشية أن يرفع فيه تقريرا أمنيا اداريا يجعله محروما مدى الحياة من رضاء الرئيس أو التشرف بالسلام عليه في معرض الكتاب أو الانشراح بابتسامة سيادته إن واجهت مصادفه وجه الزميل. وعندما قال لهم مدير تحرير صحيفة مصرية معارضة بأن طائر الشمال تنشر في العلن ما تهمسون أنتم به في الغرف المغلقة, انفضوا سريعا, ولم يعد هناك أحد يرى معركتي من أجل مصر وحبا في أم الدنيا وعشقا لوادي النيل وخوفا عليها وعلى أولادنا وأحفادنا وأجيال قادمة ستلعن الزمن والجبن والخوف والطغيان والصمت والبلادة. اتصل بي مثقف كبير وصديق ووزير سابق وعاتبني قائلا: لماذا اخترت أن تدخل المعركة بمفردك, وأن تدفع الثمن كله, وأن تختار السطوة والقوة والزعامة لتحفر بقلمك في ظهرها أملا في أن تحدث خدشا يؤدي إلى تغيير ولو بعد حين؟ وتابع قائلا: لقد رأيت بنفسك أن الالاف من المثقفين والاعلاميين والزملاء والكتاب وصناع الكلمة وموقظي الوعي وضمير الأمة قد اعطوك ظهورهم وقالوا لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون, فلماذا لا تعيد حساباتك؟ تسلمت رسالة بالبريد الالكتروني من أستاذ جامعي مصري يعمل بدولة خليجية وكان من قبل شديد الاعجاب بطائر الشمال, لكنه طلب مني أن اتوقف عن ارسالها له. استفسرت منه عن السبب فجاء رده كأنه خنجر مسموم يتسلل إلى القلب ممزقا شغافه: لأنك تهاجم السيد الرئيس حسني مبارك وهو رمز لبلدنا, وأنت تكتب عن سلبيات الحكم, ونحن نريد صورة حسنة جميلة لمصر ولنظام حكمها! الأستاذ رجب البنا رئيس تحرير ( أكتوبر ) كتب بمناسبة عيد ميلاد الرئيس: " الرئيس حسني مبارك عمل ما لم يعمله أحد في التاريخ كله"! ولكن الزميل لا يختلف عن غيره, ففي مصر ليست هناك معركة حقيقية من أجل الوطن, وأكثر الصحفيين شجاعة وجرأة واقداما يستجدي الرئيس أن يقوم هو بالتغيير, ويتمنى عليه أن يستبدل رئيس الوزراء أو بعض أعضاء الحكومة أو يتفضل بتوجيهات سامية بالقبض على بعض الفاسدين. لقد قضي الأمر وصنع الرئيس المثقفين والاعلاميين والكتاب والموافقين والمعارضين والحكماء ورجال الدين والمستشارين والوزراء والمحافظين والقيادات والجنرالات ولم يعد هناك أدنى أمل في احداث تغيير, وستنتهي عملية نهب مصر بافلاس تام يجعل الوطن الطيب بين حذاء اليانكي ومطرقة العدو الصهيوني. قارئو مقالاتنا يعتبرونها عملا انتحاريا منفردا يستحق المشاهدة من مسافات بعيدة, ثم الهمس خلف الجدران بأن هذا الانتحاري الذي فجر قلمه نزيفا دمويا مستمرا لا يستحق الشفقة أو الدعم الأدبي أو التأييد أو التعاطف, فالكتابة عن الأصفار والمعاونين والمستشارين والوزراء والمحافظين أكثر أمنا وسلامة, بل إنها ترضي السيد الرئيس وابنه الرئيس القادم. لقد صدر قرار ضمني وجماعي غير معلن من زملائي بأن يقتلوني بالصمت, وبرفض أي تعليق أو نقد أو اعادة نشر أو الاشارة إلى مقالات توحي أو توشي بأن الرئيس حسني مبارك مسؤول مسؤولية كاملة وواعية عما يحدث بأرض الوطن. من يحب مصر ويكتب عنها كأنما اختار الشقاء بنفسه, فكل الأصوات والأوجاع والآهات والآلام والشكاوى تذهب أدراج الرياح, ولو قدم المصريون كلهم أنفسهم فداء للرئيس شريطة أن يحكم بالعدل, ويحافظ على كرامة الموطن, وينهي الفساد, ويختار الأفضل والأحسن والأكثر كفاءة في المناصب الكبرى, وينهي عذابات المظلومين في سجون ومعتقلات الوطن, ويأمر بالكف عن ايذاء رعاياه في أقسام الشرطة, ويجعل مصر خلية نحل وورشة عمل للبناء والانتاج والتطور والتقدم, لما تحرك قيد شعرة أو اكترث لمطالب المصريين. ومع ذلك فالملايين الذين يقودهم المثقفون والعلماء والفقهاء والنخبة والاعلاميون وصناع الكلمة يلتزمون صمتا جحيميا أبديا مميتا كأن البلد لا يعنيهم, وأن اليأس والقنوط والاحباط حلفاء أساسيون للصمت في الزمن القاتل. والمصريون يتجمعون في مظاهرة مليونية بقيادة الرئيس القادم جمال مبارك للاحتجاج الظاهري على ضرب العراق, لكنهم لا يجمعون عشرين أو عشرة منهم للتظاهر ضد التعذيب في أقسام الشرطة الذي أدى إلى موت أو تشويه عدد كبير منهم. ماذا تفيد كل الكتب والندوات والمحاضرات والعلوم والفقه والآداب والشعر والحكمة والفلسفة والفنون والجمال والجامعات والفضائيات والاذاعات وبلايين الكلمات المقروءة إذا كانت لا تحرك في رجل واحد أدنى رغبة للأفضل, ولا تجعله يأمر بتلبية مطالب رعاياه أو بعضها؟ كيف يقف سبعون مليونا من البشر فوق أكتاف أولى حضارات الأرض, ثم ينظرون بابتسامة طيبة طفولية لأكبر عملية نهب في تاريخ وطنهم, واثنين وعشرين عاما من قانون الأحكام العسكرية, والاختفاء القسري لأبنائهم في المعتقلات أو وراء الشمس, وفي التعامل معهم بازدراء واحتقار واستعلاء حتى أملهم الوحيد في أن يختاروا رئيسهم القادم أو يرفضوا زعيهم الحالي أو يحاسبوه أو يستبدلوا به غيره محرم عليهم كأنه الكفر البواح؟ كنت قد شحذت القلم مدادا من القلب, وارتفع ضغط دمي أضعافا كثيرة, وسخنت كل خلايا جسدي المنهك, وارتسمت أمامي صورة بهية.. مصر العظيمة الحبيبة, ووضعت عنوانا لمقال جديد بعد ( سيدي الرئيس .. استحلفك بالله أن تهرب ). كان المقال الجديد يغلي في ذهني مرتكزا على عنوان كأنه حمم سقطت من آخر المجرات! " النص الكامل لمحاكمة الرئيس حسني مبارك" وبدا المقال كأنه التصق في عقلي وقلمي قبل الكتابة بوقت طويل. وسمعت رنين الهاتف فجاءني صوت دافيء جميل يحمل كل شفافية الطيبة, وكان صديقي وكيل الوزارة في بلد عربي يحدثني عن معركة أكبر مني, وعن عالم من الظالمين غير المكترثين لما يدور حولهم, وعن قيمة النقد الذي لا يحرك نسمة هواء من موضعها, وعن عالم الصمت الذي يغلف أفئدة صانعي الكلمة. ثم قال لي: انظر إلى الصحفيين المعتقلين, هل قامت مظاهرة اعلامية مؤثرة تدافع عنهم؟ واردف قائلا: ألم يكفك هذا الصمت المريب والمخيف الذي تقابل به كتاباتك؟ ثم تصادف أنه قال لي الكلام نفسه الذي سمعته منذ عدة أيام من صديق كبير آخر يتساءل: لماذا تدفع الثمن بمفرك, أليس من الأجدى أن تعيد حساباتك مع الوطن الأم. عدت بعد المكالمة المطولة مع صديق ينصح من قلب أكثر معاني المصداقية شفافية لأبدأ كتابة المقال فتوقف القلم تماما! ألم نكتب طوال تسعة عشر عاما, ونحرض, ونكشف, ونصارح, ونشير باصابع الاتهام إلى المسؤول الوحيد والأول, فيزداد متابعو مقالاتنا تمسكا به, وخوفا على أنفسهم, وخشية فقدان امتيازاتهم الفِتْاتية التي تجنبهم وجع الدماغ؟ حقا لماذا يعتبر المصريون فعل الكتابة فاحشة ينبغي رجم صاحبها؟ ما الذي حدث لشعبنا وأهلنا وأصدقائنا ومعارفنا فجعلهم يستعذبون الصمت, ويبتهجون لفضل الرئيس في مد أجلهم سنوات أخرى, ويحمدون العلي القدير على نعمة رضاء السلطة عليهم, وأنهم أحرار يأكلون ويمشون في الأسواق ويشاهدون المسلسلات وينتظرون نتائج الامتحانات ويقرأون مانيشتات الصحف اليومية ويهللون لصف الأبطال الذين ينتقدون رئيس الوزراء والمحافظين وبعض النواب, ويطالبون بشجاعة منقطعة النظير برصف الطرق, وترميم أحد الكباري, ومنح مكافآت للعمال؟ ما هذا القرح والوهن والضعف والذل والمهانة الذي يسبغ حياتنا فيخرج من بين ضلوعنا حالة استكانية من البلادة تجعلنا نأكل بنهم ولذة ونحن نقرأ خبرا صغيرا عن موت أحد المواطنين تحت التعذيب في قسم الشرطة, أو اصرار الرئيس على الاحتفاظ بالفاسدين والقاء المجتهدين المخلصين خارج دائرة رضائه, أو تحدي مشاعر ملايين المصريين الذي لا يجدون قوت يومهم فيسرقه من أفواههم لصوص العهد الجديد, ويخرجون معززين مكرمين من الوطن المسروق؟ ثالث ثلاثة من بقايا الزمن الجميل وأصدقاء العمر, حلما وحقيقة وحياة ودراسة وثقافة وقراءة ومحبة,غضب غضبا عارما عندما أرسلت إليه عنوان الموقع الجديد لطائر الشمال على الانترنيت, واعتبر الرسالة كأنها بلاغ لمن يهمه الأمر باثارة المتاعب له, وطالب بالتوقف فورا عن ارسال أي مادة مكتوبة تكون لها علاقة بمقالاتي خشية السلطة التي لا ترحم. لم يقترب الغضب من نفسي فصديقي من الزمن الجميل حتى لو تبرأ مني أمام الرئيس وابنه, لكنني شعرت لأول مرة منذ صدور العدد الأول عام أربعة وثمانين بأن هزيمتي حتمية, والرئيس لا يحتاج لارسال مراقبين ومخبرين وأجهزة قمع وقهر, فنحن قادرون على صناعتها محليا, وترويجها بيننا, والطلب من الله, العزيز الجبار, أن يأخذ بأيدينا المرتعشة ويعلن من فوق سماوات علا ثورة شعبية, ورفضا للظلم, ومناهضة للاستبداد, ثم يرسلها إلى مصر جاهزة ومغلفة. العبقرية الاخلاقية قبل عبقريتي المكان والزمان لجمال حمدان, وإذا استطعنا أن نلوم أنفسنا, ونحاسبها, ونقسو عليها, ونطعمها شجاعة وبطولة من أجل عيون الوطن فستصبح مصر غير التي نراها الآن, ولن يبقى مكان واحد للرئيس أو أحد رجاله, بل ستْضحى مصر دولة نسامح ورفاهية وعدل وجمال وخير لنا جميعا. حاولت الكتابة في المقال المشار اليه فسبّني قلمي, وشتمني علانية, وكاد يكسر رأسه بين أصابعي, وبدا أنه تمرد للمرة الأولى فقد ظل لسنوات طويلة يقابَل بالجحود والنكران والاهمال والصمت والسخرية والتهكم من معركة مع القصر لا يدعمها علانية أو يتعاطف معها أو يؤيدها أو يأتي بمثلها إلا قلة مصرية تعد على أصابع اليد الواحدة منها مجدي أحمد حسين والدكتور محمد عباس والعقيد محمد الغنام اللاجيء في سويسرا وموقع " لا لجمال مبارك" على الانترنيت, ومحاورات بعض المصريين, و كتابات أكثر خجلا في صحيفة " العربي الناصرية ". استمعت لثلاثة أصوات متداخلة, القلم والعقل والزمن, فاجمعت كلها على أنها معركة خاسرة لأن المصريين ليسوا مشتركين فيها بجانبي, وأن الكلمة المقروءة القاسية والشفافة والواقعية والصريحة والمباشرة ليست كما قال الكواكبي قد تذهب اليوم مع الرياح لكنها تذهب غدا بالأوتاد. لم يصنع الرئيس جمهورية خوف بمفرده, لكن المصريين كلهم ساهموا في صناعتها من مثقفين واعلاميين ونخبة ومعارضين وجنرالات الجيش والشرطة والأمن والوزراء والأثرياء والعلماء والطلاب والعمال والمرأة والكٌتّاب والأكاديميين , وكل واحد يبكي على مصر, فمن القاتل؟ اتخذت قرارا موجعا, مسموما, مؤلما باشهار هزيمة قلمي أمام الرئيس حسني مبارك وابنه الرئيس القادم جمال مبارك , وليشرب الرئيس نخب انتصاره في هزيمتنا فالقلم يعتبره المصريون من بقايا نفايات التاريخ, وقد اختار الجميع معارك دون كيشوت مع طواحين هواء يضحك منها وعليها الرئيس, ثم يصافح ابنه, ويتمني له ثلاثين عاما قادمة حتى يبيع المصريون آخر قطعة من خيرات الوطن وهم يستجدون الرئيس أن يتفضل عليهم بحكومة جديدة أو وزير آخر أو رفع بعض الضرائب أو القبض على اثنين أو ثلاثة من مئات اللصوص والحيتان! لقد قررت التوقف لأجل غير مسمى عن انتقاد الرئيس وابنه الرئيس القادم احتجاجا وغضبا وحزنا وكمدا وألما وقهرا وقسرا في مواجهة رصاصة الصمت التي يطلقها علينا المصريون المهتمون بالوطن والشأن العام والسياسة والهموم ومستقبل أرض الكنانة. تذكرت فيلم ( الطوفان ) الذي أخرجه بشير الديك منذ عقدين من الزمان عن الأم التي ترفض بيع أرضها لسمسار كأنه قادم من عالم الشياطين, فيقنع الأبناء بدس السم لها. أليس هذا ما نفعله جميعا؟ ألسنا مشتركين بدس السم لمصر, ثم لا نكتفي بهذا, لكننا نصفق, ونهلل, بدلا من اقامة سرادق للعزاء؟ فليذكر لي مصري واحد سببا يتيما للعجز والخوف والاستسلام أمام رجل واحد لا يملك من أمر نفسه شيئا لو أراد الشعب أن يستبدل بالموت الحياة؟ اثنان وعشرون عاما من قانون الأحكام العرفية في بلد لن تعتدي عليه ليبيا الخضراء ولن تحتل حدوده حكومة الخرطوم وعقد اتفاقية سلام وتطبيع وأمن مع العدو الصهيوني, بل إنه بأمر قائده العسكري يبيع البترول لألة الحرب الجهنمية الاسرائيلية التي تفتك بالفلسطينيين, ومع ذلك فلا تخرج مظاهرة واحدة تؤكد للرئيس أن الشعب المصري لا يزال ينبض بالحياة. لا استطيع تصور سبب واحد يدعو السجين للابتسام في وجه المستبد أو السجان أو القاتل, بل إنه يحني له رأسه في هوان وذل واستكانة. أرسلت من العدد السابق لطائر الشمال عدة مئات من النسخ موزعة على تسعين سفيرا مصريا في كل بقاع العالم, وفيه مقال ( سيدي الرئيس .. استحلفك بالله أن تهرب ), وكذلك من العدد الأسبق وبه ( رسالة شكر من مبارك الثاني إلى مبارك الأول ), وكم تمنيت أن يحمل لي رنين الهاتف صوت سفير مصري مثقف وموجوع يتصل من أحد أكشاك التليفون في عاصمة عربية أو أفريقية أو أوروبية أو حتى في أمريكا اللاتينية, ويشد على يدي عبر الأثير, ولا يبلغني باسمه أو المكان الذي يتصل منه, لعل طاقة جديدة تندفع في الجسد والقلم, وأعرف أن رصاصة الصمت لا تنطلق من هؤلاء الدبلوماسيين الذين يعرفون خفايا وأسرار العفن في الفساد السياسي والاداري والمالي والاجتماعي الذي يضرب وطنهم في اليوم الواحد آلاف المرات. وكم وددت أن تصلني رسالة مجهولة أو معلومة أو مكالمة هاتفية أو بريد الكتروني من صحفي زميل في صحيفة قومية أو معارضة أو مستقلة أو محايدة في مصر يشد بها أزري, واشركه في أمري, ويدفع لشراييني دماء جديدة طاهرة تكون مدادا لقلمي في مقال جديد. لكن زملاء مهنة البحث عن المتاعب اختاروا طريقا مرصوفا من الدولة, وبعث لهم الرئيس الحكومة كلها والمحافظين والكبار ليصوبوا إليهم أقلامهم, وينشغلون معهم بمعارك عنيفة تنتهي باستجداء واسترحام الرئيس أن يكون حكما بينهم, ويستخدم حكمته وقلبه الكبير, ثم تلهج ألسنة الجميع بالشكر والتقدير على تدخله وحكمته القادمة من قبس الأنبياء. في زيارتي الأخيرة للعاصمة البريطانية تحدثت مع سيدة مصرية في واحدة من المكتبات العربية بادجوار رود, وكانت تعقب على مقالي الأخير فقالت وقد علت الدهشة وجهها: أنا لم اسمع من قبل عن اهانة أي مواطن مصري في قسم شرطة, ثم أردفت موجهة السؤال إلى: هل تقصد الارهابيين الذين تعتقلهم قوات الشرطة؟ وتجمعت كل الكرات الحمراء في دمي, ثم فرت مذعورة! الاعلامي المصري الكبير المتزوج أيضا من اعلامية أكبر قال لي ونحن في لوبي فندق بعاصمة خليجية تعقيبا على مقال لي: أنا أعمل منذ ثلاثين عاما في الصحافة ولم اكتشف خطأ واحدا للرئيس حسني مبارك. ثم نظر إلى وجهي فلم يميز فيه الحماقة من البلاهة, وأكمل قائلا: إنني أتذكر أن الرئيس حسني مبارك اتصل بنا في السابعة صباحا طالبا من ادارة التحرير الاهتمام بالطفل الذي نشرنا تحقيقا عن مشكلته. بعدها تفحص وجهي مرة أخرى ليقذف فيه بسؤال لو اجتمع الحمقى كلهم في مكان واحد لما تمكنوا من الاتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. قال صاحبنا: أليس هذا دليلا حيا على أن السيد الرئيس حسني مبارك يعرف كل ما يدور في مصر ويهتم بكل صغيرة وكبيرة ولا يمكن لرجل كهذا أن يخطيء. وتمنيت وقتها من الله أن يكون قد خلقني غبيا أو أحمقا أو ساذجا أو عبيطا أو أبله أو أميا أو جاهلا أو جبانا. إن شقاء العقل أشد وطأة على النفس من آلام الدنيا كلها, فإذا كان العقل ناقدا فقد أحكم الشقاء له العقدة كلها ولا مفر إلا بمزيد من البؤس والعذاب. كم أنا مشتاق لنعمة الحماقة والغباء والجبن , فربما تغيرت حياتي, واستمتعت بها, وكان بامكاني الابتهاج لمشاهدة وزير يسير في الشارع, وتقديم طلب للعمل في ماسبيرو عن طريق رجل أعمال محتال, أو العمل في صحيفة قومية والكتابة في السياسة, وتحليل خطاب الرئيس واستخراج الحكمة من صدفته اللؤلؤية, أو العمل مراسلا للتلفزيون المصري ينقل أخبارا عن اهتمام العالم بخطاب الرئيس وزيارته ومباحثاته. إن نعمة الحماقة والبلادة والغباء والخوف والجبن تجعل صاحبها ينتشي ويفرح لأي شيء, فهو يحلل أسباب اعتذار الأستاذ ابراهيم نافع عن الترشيح لنقابة الصحفيين, ويكتب عن أهمية الأخلاق الحميدة لدى الفريق القومي لكرة القدم, ويطالب بمنح جمال مبارك الفرصة ليثبت جدارته واستحقاقه, ويتحدث بفخر عن السياحة في عهد ممدوح البلتاجي بتوجيهات من الرئيس, ويجلس على المقهى ليستمع لشعبان عبد الرحيم, ويعود إلى البيت ويضرب زوجته ولا يرى أولاده, ثم يشاهد معها الحلقة الثالثة من مسلسل خرج لتوه من مدينة الانتاج الاعلامي, وقبل أن يخلد إلى النوم يقسم لزوجته بأن الرئيس حسني مبارك لا يدري شيئا عن الفساد والسرقة والنهب والتعذيب في أقسام الشرطة وآلاف المعتقلين وستة ملايين عاطل والأمية والأمراض الوبائـية والتلوث, ولو كان يعرف فإنه لن يتأخر لحظة واحدة عن وضع حلول سريعة لها. وقبل أن يذهب في سبات عميق يسأل زوجته المضروبة عن ميزانية البيت فتجيبه بأنها كانت كافية لعدة أيام فقط, لكنه ينام نوما عميقا, فالرئيس حارس على الوطن وعلى أمواله, وكما أحسن اختيار وزير المالية المتهم بالسرقة والفساد وترك أموال المصريين بين يديه خمس سنوات, فهو قادر على يأتي بمثله. يعذبني شقائي بالعقل في القراءة والمشاهدة والاستماع والمتابعة, وأشعر بحنين جارف للحظات غباء وبلادة وجبن تخرجني من الجحيم, وأتمنى أن أصفق للرئيس, وأكتب عن عبقريته, وأحلل حكمته النبوية في اختيار رجاله واحدا .. واحدا, وأقول, كما قالت تلك السيدة لي, بأن المواطن المصري يدخل قسم الشرطة كأنه سيد في بيته, وأفتح فمي ببلاهة في متابعة مسلسل أو برنامج " لحظات صدق" أو " أحلام العصافير" أو " نجم على الهوا" أو " صباح الخير يا مصر". لماذا تخلت العناية الالهية عن الانسان المصري لعشرين عاما, وتركته ينتشي صمتا وخوفا وهلعا بالسلطة والرئيس, ولا يشاهد الأمية والفقر والمرض والمجاعة وسكان المقابر والبطالة والنهب والاستبداء والطغيان ووراثة العرش عنوة, وحتى إذا شاهد كل ذلك منح فورا صك براءة للقاتل في مقابل أن لايؤذيه أو يؤذي أسرته أو أولاده أو عائلته؟ كان قراري الاعتراف بهزيمتنا المٌرّة أمام الرئيس أكثر من أي ثقل حملته نفسي من قبل, فقد كنت أظن أن الكلمة نور من عند الله, وأنها تخرق الأرض والجبال والوديان, وتخيف الطغاة, وتفزع المستبدين, وتوقظ النائمين, وتحيي الموتى بإذن الله, وتشفى المرضى, وتحمل معها نسائم الحرية والعدل والكرامة والشجاعة. لكن المصريين, يتقدمهم العلماء والأكاديميون والعباقرة والأذكياء والمؤمنون والمثقفون والحكماء والصحفيون والاعلاميون يعتبرون الكلمة رجما من الشيطان وليس رجما له, وهم لا يريدون دفع ثمن للتغيير, وينتظرون العناية الالهية تنزل إليهم جنودا لا يروها, تحارب من أجلهم, وتقضي على الفساد, وتستبدل الحكومة, وتدعو إلى انتخابات نزيهة يتنافس فيها المصريون على قدم المساواة, وتفرج عن المظلومين والأبرياء, وتكشف فضائح نهب مصر. إنني على استعداد لدفع الثمن من أجل مصر شريطة أن يقتسمه معي الكثيرون , فهل هناك معارضة حقيقية لنظام حكم مبارك؟ ثقتي وخبراتي ومتابعاتي منذ توليه الحكم تجعلني على يقين من أنها, إن وجدت, فهي أوهن من بيت العنكبوت, وأن حالة القبول بالأمر الواقع ناجمة عن مزيج آثم من التفاؤل واليأس تسري في النفس المصرية, فقد تمت احالة كل أوراق القضية إلى القضاء والقدر في تواكل بطيء يجعل الزمن سيد الموقف, حتى لو أرتكبنا جريمة في حق أجيال قادمة ستلعن صمتنا وجبننا ومهانتنا. نشرت صحيفة ( الأهالي) خبرا تنجيميا يساهم في تخدير الوعي على الرغم من أن حزب التجمع هو الذي أصدر عام واحد وثمانين كتابا بعنوان ( لا لمبارك ). يقول الخبر بأنه قد صدر قرار تغيير الحكومة فعلا, والرئيس في انتظار الخريف! تخدير وتزييف ومساهمة لبقاء الوضع على ما هو عليه, فالرئيس حسني مبارك الذي اعتدنا منه عبقرية في سوء اختيار وزرائه, واصرارا على الاحتفاظ بالفاسدين, وازاحة العباقرة والعلماء والأذكياء والشرفاء والمخلصين, لن يستيقظ فجأة في فراشه الوثير بقصر عابدين ويكتشف أن مصر تستطيع أن تمده بكل ما تحتاج إليه السلطة والقيادة من رجال في كل المجالات. نعم نعترف بهزيمتنا الساحقة أمام الرئيس, ونحيل إن أراد الكلمة المقدسة التي خلقها الله, عز وجل, لتحمل روح الانسان إلى ساحة الاعدام, فهي لم تعد مجدية أو مفيدة أو محررة للقيود أو محرضة ضد الاستبداد أو صانعة للحضارة. يقول المصري بأنه يخاف على أسرته وأولاده من بطش السلطة لو علمت أنه يعارض الرئيس في يقظته أو منامه, وأنه يُحَمّل سيادته المسؤولية عن الأخطاء والجرائم والفساد والنهب والسلبيات والمجاعة والأمية والبطالة والغلاء الذي أصاب الوطن في مقتل, لذا فإن الاستكانة والصمت والدعاء الخفي إلى الله أن يرحمنا أقصر وأسلم الطرق لحياة هادئة ناعمة ومسالمة. وهذا ليس صحيحا بالمرة, فمن يخاف على أسرته وأولاده وأحفاده هو الذي يقف في وجه الاستبداد, ويمنع اغتيال مصر, ويشير باصبعه إلى المسؤول الأول والوحيد عما يحدث في مصر الآن. مع ختام هذا المقال نتوقف تماما عن عبث الكتابة, ليس لأنها لن تغير شيئا في الحكم المطلق المستبد والطغياني, ولكن لأن قلمي اختار ساحة معركة يتوجس منها المصريون خيفة, وهم يفضلون المعارك الجانبية ضد طواحين الهواء الممثلة بالأصفار والمتجسدة في كل رجال الدولة ونسائها باستثناء الرئيس وابنه الرئيس القادم وأسرته الكريمة. في الدفاع عن عالم الجبن والخوف من السلطة تمكن الرئيس من صناعة أشباح وهمية من الانس في صورة المخابرات ومباحث أمن الدولة التي لا ترحم وتستطيع أن تحصي على المواطن أنفاسه المتقطعة ولو كان في بروج مشيدة. وهذا ليس صحيحا بالمرة, بل هي جريمة ضد أجهزة أمن الدولة التي تتولى حماية الوطن والمصريين وخيراتهم وثرواتهم ومستقبل أبنائهم. ورجال المخابرات ومباحث أمن الدولة ليسوا شياطين كما تحاول أجهزة الرئيس تقديمهم للمواطن المسكين, فهم رجال من الشعب, وأكثرهم يبكون في صمت على أحوال أم الدنيا, وهم قوة أمام المواطن, لكن الرئيس يملك السطوة المطلقة, وبين الحين والآخر يرسل المخلصين منهم والكبار واللواءات ومن يشتم منه رائحة عدم رضاء على الفساد والنهب والظلم والقهر إلى التقاعد المبكر في سن الخمسين أو قبله أو بعده بقليل, فالسيد الرئيس يرفض أن يكبر أحد أمامه. والرئيس حسني مبارك يعرف تماما أن ملفات رجاله وأسرته وأقاربه ووزرائه المحنطين ومعارفهم محفوظة في صدور الرجال الشرفاء من أجهزة المخابرات ومباحث أمن الدولة, وهو يرفض تماما فكرة عرض ملف أمني ومالي وأسري ووظيفي لأي من رجاله, ولو كانت لديه ذرة واحدة من الاخلاص وحب مصر وشعبها لطلب من مباحث أمن الدولة ملفات كاملة ومفصلة عن الوزراء والمحافظين ومديري البنوك وأقارب رجاله وولديه وماسبيرو ورجال يوسف والي وعالم كمال الشاذلي وخفايا تاريخ النواب والفساد في وزارات الاعلام والسياحة والتموين والمالية وغيرها. من مصلحة الرئيس ترويج الصورة البشعة والمفزعة بين المواطنين عن مباحث أمن الدولة وعمليات الاعتقال العشوائي وتفتيش البيوت والتهديد بايذاء الزوجة والأبناء وغيرها لأن الخوف يستتبعه صمت يخيم على الوطن كله, وحتى لو امتنع المواطنون عن الذهاب بأنفسهم للابلاغ عن موقف مشبوه أو سفارة أو شخص غريب أو تصرفات محيرة أو مكتب تجاري تختفي خلفه عمليات تمس أمن الوطن, فالمهم أن الخوف ينبغي أن يسري في أجساد وقلوب المصريين حتى تظل السلطة المطلقة الطاغية كلها بيد شخص واحد. هذه الصورة كما قلنا مزيفة وهي تزوير في أوراق دولة وتشهير وقذف بحق رجال صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه, ونحن لا ننكر أن منهم قلة صغيرة تستمد من الطغيان تجاوزات في حق المواطن, وتهين, وتنزل الرعب في قلوب المواطن المسكين والضعفاء. إننا نهيب بكل مصري أن يرفض تلك الصورة المزيفة وغير الواقعية عن المخابرات ومباحث أمن الدولة فهم أبناء الشعب وليسوا خصومه. هزيمتنا أمام الرئيس ليست هزيمة فرد, لكنها هزيمة كل مصري تابع مقالاتنا, وقرأ كلماتنا, وابتسم أو أدار ظهره, أو التزم الصمت, أو لجأ إلى لذة الخوف. ألم يقل الشاعر محمد ابراهيم أبو سنة في قصيدته ( غزاة مدينتنا ): حين خلقنا من أنفسنا آلهة وعبدنا آلهة شوهاء حين جلسنا نصخب في أعراس الجن حين أجبنا الغرقى بالضحكات حين أجاب الواحد منا مادمت بخير فليغرق هذا العالمَ طوفان كنا نحن الأعداء كنا نحن غزاة مدينتنا هزيمة قلمي أمام الرئيس هي هزيمة كل من قرأ مقالاتي عن مصر الحبيبة ورأى أنها ليست معركته التي اختارها, وأن الرئيس لم يكن في يوم من الأيام خصما له. وهزيمة قلمي لن اتحملها بمفردي, فسيدفع ثمنها الساكتون والخائفون والجبناء وفي مقدمتهم الذين حاولوا قتلنا بالصمت, وقال كل منهم لنفسه: مادمت بخير فليغرق هذا العالمَ طوفان. فليشرب الرئيس نخب انتصاره على قلم كان حادا وقاسيا ومباشرا وصريحا يقول كما قال الطفل الذي شاهد الامبراطور وقال بأن يسير عاريا. والفارق بيننا وبين الطفل هو أنه لا يصدقنا أحد, ونخبة الأمة وصفوتها ومثقفوها واعلاميوها وجنرالات جيشها البطل وأكاديميوها ورجال العدل فيها وصانعو الكلمة ومحترفو الكتابة وأنبياء القلم, يتقدمون صفا طويلا من الملايين لتقديم فروض الطاعة والولاء. إنهم يأكلون ويشربون ويتمتعون ويحلمون ولا تطاردهم كوابيس وينتظرون تغييرا لن يحدث أبدا ويأملون أن يسرع الرئيس في فرض ابنه عليهم زعيما جديدا لعله يحمل التغيير, ويمسح من ذاكرة الشعب سلبيات وفساد وجرائم ونهب حدثت في عهد والده, فيضمن بذلك عدم محاكمة الرئس في الثلاثين عاما القادمة. تهنئتنا للرئيس حسني مبارك بانتصاره علينا, وكسر قلمنا, فقد صنع جمهورية الخوف التي لا تستطيع قوة في الأرض أن تغيرها, فهو صاحب السلطة المطلقة والدائمة وهو لا يتميز عن الله عز وجل, فالله لا يٌسْئل عما يفعل وهم يُسئلون . وهنيئا للفساد والنهب والسرقة والأمية والأمراض المتفشية والوبائية وحيتان السرقة وسكان المقابر وساديي التعذيب في أقسام الشرطة وقانون الطواريء والعفن الاداري ومليارات من ديون مصر التي ستجعل أحفادنا يزحفون على بطونهم للتسول. نعم, سيدي الرئيس, بعد كل ما كتبت لكشف عدم صلاحيتك لحكم حبنا الكبير .. مصر الطاهرة, لم يستجب أحد لي طوال تسعة عشر عاما, لذا أعلن هزيمتي أمام جبروتك وطغيانك وقوتك, واشهر انتصار الخوف والجبن والبلاهة والحماقة ولذة القهر والعبودية والاستكانة والاستسلام والغفوة والغفلة, ومن حقك أن تفعل بنا ما تشاء فنحن عبيدك, وأنت سيدنا المطاع
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج
http://www.tearalshmal1984.com
[email protected]
[email protected]
Fax: 0047+ 22492563
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟