فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 11:03
المحور:
الادب والفن
فوق مقاعد الانتظار من أنفاق المترو الباريسي ...رأيتهما يقتعدان أحد الكراسي ...كانا الى الشيخوخة أقرب منهما للشباب ، والكهولة ...تجلس فوق ساقيه العجوزين النحيلتين ...كطفلة، تلف عنقه بذراعيها، ويرمقها بعينين زائغتين ، وكأنه يخشى أن تضيع منه ...يحيط بخصرها ويشدها اليه ..مخافة الافلات ...تمطره بقبلاتها، فيحنو ويزيد ...لايعبأآ بالناس أو بالكون من حولهما ...كان المشهد بالنسبة لي غريبا ومثيرا ــ ليس مشهد الحب بحد ذاته ، فمنه الكثير في كل مكان ..من الشوارع حتى الحدائق والساحات العامة ، والحافلات والطرقات ...انما لاعبي المشهد ...هم موطن الغرابة ...وفعلا أثار منظرهما معظم المارة، وتوقفت الكثير من العيون ، عندهما ـ على غير العادة ـ بل تجرأ بعض الشباب وصفق لهما اعجابا وقال _ برافو ليه فيو ( وتعني بالفرنسية ...أحسنتماأيها العجوزين وأمطروهما بضحكات وصفقات ... وقفت غير بعيد عنهما ، وكنت أسترق النظرات كالمشدوهة والمأخوذة ...سرح رأسي بعيدا مع قصة سمعتها قبل يومين فقط عبر الهاتف ، وصلتني من سوريا حديثة العهد جدا ، فقد أعادت صديقتي على مسامعي رواية تدور حول أحد جيرانها ...وكيف قام برفع الحائط الفاصل بين حديقته وحديقة جاره ...مايعادل مترين ...فقط لأنه أمسك بابنه وابنة الجيران ...متلبسان بتبادل الابتسامات !!...وكي يحمي الشرف الرفيع من الأذى !..قام بفعلته ...راحت رأسي تدور حين خطرت لي قصة الشابين من وطني ...وأصابني نوع من الحسد والغيرة ..لا لكوني أفتقر للحب فقط ...بل كون الصبايا في بلدي يفتقرن الى الاعلان عن حبهن ، ويحرم عليهن حتى سرقة الابتسامة ، والكلمة، والقبلة ...فاتني القطار ، والصراع بين القصتين أخذ مني مأخذا ، وتساءلت : متى نتوقف عن وضع التابو على أجمل المشاعر وأكثرها عذوبة ؟؟ متى نتوقف عن اعتبار الحب جريمة ؟ومسيئا للآداب العامة ...عجبا!! ، وكأن بلادنا هي مصادر الأدب والأخلاق والاحترام! ...وهل مشهد كهذا يؤذي المشاعر؟..لماذا يعتبر الحب عندنا من الممنوعات ؟؟ متى نتوقف عن اعتبار كل ماهو بالمخفي حلال ...ونعمل في السر ما يندى له الجبين ...ويضطر معه الانسان العربي ـ في بلدي خاصة ـ أن يعيش بانفصام اجتماعي دائم؟
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟